ثعابين المجموعات المسلحة

 رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se

باتت قضية استهداف أنابيب النفط من قبل القوى الإرهابية والفساد المستشري في وزارة النفط  أمرا مألوفا، والفساد والإرهاب في مأمن حتى اليوم، لأنهما صنوان متعاضدان يشد احدهما أزر الآخر، إلا أن الجديد هو اصطفاف  آفة المجموعات الطائفية المسلحة معهما لتكون ثالثة الأثافي في المحنة المستعصية التي تتحكم بالبلد ، فبعد إرهابها للمواطنين الذين لا يأتمرون بأوامرها و فرض الاتاوات على العزل منهم بحجة حمايتهم، ها هي اليوم توسع بركات نشاطها الإيماني متجاوزة مرحلة سرقة النفط الخام، فمدت يدها الى المشتقات النفطية لتزداد معاناة المواطنين أمام ندرتها وارتفاع أسعارها الجنوني، تلك المجموعات التي تتعمم بدعاوى الدفاع عنهم والسعي الى خدمة الفقراء منهم. وسرقة المشتقات النفطية ليست تهمة تلصق بتلك المجموعات، بل وفق اعتراف أدلى به وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني وعلى ذمة وكالة الصحافة الألمانية التي نقلت الاعتراف بالقول:

  ( اعترف  وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني أمام مجموعة من النواب العراقيين بان مسؤولية تفاقم أزمة الوقود في البلاد تعود للأعمال الإرهابية التي تستهدف الأنابيب، وسيطرة المليشيات المسلحة على بعض محطات تعبئة الوقود، والعناصر الفاسدة في وزارة النفط).

وفي واقع الحال فان اعتراف السيد وزير النفط لم يأت بجديد، لكن أهميته تتأتى من كونه، شهادة واحد من أهل البيت، في الوقت الذي أضحت فيه ممارسات المجموعات المسلحة الطائفية ظاهرة لا تقل خطورة عن خطر الاحتلال والإرهاب والفساد، بل ان خطورتها أعظم لأنها محمية من القوى الشرعية التي وصلت الى السلطة عبر الهاجس والشعور الطائفيين اللذين أججتهما  الكتل الطائفية قبل وأثناء انتخابات مجلس النواب في الثلاثين من كانون الثاني الماضي.  وأخذت تلك المجموعات بالتمتع بالنشاط العلني "الشرعي" وبرعاية أحزاب وكتل دولة المحاصصة الطائفية والقومية.

 إن وقوع الشارع العراقي، بغض طرف من قوى الاحتلال وعدد من المسؤولين، تحت سيطرة هذه المجموعات وتصرفاتها باعتبارها ولية أمر الناس في شؤون الدنيا والآخرة، حدا بفئات متزايدة من المواطنين بالتفكير بمغادرة البلد، ومنهم من غادرها فعلا بحثا عن أي ملاذ آمن خارجه.

 هناك ادعاء يعلن هنا وهناك، من ان بعض هذه الجماعات المسلحة قد تمردت حتى على مسؤوليها، وباتت خارج نطاق السيطرة، وهي تتصرف لوحدها دون رادع من احد ، وإن صدقنا ذلك، فهو نتيجة طبيعية لمن يربي الثعابين  في جبته أو تحت عمامته. وإذ توجه هذه الثعابين غلها وسمومها للمواطن البريء اليوم، فلن يكون يوما بعيد الوقوع، عندما توجه تلك السموم الى أشقائها في العقيدة والمذهب، والى أجهزة الحكومة الممثلة فيها. و ما التناحر المسلح المندلع بين فترة وأخرى في العديد من القرى و المدن، والتصفيات الجسدية اليومية بين أصحاب المذهب الواحد، وفي كلتا الطائفتين، إلا شهادة موثقة.

 لقد صارت تلك المجموعات المسلحة واحدة من اكبر التحديات التي تواجه عملية المصالحة الوطنية الهادفة الى حقن دماء العراقيين المهدور على مدار الساعة، وتحقيق سيطرة القانون وتأمين وجود سلاح يحميه، هو سلاح مؤسسات الدولة الأمنية الرسمية فقط. ولذلك فان كل خطوة تنجز على طريق المصالحة الوطنية يعني الاقتراب من الحد من هيمنة هذه المجموعات و امتيازات قادتها الاجتماعية و المالية، وهذا ما يفسر رفضها إلقاء سلاحها، بل و افتعالها الصدامات مع قوات الجيش في أكثر من مدينة عراقية في هذا الوقت. ولا يتمتع بمصداقية كبيرة القول إن السبب الأول في انتماء المواطنين لهذه المجموعات هو غياب أو ضعف أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، بل ان السبب الأول في ازدياد عدد و قوة هذه المجموعات المتصارعة، هو تشجيع قادة هذه المجموعات المواطنين البسطاء للانتماء إليها بدافع طائفي مع تقديم الحوافز المادية لهم، بغرض إعدادهم لسحق الخصوم بقوة عمليات الاغتيال و القتل  بتفجير السيارات و العبوات الناسفة، كل ذلك من اجل الظفر بالقسط الأكبر من  السلطة السياسية و امتيازاتها. وهذا هو جوهر الصراع.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com