التنويم السياسي

حسن ذياب الشمري / اعلامي في تجمع عراق المستقبل

cairaqs@yahoo.com

قرأت قبل عدة ايام مقالاً لاحد علماء الاجتماع عنوانه التنويم الاجتماعي والذي لفت انتباهي فيه استنتاج الكاتب لظاهرة التنويم الذي يمارسه المجتمع تجاه الفرد ويسلب منه أرادته , الامر الذي  حفزني على دراسة العلاقة القائمة الان بين الحكومة والجماهير او بين الاحزاب والمواطنين باختلاف مستوياتهم  وبنفس القاعدة التي أعتمدها الكاتب

الملاحظ في البدء ان الجماهير تحت حالة التنويم السياسي الذي تمارسه الأحزاب والحركات السياسية وخصوصاً تلك التي تحظى بقاعدة جماهيرية. فالملاحظ  أن الجماهير لا تتحرك تجاه شيء الا بعد أن تطلب الأحزاب منها ذلك. وهذه الظاهرة هي مطابقة لعملية التنويم المغناطيسي التي يقوم بها الشخص المنوم تجاه الاخر الذي يقع عليه التنويم فهو لا يتحرك تجاه شيء الا بايعاز من قبل المنوم.

العامل المشترك بين عملية التنويم الاجتماعي وعملية التنويم المغناطيسي وعملية التنويم السياسي. هو فقدان الارادة عند الشخص المنوم. بحيث يصبح تابع لارادة المنوم حتى وأن كان ذلك خلاف مصلحته الخاصة.

كما وأن الواسطة المستخدمة في تحقيق هذه العملية والتي هي جملة من الايحاءات عامل مشترك آخر. فالاحزاب العراقية على اختلاف مشاربها تمارس جملة من الايحاءات تجاه قواعدها الجماهيرية تجعل منهم( الجماهير ) اداة لا تملك أي جزء من مفردة الوعي وتقوم الاحزاب بأستغلالها من أجل تحقيق مصالح أنية أو مستقبلية.

فمثلا ان تخرج الجماهير لمؤازرة قائد او حزب في وقت معين وفي وقت اخر يلعنون هذا الحزب او تلك الشخصية... امر يدل على الاستغراب , وكذلك ان يلعن المواطن الحكومة اليوم لانها لم توفر له مايضعه في خانة البشر ويؤيدها في اليوم التالي عندما تطلب منه ذلك , أن هذا الامر ان دل على شيء فأنما يدل على فقدان الارادة والوعي عند الجماهير بسبب طبيعة الإيحاءات التي تمارسها الاحزاب والشخصيات السياسية بحقهم.

في الاسبوع المنصرم وقعت حادثة كانت شاهد على ما ندعيه. حيث لاحظت احد ابناء المنطقة التي أسكنها يخرج من بيته وهو متذمر حد الجنون يلعن ويشتم الحكومة وعند سؤالي له اخبرني بضجر : أي حكومةً هذه انها حكومة عوائل وأقارب اما نحن فلا أحد ينظر الينا. حتى وأن عشنا حياة الكلاب. لا ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا أمن ماذا نفعل اين نذهب...؟

وبعد مرور اربعة ايام شاهدت نفس الشخص من على شاشة التلفاز وهو يمدح الحكومة ويدعوا اليها بالخير.

لم اتفاجأ لكنني حاولت أن اعرف السبب وعندما التقيت به في اليوم التالي اخبرني بانه لم يستطع ان ينتقد الحكومة من على شاشة التلفاز ليس خوفاً منها وانما بسبب ان هذه الحكومة محسوبةً علينا ( كما يقول ) وليس من الصحيح ان انقدها وكذلك استحى من فلان ومن فلان.

كنت اتوقع ان يكون هذا هو السبب، فالإيحاءات التي تفرضها الأحزاب هي من تتحدث من على لسان هذا الشخص وغيره من النائمينأن هذا الشخص والكثير من أمثاله ليسو منافقين أو طامعين بأمر معين بل هم ضحية للتقديس المتوارث في محيطهم الاجتماعي لعدد من العوائل والشخصيات والافكار   

فالنضرة القدسية للحزب او للفرد او للعائلة هي من تمارس عملية الايحاء على الفرد العراقي وهي من تجعله مستلب الإرادة.

كما أن الايحاءات الطائفية والتخويفية التي تمارسها الاحزاب مع قواعدها ضد الجماهير التي ترتبط باحزاب وطوائف اخرى هي من سببت الاحتقان والتناحر بين ابناء الشعب الواحد. وهي من تدفع بالشارع العراقي نحو الاقتتال الطائفي والقومي .

 أن مراهنة البعض من قيادي الاحزاب على عرقلة الوضع السياسي في العراق أذا لم تستجب الحكومة لمطالبه الخاصة من خلال قاعدته الجاهيرية  ( رغم كونه جزء من الحكومة ) , أمر يؤكد ماذكرناه , وقد حدث هذا الامر خلال الايام السابقة من على شاشة البغدادية . 

اذن من يريد ان يصنع معادلة سياسية وطنية هدفها خدمة الناس فقط عليه ان يوقظ الشعب من نومه ويعيد اليه ارادته الحرة الخالية من أي ايحاءات او مؤثرات خاصة. وليس ان يستغل البسطاء ويدعوهم الى الصبر والتحمل ونصر (؟؟) ، بينما تقضي عائلته واحبته اجمل ايامها وباموال الوطن في دول اخرى.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com