ايقضني رنين الهاتف صباحا قبل ايام فتناولته بتكاسل وانقباض في الصدر وكأني لا اريد سماع الخبر القادم عبر هذه الوسيلة المتوفرة مع بعض الوسائل الاخرى والتي من خلالها نتواصل مع الوطن والمظلومين في ارض العراق الطاهرة .
كان علي صديقي العائد الى الوطن لتوه تاركا الغربة لنا نحن ايتام العراق هو المتكلم من النجف حيث مر يوم واحد على اخر واقذر المجازر المصنعة بعثيا وهابيا عروبيا وويلتاه ماذا اسمع انه يجهش بالبكاء ..
ناديته ارجوك علي قلي من رحل ومن نالته يد الغدر والاجرام فانا في كل يوم لي مصرع انعاه ......
علي يرد ويقول احمد انه ابراهيم استشهد مع شهداء المجزرة الاخيرة ابراهيم البطل ابراهيم من اذاق البعثيين مر الزؤام تركنا وذهب وهو كان يتمناها....
صرخت آآآآآآآآآآآآآآآآآآه متوجعا غير مصدق ..بكيت واسمع علي وهو يبكي بحرقة ووجع فانا وعلي وابراهيم والشهيد مؤيد والشهيد الحي السيد مصطفى الصافي كنا لانفارق بعضنا البعض نحاول اصطياد البعثيين في اوج قوة النظام في الثمانينات حتى ان ابراهيم في احدى المرات وكنا نتجه الى بيتنا في محلة العمارة آنذاك لمح في نهاية الزقاق احد ازلام النظام وهو يراقب بيوت احد العلماء في زقاق سيد ابو الحسن ولوحده وكان هذا في عام 1984 وما كان منه الا ان انطلق راكضا وفاقدا لاي وعي بخطورة مايفعله غير مبالي باي شئ وبدون تخطيط مسبق حتى اننا لم نسيطر عليه حيث يمتلك طولا فارعا وجسدا طاهرا ضخما اكون بجانبه قزما وانا كذلك قزما امام بطولته وشجاعته واقدامه وبعد خطوات عشرة رايته ينحنى ملتقطا حجرا كبيرا من الارض راكضا به باتجاه ذلك الجلف القذر والذي يحمل مسدسا في حزامه يبرز جيدا تحت قميصه كعادة اقزام النظام الاجرامي وما ان راى هذا الجبان انطلاقة ابراهيم تجاهه حتى انتابه الرعب ونسي الاحمق حتى مسدسه واعتقد انه لم ينتبه لنا في نهاية الزقاق ولم يشخصنا جيدا وحتى انه من الرعب لم يشخص وجه ابراهيم لانه في لحظات اطلق ساقيه للريح هاربا وابراهيم يلاحقه من زقاق لزقاق حتى فقد اثره ولحقناه علنا ننقذه اذا ماحصل له مكروه ولان المسافة بيننا وبينه اصبحت اكثر بعدا وتوارى الاثنان عن انظارنا في الازقة المتعرجة وحينما وصلنا الى احد الافرع راينا ابراهيم وهو عائد يتمتم بكلمات اتذكرها جيدا واضحك لها حينما استذكرها معه كلما ازور الوطن الحبيب وهي (فلت مني الجبان) وحينما استفزه واذكره يهيج ويقول (شلون جانت لكطة وفلتت من ايدي) وكاني به يتحسر انه لم ينل منه وقتها كما نال الشهيد الحبيب البطل محمد القابجي رحمه الله من خمسة جلاوزة في ضربة واحدة في زقاق مجاور وفي يوم استنفار امني شديد وفي قمة طغيان الطاغية وازلامه وهي ذكرى استشهاد امير المؤمنين سيد الوصيين علي عليه السلام.
ابراهيم رحل هذا ما اسمعه في ذلك الصباح وحقيقة اقولها انني وبعد لحظات من سماعي الخبر من فم علي وفي ذات الاتصال قلت لعلي ..
علي انت تعرف ابراهيم وكم كانت له جولات مع الجلاوزة في الانتفاظة وقبلها, وفي كل مرة يخرج الله لنا ابراهيم سالما او مصابا بعد ان نيأس منه واخرها سجن الرضوانية القذر بعد الانتفاظة الشعبانية المباركة وكيف عذبه المقبور القذر صدام كامل بيديه والمجرم عميد خطاب الكسيح وكيف انجاه الله منها , وذكرته باول يوم في الانتفاظة الشعبانية وحينما كان يسيطر على البعثيين بيديه ويذيقهم استحقاقهم العادل وكيف ياخذ سلاحهم من ايديهم وسلاحه ويشهد الله كان الحجارة فقط واعمدة شارع الرسول والصادق تشهد له تلك البطولة , وذكرت صديقي علي حينما وصلنا بعد ان سقط اخي الشهيد امين مضرجا بدمه كيف اقسم انه سينتقم له اليوم بعشرة بعثيين وحينما وصلنا مركز الشرطة في الميدان كان المجرم نجم مزهر جريو وباقي سقط المتاع يقاومون من اسطح ذلك المركزوكان تبادل اطلاق النار على اشده وطال الوقت وسقط الكثير من الشهداء من النساء والاطفال في السوق الشعبي المقابل لذلك المركز البغيض وما كان من ابراهيم بطل مقالي هذا الا ان يطلب رمانة ورغم عدم معرفته كيفية استعماله للرمانة اليدوية لانه لم يتدرب عليها ولكن في سرعة شرح له احد الاخوة كيف يخلع الحلقة من الصاعق وقال له عندك ثواني بعد ان ترفع اصابعك عن العتلة عندها ستنفجر القنبلة بثواني معدودة وعليك رميها مباشرة والانبطاح ارضا اذا كنت قريبا منهم ..
كنت وقتها معانقا لجسد اخي رحمه الله المضرج بدمه وعيني على ابراهيم الذي رمقني بنظرة وفاء وحب ووداع وفداء وثار لكل الشهداء وتسلل من خلف المركز ولم نره بعد ان تواري خلف البناية تلك , بينما شاغل الابطال المجاهدين اقزام البعث برمي مكثف من الاسلحة الرشاشة والمسدسات من اجل ان ينزلوهم من سطح البناية حسب الاتفاق حينها يتسلل ابراهيم من الخلف لرميهم بالرمانة لانهم كانو متجمعين سويا في مكان واحد وفعلا بعد دقائق معدودة سمعنا دوي انفجار كبير فعلمنا انه فعلها وسكت اي اطلاق للنار من المركز وحاولنا الدخول بعد فترة لان ابراهيم لم يخرج فايقنت انه فعلها وتركني ورحل فانا اعرفه جيدا يستميت من اجل الشهادة وبعشق وشجاعة قل نظيرها اقلها بالنسبة لي انا من عرفته عن قرب فامنت جسد اخي عند الشهيد ليث الزهيري وطلبت منه ان يذهب به الى بيتهم لاني لا اريد ان تعلم الوالدة والوالد والاهل بنبأ شهادته حتى نوصل الخبر لهم بهدوء والوضع متازم وفي بدايته الاولى وقد تفشل الانتفاظة لاسامح الله مما يعني فناء الجميع وعندنا فرصة لاخفاء الجثة بدفنها اذا ماسيطر النظام على الوضع وهذا مالم يحصل ونجح الدم في الانتصار على السيف كما هي العادة دوما وابدا ..
اين ابراهيم ؟؟
بحثنا في البناية والغرف نتنقل بين الجثث العفنة نقلب هذا وذاك ولا اثر لابراهيم ووصلنا الى قاعة فيها عدد من الجثث المحروقة وكانت لتلك الزمر العفنة وخرجنا منها واذا بابراهيم خارجها عند الباب الاخرى وهو جالس والدماء تسيل من وجهه الطاهر ولكنه ولله الحمد كان حيا ويستطيع المشي فاخذناه الى الخارج وقمت انا والدكتور ليث الزهيري بتطبيبه وكان وجهه وصدره ملئ بالشضايا الصغيرة وهمست في اذنه (احجيلي بالتفصيل شسويت وشنو الصاروانا اضحك على شكله ووجهه المتورم واقول له انت عايز تشويه ههههه) والتفت لي واحتضنني وهو يبكي اخي الشهيد امين الذي فارقنا قبل ساعات وقال لي انه كان يتكلم معه لحظة ان اخترقت الرصاصة جبينه الطاهر وردد في اذني اخذت لك بثاره يا احمد ..
كانت كلمات وافعال اعجز ماحييت ان ارد لها الوفاء فهل سمعتم بهكذا رجال في غير مدرسة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام ؟؟
انتفضت وقلت له ( احجيلي شنو الي صار ولتنسيني ) كان ولايزال لايحب الكلام عن نفسه كما هي عادته يجاهد بصمت وحينما تراه في الشارع وتتكلم معه لايوحي لك مظهره بشئ ولا حتى كلامه وانا اعلم انه لايقبل ما اكتبه عنه الان لانه يرفض ان يقال له شكرا على شئ يعتبره امرا واجبا وطبيعيا فهو خريج مدرسة الشهادة وعشق الشهادة , ولكني اقولها له ان ما اقوله واكتبه عنك ايها الشهيد الحي اقل الواجب وانت بطل يجب ان يخلده التاريخ وان مافعله وهنا اسرد بعضه لاكله يستحق الاحترام والتقدير والاجلال وعلما انا حينما خرجت من العراق كنت في خصام بسيط معه اي زعل احباب واقولها له رغما عنك ساكتب مافي ضميري وهو واجب وليس منة من احد عليك وانت الانسان البسيط جداولكنك كبير وانا قزم امامك وامام افعالك الجليلة وبطولتك الرائعة ..
قهقه ضاحكا وقال ماسويت شي فقط دخلت القاعة عليهم وانتزعت الصاعق مثل ما قلتم وصرخت عليهم بصوتي الي تعرفوه وكان جهوري الصوت ورميتها عليهم هذا كلشي وماشفتهم غير ممدين الله يلعنهم وهو يضحك وكان شيئا لم يكن .....
سالته وهل انبطحت ؟ ولماذا اصبت ؟ وهل رموا عليك قنبلة فرد ببرود ..
هههههه لا انبطحت ولا هم يحزنون ( زتيتهه عليهم واني وياهم في القاعة واقفا) وقلت مع نفسي المهم اصيبهم حتى لو قتلت معهم لانه لايوجد خيار اخر وانا امامهم ولهذا (انصابيت) بالشضايا فضحكت عليه وعجبت لنجاته وحمدت الله على سلامته..
كانت تلك الشضايا اوسمة فخر واعتقد بقي الكثير منها في جسده لحد الان وكان الدكتور ليث رحمه الله وهو صديق لنا تخرج للتو من كلية الطب يستخرجها من وجهه وصدره وهو ممدد في الشارع على دكة في شارع الرسول لانه يرفض العودة للبيت ويصر ان نتركها لانها لم تكن تؤلمه كما يقول فهي حقا كانت بردا وسلاما ..
قلت لعلي وذكرته بهذه القصة وغيرها ان ابراهيم سيخرج منها واقسمت عليه ان يسارع بالذهاب اليه ولكن علي رد ان هناك منع للتجول وانه سمع من الاخوة والاصدقاء النبأ لان الخنزير المفخخ كان قربه حيث كان يترزق ببسطة صغيرة لبيع العطور وهي مهنته التي يعشقها ولم يتركها منذ صغره اي لايملك من حطام الدنيا سواها ومن خلالها يعيل عائلة بينها تلك الوالدة المشلولة المصابة بعوق في رجلها والمكافحة بصبر كل تلك الابتلائات وغيرها الكثير وزوجته واطفاله الخمسة اي ان لم ياتهم برزق فانهم سيبيتون جياع !!!!!
وطلبت منه باي صورة كانت ان يتاكد من الخبر وقد اتصلت بالاهل واكثر الاخوة ممن كان قريبا من الحادث والذي ذهب فيه بعض الاصدقاء عرسان الشهادة والكل قال ان ابراهيم بينهم ولكن لايستطيعون تميز احد فالجثث مقطعة واللحوم مختلطة ببعضها البعض والدماء بركة تسبح رؤوس الاطفال والنساء فيها مع بعض الحلويات واللعب والعطور التي يرتزق بها من كان يعمل بشرفه وعرق جبينه ليلقم عياله من حلال الله والذي افتى زبالات الكفر والقذارة في جحور الظلام والجيف الوهابية والسلفية والبعثية والضارية القرضاوية التيمية الاساموية الجبرينية اللحيدانية العروبية القومجية ال ال ال ال ...... بانهم كفرة عليهم لعنة التفخيخ والقتل ويجب ابادتهم جميعا وحتى اطفالهم الصغار..
صرخت فيه اي علي وقلت له انا متاكد انه حي ولكن اريد ان اطمان عليه وعلى اطفاله فهم لامعيل لهم سوى الله وهذا الكاسب البطل , فوعدني خيرا وقال ساحاول الذهاب لتقصي احواله مهما كلف الامر واغلق الهاتف وتركني للدموع والالم والحسرة على تلك الابطال المنسية والمتروكة في زحمة الدمار والحياة الصعبة والتقاطعات المختلفة فانا اعرفه وهو يشبهني ويرفض ان يقزم نفسه بتايد احد على احد وهو كما عرفته وعرفت نفسي نحب الجميع اي الجميع الانسان مهما كان صنفه او حزبه او قوميته او عقيدته والمهم ان لايعتدي على حق احد وحبذا لو كان حسينيا انسانيا بطلا شهما شريفا خالي من الاحقاد والخسة والغدر والنذالة ..
في المساء كنت على موعد مع الفرح الناقص دوما فقد رن الهاتف وتلقيت البشارة بان ابراهيم كان شهيدا مع وقف التنفيذ ولكنه في هذه المرة فقد سمعه واحترق وجهه حروقا كبيرة ومرعبة كما يصفها اخي العزيز علي وباقي جسده وهو الان تحت العلاج واي علاج !!!!
كنت اظن انه في المستشفى او في مكان ما يعالج فيه ولكن يالبؤسك يا ابراهيم ويالبؤسي ان اكون بعيدا عنك ولا اعرف كيف اقف معك في هذه المحنة التي المت بك والتي اعلم معناها جيدا وانشاء الله ساحاول ان افعل لك شيئا ..
ابراهيم الان في بيته ومع اطفاله يعاني الحروق الشديدة جدا وفقدان الرزق الوحيد وهو لايحتاج ان يتصدق عليه احد ولكني اقولها ان له دين في رقبة العراق وشعب العراق وهو من يستحق التكريم فلماذا يكون منسيا متروكا في بيته يتفرج عليه اطفاله وامه واحبته بلوعة والم ولاحول لهم ولاقوة في تخفيف آلامه وحروقه حتى انه اصبح له لون متفحم كما نقل لي الاخوة ذلك ..
قصة بطل لازال حيا وهو الشهيد لمرات ومرات اضعها بين ايديكم شرفاء العراق وحكومتنا المنتخبة واولي الامر والسيد محافظ النجف فهل من سؤال وعناية بهذا الانسان وعائلته المتعففه والتي ترفض ان تمد يدها لاحد اي كان وانا متيقن انهم سيعاتبوني على ما كتبت ولكن هو واجب علينا تقديمه لامثال هؤلاء وهو استحقاق وتكريم ورد الوفاء لهذا البطل المنسي وغيره الكثير اتمنى من الدولة ان توليهم الاهتمام والعناية حتى يقفوا على ارجلهم وحتى يعود ابراهيم لكسب رزقه ورزق اطفاله وامه الطيبة ...