|
لماذا لا تقبل بالجدولة .. يا مالكي؟ باسم السعيدي / بغداد لم يعد خافياً على أحد عِظـَم المأزق العراقي – الأمريكي الذي أصاب السلم الإجتماعي العراقي بالإحتشاء ، كما لم يعد خافياً أيضاً التخبط العملياتي للحكومة العراقية المرتبط بشكل مباشر بالتخبط الأمريكي في تناول (فلسفة بناء الدولة العراقية) ، ولعل التناقض في تناول الملفات (الأمني بشكل أساس) وما يلحقه من ملفات ترتبط بالملف الأمني أكبر من أن تخفيه محاولات حبيب الصدر لرأب الصدع (بالخداع المركب) . وأرجو أن يسمح لي القارئ بتسمية النشاط المكثف لحبيب الصدر بالخداع المركب لسبب بسيط هو إن الجميع يعلم ويقرّ بخلوّ هذه الجهود من أي إستناد الى (واقع التجاذبات السياسية) ، ولو تتبعنا المهرجانات والنشاطات الإعلامية لوجدنا الحقيقة المؤلمة وهي إن الناس المنخرطين في العملية السياسية هم يقرأون القصائد ويكيلون المدائح لوحدة الصف .. وهم ذاتهم من يقولون ( آمين) بعد كل نشاط ، كمن يأكل الدجاجة ويقول لنفسه (عوافي) كما يقول المثل العراقي. النشاط الوحيد الذي شذ عن هذه القاعدة هو مؤتمر العشائر العراقية ، فقد كان شيوخ العشائر أكثر صراحة حين وضعوا أصابعهم على الجرح ، وأشاروا (على إستحياء بعض الشيء) الى المشاكل التي كرّست ورسَّخت الإنقسام القيمي داخل المجتمع . في تصوري المتواضع أجد أن التخبط الذي يطوِّح بالجسد العراقي مردُّه الى إستكبارين يتجاذبان المجتمع العراقي ذات اليمين وذات الشمال .. إستكبار الأحزاب المهيمنة على العملية السياسية .. وإستكبار القوى الرافضة للعملية السياسية .. والحديث المتداول عن عشرين أو ستين جماعة مسلَّحة تنوي الإنخراط بالعملية السياسية هو حديث طرشان .. تنادي به الأحزاب وتقول بحدوثه ، ويردُّ عليه أصحاب الشأن بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة وإستهداف معالم الدولة العراقية ومجتمعها العراقي .. وبذلك نكون نحن العراقيون واقعين بين حجري رحى يرفض كل منهما الإقرار بفشل الخط الذي انتهجه .. فالأحزاب لاتقر بالفشل في تحقيق الإجماع الوطني على أجندتها السياسية (هذا إن وجدت لها أجندة غير تحقيق الإنتخابات والدستور المنسي) ، والجماعات المسلَّحة ترفض أيضاً الإقرار بفشلها في تحقيق الإجماع الوطني على أجندة تتضمن بين طياتها الإبادة البشرية لبعض الأعراق والطوائف العراقية . يجري كل هذا الهراء الدموي بمسمع ومرأى من الأمريكان أصحاب القرار الحقيقيون الذين يحاولون (على ما يبدو) ترويض طرفي الصراع من أجل القبول بالحلول الوسطى وتناسي الآلام والدماء التي يعود تأريخها الى خمس وثلاثين عاماً وإزدادوا ثلاثاً ونصف تحت عباءة العم سام . الجيش الأمريكي يتبع القرار السياسي الذي جعل من الحرب العراقية الإيرانية تمتد على مدى ثمان سنوات لا لشيء إلا لصنع قناعة لدى الطرفين بأن لاغالب ولامغلوب سيخرج منها .. وتعاد اليوم هذه الإسطوانة المشروخة ذاتها لتنفَّذ على الشعب العراقي الذبيح . لقد قلب زلماي المعادلة .. وساعدته القوى الطائفية من الجانبين من المعارضة والأحزاب .. فقد خرج بنظريته الدموية التي كان أحد مهندسيها في ثمانينات القرن المنصرم .. اللاغالب ولامغلوب . ولما كانت المعضلة العراقية (الطائفية) مسألة عقدية أو عقائدية فلن تقف عند حد .. بل ستستمر حتى يقضي آخر عراقي من أحد الطرفين .. ويبدو أن زلماي لايعي هذه الحقيقة .. أو أنه يعيها ولكنه يراهن على عقلاء موجودن خارج دائرة صنع القرار في كلا الطرفين ، ويقول الواقع أن هؤلاء العقلاء موثقو اليدين لاقدرة لهم على وقف النزيف .. فالأحزاب المهيمنة لن تسمح لأية قيادة جديدة معتدلة بالظهور .. والدلي مافعلته هذه القوى بصور إياد علاوي في الإنتخابات الأخيرة ، ومن الجانب الآخر يقف المعتدلون أيضاً في قفص الإتهام في أحسن الأحوال بينما دفع الآخرون حياتهم على هذا الطريق وليس أدلُّ على ذلك من مقتل الشهيد البطل أسامة الجدعان . الأجندة الأمريكية التي تقف في منتصف الطريق تبحث عن إنضواء هنا أو هناك تحت عباءتها لن تحقق السلم الأهلي .. والأحزاب المتصدرة للمسرح السياسي هي الأخرى لن تحقق السلم الأهلي .. كما إن القوى والجماعات المسلّحة المناهضة للمد الديمقراطي لن تحقق السلم الأهلي . قد يتساءل البعض .... أين الحل ؟ بصراحة أقول .. ليس هنالك حل ، فقثد دخلنا عنق الزجاجة بأنهار من الدماء .. والخروج منه يتطلب أنهاراً أخرى أكثر من سابقاتها . ولكنني أجد بصيصاً من الأمل في جدولة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق ، ولعل في هذه الخطوة مخاطر جمّة .. إلا أنها ستضع القدم العراقية على أول الطريق ، فالجميع بلا استثناء يفتقرون الى (السيادة) في صنع القرار ، وكل منهم يراهن على الجانب الأمريكي في كسب الحرب بينما المستفيد الوحيد من هذه المعادلة المقلوبة هو الجانب الأمريكي . فالأحزاب السياسية لاتشعر بأية مسؤولية تجاه هذا الشعب الذي يذبح يومياً والسبب حاضر – الفيتو الأمريكي- والجماعات المسلّحة التي تغازل الجانب الأمريكي سرّاً ترفع هذا الوجود الأمريكي كقميص عثمان في تبرير حمل السلاح ضد الشعب العراقي . يقودنا كل ذلك الى إيجاد الأرضية لثابت وطني واحد هو خروج القوات الأجنبية ، لكي لايتم خلط الأوراق وتبرير إستهداف الشعب من خلال شعار المقاومة ، عندذاك سيقف كل من الأحزاب والجماعات المسلّحة وراء نواياهم الحقيقية ، وقد تنشب الحرب الأهلية .. ولكن أليست هي ناشبة فعلاً ؟ أنكذب على أنفسنا ؟ ونقول بعدم نشوبها حتى اللحظة ؟ الحقيقة التي لامفر منها هي مواجهة الأخطاء التي وقع فيها الجميع ، الأحزاب والجماعات المسلّحة ، من الأحزاب من سيهرول وراء القوات الأمريكية الى الخارج ، وسيريحنا منه ومن تنظيراته ، وسيبقى أهل الأهداف والقناعات الدائمة .. وهؤلاء سيكونون يومذاك أصحاب القرار الحقيقي وليس المتأمرك ، وعندها قد نجد مساحة من الحوار بين هذه الجماعات أو صراع الشعارات الحقيقية غير المزوّقة. يومها قد نجد أبناء المناطق الغربية في مواجهة مع الذات .. هل سيقبل هؤلاء بالهيمنة السلفية للقاعدة على مقاليد أمورهم ؟ لخلق جمهورية طالبان ثانية ؟ سيكون هذا الرأي مطروحاً بقوة .. لدى الأوساط التي غيبتها شعارات مقاومة المحتل والجهاد لإخراجه. وفي الجهة المقابلة .. هل سيقبل أبناء الجنوب والوسط بهيمنة (اللطلامة) على مقاليد أمورهم؟ وهل سيصوت (الذي صوَّت خوفاً من القاعدة) بتخندق طائفي فرضته آلة القتل السلفية للأشخاص الذين صوّت لهم سلفاً ؟ قد ينتهي الأمر بالتقسيم .. لا أحد ينكر ذلك ولكن الخاسر الأكبر سيكونون هم الزعماء الذين ساقوا البلاد الى الوضع المحتقن الذي نعاني منه اليوم ويومذاك ، لأن الطائفية التي دفعت بهم الى سدة الحكم لن تكون حاضرة أمام متطلبات الحياة اليومية التي على السياسي أن يوفِّرها للشعب بدلاً من (جداول مواعيد الزيارات) فالزيارات فعاليات شعبية لاعلاقة لها بالسياسية سيستها الأحزاب والجماعات المسلّحة التي تستهدف الزائرين ولكنها بالنتيجة فعاليات شعبية دينية صرف. يسير العراق على سكة أمريكية لانهاية لها من الحرب والدم والدمار .. رحم الله من أخرجه من هذه السكة ولندع نظرية (الفوضى الخلاقة) تمضي في طريقها لعلها تأتينا بثمار غير الدمار الذي جلبته السياسة الرعناء للسفراء الأمريكيين.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |