|
أطفال الانفال - 3 يوسف أبو الفوز اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي، الذي اردته شهادة بلسان ضحايا وشهود جريمة الانفال بحق ابناء شعبنا الكوردي، والذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية، شتاء 2004، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال ). حيث كنت مع انصار الحزب الشيوعي العراقي، في قلب الاحداث، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش. كنت مع بسطاء الناس، جزءا من المأساة، وواحدا من ضحاياها. كنت مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور المجرم ونظامه الشوفيني الفاشي، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي. في صفحات الكتاب ـ الشهادة حاولت أن ارصد بعض مما جرى، ومن خلال زاوية محددة: الأطفال الأكراد! في الحلقة رقم 1 نشرت جزءا من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث، واورد الان بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب. *** من شهادات انصار الحزب الشيوعي العراقي * حدثني النصير أبو حسن (حبيب ألبي)، قال: يوم 28 /8 /1988 كان يوما لعينا بشكل عام، وفي وادي كافيا، كان يوما فظيعا، حيث آلاف العوائل حاصرها من الجانبين جيش النظام الديكتاتوري، وسيطرت قوات الجحوش على الطرق الأساسية للانسحاب، فوجدت آلاف العوائل نفسها محاصرة لا تعرف ماذا تفعل. وفي لحظة واحدة كانت تسري عشرات الإشاعات المتضاربة، وسط المعنويات التي هبطت لحد الذعر الشديد، خوفا من استخدام النظام الديكتاتوري للسلاح الكيمياوي، وسط هذه الأجواء شاهدت الكثير الذي لا ينسى. لن أنسى ذلك الأب الذي أصيب بهستيريا الرعب. كان يحمل طفلته الصغيرة فوق ظهره، فجأة سحب أقسام بندقيته، ووجه فوهة السبطانة للخلف من فوق كتفه الأيسر، وأطلق النار، لكنه اخطأ الطفلة إذ كان رأسها ولحسن الحظ إلى الجانب الثاني فوق الكتف الأيمن. طاشت الرصاصة، فرمى الأب البندقية وانهار في بكاء مر، لم يكن يعرف لماذا يريد قتلها! كانت لحظة جنون، لحظة رعب قاتل من مستقبل مجهول. * حدثني النصير حيدر أبو حيدر: في وادي كافيا، وبسبب من الذعر الشديد الذي دب بين الناس، وبالأساس لخوفهم من استخدام قوات النظام الديكتاتوري للسلاح الكيمياوي، كانوا يتزاحمون على الطرق والممرات الضيقة للصعود إلى جبل كاره الوعر، للاحتماء به، و... كنا هناك! كانت المشكلة الأساسية لنا ولهم هي الماء، فجبل كاره، وعلى سعته وتشعب وديانه وعدد قممه، تندر فيه ينابيع الماء، كما أن الينابيع الأساسية القريبة أصبحت تحت سيطرة قوات النظام الفاشي، لذلك اضطر الناس إلى شرب المياه الآسنة، ورأيت بعيني كيف يتزاحم أطفال بعمر الورود مع البغال لشرب مياه الطين. وعند ( بوتكي ) النبع الوحيد هناك، كان الطابور طويلا، بل هائلا، نساء وأطفال يتلوعون من العطش، وأستطيع القول أن الناس المتوترة رعبا، والمصفرة الوجوه، والمتشققة الشفاه، لم يتركوا قطرة ماء واحدة تسقط للأرض من مجرى النبع الشحيح. * حدثني النصير فرهاد: يوم 28 /8 / 1988 يوما تعسا بحق، فبعد أن استطاعت فيالق النظام الديكتاتوري السيطرة على مناطق العبور لنهر الزاب، وجدت آلاف العوائل نفسها محاصرة في وادي باني، قرب نهر الزاب، وبدون هدف بدأت الآلاف تصعد إلى قمم الجبال القريبة لمجرد الاحتماء بها، سالكين طرقا وعرة وشاقة، لم تستخدم سابقا، وكان الحال مأساويا، حيث الخوف الرهيب من احتمال القصف الكيمياوي، وحيث الجوع والعطش قد أنهك الجميع رجالا ونساءا وأطفالا. وكنت هناك، شاهدت الكثير من المواقف التي لا تمحى من الذاكرة، ولن أنسى تلك الصبية، كيف أصفها لك ؟ لم يستطع كل الخوف الذي شوه الوجوه، ولا الجوع الذي اذبل العيون، ولا العطش الذي شقق الشفاه، أن يخفي جمالها المهيب، كانت طفلة، بل حمامة، للتو تقترب من تفتح أنوثتها! ونحن نصعد إلى القمم، كانت كسرة الخبز ثمينة، وقطرة الماء اثمن، لكن الجميع يفتقدها. ورغم العادات الكوردية الصارمة التي رسخها الآباء الكوردي، والتقاليد التي تمنع الفتاة أن تطلب شيئا من رجل لا تعرفه، إلا أن هذه الصبية ولشدة عطشها وجوعها، أخذت تدور بين الناس، كانت دموعها تنهمر بدون توقف، وتتوسل قطرة ماء وكسرة خبز! تمنيت الموت لحظة أن توسلتني، لم اكن املك لا ماء ولا خبزا، ولا رفاقي الانصار أيضا لأطلب منهم، ولم أتمكن من امتلاك الكلمة المناسبة لا قول لها شيئا، حتى الكلمات فقدتها. أني احترق والعن أشياء كثيرة إذ تذكر دموع تلك الفتاة. بالله عليك لم ذكرتني بها ؟! * حدثني النصير أبو أحرار: في يوم 28 /8/1988 الكئيب، كنت عند الزاب في وادي باني، ومع أنصار كثيرون، ورأيت الذي لا يمكن نسيانه أبدا. إذ هل يمكن نسيان حال الآلاف من أبناء شعبنا المهددين بالموت أما بالسلاح الكيمياوي أو عطشا أو جوعا ؟ هل يمكن نسيان تعلق الناس بالحياة الحرة الكريمة ومعاناتهم القاسية لا جل ذلك ؟ في وادي باني، رأيت امرأة حامل، يبدو أنها في أيام حملها الاخيرة، تسندها فتاتان، يصعدان بها لقمة الجبل، في طريق وعر، شديد الانحدار. كانت لا تقو على الوقوف من التعب. لقد بقيت طويلا أرى هذه المرأة في أحلامي. أين هي ألان ؟ تحت أي شجرة ولدت طفلها ؟ وهل لا يزال هذا الطفل حيا ؟ وأي اسم يحمل ؟ رأيت مئات الأطفال العطشى، الجوعى، وقد مسخ الخوف اشكالهم الجميلة، وعشرات منهم حفاة بلا أحذية، يسيرون في طرق وعرة، قاسية. هل يمكن نسيان تلك الطفلة التي كانت أقدامها الصغيرة تترك بقع دم على جانب الطريق ؟ هل يمكن نسيان ذلك ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |