حتى انت ياعزيز الحاج؟!!

يحيى السماوي / استراليا

alsamawy@adam.com.au

ان يصف رئيس حكومة تل أبيب، ووزير دفاعه، ورئيس جهاز الموساد، وبقية رموز الكيان الصهيوني،" حزب الله" اللبناني، بالإرهاب_ فأمر طبيعي طالما عرفنا أن الدولة العبرية قد أعلنت العصيان على قوانين الارض وتعاليم السماء، فهي دولة مارقة سلبت وطنا وشردت شعبا، اتخذت من القوة سبيلا لتحقيق شعارها باقامة دولة اسرائيل الكبرى، الممتدة من النيل الى الفرات، هذا الشعار الذي ما زال يرفرف عاليا في أكثر من عاصمة عربية.

وان يصف جورج دبليو بوش وبقية اتباعه من المحافظين الجدد، حزب الله بالارهاب، فأمر طبيعي ايضا، اذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة ان حزب الله،كان من بين الصخور الصلدة التي قاومت ولا تزال، المخطط الامريكي الاسرائيلي بوضع خارطة " سايكس بيكو" جديدة.

أما أن يوصف حزب الله بالارهاب، من قبل أقلام عربية كانت " يوما" من أشد الرافضين للسياسة العدوانية الاسرائيلية، فهو الأمر غير الطبيعي والمثير للريبة والظنون.

مشكلة بعض السياسيين والمثقفين العرب، انهم سريعو النسيان، وجاحدون لماضيهم، حتى أن المتفحص لمواقفهم الأخيرة،يخالجه الشعور، بامكانية أن يكونوا قد فقدوا صوابهم، أو انهم _ على اقل تقدير_ قد فقدوا البصيرة، رغم تمتعهم بنعمة البصر.. وإلا فما الذي يجعلهم ينظرون الى المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الغاشم، إرهابا؟ وكيف تفسر مواقفهم بادانة الضحية، ووصفها بأبشع النعوت، دون أن يرفعوا اصبع اتهام، او استنكارا خجولا بوجه القاتل؟

وعلى افتراض، ان هؤلاء الذين تخشبت حناجرهم من كثرة الصراخ والهتافات ضد " الاستعمار" و"الامبريالية" قد اكتشفوا خطأ ما كانوا يؤمنون به، فإن هذا الافتراض يقود الى اليقين بوجود خلل في عقولهم، لأن العقل السويّ لا يحتاج عشرات السنين لاكتشاف خطأ المعتقد... فالذي يكتشف الخطأ بعد تفكير لعقود طويلة، لن يكون أقل عبقرية من" صاحب جحا"!

صحيح اننا نعيش عصرا مسخا، بات من المألوف فيه، تساقط الذباب البشري على موائد العسل الامريكي المغشوش...لكن الصحيح ايضا، هو أن من يُغيِّر جلده، وافكاره بالطريقة التي يغير فيها قميصا وسخا او حذاء مثقوبا، عليه احترام الاخرين الذين يحترمون الحقيقة..عليه، عدم توجيه الدعوة للاخرين ليدخلوا المستنقع معه... عليه عدم تشويه الحقائق، حتى لو كانت حقيقته الذاتية مشوهة!

ان المدجَّن، يتمنى لو كل الاخرين مدجنين مثله...يريدهم على غراره: يعرضون خدماتهم للإيجار في سوق النخاسة السياسية، كي لا يكون المنبوذ الوحيد في مجتمعه!

هذه المقدمة والتي لا تخلو من غضب، اردت منها توطئة لمنقاشة هادئة، تعقيبا على مقال السيد عزيز الحاج... فالحاج كان من بين اكثر الاصوات العربية تطرفا في الدعوة الى مقاومة المحتل، وفي التصدي للأنظمة الديكتاتورية، حتى ان المرء يخاله وكأنه " لافتة" تمشي على قدمين، منددة بالامبريالية الامريكية باعتبارها "عدوة الشعوب" ليغدو بعد" اربعين عاما من التفكير" مبشرا بها كمنقذة للشعوب ونصيرة للحق والمضطهدين، فاذا به يرفع اصبع الاتهام بوجه حزب الله وليس بوجه امريكا واداتها الاقليمية اسرائيل! شأنه في ذلك شأن" بعض الكتبة" و" السياسيين العاطلين عن العمل او المطرودين من احزابهم" ممن وقعوا عقود عمل مع البنتاغون بعد اكمالهم دورات تدريبية في واشنطن لمدة ثلاثة أشهر[ والبعض الاخر ستة أشهر] متنعمين بالوجاهة المبتذلة والنعيم المؤقت والمستعار، مع أستثناء القليل ممن دفعتهم نواياهم الوطنية للتخلص من النظام الديكتاتوري، قبل اكتشافهم ان التحرير لم يكن في واقعه غير حصان طروادة لتقسيم العراق وتحويله الى أرخبيل كيانات طائفية، فانسحبوا بشرف دون أن يبخلوا بإدانة المشروع الامريكي الاسرائيلي، والتنديد بجرائم ووحشية المحرر المزعوم.. فهؤلاء اجتهدوا ولهم من الحسنيين احداها.

لا ازعم أن الدكتور عزيز الحاج من بينهم... لكني متيقن من أنه بات ظلا باهتا لهم، لا يليق به وقد بلغ من العمر عتيا..وكان حريا به أن يغفو اغفاءته الأخيرة، بصفحة بيضاء قد تعمل على تجميل الصفحات السوداء الكثيرة التي كتبتها مواقفه وانتهازيته..

فالحاج الذي قاد انشقاقا حادا في الحزب الشيوعي العراقي اواسط الستينيات من القرن الماضي، متخذا من الكفاح المسلح وسيلة وحيدة لاسقاط النظام، هو ذاته الذي أوقع برفاقه، وبعث بهم الى المشانق والمعتقلات، ليخرج من بغداد بحقيبة دبلوماسية، ممثلا للنظام الديكتاتوري في اليونسكو، مع أن النظام لم يغير من طبيعته الديكتاتورية والتعسفية... والحاج الذي خلع قبعة تشي جيفارا وبدلته البروليتارية، ألقى بمسدسه، وحمل بدلامنه الحقيبة الدبلوماسية ممثلا لنظام المقابر الجماعية، ومشيدا به عبر كتاباته التي كان يرسلها من باريس الى صحيفة الثورة ببغداد!

هو الان يصف حزب الله بالارهاب، مع أن حزب الله لم يقم بما قام به الحاج عندما اصدر امره الى تنظيمه بالسطو المسلح على مصرف عراقي في بغداد، راح ضحيته عدد من الموظفين المساكين، للاستحواذ على بضعة الاف من الدنانير والدولارات، مبررا تلك الحماقة تبريرا ميكافيليا بعيدا عن الأنسانية!

هل يعقل ان عزيز الحاج، المحرر السابق في مجلة قضايا السلم والاشتراكية، السكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي" القيادة المركزية" ممثل النظام الديكتاتوري المنبوذ في اليونسكو، لا يعرف ان اسرائيل ما تزال تحتل ارضا لبنانية، وبالتالي فان من حق حزب الله المقاومة؟ وهل يعقل ان الحاج لا يعرف ان اسرائيل تحتجز اكثر من عشرة الاف مواطن لبناني وفلسطيني منذ سنين طويلة دون أن تفكر بالافراج عنهم؟

لنفترض انه لا يعرف ذلك... ولكن هل يعقل انه لم يسمع بالتفاف الشعب اللبناني، بكل طوائفه حول حزب الله؟

لنفترض انه لم يسمع ايضا... ولنفترض ايضا، انه قد بلغ من العمر عتيا، ولهذا العمر آثاره على السمع والبصر... وربما العقل ايضا... فهل يجهل عزيز الحاج، حقيقة قديمة جديدة، وهي ان اسرائيل لا تريد سلاما بقدر ما تريد استسلاما عربيا يفضي الى تحقيق شعارها الذي ما زال يرفرف عاليا في اكثر من عاصمة عربية؟

ثم هل يعقل ان يكون عزيز الحاج، اكثر حرصا على لبنان من الشعب اللبناني، ومن الحكومة اللبنانية؟ فالشعب اللبناني وعلى الرغم مما اصابه من قتل وتشريد ودمار، ما برح يزداد التفافا حول حزب الله، والحكومة اللبنانية ما برحت تدعمه، بل، وتنظر اليه باعتباره المجرفة الجهادية والنضالية التي طهرت جنوب لبنان من رجس الاحتلال... فلماذا يحاول الحاج تشويه الحقائق؟ هل هي رسالة غزل _ غير مباشرة_ يبعث بها الحاج الى تلك الجهات التي تصف حزب الله بالارهاب؟

كتب الحاج في مقاله التضليلي:" ان امام القوة اللبنانية الصغيرة نسبيا يقف حزب الله بمقاتليه المدربين والمسلحين باحدث الاسلحة التي زودتهم بها ولا تزال تزودهم ايران".

فحزب الله اذن يمتلك احدث الاسلحة... هكذا.. احدث الاسلحة، ولا ادري هل بينها طائرات أف 16 وأف 14، والدبابات والمدافع الثقيلة والقنابل الذكية التي دكت وما تزال تدك الاحياء السكنية في بيروت وباقي المدن اللبنانية؟

هل يريد الحاج من وراء سطوره اعلاه، عرض خدماته" غير الجليلة" على البنتاغون؟ أم هي دعوة الى البنتاغون بتوجيه ضربة الى ايران؟

وكتب يقول:" ان لبنان منتهك السيادة من قبل ايران وسوريا.. فهو مهدد من ايران وسوريا، وليس من اسرائيل وامريكا"... وكأن بعزيز الحاج يريد القول، ان سوريا هي التي تحتل مزارع شبعا، وان ايران هي التي تمارس الضغوط والتهديدات على لبنان للقبول بخارطة سايكس بيكو جديدة!

ولبنان _ حسب ما ورد في مقال الحاج_ مهدد بارهاب حزب الله، وليس بالمطامع الاسرائيلية التي لا تخفى حتى على" صاحب جحا"!

هل فقد الرجل بقايا الوقار؟ فقد كتب يقول:" خيرة كتابنا يتعرضون لحملات الابواق الجهلة( هكذا) والدعاة والساسة المسعورين وصرصرة المصرصرين من رعايا كهوف الظلام ودهاليز الافلاس السياسي والفكري والأخلاقي"... فالرجل قد وصف نفسه دون أن يعي... لأن من لا يرى شمس الحقيقة، هو نزيل كهف ظلام...ومن لا يرفع اصبع اتهام ضد ما تقوم به الة الدمار الأسرائيلية، هو المنفلت أخلاقيا... ومن يعتبر امريكا نصيرة الشعوب المستضعفة والمقهورة، هو المفلس فكريا وسياسيا...

اما اذا كان يقصد أنهم ببغاوات يرددون ما تهتف به الشعوب، فان لهم الشرف كل الشرف طالما انهم لا يرددون ما يقول به ايهود اولمرت وشيمون بيريز وكوندليزا رايس و"هبل الجديد" جورج بوش.

أم ياترى يقصد انهم غير مشهورين، فليس منهم من كان يحمل حقيبة دبلوماسية ممثلا لنظام الأبادة الجماعية،وكاتبا من كتاب صحيفة الثورة، ولم يقوموا بالسطو المسلح على مصرف عراقي، ولم يكونوا شرطة أمن وأدلاء على الأوكار الحزبية لرفاقهم، ولم يغرسوا الفأس في شجرة الحركة الوطنية العراقية قبل عقود... فان لهؤلاء الشرف، وعليهم تقديم الشكر له بمدحهم!

اشاد الحاج بحفنة كتاب يؤيدون ما يؤيد، ويرون ما يرى..ذكر منهم،فؤاد الهاشم واحمد جار الله.. ولا أدري هل يقصد" فؤاد الهاشم" صاحب المقال السئ الصيت عن العراق وعنوانه" اللهم اهدمه حجرا على حجر..؟ ام أنه يقصد اخر سواه؟ وهل يقصد بـ" احمد الجار الله" رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية الذي قال قبل أسابيع قليلة وبالحرف الواحد" انني مستعد لزيارة اسرائيل اذا وجهت الدعوة لي كي ارى العدو من الداخل" وكأن هذا العدو بحاجة الى زيارته للتعرف على عدوانيته؟

اذا كان يقصد هؤلاء بعينهم، فأنه بئس الأستشهاد...اذ كان عليه ان يستشهد بكتاب عالميين أدانواوحشية اسرائيل... وأدانوا السياسة الأمريكية، وكشفوا النقاب عن أن الهجوم الأسرائيلي الأخير، كان مخططا له من شهور عديدة... ان يستشهد بالمفكر نعوم تشومسكي مثلا، وباتريك سيل، وبرموز وأقطاب السياسة اللبنانية والفكر اللبناني، امثال ميشال عون، غسان سلامة، ميشال المر، خالد قباني، سليم الحص، حسن صبرا، لامع الحر وغيرهم المئات... وبالادباء والمفكرين والمناضلين العرب الشرفاء أمثال شفيق الحوت، رياض الريس، سعدي يوسف، فاروق شوشه، عبد الوهاب المسيري، مظفر النواب وغيرهم الكثير... وقبل ذلك، الأستشهاد بالملايين من الجماهير الشعبية التي خرجت متظاهرة دعما لحزب الله، وشجبا للعدوان الأسرائيلي وللسياسة الأمريكية... هذا العدوان الذي خططت له الأدارتان الأمريكية والأسرائيلية مسبقا.. لماذا لم يدن عزيز الحاج في مقاله المذكور، ولو بكلمة خجولة واحدة اسرائيل؟

الأمر بسيط: فالذي لم يدن ولم يستنكر" بمقال صغير" جرائم امريكا في سجن ابو غريب وأغتصاب العديد من النساء العراقيات، لن تتحرك في بحيرة أخلاقه، موجة صغيرة شجبا للعدوان على الشقيق... مثل هؤلاء المدجنين، أشك في ان يستنكروا حتى لو دخل الجنود الأمريكان الى غرفهم الزوجية، ما دامت جريمة أغتصاب" عبير قاسم حمزة" لم تحرك شعرة واحدة من شواربهم النضالية!

ومثل هؤلاء، بأعتقادي، غير مؤهلين لأدانة الشيخ حسن نصر الله.ان تراب نعل حسن نصر الله، أسمى من ان يكون كحلا لعيونهم... فالذين لا غيرة لهم على نساء العراق المغتصبات، وعلى الدم المهرق في لبنان، يجدر بالعمى ان يكون كحلا لأحداقهم!

هل ما جاء في مقال الحاج، يدخل في باب حرية الرأي؟

نعم بالتأكيد... غير انه، من غير اللائق بالعاري تعليم الناس الحشمة... عليه اولا، ان يثبت حشمته كي يقتنع به الأخرون[ في حال وجود عراة يرتدون ملابس الامبراطور جهلا او تجاهلا] بما فيهم اولئك الذين يريدون اعادة النبض للنظام الديكتاتوري الميت دون أسف، او الذين يريدون إقامة طالبان جديدة في العراق والحاج ليس منهم دون شك...لكن الشك، يكمن في نظرته غير المنصفة لحزب الله، وتجاهله المتعمد لحقيقة ان الذي يهدد لبنان والمنطقة كلها، هي امريكا واسرائيل، وليست سوريا او ايران.

قد يكون اختطاف الخنزيرين الأسرائيليين من قبل حزب الله مغامرة غير محسوبة.. ولكنها ليست أرهابا ولا عدوانا ولا خطيئة، وهو حق مشروع لكل من يحاول تنظيف وطنه من رجس الأحتلال، واستعادة حقوقه وأسراه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com