آفة الديمقراطية

 نـزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

لم يخلق الله تعالى من هو فوق المساءلة، لسبب بسيط جدا وهام في نفس الوقت، ألا وهو أن الله تعالى خلق الإنسان مسؤولا، له حقوق وعليه واجبات، وليس في هذا الكون من له حقوق وليس عليه واجبات، إلا الخالق عز وجل، والى هذا المعنى يشير الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله {أما بعد، فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه، لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه سبحانه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه، وتوسعا بما هو من المزيد أهله}.

   إن المساءلة، هي حجر الزاوية في بناء النظام السياسي الصالح، لأن ترك المسؤول يمارس السلطة بعيدا عن أعين الناس، ومن دون مساءلة أو رقيب، سيشجعه على إساءة التصرف بها، ما ينتهي في أغلب الأحيان إلى الفساد والطغيان، لأن السلطة غنى، ونهاية الغنى، من دون رقيب، طغيان، والى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة {إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى}.

  وان أخطر عدو للمساءلة، هو مرض عبادة الشخصية التي تبتلى به الشعوب التي ترزح تحت نير الأنظمة الشمولية، وبكل أنواعها، ولذلك سعى الإسلام وقادته العظماء إلى معالجته ونسف هذا المرض من جذوره، من خلال تبسيط علاقة الناس بعضهم مع البعض الآخر، وعدم التمايز بين الحاكم والمحكوم، وإذابة الفروقات المصطنعة بين الطبقات الاجتماعية (الحاكمة والمحكومة) لأن مرض عبادة الشخصية، يبرر للزعيم أخطاءه وتصرفاته المنحرفة، الأمر الذي ينمي عنده روح التعالي والتجبر والاستبداد، بعد أن تتراكم الأخطاء والتبريرات.

   فعندما وقف ذلك الأعرابي أمام رسول الله (ص) ليسأله عن دينه، ارتعدت فرائصه، ظنا منه أنه يتكلم مع حاكم جبار أو ملك طاغ  أو سلطان مستبد، أو أنه سيؤخذ بالنواصي والأقدام إذا ما أساء أدب التعامل مع الملوك، فبادره الرسول (ص) مطمئنا بقوله؛ {ويحك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد}.

   وفي هذا الصدد، ينقل لنا التاريخ أن الرسول الكريم، لم يكن ليتميز عن الناس قيد أنملة، ولذلك عندما كان يدخل عليه زعماء العشائر في مجلسه العام مع أصحابه، لم يكن بامكانهم تمييزه عنهم بلباسه أو حرسه الخاص أو بطريقة جلوسه، فكانوا يسألون (أيكم محمدا).

   وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحرض الناس على مساءلته والنصيحة له، زارعا فيهم الجرأة على السلطان حتى لا يتردد الناس في مساءلة الحاكم، وهو الزعيم المنتخب من قبل الأمة، في أول انتخابات عامة، حرة ونزيهة، يشهدها المسلمون (الصحابة على وجه التحديد) في حياتهم.

   يقول عليه السلام {أيها الناس، إن لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم).

   ووقف ذات مرة خطيبا في المسلمين، يقول لهم:  

   {ان خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة، فانا خائن} قال هذا الكلام بعد أربع سنوات من الحكم والسلطة، في اشارة منه الى ان الحاكم الذي يثرى من بيت المال، على حساب حقوق الناس، فهو خائن لشعبه وبلده.

   بالله عليكم، هل تعرفون حاكما يجرئ الناس على اتهامه بالخيانة غير أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكم من حاكم أو موظف صغير نمت أمواله بمجرد أن اعتلى منصبا أو تصدى لمسؤولية، من دون أن يجرؤ أحد على محاسبته ومساءلته فيقول له مثلا، من أين لك هذا؟.

   مساءلة الحاكم، إذن، حق من حقوق المواطن، وليس منحة يهبها له السلطان، بل انه يرقى، في أحيان كثيرة، إلى مصاف الواجبات (الدينية والوطنية) فعندما يتوقف صلاح النظام على المراقبة الشعبية للسلطة، وعلى مساءلة الحاكم، فان المحاسبة والمساءلة هنا تكون واجبة عينية، على كل مواطن حريص أن يمارس هذا الحق (الواجب) حتى لا يختل النظام السياسي.

   ومن الواضح، فان تعريف الرعية بحقوقها من قبل الحاكم، ودعوته لهم بالنصيحة له، تعد القمة في تحريضهم على المساءلة، من دون خوف أو تردد.

   كما أنه (عليه السلام) كان يعلم وزراءه فن المكاشفة مع الناس، فكان يرفض أن يدبروا أمورهم بليل، ولم يقبل منهم التدليس إذا ما تناقل الناس فضيحة من فضائحهم، مالية كانت أو سياسية أو إدارية، فكان يدعوهم إلى المبادرة لمكاشفة الناس على الهمس فضلا عن المساءلة، فكتب يقول إلى مالك الاشتر عندما ولاه مصر، في عهده النفيس الذي دونه له، يحثه على المبادرة إلى توضيح ظنون الناس السيئة به، حتى قبل مواجهتهم له، علنا وليس بالسر{وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك، وأعدل عنك ظنونهم باصحارك، فان في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقا برعيتك، واعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق}.

   لا يمكن أن نتصور نظاما سياسيا صالحا، من دون مشاركة شعبية حقيقية، تتجلى في المراقبة والمساءلة، ولا يمكن أن نتصور مشاركة شعبية فاعلة، في ظل انتشار ظاهرة (عبادة الشخصية) في أي مجتمع ، فهذا المرض يعفي الحاكم أو الزعيم من تحمل نتائج أخطائه وتصرفاته المنحرفة مما ينمي عنده روح التعالي والاستبداد.

   ان مفهوم (عبادة الشخصية) يشير الى تمجيد الحاكم بصورة مطلقة واضفاء صفات القداسة عليه من خلال اعتبار كل ما يقوم به صواباً لا يمكن تخطئته أو الرد عليه.           كما يضفي هذا المفهوم على شخصية الحاكم صفة المنقذ أو المخلص الذي ينقذ شعبه من الجهل أو الفقر أو الاستعباد أو الأعداء الخارجيين، وهكذا تؤسس (عبادة الشخصية) لمبدأ تفوق الحاكم وأبويته مقابل دونية الشعب وقصوره بحيث يظهر هذا الأخير قاصراً كالطفل الذي لا يمكن أن ينمو بصورة صحيحة دون رعاية الحاكم وإرشاده.

   وتهدف (عبادة الشخصية) الى تكريس فكرة استحالة الاستغناء عن الحاكم (المعبود) وعدم جواز مراقبته ومساءلته، وهناك عوامل عديدة تساهم في شيوع (عبادة الشخصية) أهمها وجود اعلام وثقافة أحاديين تمجدان شخص الحاكم، الى جانب ضعف الوعي الديمقراطي وغياب المؤسسات الرقابية الجادة.

  ويتضخم مرض عبادة الشخصية أكثر فأكثر في المجتمعات الدينية، وذلك لأسباب كثيرة، منها، نوع الثقافة التي رسخها سلاطين المسلمين والتي تقول بأن الحاكم هو ظل الله في الأرض، فكيف يجوز إذن محاسبته ومساءلته ؟ كما أن كل موظف يعينه السلطان هو ظل الله في الأرض بالنيابة أو بالواسطة، وان الأرض التي يمشي عليها السلطان، هي ملك له، لا يجوز التصرف بها، وهكذا.

   كما أن لاختلاط مفهومي التقديس والاحترام عند الناس، يحول دون مساءلة الحاكم، فبينما يعني التقديس طاعة السلطان على كل حال، فان الاحترام يعني تقدير علمه وعمله الصالح، من دون أن يعني ذلك إتباعه بعيون مغمضة.

   ولقد حارب الإسلام وقادته الميامين التقديس أشد محاربة، فعندما سئل رسول الله (ص) عن معنى الآية المباركة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون} وفيما إذا كانت الأقوام السالفة قد عبدت علماءها بالفعل بدلا عن الله تعالى، قال {لا، وإنما أمروهم فأطاعوهم}.

   لنقرأ معا هذا الحوار الرائع بين الرسول الكريم وأحد أفراد رعيته، والذي يشير الى مدى بساطة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، التي كرسها رسول الانسانية (ص):

   بينما النبي (ص) في الطواف، اذا سمع أعرابيا يقول؛ يا كريم، فقال النبي خلفه، يا كريم، فمضى الأعرابي الى جهة الميزاب، وقال يا كريم، فقال النبي خلفه، يا كريم.

   فالتفت الأعرابي الى النبي، وهو لا يعرفه، وقال له؛ يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابيا؟ والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك، لشكوتك الى حبيبي محمد (ص).

   فتبسم النبي وقال؛ أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي؛ لا، قال النبي، فما ايمانك به؟ قال، آمنت بنبوته ولم أره، وصدقت برسالته، ولم التقيه، فقال النبي، يا أعرابي، اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الآخرة، فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي (ص) فقال له النبي؛ مه يا أخا العرب، لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فان الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبرا ولا متجبرا، بل بعثني بالحق بشيرا ونذيرا.

   فهبط جبريل على النبي، وقال له، يا محمد، السلام يقرؤك السلام ويخصك بالتحية والاكرام، ويقول لك، قل للأعرابي لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغدا نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي، أو يحاسبني ربي يا رسول الله؟ قال، نعم يحاسبك ان شاء، فقال الأعرابي، وعزته وجلاله، ان حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي (ص) وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ فقال الأعرابي، ان حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وان حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وان حاسبني على بخلي، حاسبته على كرمه، فبكى النبي حتى ابتلت لحيته.

   فهبط جبريل على النبي، وقال، يا محمد، السلام يقرؤك السلام، ويقول، يا محمد، قلل من بكائك فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي، لا يحاسبنا ولا نحاسبه، فانه رفيقك في الجنة.

   بهذا الخلق ربى الرسول الكريم المسلمين، وبعقل منفتح غير متعصب أو متحجر كان يصغ اليهم ويحاورهم ويسمع منهم، فلا اكراه ولا فرض ولا اجبار على ايمان أو معتقد، ولا تقديس مزيف، ولا هم يحزنون.

   كما أن لاستغلال بعض (رجال الدين) طيبة وبساطة الناس وإيمانهم الكبير بالدين واحترامهم لعلمائه، دور في تكريس مرض عبادة الشخصية، الذي ينسف مبدأ المساءلة من جذوره، فكم من أتباع لهذا (المعمم) أو ذاك، شنوا الحروب وتقاتلوا مع الآخرين من أجل صاحبهم، من دون أن يعرفوا لماذا؟ وعلى ماذا يتقاتلون؟ وما الصراعات المرجعية والحروب الباردة، والساخنة بين المعممين، التي يشنها أتباعهم بالنيابة، الا دليل على ذلك.

   ايضاً، للتربية الحزبية الشمولية دورٌ كبيرٌ في استفحال مرض (عبادة الشخصية) اذ تكرس هذه التربية لدى الأعضاء الالتزام المطلق بنظرية (نفذ ولا تناقش) وتعليمهم أن الزعيم شخصية متكاملة لا يمكن أن تخطىء وبالتالي فلا داعي لمراقبته أو مساءلته، خاصة في التنظيمات ذات القيادة (الدينية) أو (العشائرية) أو تلك التي تستنسخ تجارب اليسار في المعسكر الشرقي المنهار.

   وهناك تناسبٌ عكسيٌ بين المساءلة والجهل، فكلما كانت نسبة الأمية والجهل عالية، كلما خبت فاعلية المساءلة، والعكس هو الصحيح، لأن المجتمع الجاهل والأمي أكثر استعداداً لأن ينظر بقدسية إلى الزعيم وتنزيهه عن الخطأ ما يؤدي إلى تخلي المواطن عن حقه في المساءلة.
   أضف إلى ذلك، تلغي (عبادة الشخصية) كل محاولات صناعة الرأي العام التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني، والإعلام الحر، إذ أن كلمة واحدة من (معبود الجماهير، الزعيم الموهوب) قادرة على نسف تأثير مئات المقالات والحوارات، ولذلك، لا نجد في البلاد التي تبتلي شعوبها بهذا المرض، معنى للرأي العام، لأن كلمة الزعيم (قرآنا) فوق أي كلام آخر، ولذلك فاننا نجد صناعة (الرأي العام) رائجة في البلاد التي يحكمها النظام الديمقراطي، الذي لا يشكو من مرض (عبادة الشخصية) أما في البلدان التي تحكمها الأنظمة الشمولية، الوراثية والعسكرية، فلا تجد لهذه الصناعة أي رواج، لأن الحاكم هو الرأي العام، وأن السلطة هي التي تنفرد بقيادة هذا الرأي العام في البلاد، وان كل من يحاول أن يسبح عكس هذا التيار، فسيكون مصيره السجن والمطاردة وبالتالي القتل والالغاء من الحياة.

   وإذا أردنا أن نحيي مبدأ المساءلة من جديد، لندفع الناس إلى المشاركة الفعلية والحقيقية في الشأن السياسي العام، علينا أولا أن نصحح المفاهيم الخاطئة التي عشعشت في أذهانهم، وأولها (عبادة الشخصية) إذ يلزم أن يفهم الناس بأن ذلك ليس من الإسلام أبدا، بل إن الإسلام ورسوله وأئمته حاربوا ذلك أشد محاربة، لأنه يعطل دور الإنسان ويحجر على عقله ويحوله إلى عبد ذليل يتبع الحاكم بلا بصيرة، كما أنه يرسم سقفا للناس، يخشون تجاوزه، فيظلون يعيشون تحته إلى أبد الآبدين.

   يلزم إثارة (الدافع الذاتي) عند الناس، ليمارسوا واجب المساءلة مع كل من يتصدى للشأن العام، وان كان عابدا زاهدا ورعا تقيا.

   كما يلزم إحياء مبدأ المسؤولية عند الناس، ونسف الاتكالية والاعتماد على الآخر في إدارة البلاد، وترديد المقولة السيئة (ما لنا والدخول بين السلاطين) أو (ضعها برأس العالم، واخرج منها سالما) وما إلى ذلك من الأمثلة التي تعبر عن واقع ثقافي سئ، والتذكير بأن الإنسان (كل إنسان) مسؤول عن كل ما يجري حوله، ليس في الآخرة فقط، وإنما في الدنيا كذلك، ولذلك جاء في الحديث الشريف {ملعون ملعون من بات شبعانا وجاره جائع} هذا يعني أن كل مواطن، وليس الحكومة فقط، مسؤول عن الحالة المعيشية للمواطنين الآخرين، الأقرب فالأقرب.

   إن المسؤولية هي روح المشاركة، أما المساءلة فهي إطارها الصحيح السالم، ولذلك حث القرآن الكريم العباد على التحلي بروح المسؤولية، بقوله {إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا} ومن الواضح فان هذه الجوارح هي التي تشكل مركز ثقل الإنسان وما يمارسه في هذه الحياة الدنيا.

   كما أن لإعادة الاعتبار إلى مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح، دور في خلق مبدأ المساءلة في نفوس الناس من جديد، لأن هذه المبادئ العظيمة هي المبرر الحقيقي والصالح لدفع الناس إلى مساءلة الحاكم، ولأنه ليس في هذا العالم من يحرم تطبيقها عليه، لذلك فان المساءلة، بدورها، لا يجوز أن نستثني أحدا منها.

   لقد بذل الإسلام وقادته، جهدا كبيرا من أجل تأصيل هذه المبادئ، لأن غيابها عن المجتمع، يغيب روح المسؤولية وبالتالي يغيب معها مبدأ المساءلة، وهو أول طريق الاستبداد السياسي، ولهذا السبب وردت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تحث على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} لأن بقية الأمم كانت لا تنهى الحاكم عن فعل الشر وكانت تطيعه طاعة عمياء وتخشى مساءلته، ولذلك انهارت قواعدها.

   أما رسول الله (ص) فيقول بهذا الصدد {كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسلط الله عليكم شراركم، فتدعون فلا يستجاب لكم}.

   نحن، إذن، أمام خيارين، لا ثالث لهما، فإما أن نحيي مبدأ المساءلة، ما يعني إلغاء عبادة الشخصية، أو أن نظل نسترسل مع هذا المرض، ما يعني إلغاء مبدأ المساءلة، لأن الأمرين متناقضان لا يمكن أن يجتمعا أبدا، فأيهما سنختار، ونحن نسعى لبناء نظام سياسي صالح، من أول شروطه الرقابة الشعبية ومساءلة الحاكم؟.

   بانتظار ذلك اليوم الذي لا نرى فيه المواطنين يركضون خلف سيارة الزعيم، يلهثون كالقطط، وهو الذي تسلط عليهم بقوة الحديد والنار، من دون أن يستشيرهم أو يأخذ برأيهم، وبانتظار اليوم الذي تنتشر فيه ظاهرة المساءلة والمراقبة والمحاسبة للحاكم، في الساحات العامة، وكلما خرج الحاكم الى رعيته يريد أن يخطب فيهم، فالى متى يبقى الحاكم هو المتحدث الوحيد، وعلى الناس أن يصغوا اليه متسمرين أمامه لساعات، فاغرين أفواههم أمامه، لا ينبسون ببنت شفة؟.

 

   23 آب 2006

 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com