|
المظاهرات في كوردستان بين الاستغلال والقمع
قيس قره داغي قبل أيام قليلة أندلعت مظاهرات صاخبة في مدن كوردستان وتحديدا في منطقة كرميان، وكان لا بد لتلك المظاهرات أن أن تندلع وتبدأ في تلك المنطقة بالذات، حيث أن سكانها كانوا أبدا وقود الثورات والوثبات والانتفاضات المختلفة وعلى مر المراحل في جنوب كوردستان وقد لعبوا دورا رياديا في الوقوف أمام جور الجائرين وقمع السلطات العراقية المتعاقبة، المحطة الاولى لتلك المظاهرات كانت في مدينة كفري مركز كرميان وقلبه النابض، ومن مفارقات التاريخ هي أن أنتفاضة أذار 1991 قد بدات في مدينة رانية التي عرفت فيما بعد ببوابة الانتفاضة وأنتهت في كفري، غير أن الهجوم المقابل للسلطة بدأت بجحفلة فرق الجيش بقيادة الفريق اول الركن حسين كامل وزير الدفاع الاسبق في مزرعة الشيخ عطا الطالباني المحتلة و القريبة من كفري بغية إعادة السيطرة على كوردستان فتصدى بنات وابناء كفري لذلك الجحفل وتمكنوا من دحر الهجوم فتقهقرت القوات مخلفة سبعة وأربعين دبابة في ساحة المعركة بين مدينة كفري وقصبة سرقلعة التابعة لها ولم يكن المتصدين لتلك القوات سوى شباب المدينة نفسها، وهكذا نجت باقي مدن وقصبا ت كوردستان من هجوم كان من الممكن أن تقبر التجربة التي نعيشها الآن . تضحيات منطقة كرميان لا تعد ولا تحصى، غير أن نسبة الخدمات الاساسية فيها تكاد تكون قليلة جدا في الانفجار الاعماري الذي يشهده كوردستان الآن، ناهيك عن عدم أكتراث الادارة بمعاناة الناس، ففي غمرة صيف كرميان الأشبه بالجحيم لا يجد المواطن ماءا صافيا يشربه، وقد طال إنتظارهم والتيار الكهربائي مقطوع عنهم ولا أمل لعودته ولا أحد من مسؤولي الادارة من ذوي العلاقة يعمل بجد لتلافي الازمة مادامت بيوت المترفين عامرة بالكهرباء والماء الصافي ولا يعرفون معنى الازمات بشتى أشكالها وأنواعها، إذن كانت المظاهرات الاخيرة شيئا منتظرا ولا ثمة غرابة في أندلاعها، ولكن ما كان غير متوقع في تلك المظاهرات أن أياد آثمة وجبانة قد أستغلتها وحشرت بقواها التخربيبية وتسربت بين المتظاهرين تلك لتوجه المظاهرات العفوية نحو تخريب البنى التحتية والاساسية لتلك المدن المتعطشة أصلا للمزيد من البنى، فنحن لا نقرأ ما هو إيجابي حينما نشاهد أحدهم وهو يقوم بحرق محطات الوقود ومحطات الكهرباء والماء في وقت قامت المظاهرات من أجل توفير الوقود وعودة التيار الكهربائي والماء الصافي، فتلك هي الآفة التي تفسد وتسئ لاهداف الناس وعليهم أن يتعرفوا على العناصر المخربة وتقديمهم للعدالة والا ستتحكم تلك العناصر بمشيئة الناس ونفقد آنئذ الخيط والعصفور معا، وفي الجانب الآخر تشير الأخبار الى قيام السلطة بالرد على الناس بشكل غير حضاري في بعض المدن وقد خرج عدد من الناس باصابات بالغة في المظاهرات وهذه علامة معيبة وناقوس خطر يهدد مستقبل الديمقراطية في كوردستان، فليس هنالك مبرر من إطلاق النار مهما بلغت أعمال الشغب، فحياة الناس وأمنهم وسلامتهم أمانة على عاتق الحكومة وعليها المحافظة عليها، فاطلاق النار بشكل عشوائي يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، نتمنى أن لا تتكرر وان يساق كل من تسبب بقتل وجرح الناس الى المسائلة القانونية وبشكل شفاف يتطلع الناس عليها من خلال القنوات الاعلامية وبعكسه ستتحمل السلطات التنفيذية وزر علامات الاستفهام التي تلد وتتكاثر في مخيلات الناس، أما الحل فيكمن في سربلة كل عنصر لا تتوفر فيه الكفاءة والمقدرة على أدارة مؤوسسات الدولة المختلفة، أولئك الذين وضعتهم المحسوبية والمنسوبية في مواقع خطرة في الدولة تتضارب مع مصالح الناس، وتلك هي عقدة الفساد الاداري الذي أخذ يتفشى في كل جزء من كوردستان، لان الذين يدفعون باقاربهم ومنسوبيهم والمحسوبين على أحزابهم وتكتلاتهم غير مستعدون لأخلاء تلك المواقع لاصحاب الآلاف من حملة الشهادات والكفائات ولهم خبرات في إدارة مؤوسسات الدولة وبالتالي ان المحسوبين والمنسوبين لا يعرفون حدا يحد أفق طمعهم وجشعهم، فكلما وضعوا آياديهم الآثمة على قوت الشعب ترى عيونهم ترمق الى الابعد وألسنتهم تقول ( هل من مزيد ؟ ) وأزاء هذه الحالة السرطانية يحب أن ننتظر المزيد من المظاهرات التي تصطحبها أعمال الشغب لا محال ما دامت هنالك أحزاب عميلة لهذه الدولة وتلك الآيدولوجية ينتظرون مثل هذه المناسبات ليعيثوا على الارض فسادا، تلك الاحزاب التي لم يقدموا أي شئ في ساحة العمل يوم كان الكورد يتعرضون لحروب الابادة الجماعية في حين يقدمون أنفسهم اليوم كوطنيين وقوميين واشتراكيين وماركسيين واسلاميين وهم براء من كل ما مر، بل ديدنهم نسف التجربة برمتها وجعل حال كوردستان كحال العراق الذي يعصفه الخراب والقتل المجاني كل يوم، فالمنظر يوحي للمرأ وكأن الوضع أشبه بطبيعة الالغام التي لا تعرف العدو والصديق وهي كنصل ذو حدين، فعلى الرؤوس الرشيدة في كوردستان أن تجمع كل ما لديهم من لب وادراك لتلافي المشكلة بما فيها خير الناس وصلاحهم أولا وأخيرا ولا بد من عملية غربلة حقيقية لمؤوسسات الدولة على أن يتم عندها تجاوز المسميات التي طرأت علينا وأعني الحزبية والمناطقية والمذهبية، ولا بد أن يتم وضع الانسان ( وليس الرجل فقط !! ) المناسب في الموقع المناسب، وما أحوجنا اليوم للعودة الى السؤال القديم الجديد (( من أين لك هذا !؟ )) على أن يطرح على، ولا الجميع لا فرق بين زيد وعمر من الناس ولا بد لخيرات البلد ومن ضمنها الكهرباء أن توزع بأنصاف وعدالة وتلك لعمري بحاجة الى تحريك الطاقات المخلصة التي باتت صامتة أمام قدرة مافيات الشر والفساد، فالفاسدون يلعبون بمقدراتنا كما يشاؤون بلا رقيب وحسيب فهل من مجيب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |