|
الى عزيزي فؤاد سالم وهو ينهض من جديد عادل الركابي أيها الجنوبي الممشوق من حفيف السعف وظلال النخيل ورائحة التمر ايها الخارج من هور الجنوب وحكاياته وطقوسه .. ايهذا المسكون بصوت( الهيوه) وغناء الزنوج والصيادين والحامل أينما حللتَ هدير الامواج وهي تطوّح بالمشاحيف والعبـّارات والسفن. ياابن ماء الماء......ماذا اهديك وانت تحط ركابك في الوطن بعد هذه السنين العجاف التي قضيتها رحالاً بين اصقاع هذا الوطن السجن العربي الكبير وها انت اليوم تصارع المرض الذي استحل منطقة واسعة من هذا القلب المرهف الذي يحمل العراق وشعبة وجباله وسهوله وهضابه ... حيث كنا نتحدث معك دائما في مقاهي السيدة زينب عن هموم الوطن وهل لنا يوما ان نكحل العيون ونحن نحتضن السياب والحبوبي وابي نؤاس كنت اراها بعيدة المنال وكنت الوحيد بيننا المتفائل جدا بالمستقبل رغم سنين غربيتك التي تعبت من عد ايامها وتعب معها هذا القلب الطيب ربما لا يعرف سر ومعدن هذا القلب الا من جالسك كثيرا وعرفك على حقيقتك ذلك البصري الشامخ شموخ السياب وستبقى هكذا ايها العزيز.... ونحن كنا في بداية طريقنا نحو الغربة..اقول ماذا اهديك ضمة ورد....؟ أم حفنة من مياه شط العرب؟.... ام ظلاً للشناشيل؟ كانت لحظة لقائي الاول بك وانا استمع اليك من الاذاعه.. لحظة ً عامره بالفرح مليئة بالجمال. كانت روحي قد تفتحت لمطر كلماتك وتوهجت مع موسيقاها هل يمكن لي ان اهديك ما يقابل ذلك؟ أبداً.. ومن أين لي ذلك؟ وانت مع مساء كل يوم تطل علينا من الشاشة الصغيره وتغسل بصوتك المنزع برائحة الجنوب أرواحنا من تعب النهار. وتطهرها من ضجيج حياتنا اليوميه وهموم تفاصليها الصغيره... كنت َ الى جانب نخبة من مطربي أوان نهاية الستينيات وبداية السبعينيات قد منحتمونا ما كان فن الغناء يمنحه لعشاقه. ولم اكن أعرف ان صوتك كان يقاوم سراً ذلك التوجه الذي يريد منه التحول عن خط الفن الحقيقي الى خط يمجد السلطه والطغيان والدكتاتوريه. لقد فعلها غيرك.!!.سارقاً من الشعب الوقت المخصص لأغنياتك. ليملؤه بأغان ٍ مزغرده للدكتاتور . لكن اولئك المطربين الذين طردوا اغنياتك قد ماتت اصواتهم في جناجرهم قبل ان يطردهم الشعب من ذاكرته. لقد بخلتْ سلطة الاستبداد على الشعب باغانيك قـَـفـَلتْ عليها الادراج في الاذاعه والتليفزيون وبثت بدلا منها اناشيد الحرب والدخان وازيز الرصاص. صرنا نسمع في لحن هذه الاغاني نواح الثكالى ونشم رائحة الموت قل لي كيف نستمع الى اغنية(احنه مشينه للحرب) ونصم اسماعنا عن اغنيتك (ياابو بلم عشاري)أم مـَنْ يصدق اننا سنردد في خلواتنا مع أنفسنا: ( سيدي اشكد انت رائع) ولا نردد( ياعشكنا) كان اسلوبك في الغناء ظلاً يدرأ لفح الشمس عن الفلاحين في حقولهم ويمسد سواعد العمال في اماكن عملهم انه لحن العشاق الذي يظلهم مثل غيمة جنوبيه مسافره....... كنت في ذلك الوقت اتفتح مع اغانيك بعفوية العاشق لهذا الفن الجميل ولم اكن افقه من اسراره الكثير.. كما انني لم اكن افقه من السياسة الكثير. ومع ذلك شعرتُ بفظرة من يملك حساً وطنياً صادقاً بالخطر الاتي... لقد توجست خيفة ووضعت يدي على قلبي وانا المس ذلك الفارق المخيف بين ما يدعيه النظام البائد وبين مايمارسه على الارض وقتها.. اذ ما ان غادرت العراق مظطراً مع الالاف ممن غادر العراق سقطت مصداقية النظام في عيني ومعها سقط تفاؤلي وغام المستقبل. اعرف انك قد رحلت مظطراً ... وكانت السلطه وكلابها المسعوره تلاحقك فانسحبت مظطراً الى حين... ولكننا في داخل العراق لم نعدم الوسيله للقائك لقد عدت الينا متسللاً رغم حرس الحدود ورغم عيون الدكتاتور المتكاثره وتلقيناك بالترحاب ونحن نستمع اليك عبر اذاعات المعارضه كانت اغنياتك الجديده تمجد الحريه وتغني للانسان . فيما كان اقرانك من مطربي الداخل مضطرين يدفعون ضريبة بقاءهم باغان ٍ تغازل صلف وغرور الدكتاتور . كانت اغنياتهم تطالبنا بالنوم على حب الدكتاتور والخروج صباحا على ايقاع ايعازاته..... وكانت اغنياتك تتسلل الى هذه المنطقه تحديدا وتنشط في دواخلنا انسانيتنا المهدده وتلهمنا حس النقد وترسم افق آخر.... وحين حلت الساعه في شعبان 1991 أو اذار كما يحلو لك ان تسميها كنتُ واحداً ممن صوبوا بنادقهم الى رموز السلطه واوكارها القبيحه وبمغادرتي العراق منيت النفس بلقائك شخصيا. وتصورت الزمن يطول ويطول قبل ان اعثر عليك. الا انني فؤجئت بك قريباً. اقرب من كل ما تصورته لقد كانت يدك تلوّح لنا على الحدود. أنت َ قريب جدا منا. من نبض الداخل. شامخا في سوريا عزيزي فؤاد: انت تلتزم في خيار ٍ حر فكراً لا ألتزمه. اذ ان لي خياراتي وتوجهاتي الفكريه الاخرى. لكن حسي الوطني يحتم علىَّ الاشاره اليك كرمز من رموز ملحمة التصدي للدكتاتوريه التي انتهت دون رجعه ان اشاء الله!! لقد جعلت من فنك وحنجرتك سلاحا ماضيا في مقارعة النظام البائد كنت امني النفسَ ان اكون معك لحظة وصولك الوطن وكيف كان اللقاء هل احتضنته!! ام احتضنك!! هل بكى قبلك!! ام كفكفت الدموع!! فطوبى للعراق بابنأئه الميامين وطوبي لكل من يعمل الان من اجل العراق وبناءه والخزي والعار لمن يريد شرا بالعراق وطوبي للفن الذي قدمت له نموذجا فذاً في الالتزام وسلاماً ايها الشراع العراقي المرفرف عاليا في سماء العراق والبصره وانت تصدح بين شناشيلها الان... اخيرا اقول لك ايها العزيز ان تعب هذا القلب فكلنا قلوب تنبض لك بالحياة لكي تغني للوطن... للحب.... للسلام......
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |