|
سياسة التفريط بالنفط مقابل الأمان حمزة الجواهري كنا قد وصلنا من خلال الاستنتاج بعد استقراء الأحداث وتحليلها إلى أن الإسلام السياسي الذي أسس لحالة الاستقطاب الطائفي والتمترس وراء رجل الدين والحزب الطائفي الذي يدعي تمثيل الطائفة، هو نفسه اليوم يصعد من مرحلة التخويف ومن حالة الإرهاب المتبادل إلى مرحلة الفوضى الشاملة والحرب الأهلية، وذلك من خلال تشكيل مزيدا من المليشيات الموازية لسلطة الدولة في كل مكان من العراق. كما وقد توصلنا إلى حقيقة أن أمريكا هي من دفع إلى مثل هذه الحالة بوعي منها وليس بسبب السلوك الطائفي لسفير الولايات المتحدة في العراق زلماي خليل زادة كما يتصور البعض، وأنا شخصيا كنت منهم، وإنما لدى أمريكا ملفات أخرى أهمها النفط، وأمريكا تريد غلقه قبل إخراج العراق من عنق الزجاجة هذا، حيث بدا واضحا للعيان أن ما يجري ما هو إلا عملية ابتزاز أمريكية للعراق، فإما الموت الزؤام أو نأخذ ما نريد، أي "النفط مقابل الأمان"، بالرغم من أن النفط ملك الشعب العراقي دستوريا، لأن أمريكا قد حصلت على ما تريد من الناحية العسكرية والسياسية، ولم يبقى لها سوى النفط، فهي تريد بلا أدنى شك أن يكون لها حصة به من خلال الالتفاف على ما نص عليه الدستور، فقد كان لزيارة بوش الأخيرة للعراق وحديثه عن النفط العراقي علاقة بهذا الأمر، وبقاء المستشارين الأمريكان لمراجعة قانون الاستثمار في النفط العراقي قبل تقديمه للبرلمان علاقة بالأمر أيضا، والحكومة تريد عرض القانون على البرلمان بعد إعداده من دون عرضه على الشعب، وتصريحات المسؤولين العراقيين تشير إلى هذا الأمر بكل وضوح. أضف إلى ذلك، تصريحات الرئيس الأمريكي قبل يومين والتي كانت الأكثر وضوحا من كل ما تقدم، إذ يقول فيها "إذا انسحبت الولايات المتحدة، فان العراق قد يتحول إلى بلد يسيطر عليه الإرهابيون الذين على استعداد لاستغلال النفط كسلاح، وإن الانسحاب قبل إتمام مهمتنا سيؤدي لقيام دولة إرهابية في قلب الشرق الأوسط، دولة بها مخزون هائل من النفط، ستكون الشبكة الإرهابية على استعداد لاستغلاله لإلحاق أضرار اقتصادية بالدول التي تؤمن بالحرية". وكنا قد وصلنا إلى استنتاج نهائي في المقال السابق مفاده "إذا كان هدف أمريكا هو النفط والصناعة النفطية، فإني أعتقد أن هناك فسحة كبيرة جدا مازلت لم تطأها أقدام العراقيين تسمح بالمزيد من التفاوض مع الأمريكان، وغيرهم من الطامعين بالنفط العراقي، شعبيا قبل الأجهزة التي جعلوها عاجزة حتى عن حماية نفسها، وقبل الخوض بتفاصيل وتضاريس هذه الفسحة، لا أعتقد أن العراقيين سيرفعون الراية البيضاء بهذه السهولة، لسبب بسيط هو أننا مدركين أن أمريكا حريصة على إنجاح مشروعها الذي جاءت من أجله بالكامل، وليس النفط فقط، وسوف لن تسمح بتقسيم العراق ولا الحرب الأهلية مهما كان عدد المليشيات، لأن بهذه السيناريوهات سوف تخسر الكثير الذي جاءت من أجله، وهذه أقوى ورقة بيد الدولة والمفاوض العراقي. إن ما أدركته الحكومة العراقية، أو ما يبدو هكذا، ما هو إلا نصف الحقيقة، فهي قد أدركت أن تردي الوضع الأمني حد الانفلات المطلق سببه الابتزاز لأهم ثروة في العراق، ليس فقط من قبل أمريكا بل حتى من قبل دول الجوار التي مافتئت تصنع أسباب الإرهاب في العراق، لذا راحت توزع النفط يمينا وشمالا قبل أن تمنح الباقي لأمريكا بعقود المشاركة بالإنتاج، هذا النوع من العقود الذي يعتبر الوجه الآخر للإمتيازات النفطية سيئة الصيت، حتى أن المسؤولين العراقيين راحوا يصرحون علنا أنهم على استعداد لتوقيع عقود الاستثمار مع الشركات العالمية قبل تشريع قانون الاستثمار في الصناعة النفطية! ومنحوا دول الجوار الأكثر أثرا بإشاعة الفوضى في العراق، إيران والأردن، حصصا بالنفط العراقي دون الرجوع للبرلمان أو الشعب، فعلت الحكومة هذا لكي يكتب لها النجاح في مهمتها الصعبة، كما وتركت الحبل على الغارب لعصابات تهريب المشتقات النفطية وعصابات تهريب النفط الخام أيضا وتركت الإرهاب يسرح ويمرح في العراق. من المعلوم أن تمويل الدولة حاليا يعتمد فقط على واردات النفط، ولا يوجد لها مورد آخر غيره، ولو توقف النفط، لما بقيت حكومة، بل ولا حتى عراق، فهو من الأهمية بمكان، بحيث لا أحد يستطيع النقاش في هذا الأمر، وهو أيضا سبب أساسي بهذه الفوضى الغير مسبوقة، إذا فالحكومة أمام معضلة أو إشكالية معقدة، لذا فقد اختارت الطريق الأسهل، وهو التفريط بقدر من النفط مقابل الأمان، بذلك تكون قد استسلمت ورفعت الراية البيضاء، معتقدين أن ليس باستطاعة أحد أن يلومهم على هذه الهبات الغير مشروعة بكل المقاييس، وإذا كانت هبات النفط لدول الجوار أمرها هين، فإن العقود التي تريد أن توقعها الحكومة مع المستثمرين الأجانب سوف يطول أمدها إلى عقود طويلة ربما تصل إلى خمسة أو أكثر. منحت الحكومة الأردن نفطا بأسعار تفضيلية، ولكن لم يعرف أحد مقدار هذه الهبة ولا مقدار السعر التفضيلي، ولم تأخذ الحكومة موافقة برلمانية بهذا الشأن، لأن البرلمان أصلا في إجازة، نعم إجازة رسمية في هذا الوقت العصيب!! كما وسارعت الحكومة أيضا بمنح هبة أخرى لإيران مقدارها 100 ألف برميل يوميا مقابل مليوني لتر من النفط الأبيض فقط تزود من إيران في شاحنات!! وهذا ما أوردته صحيفة الزمان في عددها الصادر في 14\8\2006 ، ولو عرفنا أن سعر النفط الخام هو سبعين دولار وأن سعر اللتر من النفط الأبيض عالميا هو نصف دولار تقريبا، فإننا بعملية حسابية بسيطة نجد أن العراق يمنح إيران نفطا بقيمة سبعة ملايين دولار يوميا مقابل نفط ابيض يقدر سعره بمليون دولار فقط، الفرق هو ستة ملايين دولار يوميا تمنح لإيران، وهو ما يساوي أكثر من مليارين وخمسماءة مليون دولار سنويا بدون مقابل، هذا فضلا عن تفعيل الاتفاقية السابقة مع إيران والتي وقعتها الحكومة السابقة برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري والتي لا تعرف تفاصيلها لحد الآن، كانت هذه الاتفاقية تتضمن تزويد إيران ب150 ألف برميل من النفط الخام يوميا مقابل تزويد العراق بالمشتقات. فإذا عرفنا أن إيران لا تستطيع تزويد سوقها المحلي بالمشتقات وأن لديها نقص بحدود40% وعليها استيراد هذه المشتقات من السوق العالمية، فكيف ستزود العراق بمشتقات؟! وإذا عرفنا أيضا أن معظم المشتقات النفطية التي تهرب من جنوب العراق والتي تقوم بها المليشيات التابعة للإسلام السياسي الشيعي في البصرة تذهب أصلا إلى إيران، وهي كميات تفوق بكثير ما ستزوده إيران للعراق من المشتقات وفق الاتفاقيات أنفة الذكر، بكلمة أخرى فإن الربع مليون برميل من النفط الخام التي سيزودها العراق إلى إيران ستكون مجرد هبة دون مقابل، لأن بعض ما يتم تهريبه من مشتقات عراقية لإيران سيعود للبلد وفق هذه الاتفاقيات. أما لو سلمنا أن ليس هناك تهريب للمشتقات النفطية نحو إيران، وعلى افتراض أن الاتفاقية النفطية السابقة بنفس شروط الاتفاقية الجديدة، فإن ما تحصل عليه إيران من العراق سنويا أكثر من ستة مليارات دولار سنويا بدون مقابل. أما عن اتفاقية العراق مع الأردن، فإني لا أستطيع الحديث عنها لأن تفاصيل الاتفاقية لم يرشح عنها شيء، ويحق لنا أن نسأل عن التفاصيل قبل تفعيل هذه الاتفاقية والاتفاقيات الأخرى مع إيران ونشرها على الرأي العام، وحتى قبل عرضها على البرلمان للمصادقة، لأن التعتيم لا يخدم أحد، ولنا الحق كل الحق بمعرفة الحقائق التي تتعلق بمصير ثروتنا الوطنية، وأن ننتقد ما هو خطأ، إذ ليس كل من ينتقد أو يطالب بحقوق الشعب يعتبر مغرضا أو من ذوي الغايات السيئة بالعراق. إن الصناعة النفطية كبيرة وغنية جدا، فإن الدول الطامعة بنفط العراق تستطيع أن تحقق أغراضها من دون اللجوء لإشاعة الفوضى والموت لابتزاز الثروة الوطنية الوحيدة التي نعول عليها، وذلك من خلال تصنيع النفط والغاز في بلدانها وفق اتفاقيات وفق الأسعار العالمية سواء للمشتقات أو النفط الخام، وبهذا تستطيع هذه الدول أن تضرب عصفورين بحجر واحد وهو الحصول على مشتقات رخيصة نسبيا كما يمكنها أيضا تشغيل العاطلين عن العمل في بلدانهم. أما أمريكا فإنها تستطيع أن تحقق أرباحا هائلة فيما لو سعت إلى تحقيق الاستقرار في البلد وضخ استثمارات كبيرة في الصناعات البتروكيماوية، تاركة الصناعة الاستخراجية بأيادي العراقيين، فهي بذلك تحقق أكثر من غرض في آن واحد، أولا استقرار العراق لإكمال مشروعها، كما وإن الاستقرار هو ما يبحث عنه رأس المال، بذلك أيضا يمكنها ضمان الحصول على المنتجات النهائية من دون نقله وتحمل تبعات تصنيعه بما فيها الأضرار البيئية هناك، أضف إلى ذلك فإنها، سوف تقوم بتصنيع النفط والغاز أيضا بأسعار رخيصة جدا مقارنة بالكلف العالية فيما لو أرادت أن تصنع المنتجات البتروكيماوية والمشتقات في بلدها. كما ويمكن لأمريكا أن تقيم أكثر من مشروع لتكرير النفط والصناعات البتروكيماوية في الأردن أو أي دولة أخرى في المنطقة معتمدة بذلك على النفط والغاز العراقي بأسعاره العالمية المعروفة، حيث بهذه الطريقة أيضا ستدفع الأردن وباقي الدول إلى ضمان استقرار العراق وليس البحث عن أسعار تفضيلية ابتزازا، لأن العراق يستطيع الآن بيع أية كمية ينتجها من نفطه بالأسعار العالمية وليس كما كان الوضع أيام النظام السابق، حيث كان العراق يبيع كميات محدودة ولا يستطيع بيع أكثر من ذلك، لذا كانت مسألة منح الأردن مساعدات نفطية لا تؤثر على عائدات البلد المالية، بل العكس، فقد كانت هذه المساعدات تنعش الاقتصاد العراقي المنهار بسبب الحصار الشديد وتساعد النظام المقبور على اختراق الحصار بهذه الوسيلة، وقد ساعدت بالفعل على إطالة عمر النظام المقبور. إن المناطق الآمنة التي يستطيع الرأسمال الأمريكي العمل فيها في الشرق الأوسط واسعة فيما لو كانت سياسة أمريكا أكثر اعتدالا بعد أن أسقطت أعتا نظام دكتاتوري دموي في المنطقة، فإنها بدلا من توظيف أمولا طائلة على عملياتها العسكرية توظفها بتصنيع النفط والغاز الذي تزخر به المنطقة، حيث بمثل هذه السياسة تستطيع أمريكا امتصاص البطالة والنقمة على سياسات أمريكا في دول الشرق الأوسط، وتعطي مشروعها مصداقية حقيقية بعد أن يجد الشرق أوسطي أن ثماره وافرة ويانعة، وليس حروب ودمار كما يحصل الآن.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |