|
انتصارات لبنان ومعالم الشرق الأوسط الجديد محمد سعيد المخزومي حقائق كثيرة يجب أن يدركها اللبنانيون جميعا بدون استثناء وعلى وجه الخصوص السياسيون منهم وبالأخص الحكومة فضلا عن عموم الأمة. لبنان اليوم دمار شامل لم يشهد لمثيله بلد.... ضحايا كثيرة تحت الأنقاض ... وشهداء سطرت أروع ملاحم البطولات.... وبلد رجع اقتصادة وعمارته وبناءه وما يسمى بالبنية التحتية إلى ما تحت الصفر... والسياسيون اليوم يتلفتون يمينا وشمالا لا يدرون من يلومون .... ؟ وماذا يفعلون .... ؟ وكل له تحليل.... ورأي.... ومقال. ومع هذا وذاك فإن الحقيقة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، وليس على عين المبصر الحاذق أي غبار، فالحق بيّن جلي كجلاء الصبح لليل الأليل. لقد برهن ثبات أبطال لبنان قيما مهمة يجب على اللبنانيين جميعا، وبكل أحزابهم وطوائفهم إدراكها واستيعابها وإعادة بناء البلد على أساسها، كما يجب على كل الشعوب العربية مطالعتها وإعادة قراءة التاريخ والفكر والمنطلقات والثوابت السياسية والمناهج التي كانت تحدوهم . ومن ابرز هذه القيمة ما يلي:
القيمة الأولى: تحطيم أسطورة إسرائيل تلك الأسطورة التي كانت تحكي عن العقناء المخيفة التي دجنت الحكام العرب بأحزابهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وما بينهما الأحزاب الدينية الخاوية دون الأصيلة حتى لا ابخس الناس أشياءهم. تلك الأسطورة التي كانت تحكي في أروقة الحكم، وثقافة الخنوع، ومناهج الاستسلام، ومشاريع المساومة من أن إسرائيل تعني ترسانة الأسلحة التي لا تقهر، وعبقرية الحربية التي لا تنثني، وعقلية السياسة التي لا تروّض، والدعم المطلق لحلفاء إسرائيل من الغرب أو العرب على حد سواء. تلك الأسطورة قد تلاشت والى الأبد، حيث استخدمت إسرائيل ومعها حلفائها كل ما يملكون من سلاح، ودمروا البلاد، وما وصلوا إلى مرادهم، وهذا دليل عجزهم وخواء سلاحهم، ومصداق حقيقتهم التي كان وما زال حكام العرب يرتجفون منها أيما ارتجاف. ليس مهما أن يستعمل العدو سلاحا فتاكا وقد استعملوا كل شيء ما خلا النووية ولو استعملوها فلا فخر لأنه سلاح العاجز، بل الأهم أن يجني ما يريد ويحصد ما يبذر، وإسرائيل بعد هذه الأيام التي نيفت على الشهر أثبتت أن زمن الأسطورة قد ولى، وهذا مغنم كبير لكم يا معاشر اللبنانيين بكل طوائفكم ومذاهبكم ومناهجكم إن كنتم تعقلون ! ذلك أن الأسطورة التي تحطمت على أعتابها كل السياسة العربية وتهشمت على صخرتها كل عقول العرب الهشة - وكلها هشة - من عام 1948 حتى اليوم، تحطمت الآن أمام إرادة أبطال لبنان الذي صنعوا ما لم تصنعه السياسة العربية طوال العقود المنصرمة على الإطلاق.
القيمة الثانية: إعادة تنظيم الشرق الأوسط الجديد إن ما يترتب على تحطم هذه الأسطورة هو الأمر الأهم ويكمن في إعادة تنظيم الخارطة السياسية لبناء الواقع الجديد للإنسان في عموم الشرق بأكمله بغض النظر عن أن يكون هذا الشرق أوسطا أو غيره. ذلك أن الخارطة السياسية لبلاد للشرق كانت تتلعثم بناءا على قيام أسطورة إسرائيل وهيمنتها على المنطقة وما يترتب عليها من خيوط اللعب السياسية المرجوة من وجود الأسطورة التي كبلت عقلية العناكب الحاكمة على هذه الأمة. وبسقوط هذه الأسطورة سقطت العقلية العنكبوتية وتهاوت مبررات الفكر السياسي القائم على التخوف من هكذا أسطورة. من هنا يجب على شعوب الأمة بالدرجة الأولى وعلى السياسيين معهم خصوصا إعادة بناء الحياة على أساس الإرادة الحرة التي تتهاوى عندها الأساطير المخوفة والبعبع المريب. تلك الإرادة التي تؤمن بما يصنع المعجزات على ارض الواقع لا على أوهام عقول الطائفيين وثقافاتهم. وعلى كافة ساسة لبنان من دينيين وغيرهم أن يعتزوا بصمود أبناء شعبهم الذين تمكنوا من تهيئة الأرضية لإعادة تنظيم الامور ليس على صعيد لبنان بل على صعيد الشرق بأكمله.
القيمة الثالثة: إعادة تنظيم العقلية السياسية للشارع العام للامة وهذه هي قيمة أخرى تضاف إلى القيم التي حققها جهاد وصمود الفتية الذين آمنوا بربهم، ذلك لأن الشارع العام كان بعمومه وخصوصه سائرا في ركاب تخدير العقلية التي تحكم بلدان الشارع العربي والإسلامي العام الذي يعمل على إبعاد الأمة عن أبطال التحرير ورجال الاستقلال المؤمنين بالله وكتبه ورسله وخاتمهم وأوصياءه من بعده. تلك العقلية التي كانت تعمل على إبعاد الشارع العام عن هذا الفكر التحرر والاستقلال المتمثل بفكر أهل البيت عليهم السلام، فكان يتعامل معه على أساس التعصب الطائفي الذي يعني التعصب ضد أي حق يصدر من الطائفة الأخرى فكرا كان أو منطقا أو مبادرة، وقد سمع العالم ورأى بأم عينيه زعماء الطائفية العربية يوم أن اجتمعوا وأجمعوا على إجهاض هذا الصمود وتزييف هذا الإيمان فباركوا للعدوان اجتياحه لبنان منتظرين يوم الخلاص من رجال الإرادة الحرة، فكانوا يسمون تلك الإرادة الصادقة (بالمغامرين) . وبقي الشارع العربي والإسلامي متفرجا ينظر إلى مسرحية أسمها (المغامرون)، واستمر القتال، واشتدت ضراوته، وجاست قساوته، وتوحشت آلة العدوان الحربية على لبنان، ودمرته تدميرا، فدمر أبطال لبنان أسطورة إسرائيل وصنعوا ما لم يتمكن عليه حكام الطائفية العربية ولو حتى في المنام وهم الأرائك آمنون وفي قصورهم منعمون، عندئذ تحرك الشارع العربي والإسلامي متأخرا بأكف خالية لا تغير من الواقع شيئا. المهم الذي أريد بيانه أن الشارع الإسلامي العربي قد غيّر من قناعاته رغم دعوات الطائفيين من وعاظ سلاطين والحكام الخانعين التي دعت إلى تحريم دعم المجاهدين في لبنان وتزييف صمود أبناءه الأشاوس. وهذا التحول هو إنجاز حضاري كبير في حد ذاته إذ يجب مواصلته لإعادة تنظيم العقلية السياسية للشارع العام في الأمة .
القيمة الرابعة: تعرية الخلط بين مفهوم الجهاد والإرهاب لقد اعتمدت سياسة الإدارة الأمريكية على خلط الامور والمفاهيم بعضها بالبعض، حتى صاروا يصفون الإسلام والجهاد والعمل على الاستقلال بالإرهاب، وما ذلك إلا لعاملين أساسيين: أولهما: ضياع المفاهيم عند الإدارة الأمريكية، وإلا فمن غير المنطقي أن يجمع الرئيس الأمريكي (بوش) بين الإسلام وبين الفاشية فيطلق لفظة الفاشيين الإسلاميين (Islamist fascists) ويلقي الكلمة على عواهنها من دون أن يعرف مداليلها ومعانيها، ومَثَلُهُ مَثلُ الذي يقول أن فلانا هو (مصداقٌ للخير الطالح) أو (عنوان للخيّر الشرير) حيث لا يمكن الجمع بين متناقضين وتسميتهما بقرينة أحدهما للآخر لتعطي معنى واحدا، حيث من غير المنطقي هكذا تسمية ولا تدل إلا على مدى الفقر الثقافي لقائلها أو الخلط المتعمد لمُطلقها. وثانيهما: التزام بعض الأحزاب الطائفية المتسلحة بثقافة العنف، والمتربية على مناهج التطرف، والمتقوقعة داخل نسيج فكري متحجر، فاعتمدت سياسة ذبح الإنسان تحت عنوان المقاومة والتحرير والخلافة الإسلامية وأنصار الصحابة ومحيي السنة وما إلى غيرها من مبتنياتهم الفكرية الزائفة. كما هو الحال في تنظيمات القاعدة أو (العرب الأفغان)، وتنظيمات الطائفيين في العراق أو (العرب الأتراك ) . فقد كانت هذه الأحزاب وما زالت تعمل على ثقافة قتل الإنسان فالبريء عندها يلاقي حتفه حيث أنه سيموت يوما ما وبالتالي فإن مات في أبرياء في تفجير انتحاري فهو ملاق ربه باليوم الذي يجب أن يلاقيه ( وبهذه الثقافة يسقط الجزاء والثواب والعقاب، أما غير البريء في ثقافتها فانهم سيذهبون به إلى جهنم حسب ثقافتهم، مقابل أن يتغدون هم – وأعني أصحاب هذه الثقافة - مع من يتولون في الدرك الأسفل من النار حسب منطق القران القائل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) ([1]) هذا في خصوص المؤمن . أما عموم الإنسان فنهى عن قتله فقال: ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) ([2]) أما السنة النبوية الشريفة فنصوصها كثيرة. وقد خلط هذا الفكر بين الخير والشر بعناوين وضعوها عبثا من عند أنفسهم ومنها عنوان المقاومة والتحرير. ذلك لأن ثقافة المقاومة يجب أن تكون محكومة بضوابط إنسانية ومعايير حضارية حتى يطلق عليها جهادا أولا، وحينما تصبح المقاومة جهادا وجب أن تلتزم بكامل الضوابط الشرعية التي تحترم الإنسان، ولا تقتل الحيوان، ولا تبيد الشجر، وتضر حتى بالحجر، ولا تهدر لأحد كرامة ولا تنتهك له عرضا ولا تدنس له مقدسة قط. وكل مقاومة بغير هذه المعايير لن تسمى جهادا ولا تمتلك شرعية العمل وتكون عندها المقاومة باطلة والمقاومون مفسدون والمؤيدون لها عابثون مهما ألبسوا أفعالهم بلباس القدسية كما هو حال سفك الدماء تحت طائلة عنوان المقاومة في العراق، ذلك لأن (على كل حق حقيقة) تدل على صحة كون تلك المقاومة فعلا مشروعا وعملا مقدسا، كما قال إمام المتحضرين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وقد ضرب المجاهدون اللبنانيون أروع مثال للمقاومة التي تعني الجهاد المقدس المشروع وليس الإرهاب والفساد والإفساد.
القيمة الخامسة: تعرية حقيقة الإرهاب لقد خلط الساسة الأمريكان مفهوم الإرهاب ووجهوه من حيث تريده مصالحهم السياسية لا من حيث علمية التعريف اللغوي لهذا المصطلح السياسي الذي صار فضفاضا يطال الحق والباطل معا، أو يطال الحق دون الباطل مرة ويطال الباطل دون الحق تارة أخرى حسب مشتهيات الإرادة الشخصية أو الحزبية أو الطائفية للسلطة الحاكمة . بينما الإرهاب وحسب مصطلحات لقواميس اللغة الإنكليزية فإنها تؤكد على أن للإرهاب مصطلحا خاصا يخرج به كل من يدافع عن وطنه وعرضه، وليس وسيلة لأغراض سياسية ومآرب خاصة تراها الفئة الحاكمة. يقول القاموس الإنكليزي المعروف بقاموس (Encarta Dictionary: English (North America) بأن تعريف الإرهاب كما يلي: Terrorism : violence or the threat of violence, especially bombing, kidnapping, and assassination, carried out for political purposes) ([3])) وترجمة ذلك التعريف هو: (الإرهاب - العنف السياسي : العنف أو التهديد بالعنف، وخصوصا القصف والخطف والاغتيال وتنفذ لأغراض سياسية) . ومن تعريف قاموس اللغة الإنكليزية لمصطلح الإرهاب الذي تروج له السياسة الأمريكية والبريطانية يكون المجاهدون اللبنانيون غير إرهابيين لأنهم لم يكونوا ليتبعوا أسلوب العنف السياسي بالمعنى الذي يدل على ابتدائهم العدوان على إسرائيل بالقصف ولم يذهب أحد منهم إلى بيوت الإسرائيليين الآمنين ليختطف الناس من بيوتهم، ولم يقوموا بعملية اغتيال الناس، وما اختطاف الجنديين ليس إلا انه اسر جنديين لجيش الاحتلال في ارض لبنانية محتلة وبحالة حرب، والتعامل معهم يجب أن يكون بمقتضى قوانين التعامل مع الأسرى بالتفاوض والتبادل وما أشبه. فالإرهاب حسب التعريف اللغوي عند لغة الإنكليز هو تبييت نية الغزو والعدوان من قبل، كما أشارت إليها بعض التقارير . فضلا عن أن ابتداء إسرائيل عدوانها على الشعب اللبناني وقصفهم الناس الآمنين في منازلهم . وتدميرهم المنازل والطرقات والمرافق الحيوية من مطارات إلى جسور إلى مصانع إلى المساجد ودور العبادة . وكلها من ابسط مصاديق الإرهاب الذي اقبل عليه جيش الاحتلال الغاشم . وبذلك يكون من الإرهاب دعمه بالقول والفعل والإعلام، والقنابل الذكية والأساطيل البحرية والمواقف العربية وكل ما يؤيد مصاديق ذلك التعريف. فالإرهاب هو منهج العنف الذي يستهدف إرهاب الناس وإرعابهم وإخافتهم عبر آلة الحرب ووسائل التدمير بغية الوصول إلى مآرب سياسية ومغانم ابتزازية. فالإرهاب هو وسيلة وحشية وسبيل همجي ومنهج بربري لا يمت إلى الحضارية بأبسط معانيها وان ملكت دولة العدوان التكنولوجيا ووسائل الرفاه والمدنية. ولأن الإرهاب هو القرصنة والاعتداء على الناس وقتلهم وإرعابهم وإبادة البشر وانتهاك الحرمات وتدمير البنى التحتية للمجتمع، فإن ما جرى في لبنان من اعتداء إسرائيلي إنما هو من ابرز مصاديق الإرهاب بينما ما يجري من تدمير البنى التحتية في العراق وقتل الإنسان العابر واختطاف المواطن الآمن وسفك دماء الناس على الطرقات وفي الأسواق ودور العبادة وغيرها هي الأخرى من ابرز مصاديق الإرهاب وليس من المقاومة الشريفة ولا الجهاد المقدس في سبيل على الإطلاق.. كما أن ما قام به أبطال لبنان في الدفاع عن وطنهم لأنه محتل، واختطافهم اثنين من جنود احتلال على ارض وطن مغتصب، إنما هو ابرز من مصاديق الجهاد المشروع الذي لم يقتل الإنسان البريء ولم ينتهك الحرمات .
القيمة الخامسة: كسر مفهوم المقاومة الزائفة لقد سجلت بطولات المجاهدين وثبات المؤمنين اللبنانيين في هذا العدوان قيمة كبرى تحطمت عندها مفاهيم المقاومة الزائفة التي ما زال يتشدق بها أعداء الإنسانية في العراق. فهذه هي قيمة كبرى يجب أن يعيها العالمين العربي والغربي على حد سواء، من أن المقاومة هي التي لا تستهدف المواطنين الأبرياء بقدر ما تستهدف الغزاة والمحتلين الذين يريدون أن يتربصوا بالبلاد الدوائر وتدافع عن الناس وتحترم الإنسان وتحذر من التعرض للبنى التحية لمصالح الناس.
القيمة السادسة: الكشف عن طائفية العقل العربي إن صمود الشعب اللبناني وبطولات المجاهدين الأشاوس أمام أعتى جيوش المنطقة، قد كشف عن قيمة معرفية مهمة في حياة الشعوب وهي ضحالة طائفية العقل العربي، الذي يلتمس دوما السبل لغرض الوقيعة ببطولات الطائفة الأخرى، ويبخس حق الطائفة الأخرى، وينتقص من ثبات الطائفة الأخرى، ذلك لأنه لا يرى إلا انتقاص الطائفة الأخرى وان كانت على الحق الواضح. وقد رأينا في أم أعيننا كيف أن طائفية العقل العربي قد جذ ل وتخاذلت مع لبنان ومجاهديه وأعطوا الضوء الأخضر للعدوان أن يعبث ما يشاء. كما أن طائفية العقل العربي في لبنان سعت منذ اللحظة الأولى للعدوان أن تتخبط كمن يتخبطه الذي أصابه طائف من الجن لا يدري ماذا يصنع أو يفعل أو يقول، فنطق وزير دفاع لبنان في اليوم الأول للحرب من أن الجيش اللبناني هو الذي يدافع عن لبنان ولا نقبل أحدا يزايد على لبنان - وهو يعني ما يقول -. واليوم وبعد هذه الانتصارات الرائعة نسمع صيحات ذات المنطق الطائفي تريد أن تحقق لإسرائيل ما لم يكسبه جيش العدوان خلال الشهر والنيف من الأيام. . (وقد كتبنا مقالا في أول العدوان تحت عنوان : طائفية العقل العربي ومآسي الأمة) .
{مسؤوليات الأمة في بناء شرق أوسط مستقل جديد} إن القيم الكبيرة التي جسدها أبطال لبنان هي قيم كثيرة وحقائق كبيرة يجب على كافة أبناء هذه الأمة لبنانيا وعربيا وإسلاميا إدراكها وتقديرها واستثمارها وإلا إذا وضعوا تلك الحقائق والقيم وراء ظهورهم فإنما سيضعهم التاريخ تحت أقدامهم ذلك أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه. من هنا وجب بيان ابرز ملامح واجبات الأمة تجاه هذه القيم وتلك الحقائق وهي كالتالي:
أولا: منظمة حزب الله جهاد وليس إرهاب بناءا على معطيات القيم السابق ذكرها يجب إلى الأمة كلها بما فيها حكامها إعادة النظر في فهمهما لمقاومة لبنان وأنها منظمة سياسية عقائدية لها قوتها العسكري التي تدافع بها عن بلدها من الاحتلال، وأن ما تقوم به جهاد دفاعي محض وليس إرهابا مقنعا بقناع المقاومة، ومصداقه الدافع عن وطنه وأهله وبلده وأبناء مجتمعه وليس قتل مواطنيه وتدمير بنيته التحتية كما هو حال من يسمون بالمقاومة في العراق، ولا أدل من دليل على ذلك من ثبوت المصداقية لحزب الله وسقوطها عند منظمات وأحزاب الإرهاب في العراق.
ثانيا : على الحكومة اللبنانية احتضان منجزات الذين صنعوا بطولات لبنان العقل والمنطق الحضاري يوجب القول بأن على حكومة لبنان بأحزابها احتضان ضمير لبنان وقلبه النابض وهم الفتية الذين آمنوا بالله واعتزوا بأهلهم ووطنهم فغيّروا موازين منطلقات العدوان الإسرائيلي بحلفائه بما فيها حكومات الخنوع العربي الطائفي. من صار من ابرز مسؤوليات الحكومة الاعتزاز بهذه الفتية وعدم التفريط بمنجزاتها لمجرد مآرب طائفية تؤدي في نهاية المطاف لتحقيق مصالح العدوان ومنحه مكتسبات ما لم يتمكن عليها في همجية حربه العدوانية .
ثالثا: على اللبنانيين عدم ترديد دعوات أعداء لبنان ما يميز العاقل عن غيره هو نتاج عقله ونمط تصرفه قولا أو فعلا، وأن بعض الأصوات الداعية إلى إجهاض منجزات لبنان وتضحياته يدل على عدم العقلانية في الفعل والتصرف والمطالبة، من هنا كان الواجب العقلائي من الحكومة اللبنانية وأحزابها إدراك أن الجيش اللبناني لن يقدر على الدفاع عن لبنان من دون أبناء لبنان المخلصين وفتيانه الغيارى على وطنهم وإنسانه ومصالحه الذين استبسلوا في الدفاع عنه وابلوا في ذلك بلاءا حسنا. وعليه فالعقل يمنع من ترديد مقالة الاحتلال وحلفاءه من نزع قوة أبطال لبنان.
رابعا: حكومة لبنان ومسؤولية العمل على فك الملازمة بين جهاد اللبنانيين وبين الاحتلال بالنسبة إلى مقالة القائلين كيف الجمع بين جيش لبنان وقوة حزب الله في دولة واحدة، هو أمر يحتاج إلى إعمال العقل النزيه وليس الطائفي الأعور الذي لا ينظر إلا بعين واحدة. يجب أولا العمل على إزالة الاحتلال ونواياه المستقبلية التي يعلن عنها كل حين فتزول عندئذ مبررات وجود شيء اسمه المقاومة الإسلامية اللبنانية، إذ انه ما زال هناك احتلال ونوايا وإجتياحات متكررة وانتهاكات متعددة فمن غير المنطقي الدعوة إلى تجريد لبنان من قوته الدفاعية.
خامسا: ما زال الجيش اللبناني ضعيفا فإن لبنان بحاجة إلى هذه القوة ما زال هناك عدوان وجيش لبناني ضعيف فإن لبنان بحاجة إلى هذه القوة التي لا يطالب بنزعها إلا أعداء لبنان. خصوصا وأن الواقع لا يخفي أن حقيقة جيش لبنان ليس بمقدوره الدفاع عن غزو أو اجتياح إلا بمقدار ما يمثل كونه شرطة مخافر حدودية لا تتمكن من الدفاع عن البلد.
سادسا: تفكيك قوة أبطال لبنان يتطلب تجهيز الجيش الحالي بما يفوق تلك القوة يجب على حكومة لبنان وأحزابها تقوية جيش اللبناني ليرتفع إلى مستوى قوة حزب الله، ويتمكن الجيش من التصدي لأي عدوان إسرائيلي على لبنان بكفاءة ما فعله مقاتلوا حزب الله فإن قوة حزب الله ستتحول إلى جزء من جيش لبنان.
سابعا: المنطق الحضاري يحكم بوجوب الاحتفاظ بتلك القوة أما في المرحلة الراهنة فيجب على حكومة لبنان الاحتفاظ بقوة حزب الله المدافعة عن لبنان وطنا وإنسانا وكرامة.
ثامنا: منطق الحكمة يدعو إلى جعل قوة حزب الله قوة لبنان بعد هذه التضحيات التي أثبتت للعالم الأعمى قبل المبصر بان قوة حزب الله هي قوة تدافع عن وطنها وشعبها وأسقطت دعوى انه مؤسسة إرهابية شريرة هذه المعطيات فرضت على اللبنانيين جميعا التزام العمل الحضاري الداعي إلى عدم التفريط بهذه القوة، بل ضرورة تأسيس وزارة تسمى مثلا وزارة جيش لبنان وتؤسس لقوة دفاعية من مؤسسة الدفاع الحالية للبنان ومن القوة العسكرية لحزب الله لتعتني بحماية لبنان من كل اعتداء خارجي، لأن جوار لبنان بلد عدواني محتل الآن ويحتل في كل آن.
تاسعا: رفع مستوى دبلوماسية الحكومة اللبناني إلى المستوى الحضاري اللائق يجب على الحكومة اللبنانية أن تكون لديها دبلوماسية عالية بعد هذه الانتصارات الكبيرة التي جاءت بعد تضحيات جسيمة وجموع من الشهداء عظيمة، فتتعاون مع العالم الذي يحب لبنان ولا يدعوا إلى جعله بلدا تابعا للمطامع الأجنبية.
عاشرا: على اللبنانيين تقويم لبنان العهد الجديد على الحكومية اللبنانية وسياسيوا لبنان بناء لبنان جديد لا يعتمد التبعية التي صنعت لبنان الطائفي القديم، بل لبنان اللبنانيين بكل طوائفهم بنفس استشاري جمعي يحترم جميعهم الجميع ويستفيد جميعهم من عقل الجميع .
حادي عشر: مسؤوليات الأمة العمل على بناء الشرق الأوسط المستقل الجديد أرادت ديمقراطية بوش وبلير أن تصنع من العراق عراقا ديموقراطيا يتحكم فيه الإرهابيون، تتعاوره حكومات الطائفية العربية بالتعاون مع بقايا البعث الخاسر متعشعشا في ظل الحكومات العراقية الهشة، للمزيد من خلط الأوراق ونشر الفوضى لبقاء المطامع الأمريكية في ظل بناء بيت عراقي كارتوني جديد يسقط حضارية الدستور الذي كتبه الشعب بدمه وتضحياته، من أجل شرق أوسط فوضوي جديد، والعالم العربي بين متفرج ومستسلم لما يجري خوفا من هيمنة أسطورة ترسانات الأسلحة للعالم الطامح في المزيد من الاحتلال. ولما أن سطر مجاهدوا لبنان الأحرار بإيمانهم وصمود شعبهم ما قد حطم عنجهية الاحتلال وحلفاءه وأسطورة القنابل الذكية بمعية أختها الغبية وجب على جماهير الأمة أن تقذف بطائفية العقل العربي المتحجر في مزبلة التاريخ لتبدأ الأمة بعقلية متحضرة جديدة، وإرادة إيمانية جديدة، لبناء شرق أوسطها الجديد، الذي يجب أن تكون من ابرز معالمه الحرية الفكرية والاستقلال من التبعية والتحرر من الهيمنة العالمية والعبثية المحلية والطائفية الإقليمية.
ثاني عشر: قوة الأمة في وحدتها وإيمانها وحريتها كبرى مسؤوليات الأمة تماسك قواها الخيرة ومؤازرة بعضها البعض، وإدراك أن قوتها في وحدتها، ووحدتها في صدق إيمانها وصدق إيمانها بتغليبها العقل والتزامها الحكمة والمنطق في القول والفعل والتصرف، وأن تغليب العقل يستلزم التخلص من براثن المنطلقات الطائفية والتعصب الضيّق التي تعني (تغليب باطل طائفتي على حق الطائفة الأخرى)، فإذا تركت الأمة منطلقاتها الطائفية اكتشفت قوتها ومنابع ثروتها، وما من ثروة اكبر من ثروة العقل، وأن الخاسر من خسر عقل واتبع هواه. وفي الختام وبعد بيان تلك الحقائق، وظهور تلك القيم يجب على جميع الأمة ابتداءا من اللبنانيين حكومة وشعبا بسياسييهم، كما يجب على الأمة بعامتها وخاصتها ضرورة إعادة النظر والتقييم في الأفكار والمواقف والمنطلقات والثقافة، من أجل البناء الحقيقي ليس لبنان فحسب، بل لبناء الشرق الأوسط الجديد. وبناء الأمة من جديد ليس على أساس الأدوات القديمة البالية التي أدت إلى التقهقر والتشرذم والانحدار، بل على أساس منطلقات الثقافة الصادقة، والفكر الخالص، والمبدأ الحر، والضمير اليقظ، والإنسان الواعي لمنطلقات بناء الحياة. وليعيدوا النظر في ثقافة التقوقع الطائفي المتحجر، لأن التغافل عن الإقرار بتلك الحقائق يدل على غياب العقل وانعدام التعقل حيث أن : (العاقل إذا ابصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب) كما قالها إمام المتحضرين وسيد العقلاء، أمير المؤمنين عليه السلام .
[1] - سورة النساء / آية 93 [2] - سورة المائدة / آية 32 [3] - Encarta Dictionary : English (North America)
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |