|
نقد الذات .. وصراحة المسؤول ..!
هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد الشعور بالمسؤولية، جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان، بغض النظر عن موقعه في المجتمع، إلا أن هذا الشعور يزداد ويتعاظم، عندما يشغل الشخص المعني موقعا مسؤولا، عاما ومؤثرا في حياة المجتمع، فحينئذ تكون المراجعة والتقييم ليست ضرورية فقط، لكل مرحلة اجتازها هذا المسؤول في موقعه، وإنما لمراقبة كل خطوة خطاها، ومدى تأثيرها على حياة الناس، سلبا أو إيجابا، ولا عيب أو ضررا إن جاهر، هذا المسؤول أو ذاك، في نقد ذاته إن كان قد أخطأ، أو أساء التقدير، في هذا الموقف أو ذاك، فالنقد للذات، والإعتراف بالخطأ ـ وهو فضيلة كما يقولون ـ دليل عزم على تصحيح مسار ونهج خاطئ، ما كان له أن يكون . . السيد عدنان الباجه جي، أحد السياسيين والمسؤولين العراقيين، الذين ساهموا في حكم العراق بعد سقوط النظام، من خلال مجلس الحكم الذي أقامته إدارة الإحتلال الأمريكي، يوجه نقدا جريئا لنفسه ـ في جريدة الشرق الأوسط اللندنية ليوم 12 آب ـ إذ يقول \" كان مجلس الحكم قائما على أساس طائفي، وقد حذرت وقتذاك من موضوع المحاصصة الطائفية، ثم اختاروا لعضوية المجلس الأحزاب السياسية الطائفية التي قامت على أساس طائفي، بل وتعتمد على الطائفية لبقائها ونموها، وأنا شخصيا ألوم نفسي لعملي في مجلس الحكم، بالرغم مما قدمته من نصائح وملاحظات وتحفظات واعتراضاتي على بعض القرارات، وكنت أعتقد باني سأستطيع أن أخدم البلد من داخل المجلس، لكن وجودنا نحن التيار الوطني التحرري الديموقراطي الوسطي نشكل أقلية داخل المجلس ..\"..الجرأة التي يتحلى بها الباجه جي \"بلوم نفسه \" بنقده لمشاركته في مجلس الحكم، وهو شخص فرد، يفتقر لها الكثير من قادة الأحزاب، وأحزابهم الوطنية والديموقراطية، التي تؤمن بمبادئ النقد والنقد الذاتي، في الكشف عن الأخطاء التي مارسوها خلال هذه الفترة، وخاصة المشاركة في مجلس الحكم، بإدارته الأمريكية، ولاحقا بمساهمتها في تشكيلة الحكم الحالية، الطائفية والعنصرية، من خلال \" لملوم \" قومي ـ ديموقراطي غير متجانس، فيه حتى قتلة رفاقهم، مما أفقدهم مصداقية شعاراتهم الوطنية والسياسية التي يرفعونها، وبالتالي تخلى الكثير من قطاعات الشعب عن دعمهم ومؤازرتهم، وحتى بعض رفاقهم وأصدقاءهم. إذا كان السيد عدنان الباجه جي جريئا وصريحا في نقده لذاته، لمشاركته في \" مجلس الحكم \"، الذي أقامته إدارة الإحتلال الأمريكية، وللحكم الحالي باعتباره طائفيا، فرئيس مجلس النواب، السيد محمود المشهداني، يشارك الباجه جي هذا الرأي، إلا أنه أكثر جرأة وصراحة في تبيان حقائق، لم يعلن عنها مسؤول غيره بهذه الصراحة بعد، وتسميته للأشياء بمسمياتها، على غير ما عهدناه به، خلال مراسيم تسميته وتنصيبه رئيسا لمجلس النواب، عندما كان يتحدث وكأنه في مقهى \" 14 رمضان \"، كريهة الاسم والمحتوى، أو في أحد مضارب عشيرة من عشائر الدليم، ولكن ِلَم العجب، فالمنصب والمكان والاختلاط بالغير، المغاير والمشابه، ُيََغٍِير ليس الهيئة والهندام، وإنما يهذب المنطق والتفكير، وهذا ليس غريبا علينا نحن العرب، فشاعرنا العباسي، علي بن الجهم، ابن بيئة قاسية المناخ، بدويا، خشن الطبع،غليظ اللفظ، وحشي المعنى، يستمد شعره ومعانيه من بيئته ومحيطه، فعندما مدح المتوكل الخليفة العباسي قائلا : أنت كالكلب في حفاظك للود، وكالتيس في قراع الخطوب. انتقده سامعوه، لتشبيهه الخليفة بالكلب، والتيس، وهي ألفاظ نابية، وغريبة على سمع من يسكن حاضرة العلم والتمدن، بغداد، ولا تقال في حضرة خليفة المسلمين، وقد حاول، البعض أن يستعدي المتوكل عليه، لمزاحمته لهم، أو مشاركته إياهم بعطاء الخليفة . قال المتوكل : اسكنوه قصرا مطلا على دجلة، وقريبا من الجسر، وأحيطوه بكل وسائل الترف والعيش الهني، وما هي إلا أسابيع انقضت، حتى وقف هذا الشاعر ثانية، ليقول شعرا، في حضرة الخليفة، ألطف من نسيم النهر معنى، وأعذب من ماء دجلة لفظا : عيون المهى بين الرصافة والجسر **جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري، وهذا هو حال رئيس هيئتنا التشريعية، بعد أن تسلم زمام الأمور، واختلط بالدبلوماسيين، وزار رؤساء الدول، من عرب وأجانب، تغيرت الأحوال، فعندما تحدث عن الوضع السياسي العراقي، كان صريحا وواضحا في تشخيصه، دقيقا وصائبا في تحليلاته، أكثر من أي مسؤول آخر، فإذا كان البعض يعتقد أن حل المشاكل الأمنية والمعاشية التي يعاني منها الشعب العراقي، بيد الحكومة الحالية، والحل هو كما يعتقد أرباب الحكم تكمن في \" توحيد الخطاب السياسي العراقي من جميع الكتل والشخصيات السياسية وعدم مهاجمة الأجهزة الأمنية ..\" التي تتكون من وزارة الدفاع والداخلية، فالمشهداني له رأي آخر، يتطابق مع واقع الحال، لكونه يعيش الأجواء التي ترسم وتخطط للمعاناة العراقية، فهو يعتقد أن \" حل المليشيات يعني حل وزارتي الداخلية والدفاع ..وحل الجهات التي تمول المليشيات فعليا في الوزارتين، والتي مقرها (هذه الجهات ) بالمطار وليس في المنطقة الخضراء ..والعملية السياسية في العراق في خطر بسبب الإحتقان الطائفي والذي هو أجندة أجنبية 100%...\" حتى الآن لم يسمعنا مسؤول في الحكم أو معارض، مثل هذا القول الصريح والواضح، فالمليشيات قيادة وتمويلا أمرها خارج نطاق السيطرة، وقياداتها، كلها، دون استثناء، خاضعة لقيادة الإحتلال الأمريكي، التي يأتمر بأمرها قادة المليشيات الشجعان، من كل القوى التي تساهم في حكم العراق، وتغذي الاقتتال بين مكونات شعبه،وهذا القول ليس رجما بالغيب وإنما قول مسؤول مطلع، تمر كل القرارات عبر مؤسسته، التي يشارك فيها كل أمراء الإرهاب . 14 آب 2006
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |