العلم العراقي وإشكالية الولاء للوطن...!

محسن الجيلاوي

Mohsen_khashan@hotmail.com

العلم في كل البلدان ليس فقط ( خرقة ) ترفرف في هواء وتحت سماء زرقاء..بل هو رمز لكرامة شعب ووطن وأمّة، وتحت هذه القطعة من القماش تقاتلت شعوب وأمّم ثم وقعت لاحقا اتفاقيات سلام بل دخلت في شراكات وفي وحدات من تكامل إقليمي وقاري..سيان إن تغير أو بقى نفسه فتلك إرادة تحققها مؤسسات شرعية وتوافق الناس في شكل يجعل طبيعة العلم نسيج للمتقارب والمتداخل في التكامل الاجتماعي والسياسي والتاريخي لمجموعة بشرية تعيش في بلد ما ولكن كل ذلك يحتاج إلى تأمل وإلى لحظة تاريخية تجعل من الولادة سليمة والأهم عليها اتفاق وطني واسع المدى والقبول...لقد حاول البعض تغيير العلم العراقي بعد سقوط النظام ولكن ذلك المشروع فشل لان العراقي الجالس تحته لم يجد صورته معكوسة بالشكل المطلوب وسط لحظة تاريخية من الهشاشة حيث الاحتلال والفوضى.....

وأنا مثل السيد مسعود البارزاني أتفق معه كليا بضرورة تغيير هذا العلم ذو النزعة الصدامية، علم الحرب مع الجميع ولكن السؤال كيف يتم ذلك وأي لحظة وئام تعيشها الأمّة لتحقيق ذلك ؟ كل هذا يحتاج عقل يُبدل لحظات المستقبل القادم على العاطفة..وكنت أأمل من السيد مسعود وهو سليل العائلة البارزانية العريقة في السياسة والتي قد نختلف معها في بعض التوجهات السياسة والفكرية لكنها كانت دوما متبصرة في علاقتها مع العراق أرضا وشعبا أن لا يُدفع إلى إجراءات يبدو شكليا منطلقها شعاري وموحد للعاطفة القومية ولكن جوهرها يجعل العراقي يفكر أن القوى الكردية تفجر دائما قنابل سياسية لتعقيد المعقد أصلا..فالبارزاني أستقدم الجيش العراقي زمن الدكتاتور والعلم المُنزل وهذا التصرف المادي أكثر وقعا وبشاعة من حيث الأثر التاريخي وفهم السياسة عن ( علم ) يرفرف مسكينا فوق مباني الإقليم وبشكل خجول بالأساس وضمن حيز ضيق وسط أعلام الإقليم المبالغ في حجمها وارتفاعها وعددها وكذلك وسط غربة سياسية يشوبها ضباب الولاء والدهاء السياسي في حصد المكاسب عن الصدق كما يبدو..وبالمناسبة أن العلم ( العراقي ) المرفوع فوق مؤسسات الإقليم في أربيل ودهوك هو علم ثورة تموز بدون ( الله وأكبر ) مما يعطي تفسيرا أن الموضوع يتعدى إشكالية علم تعرض تحت رايته الشعب الكردي إلى الاضطهاد كما يقال..فصدام فضيلته انه ساوانا في ذلك..!

لقد استطعت اليوم أن أتلمس حجم المرارة التي تركها هذا القرار على الشارع العراقي وأصبح المواطن يربط مسلسل تأزيم الأوضاع من قبل الأخوة الأكراد عبر قرارات وشروط ومواقف وخصوصا في المنعطفات السياسة الحادة للعملية السياسة الجارية في البلاد كعصي تضع في توريط العراق في مشاكل أكثر..لقد أعطى هذا القرار ضربة نهائية لمشروع المصالحة ( العليل أصلا ) ويبدو أن السيد البارزاني وقع ثانية وثالثة في التوقيت الخطأ وكأن ذلك تشفي بالدم العراقي الذي ينزف يوميا والذي يحتاج إلى تأجيل الكثير من المواضيع حرصا على تقليل الخسائر وعدم جر البلاد إلى الفوضى..لقد أكد هذا القرار ذلك المشروع التي تسعى له بعض القيادات الكردية إلى تمزيق العراق وجعله يتخبط في مشاكله اعتقادا أن ذلك يحقق انتصارات سياسة لهم، ولكن ستكشف الأيام القادمة أن النار إذا اشتعلت ستحرق الجميع بأوارها وخصوصا إذا هرب المحتل وجيشه عندها سيبرز الجوهري والذي سينقذنا من الشائك الحالي هو أن نتفاهم بلا عداوات مسبقة...!

لقد نقلت بعض الأحزاب السياسة الدينية ( سنية وشيعية ) الطائفية السياسة إلى طائفية مجتمعية وكانت ترى أن ذلك سيحقق لها مكاسب سياسية لكننا نرى المأزق الذي وقعوا فيه..خوفي أن هذه القرارات للإخوة الأكراد يراد به أيضا نقل الشوفينية والفهم القومي المتطرف من سياسة دولة ضد الشعب الكردي إلى تصادم بين عرب ( عراقيين ) وأكراد..

لهذا أرى أن تلك خطوة بائسة الأفضل منها هو أن يعلن السيد مسعود الانفصال وبدون تردد وسندافع نحن أصدقاء الشعب الكردي عن هذا الحق خصوصا إذا تعرض الأكراد لأي اعتداء من الجار الجنوبي وهم عليهم تحديد خياراتهم السياسية في منطقة ودول معروفة مواقفها منهم، هذا ليس شان العراق في ظل أوضاعة الصعبة..كما أن على الحكومة العراقية إذا لديها كرامة وقوى يهما العراق فعلا لا قولا أن تعلن الانفصال من طرف واحد فذلك أفضل للعراق في واقع مشاكله الكثيرة التي يحملها أخوتنا الأكراد أكثر مما تحتمل..لكني على معرفة تامة أن القوى المتنفذة في عراق اليوم ستتغاضى عن ذلك وستضحك على شعبها رغم معرفتهم التامة بطبيعة الموقف الكردي لكنهم سيتغاضون عن ذلك بسب لعابهم السائل على الفدراليات ولتحقيق ذلك لا يتم إلا بوجود الشكل الكردي الذي يعطي مظلة دستورية بائسة لتمزيق العراق أعلاما وأرضا وبشرا...!

الخوف أن يصبح لكل شارع علم، للعلم كان هناك خلاف بين السيد مسعود وجلال على شكل علم كوردستان..من المضحك أننا نمتلك أجهل طبقة سياسية تريد أن تُدخل شكلا جديدا في السياسة عنوانها  يبدو جميل ( الفيدراليات ) ولكني لم أجد في كل فدراليات العالم إلا علما واحدا يمثل الدولة والباقي حق لكل نادي أو تجمع أو مدينة أو حتى محطة بنزين في اختيار علم يرمز له ولكن أبدا ليس على حساب علم يمثل الأمّة بكل تلاوينها وأطيافها..!

من المحزن أن يدفع جلال الطالباني السيد البارزاني إلى لعب أدوار علنية ضد العراق سواء في كركوك أو في التفاصيل الأخرى..فتصريحاته الأخيرة بان لا عودة لدولة عراقية قوية، متصورا أن نظام صدام قوي وكان الأصح القول والفعل في السعي لدولة قوية – ديمقراطية تجمعنا تحت خيمتها كعراقيين...فهل الدول الديمقراطية في العالم ضعيفة ؟ لكن المفهوم يبدو أن إضعاف العراق لا يعني سوى تحطيمه عبر الفوضى والقتل والإرهاب..ولا اعرف ما هي مصلحة الشعب الكردي في تسعير الكراهية بين الشعوب ؟؟؟ أكتب هذه المقالة بشعور قوي من معرفتي بالطبيعة العالية ( إنسانيا ) للشعب الكردي الذي عشت بينه سنوات طويلة ومن المحزن لي أنا العراقي أن أجد يوما أحدا في عائلتي يذهب إلى حتفه ومعه يتولد ذلك الشعور أن الكل يشتركون في الجريمة وخوصا من الأقرب إليه مكانيا وتاريخا أو أن يتأصل التنافر القومي بحث أجد فكرة كراهية تتعاظم ( عراقيا ) لشعب أحبه وأريد له الخير..وخصوصا أن الشعوب دخلت المشرك الإنساني العام وتجاوزت التفاصيل القومية والدينية والإثنية فالغرب لم يقبلنا نحن ملايين الهاربين من الظلم في بلداننا على أساس خلفيات معينة وإنما لكوننا بشر..فلماذا لا نتعلم إذن ؟؟؟؟

هناك أسئلة كثيرة لا أجد لها أجوبة هي تلك القدرة العجيبة لنا في زرع الكراهية وإلغاء الحب...!

على العراقيين تدارك المخاطر الهائلة التي تعصف بالبلد حيث شلال الدم الغالي الذي يسفح يوميا وأن يسعوا للوحدة كبديل وحيد لإنقاذ ما تبقى ومعها رهان تغيير عقليتنا السياسة والفكرية وعلمنا وشعاراتنا ومقدساتنا البالية لكي نخرج للدنيا حقا على كوننا شعب يستحق الحياة....فهل نحن لها – يا عراق-...؟؟؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com