لندن: عملية ارهابية ام العاب استخباراتية؟

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

اسلوب التعاطي مع ما زعم انه مخطط ارهابي لتفجير طائرات مدنية إثناء تحليقها فوق المحيط الاطلسي متجهة من بريطانيا الى الولايات المتحدة يرفع الكثير من علامات الاستفهام وإشارات التعجب. فإذا كانت السلطات الامن البريطانية قد نجحت في إعتقال الخلية المزعومة وتفكيكها فلماذا تم الاعلان عنها بهذا الصخب والضجيج الاعلامي والذي ازعج وارهق عشرات الالآف من المسافرين وأعنتهم؟ وما هي الحكمة من رفع حالات الطوارئ في كل من بريطانيا وامريكا الى درجة غير مسبوقة بعد ان أُجهض التخطيط للعملية المزعومة؟ كما ان توقيت الاعلان عن اكتشاف العملية "الارهابية" غير المسبوقة والذي تزامن مع انحسار كبير في التأييد الشعبي في كلا البلدين المستهدفين, للحرب غير الاخلاقية في العراق واستفراد حكومتي البلدين عالميا مع الحكومة الكندية في التأييد والدعم التام للعمليات المنتهكة للقوانين الدولية والاخلاقية للجيش الاسرائيلي في لبنان, هذا التزامن يجعل من الصعب على المتابع ان يستقبل ما يتم الاعلان عنه كأمر مسلم به مع الآخذ بالاعتبار الاكاذيب وتزييف الحقائق المكثف والذي سبق عملية احتلال العراق وتدميره.

من الواجب التذكير بعملية اقتحام منزل في العاصمة البريطانية في مطلع شهر حزيران الماضي واطلاق النار على شاب بريطاني مسلم من اصول باكستانية واعتقاله مع شقيقه تحت بنود قانون مكافحة الارهاب بزعم ورود معلومات ذات مصداقية للشرطة عن وجود مواد كيماوية ومخطط ارهابي كبير. بعد عدة ايام من التفتيش والتنقيب في البيت لم تستطع الشرطة ان تجد أي امر او أثر له علاقة بما تم الاعلان عنه في بداية العملية الامنية ومن بعد تم اطلاق سراح الشابين واعتذرت الشرطة البريطانية منهما.

في تورنتوا وبعد اربعة اشهر تقريبا من وصول المحافظين للحكم والذين تتطابق سياساتهم بشكل شبه كامل مع سياسة بوش تم الاعلان وبصخب إعلامي كبير عن اكتشاف خلية ارهابية من سبعة عشر فتى ورجل كانت تستهدف وعبر طنين او اكثر من الامونيا القيام بعمليات جنونية ترمي الى السيطرة على البرلمان الكندي وتفجير برج السلام فيه وأخذ السياسيين رهائن وذبح رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر. الكشف عن الخلية الارهابية تصادف مع زيارة الصحفي البريطاني روبرت فيسك لكندا والذي كتب تقريرا اخباريا لصحيفة الاندبندنت البريطانية تحت عنوان "كيف غزت العنصرية كندا" تحدث فيه عن التغطية الاعلامية المنحازة والتي استبقت القضاء في اصدار احكام الادانة على الموقوفين وكيف تم ابراز صور بعض قريبات المتهمين المنقبات على صدر الصفحات الاولى في بعض الصحف الكندية, كما نبه فيسك على ان هناك طرحا متزايدا حول نوعين من الكنديين: كنديين بالولادة وآخرين بالتجنس.

بكل الاحوال الكشف عن الخلية "الارهابية" اصاب مسلمي كندا بالذعر والرعب, وقد تزامن مع مرافعة قضائية امام المحكمة الكندية العليا ضد قانون الادلة السرية لمكافحة الارهاب والذي رزح من جرائه خمس من المسلمين في السجون الكندية لسنوات عديدة دون محاكمة او إعلام بالقضايا المتهمين فيها. بعدها كشفت الصحيفة الكندية غلوبال اند ميل عن ان اصغر المتهمين – 15عاما- ينتمي لعائلة هندوسية مهاجرة منذ ثلاث سنوات من شرق آسية الى كندا, وقد ابدت والدة المتهم استغرابها الشديد وعدم تصديقها بأن ابنها الصغير تحول الى مسلم متشدد قائلة انها تراقب ولديها عن كثب ولا تسمح لهما بالخروج قبل ان تسجل ارقام هواتف زملائهم ومضيفيهم حتى تستطيع التواصل معهم والاتصال بهم بشكل مستمر.

الاعلام الكندي كشف مؤخرا ان العامل الرئيسي في الانجاز الامني الكندي يعود لمخبر زرعته المصالح الامنية في صفوف المتهمين. المتعامل مع الامن منيب الشيخ تقدم متطوعا لوسائل الاعلام معتزا بإنجازاته والتي اعلن انها تصب بمصلحة كندا والمسلمين فيها. المتعاون كان ممن يظهرون تشددا في الالتزام الاسلامي ومن العناصر التي برزت في وسائل الاعلام المحلية الداعية الى تطبيق قوانين الشريعة فيما يخص الاحوال الشخصية للمسلمين وكان يعتبر من النشطاء في صفوف الجالية والمطلعة بعمق نسبي في الشؤون الدينية. في مقابلته مع التلفزيون الكندي تباهى منيب الشيخ بدوره في العملية مصرحا انه اجاب في بداية محاولته اختراق المجموعة حول سؤال لبعضهم عن الجهاد في كندا بقوله انه فرض عين وليس فرض كفاية بهدف موافقتهم ونيل ثقتهم. غير ان بعض العناصر الاسلامية في كندا تخوفت من كون الرجل هو المحرض والمغرر ببقية العناصر خصوصا وانه اعلمهم ومن اكبرهم سنا ومكانة اجتماعية.

بالرغم من ان السواد الاعظم من المسلمين في كندا وبريطانيا خصوصا وبالغرب عموما يرفضون وبشكل قاطع اي عمليات ارهابية تستهدف بلدانهم التي يعيشون فيها, لمخالفة الامر تعاليم الاسلام وروحه ونصوصه ولإن أضرارها فادحة على الدعوة الاسلامية وعلى الوجود الاسلامي في تلك البلاد والذي يحاصر وينحصر في زوايا ضيقة وخانقة تحت حملات اعلامية محمومة وتصنيفات قاسية كوصف الفاشية الاسلامية حسب جورج بوش تعقيبا على الاعلان البريطاني حول العملية الارهابية المزعومة. غير ان هناك مشاعر متزايدة من الارتياب والشكوك تتراكم حول ما يعلن عن الاكتشافات بقوالب اعلامية صاخبة لعمليات ارهابية مفترضة تأتي في توقيتات تخدم الذين يتسيدون المشهد في حربهم المعلنة والمحمومة على الارهاب والتي يبدو ان من اهدافها الجوهرية اعادة الاستعمار الى العالم الاسلامي والعربي مع المزيد من عمليات التفتيت والشرذمة لدوله ودويلاته والتحكم بثرواته ومقدراته وسيادته كما يجري الان في العراق ولبنان تحت مسميات متعددة منها بناء الشرق الاوسط الجديد.

مخاوف بعض المسلمين في الغرب من ان تشكل دعاوى محاربة الارهاب والارهابيون مدخلا لمحاصرة الوجود الاسلامي في الغرب والذي يشتد عوده وتترسخ جذوره ويقترب شئيا فشئيا من ساحات التاثير الانتخابي وبالتالي من دوائر صنع القرار. قرارت مكافحة الارهاب والقوانين السرية وارتفاع الاصوات الغربية حول مقايضة بعض الحقوق المدنية بالامن والامان تشكل حلقات من الرعب والذعر والتي تحاصر المسلمين الغربيين وتخوفهم من القيام بأي نشاط ولو كان سياسيا او اعلاميا قد يفسر بأنه دعم للارهاب او تعاطف معه. كما ان محاربة الارهاب والكشف عن عمليات استعراضية ضخمة بعد التنبوء بها والترويج إليها ممن يسمون بخبراء الارهاب تلجم الاصوات والاقلام الغربية الرصينة المعترضة عن التجاوزات والانتهاكات والتي تنضوي تحت لافتات مكافحة الارهاب وان كان بوسائل غاية في الوحشية والقسوة كما حصل في ابوغريب والمحمودية والحديثة ولبنان وقانا وباغرام وغيرهم.

إن رفضنا القاطع للارهاب ومشاركتنا الحازمة في مكافحته يجب ان تتزامن مع ارتفاع اصواتنا من اجل شفافية ومصداقية ما يعلن عنه من اكتشاف خلايا او مخططات ارهابية مزعومة. كما انه من النفاق المثير للاشمئزاز ان تمارس دول الارهاب الحقيقي الواضح ان كان في لبنان او فلسطين او العراق تحت ذريعة محاربة ارهاب مزعوم مع خلط الاوراق وتشويه المفاهيم بحيث يصبح اي تحرك لمقاومة الهيمنة او الاحتلال او رفض انتقاص الحقوق مصنفا تحت خانة الارهاب الذي يستهدف الابرياء والآمنين. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com