|
أنا عراقيّ .. إذاً أنا مقتول باسم السعيدي / بغداد روى لي أحد الإخوة القادمين من بلد اليمن السعيد (وكان مدرِّساً) هذه القصة : حدث في أحد الأيام أن نشبت معركة بين قبيلتين يمانيتين فمالت إحداهما على الأخرى بالسلاح ولما كانت الثانية على أتم الإستعداد للمعركة فلم يتمكن أحد من قتل أحد .. إلا مدرِّس عراقي كان يظن أنه بمنأى عن الزوبعة فوقع في الأسر .. فنفذت القبيلة الأولى به حكم الإعدام كونه يسكن في حمى القبيلة الثانية .. وبعد أن وصلت الأخبار الى القبيلة الثانية ثارت ثائرتها على هذا الإعتداء الأثيم .. وشمّر فتيان وشباب القرية عن سواعدهم للأخذ بالثأر .. فما كان منهم إلا أن هاجموا القرية الأولى وأخذوا مدرِّساً عراقياً أسيراً ليتم إعدامه على الملأ ثأراً للمدرس العراقي الذي قتل في النوبة الأولى للصراع. والنتيجة كانت إن الأخوة اليمانيين قتلوا عراقيين بريئين واحداً بالآخر واعتبروا أن النتيجة التعادل (1 -1) وبذلك من الممكن أن يصطلحا بعد الجولتين اللتين نزلت على رؤوس العراقيين الأبرياء. بمثل هذه العقلية تجرى فعاليات الحرب الأهلية الجارية في العراق. ففي إحدى جلسات محاكمة الديكتاتور المخلوع وهو المعروف بهذياناته الفردانية التي تمجِّد ذاته نطق (وهذه إحدى عجائب الدنيا التي أغفل ذكرها كتاب غينيس) نطق حقّاً ، وقال صدقاً ، فقد قال إن الذين يقتلون (بضم الياء) من العراقيين في الغالب هم من الأبرياء ، وأما (والكلام مازال له) المقاوم أو المسلَّح أو الجاسوس فهو يلتزم جانب الحيطة والحذر لأنه يعلم ما ينتظره فيما لو وقع بيد أعدائه فتراه مُسلَّح على طول الخط لايمضي في طريق إلا مع تغطية كاملة من أعوانه وحمايته(إنتهى). وأشهد وأنا العراقي الذي يتسقط أخبار الشهداء في كل صبيحة (لأنه يبدو أن القَتَلة في موعد مع الصباح) أن ما قاله صدّام هو عين الواقع ، فالذي يُقتل اليوم ما هو إلا برئ لايحتمل أن يكون هدفاً ، أو غشيم لايأخذ الخطر على محمل الجد ويتناسى مدى خطورة الأزمة والإحتقان الطائفي ويمضي برجليه الى حتفه الذي ينصب شراكه له الطائفيون. ولو أردنا أن نصطلح على كلمة تختصر هؤلاء الضحايا فهي (عراقي) .. لأن الذي لديه خبرة في التملص من شراك الطائفية ويحمل سلاحه بمعية أعوانه وحمايته هذا الرجل يكون إنتماؤه لطائفيته وميليشياتها ومجاميعها المسلَّحة .. سواء أكان من هذه الجهة أو تلك!! وبذلك لا يكون عراقياً بقدر عنوانه الثانوي .. لذلك فكل من يريد النجاة (للأسف) من شراك القتل عليه أن يتخلى عن عراقيته ليعود الى الخندق الأضيق والهوية الفرعية كي يأخذ حذره فلا يقع في الفخ. وكلا الطرفين باتا (بعد أحداث سامراء الأليمة) ينصبان الفخاخ للعراقيين لا للطائفيين وهذه هي الحقيقة التي تحدَّث عنها صدام . ونتيجة المعارك التي تجري على الساحة العراقية شبيهة بل مطابقة لما جرى في اليمن السعيد .. فالعراقي هو المقتول وغيره بمنجاة من القتل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |