يا منصور.. أمت !!

باسم السعيدي / بغداد

basim_alsaeedi@yahoo.com

بات من اوضح الواضحات أن مشروع المصالحة الذي أعلنه المالكي فُرِّغ من محتواه الى حد القرف، فالقتل الذي انخفض عاد ليتصدر شاشات الفضائيات من جديد،فبالأمس فقط أعلنت الحكومة عثورها على عشرين جثة لمغدورين بالعلامة ذاتها – رصاصة في الرأس وآثار تعذيب على الجثث -، واليوم تصول وتجول السيارات المفخخة في شوارع بغداد لتحيل أطلال العاصمة الى ركام من الأشلاء المبعثرة والجثث المتفحِّمة،ليخرج بعدها النبأ المتراكم " مطالبة السيد الحكيم بالفيدرالية".

وفيما يبدو أن الحكومة والبرلمان والأحزاب وحتى الجماعات المسلّحة لاتمتلك رؤية واضحة لمستقبل العراق، وكل يغني على ليلاه.

وبما أن الحكومة هي التي طرحت مشروع المصالحة فهي المطالبة قبل غيرها بتوضيح الفلسفة التي تقوم عليها فكرة المصالحة !!

إن التضبيب على فكرة المصالحة وإظهارها على أنها (فرصة ثانية ) لمن فاته قطار العملية السياسية هذا التضبيب (إن كان مقصوداً) فهو يعني فيما يعنيه أن الحكومة والأحزاب المتحالفة معها لاتريد سوى (ورقة توت) تخفي وراءها عورة العجز والضعف في تناول ومعالجة الوضع العراقي الذي يتربع على فوهة بركان، وأما إن كان غير مقصوداً (ولا أتوهم للحظة بهذا الإحتمال) فهو يعني الخطل السياسي للنخب السياسية التي تملك في يدها مصير العراق ومستقبل شعبه الذي يتداعى وتتهاوى هويته يوماً بعد يوم.

إم فكرة المصالحة (بحسب فهمي) تعني أن الجميع ارتكبوا أخطاءاً وآن أوان التراجع وتصحيح الأخطاء، وأما مصالحة من دون الإعتراف بالكم الهائل من الأخطاء (إن لم نسمِّها الجرائم السياسية) فهذا يعني العودة الى إصطلاح (ورقة التوت).

" المقاومة" من جانبها تبحث عن ورقة توت وأقصد بها (الدكتور حارث الضاري تحدياً)، فبدعوته الأخيرة لمقابلة المرجعيات الدينية محاولة للتلبس بلباس الحرص على وحدة وطنية كان المساهم الأول في تضييعها بين سطور بياناته التي تلاعبت بالبلاغة لتقول شيئاً وتعني أشياءاً، وهذه الدعوة (إن صدقت) هي الأخرى تخضع لإحتمالين الأول : أن يكون الشيخ عالماً عارفاً بعدم سيطرة المرجعية الدينية متمثلة بالسيستاني على الميليشيات، وإفتقارها الى الإذن المصغية عندهم وبهذا يكون جناب الدكتور يحاول (تلطيخ) سمعة المرجعية بالممارسات التي يرفضها العقل والشرع والمنطق الوطني ويتحقق من ذلك هدف واحد لايمت الى المصالحة بصلة، وأما إن كان جاهلاً (ولاأظنه الآخر جاهلاً) فهذا يدل على أن الدكتور خاض حرباً ضروساً ومارس التقتيل والتفجير والتفخيخ بحق أناس لايمثلون في حقيقة الأمر عدوّاً أصلاً.

المصالحة بين القوى المتصارعة ليست تبويساً للّلحى، إنها محاولة لإيجاد أرضية مشتركة للعمل الوطني، وحل المعضلات المعلّقة على شماعتي الإحتلال والإرهاب، على من يريد المصالحة أن يفكر جدياً في إعادة تحقيق الإجماع الوطني على الدستور ولو تطلّب الأمر إعادة كتابة الفقرات الخلافية فيه كما نصّ على ذلك إتفاق الساعة الأخيرة بين الحزب الإسلامي ولجنة كتابة الدستور، كما تتطلب المصالحة حل الخلافات السياسية بين المتنازعين تحت سلطة القضاء وفي ساحته حصراً لا في الهيئات ذات طابع الإنتقام والثأر السياسي كهيئة الإجتثاث، أو هيئة تمييع القضاء وأقصد بها هيئة النزاهة التي تفتقر هي الأخرى الى النزاهة.

إن المصالحة التي لاتمثل عند أصحابها إلا (إلقاء الحجة ) أمام المسؤولية التاريخية والوطنية.. هذه ليست مصالحة.. إنها ببساطة (يا منصور.. أمت) إلا أنها كتبت بلغة عصرية مخادعة لاتنطلي إلا على الطبّالين والزمّارين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com