يصف تقرير التنمية الانسانية لعام 2003 الظروف في العراق حيث يؤكد:((ان في العراق اليوم نجد ان ظروف الاحتلال والعنف والصراع المسلح وماترتب عليهما من دمار لم يقتصر على البنى المادية، ولكن طال البنى المؤسسية للخدمات والامن وادى ذلك الى فوضى عارمة وافتقاد جموع العراقيين للامن والامان .وذلك مايضع المجتمع العراقي امام تحد من نوع جد يد لايمكن مجابهته الابتمكين الشعب العراقي من حقوقه الاساسية وفق الشرعية الدولية، بالتحرر من الاحتلال واستفادة ثرواته ،اضافة الى اقامة حكم صالح يمثل جموع العراقيين تمثيلاً سليماً يسهر على اعادة بناء العراق من منظور التنمية الانسانية ))( ). ان تلك الظروف والتحديات اسهمت في تبديد امكانات الشخصية العراقية واحدثت تصدعات عنيفا في بنائها وفي توازنها وفي وظيفتها، ونزيفاً لايحتمل في طاقاتها وفي قوتها
لقد بات من المسلم به اليوم، ان الثروة الحقيقية لاية امة هي اناسها وان الغاية من التنمية هو تهيئة بيئة تمكن الناس من التمتع بحياة صحية وطويلة خلاقة. فالطفولة مرحلة من مراحل النمو، وهي مفتاح مفصلي يؤثر على المراحل اللاحقة في جوانب عديدة ابرزها مجالات التنمية الاقتصادية وبرامج الفقر، وبشكل اكثر تحديدا المجالات المعرفية والصحية، والتغذوية، والحماية الاجتماعية.
يمكن القول ان هناك ثلاث عوامل تعزز هذا المجال:-
1- الطفولة تشكل نحو نصف سكان البلدان النامية كما انها تشكل اكثر فقرائها.
2- الطفولة تشكل نقطة الارتكاز الاساسية في عمليات الاستثمار في رأسمال البشري ،وهي الوسيلة الرئيسة التي يمكن من خلالها التخفيف من الفقر عبر الاقاليم .
3- الاطفال لاتظهر لهم اصواتا في الستراتيجيات الحالية للتنمية ،تاركين اياهم عرضة للنشاط الاقتصادية والسياسية الممزقة تلك العوامل ربما تسهم في زيادة الاهتمام لدى صناع القرار وعموم الناس لمعالجة المشكلات والتحديات المستقبلية . الطفولة والشباب يمثلون فرصة كبيرة وقنبلة زمنية كامنة في الستراتيجيات التنموية الحالية. ان الضرورات الاساسية لبناء المجتمع تقتضي وجود منهج متماسك ورصين للعمل في ميدان الطفولة سيما وان المجتمع العراقي واجه ظروفاً استثنائية ،الحروب والنزاعات والعنف لعقود من الزمن ادت الى تدهور احوال معيشية العراقين والى افقارهم .وقد نتج عنها خسائر خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا . وقد شكل التضخم الحلزوني المنفلت منذ مطلع التسعينات ابرز آليات الإفقار التي ادت الى تدهور، مداخل العراقيين فضلا عن التهجير القسري الذي يعد من اخطر نتائج النزاعات الى جانب السياسات غير المدروسة التي انعكست اثارها على البنى المجتمعية ووظائفها.
وفي العراق شهد النظام التعليمي تدهورا هائلا خلال السنوات الاخيرة، وقد تفاقم ذلك التدهور نتيجة لما تعرضت له المدارس من اضرار جسيمة خلال الحرب الاخيرة قدرت بحوالي(36%) .
ومثل جميع الاشياء الاخرى حدث اضطراب كبير في مجال التعليم. فالدمار الذي سببته الحرب اوماتبع ذلك من نهب وسلب وحرق دمر النظام التعليمي الذي كان متداعياً اصلاً وادى الانعدام المتواصل للامن – التفجيرات اليومية ،وعمليات الخطف والسرقة الى احداث فوضى في نسب الانتظام في المدارس وابقائها متدنيا نسبيا وخاصة بالنسبة للفتيات .فضلا عن ان نهب المدارس لم يترك للطلاب والمعلمين الا مواد قليلة ،للتدريس والتعلم ،كما ان لهيب الحرارة الشديدة وتوافر الكهرباء لمدة لاتزيد عن ساعتين كل اليوم في معظم المناطق ،جعلا الدراسة في البيت وغرف الصف امرا صعباً.
وتقل نسبة الاطفال الملتحقين في المدارس الابتدائية في المناطق الريفية عن الحضرية وخاصة للاناث ،ففي المناطق الريفية تلتحق(60%) من الفتيات فقط في الدراسة ،مقابل 81% في المناطق الحضرية ،ويعتمد التحاق الفتيات في المدارس الريفية بشكل كبير على سهولة الوصول الى المدرسة بينما لايظهر هذا المتغير واضحا في المناطق الحضرية حيث تلتحق الفتيات بمدارسهن بغض النظر عن بعدها.
وقد ساهمت عوامل عديدة في الحيلولة دون حصول تعليم الفتيات على مايستحق من اهتمام . ومما لاشك فيه ان المعتقدات المحلية والممارسات الثقافية والمواقف تجاه ادوار الجنسين ،مثل ما اذا كان تعليم الفتيات يحسن او يقلل من فرص زواجهن ،يمكن ان تعرقل التحاق الفتيات بالمدارس( ) .
ومهما يكن من امر فان الخوف المستمر من المجهول والعنف والفقر والحرمان والحرارة الشديدة الكاتمة للانفاس قد جعلت بعض اطفال العراق ووالديهم لايتحمسون في ارسال ابنائهم الى عن التعليم .لقد غدا الذهاب الى المدرسة مجازفة يومية محسوبة تضع الكثير من العوائل والاطفال عند حافات الخطر،هذه المخاطرة ياملون ان تجلب معها مستقبل افضل لهم ولبلدهم.
ومما لاشك فيه ان المجتمع العراقي قد مر بظروف وازمات عصيبة القت بظلالها على جميع البنى المؤسسية والشرائح الاجتماعية مما خلق تراجعا واضحا على المستوى المحلي والاقليمي والدولي .
ففي عام 1990 احتل العراق المرتبة 50 على مؤشر التنمية البشرية التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي ،وبعد عشرة سنوات اصبح ترتيبه(126)( )وبذلك فان اطفال العراق اليوم قد عاشوا معظم حياتهم تحت وطاة اكثرية العقوبات الاقتصادية والحرب وقد برزت اخطر تلك المؤشرات في اوضاعهم الصحية ووضعهم الغذائي خلال سنوات نموهم وتكونهم.
لاريب ان افدح الخسائر التي تعرض لها المجتمع العراقي كانت ما اصاب البشر من قتل وجرح وتشريد فقد ادى استخدام طرائق حرب لاتميز بين الاهداف المدنية والعسكرية ومنها القنابل العنقودية،الى قتل وتشويه وفقد اعضاء لعدد كبير من العراقيين وكثر ة منهم من الاطفال الذين سترافقهم اثار هذه الاعاقات والتشوهات مدى حياتهم ومازالت شظايا هذه القنابل الموغلة في عدم ذكائها تغطي مساحات واسعة وستبقى اجزاؤها التي لم تنفجر تهدد المدنين العراقيين وبخاصة الاطفال منهم ….
وليست المخاطر الصحية لذخائر اليورانيوم المنضب التي تلوث شظاياها البيئة العراقية وارض العراق وموارد مياهه اقل اعاقة لصحة العراقيين ولمستقبل التنمية الانسانية في العراق( ) .
وخلال العقد الاخير تفاقمت بين الاطفال عدة اشكال من السرطانات نتيجة التلوث البيئي الناجم عن استخدام اليورانيوم المنضب والتلوث الجرثومي في مياة الشرب فضلاً عن نقص التغذية ،ونقص الادوية واللقاحات كما انتشرت حالات التقزم والتشوهات الخلقية وادى تدهور نظام الصرف الصحي الى انتشار العديد من الامراض المعدية مثل التيفوئيد والتهاب الكبد الفايروسي و يعد الاسهال قاتل رئيسي للاطفال . وأن مؤشرات سوء التغذية العام كانت(الوزن المنخفض نسبة الى العمر)للمجموعة العمرية دون سن الخامسة تعكس الاوضاع التنموية والصحية لبقاء الاجيال . لقد تعرض الاطفال في العراق الىمخاطر جسيمة وخصوصا كضحايا للاعمال الارهابية التي ادت الى استشهاد مئات منهم الى جانب ان العمليات العسكرية ادت الى اصابتهم باعراض نفسية وجسدية مختلفة كما ان وجود الالغام باعداد هائلة والتلوث البيئي
وعدم توفر انواع معينة من الادوية كل ذلك ضاعف من معدل وفيات الاطفال فضلا عن الاطفال المهمشون(المشردين الايتام ،المعوقين وغيرهم) عموما يعانون من معدلات وفيات عالية قياسا بنظرائهم من الفئات الاخرى لانهم يتعرضون للامراض ،والحوادث والاهمال والهجر وحتى قتل الوليد(infanticide ). عكس الوضع الصحي خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية تدهور خطيرا اصاب صحة المواطنين ومستوى الخدمات الصحية
ان التراجع الكبير قد حدث بعد عام 1990 ففي الوقت الذي كانت تتحسن فيه صحة الاطفال في اغلب اقطار العالم كانت معدلات الوفيات بين الاطفال والامهات في العراق اخذة بالارتفاع حيث تجاوزت الضعف وانخفض معدل العمري المامول (life expectancy at birth ) للفرد من الجنسين الى اقل من(60) سنة منذ عام 2000 تقريبا. وتصنف منظمة الصحة العالمية العراق حاليا ضمن الدول التي تتميز بارتفاع معدلات الوفيات بين البالغين والاطفال شانه في ذلك شان الدول الاكثر فقراً في اقليم شرق المتوسط مثل افغانستان وجيبوتي والسودان واليمن.ولعل العوامل التي اسهمت في هذا التراجع هي:-
1- ارتفاع نسبة الفقر بشكل حاد اذ تصنف 11% من الاسر(أي نحو 2.7 مليون شخص)بانها تعاني الفقر الشديد وانعدام الامن الغذائي بانتظام في حين تعتمد(25%)من الاسر اعتماداًًًً كليا على الحصة التموينية استنادا الى مسح اجراه برنامج الغذاء العالمي عام 2003 .
2- سوء خدمات الصرف الصحية وعدم كفاية المياه الصالحة للشرب اذ تبلغ نسبة السكان القادرين على الحصول على الماء الصالح للشرب اقل من(40%)في بعض المناطق كما وانه لاتتوفر فرص خدمات صرف صحي مناسبة لثلثي عدد الاسر.
3- سوء التغذية اذ كان طفل واحد من بين خمسة اطفال يزن دون المعدل الطبيعي سنه2000 وطفل واحد بين كل ثلاثة اطفال كان مصابا بسوء التغذية المزمن.
4- انخفاض نسبة الالتحاق بالمدارس يصاحبه عدم انتظام دوام التلاميذ وتسربهم من مقاعد الدراسة.
5- ارتفاع انماط الحياة غير الصحية وارتفاع اعداد المدخنين والعادات الغذائية غير الصحية وقلة ممارسةالنشاط (البدني والرياضة).
6- ازدياد اعداد ضحايا العنف والمرور.
7- تدهور البرامج الصحية الوقائية.
8- تراجع خطير في الخدمات المقدمة ،للمواطنين كماً ونوعاً