|
رئيس قوي لحكومة هزيلة! ساهر عريبي تعتبر مسألة تولي حكومة قوية لمقاليد الحكم في أي بلد من المسلمات التي لا يختلف عليها إثنان , بل أنها من الضرورات التي لابد منها لأدارة أمور البلدان . إلا أنه لايقصد بالحكومة القوية, الحكومة التي تلجأ إلى وسائل القوة العسكرية وأساليب القمع لفرض سيطرتها على المجتمع وإدارة شؤون الوطن. فمثل هذه الحكومة تعتبر حكومة ضعيفة لأنها تحمل بذور فنائها في داخلها بسبب سياساتها القمعية. فلكي تتصف الحكومة بالقوة لابد لها من إكتساب الشرعية وهذا الأمر لن يتحقق بلا دعم وتفويض شعبي من غالبية المواطنين. فالشرعية هي العامل الأساسي الذي يعطي قوة للحكومة لاتضاهيها أي قوة أخرى. إلا انه لايمكن وصف أي حكومة بأنها قوية لمجرد كونها شرعية بل لابد من توفر جملة من المواصفات والشروط لكي توصف بأنها قوية . وأول هذه المواصفات هو معرفة أعضاء الحكومة لفن إدارة الدولة ومعرفة القرار والقدرة على إتخاذ القرار ومن ثم القدرة على تنفيذه. فالحكومة التي يجهل أعضائها فن إدارة الدولة أو يحاولون إدارتها بطرق كلاسيكية أثبتت فشلها في أدارة الأحزاب والجمعيات الثقافية لن تكون حكومة قوية لأنها لن تمتلك برنامجا واضح المعالم تسير على نهجه. ولعل في وجود رئيس قوي يقف على رأس الهرم الحكومي هو عامل مهم يزيد من قوة الحكومة والعكس صحيح. وعند إلقاء نظرة سريعة على الحكومة الحالية وشخص رئيسها فأن المرء سيخرج بنتيجة مفادها ان هذه الحكومة هزيلة ولكن برئيس قوي. فالسيد نوري المالكي يمتلك من أسباب القوة ما لايمتلكها إلا نزر يسير من الساسة العراقيين في هذا الزمن الرديء. فالرجل معروف بعصاميته وبوطنيته وبنضاله المرير ضد النظام الصدامي ولايختلف إثنان على نزاهته و على صراحته ومواقفه الشفافة والواضحة ولاتأخذه في قول كلمة الحق لومة لائم. إلا أن هذا الرجل العصامي إبتلي بجملة من المعادلات السياسية والتأريخية الظالمة التي أجبرته على تشكيل حكومة أقل ماتوصف بأنها هزيلة ! وأول هذه المعادلات هي معادلة المحاصصة الطائفية والقومية التي إقل ما يمكن أن توصف به أنها شر لابد منه في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من تأريخ العراق. فهذه المعادلة فرضت على المالكي أن يضم في صفوف حكومته أشخاص لايمتلكون أبسط المؤهلات اللازمة لأدارة الدولة. وحتى أن بعضهم لايحمل الشهادات الدراسية ولا المؤهلات الشخصية التي تؤهلهم للتصدي لأدارة هذه الوزارة او تلك , ومؤهلهم الوحيد هو إنتمائهم لهذه الطائفة أو تلك. والأنكى من كل ذلك هي المحاصصة الحزبية الضيقة , التي إبتليت بها كل الكتل الفائزة في الأنتخابات , فلابد لكل حزب من أخذ حصته من كيكة الحكم بغض النظر عن إمتلاكه للكوادر اللازمة لأدارة الوزارة وبغض النظر عن تشابه برامج هذه الأحزاب ووحدة خطابها الأيديولوجي, فالمهم هو توزيع المغانم الحكومية وأما الوزارة فلها رب يحميها !!. ولذا فقد تولى أمور العديد من الوزارات أناس لايمتلكون أي برنامج سواء قصير أو طويل الأمد بل ولم يعرض أغلبهم أي برنامج وزاري على مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه ووضع جدول زمني لتنفيذه, وإن كان البرنامج المشترك لأغلبهم هو تحقيق المصلحة الفئوية والشخصية على حد تعبير أحد كبار الساسة العراقيين. لقد أدى ذلك إلى ولادة حكومة متناحرة فيما بينها وجامعة للتناقضات ويتربص بعضها بالبعض الأخر بل يسعى بعض أركانها إلى إفشالها بكل ما أوتي من مكر وخبث , بل إنها تسبح عكس تيار رئيسها الذي يسعى وبكل ما أوتي من قوة إلى قيادها إلا أنها (كالفرس الجموح إن أشنق لها خرم , وإن أسلس لها تقحم). وأما الوزارات العراقية فلقد إبتليت هي الأخرى بوكلاء ومستشارين لا هم لهم سوى الظهور في وسائل الأعلام واللهاط وراء الأيفادات التي بلغت أرقاما قياسية يتنافسون لتحطيمها ! فعلى سبيل المثال لا الحصر سافر أحد وكلاء الوزارات أكثر من عشر مرات إلى خارج البلد في فترة قياسية كلفت الميزانية العراقية عشرات الألاف من الدولارات وبلا فائدة للعراق لا على صعيد إعماره ولا إسكان أبنائه ولايزال يقاتل قتال الأبطال في سبيل إيفاد ولوإلى جمهورية بنين الديمقراطية الشعبية !! هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يقود السيد المالكي سفينة الحكم في العراق في هذا البحر المتلاطم من الأمواج الذي تمور به منطقة الشرق الأوسط والتي لم تهدأ يوما في تأريخها. وهذا الواقع يلقي على كاهل السيد المالكي هموما لاينوء بحملها إلا من قويت شكيمته وحسنت سريرته ونفذت بصيرته وهو مايتصف به المالكي. ورغم نجاح السيد المالكي في إعطاء جرعات من القوة لهذه الحكومة سواء عبر طرحه لمبادرة المصالحة الوطنية أو من خلال تسريعه لتصويب قانون الأستثمار إلا أن هذا لايكفي لأضفاء قوة على حكومة ولدت ضعيفة وهي قادرة على إمتصاص قوة رئيسها وإضعافه. فلابد من إجراءات سريعة وعاجلة ينبغي إتخاذها قبل فوات الأوان, وأولها إجراء تعديل وزاري شامل يطيح بكل من جاءت به الأقدار وجعلته وزيرا, وإنتخاب وزراء جدد ملزمون بتقديم برنامج وزاري يعرض على مجلس النواب لمناقشته وتقييمه وإلزام صاحبه بسقف زمني لتطبيقه وإلا فعليه ترك المكان لغيره. ومن ثم لابد من التعجيل والأسراع بتعيين وكلاء الوزارات والمستشارين من الشخصيات الأكاديمية الكفوءة . وأخيرا لابد من إتباع سياسة حكيمة ودقيقة في التعامل مع اللاعبين الكبار على الساحة وخاصة الراعي الأكبر للعملية السياسية في العراق , فهل سينجح السيد المالكي في النهوض بحكومته لكي تصل إلى مستوى قوته أم إنها ستنزل به إلى مستوى ضعفها ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |