ذكريات رحال بين حلبجة والانفال
احمد مهدي الياسري
a67679@yahoo.com
جهز الرجل ادواته ومستلزمات رحلته الطويلة، كان عازما ان ينطلق نحو الشرق، نحو بلاد لم يرها من قبل وسمع عنها في الاخبار والكتب والحكايات .
كانت رحلاته السابقة الى بلاد الصين والهند وادغال, افريقيا وبلاد اوربا والكثير من بلدان الارض وشاهد هناك العجائب والغرائب والعادات والتقاليد المتنوعة، تلقى المحن والاهوال ومارس الصبر واستلذ بالجديد الجديد والمثير من المعرفة والحقائق التاريخية .
اطلع على تراث الشعوب وفنونها وعقائدها وجمع في مخيلته صور جميلة واخرى محزنة واخرى مثيرة وغريبة ولكنه ولانه مصاب بهوس الاطلاع والتنقل ومعرفة اخبار الشعوب يهمه ان يطلع على كل تلك التنويعات والشعوب والبلدان بنفسه واختار ان يتنقل رحالا يجوب البلاد شرقا وغربا باحثا عن المعرفة والحقيقة في مواقعها الاصلية.
رسم الخطة وحدد الموقع الجديد واختار البلد واشر على خريطة كانت في متناول يده وحدد الطريق الذي سيسلكه بعد ان يضع اقرب نقطة للانطلاق ..
كانت ارضا منسية بالنسبة له وهذا هو اختياره الجديد فلطالما سمع عن بلاد مابين النهرين وتلك الارض المليئة بالحكايات والعجائب والعقائد ولكم سمع تلك القصص المثيرة والمشوقة وها هي تلك البلاد وقد اصبحت في متناول اصراره على ان يلج امواج حقيقتها والان بينه وبينها قاب قوسين او ادنى من المسافة ..
اختار نقطه انطلاقه من ايران قرب الحدود العراقية الايرانية ومنها قرر التنقل بين المدن والاقوام والحكايات العراقية وقرر تمشيط مساحة العراق من شماله حتى جنوبه منطلقا من اقصى جباله في كردستان حتى اخر نخلة ومسطحات الاهوارالعجيبة في جنوبه ..
كان ذلك في ربيع عام 1988 واختار ذلك الوقت والمكان لكي يطلع على ماتموج به المنطقة من اثارة واخبار متنوعة ولم يكن يهتم للسياسة واوجاعها بقدر الوصول الى الحقيقة بام العين ولانه في ترحال دائم كان لايتحاشى مناطق الحروب الساخنة بل العكس من ذلك كان يحاول اختراقها والاطلاع على تلك الكوارث والمحن فهو يؤرخ لما تراه عينه وتسمعه اذنه من اخبار الشعوب والامم لكي يكتبها للتاريخ القادم ..
بدأ الرحلة منطلقا عبر الطائرة الى بلد مجاور لنقطة انطلاقه وها هوبعد الاجرائات والتنقل اصبح عند اقرب مدينة لذلك البلد الجديد على الاقل اليه, وتوقع الرجل كما عادة البلدان التي زارها ان يرى نقاطا حدودية او ماشاكل ذلك وكان يتوقع ان يسمع ازيز الرصاص ودوي الانفجارات والقنابل والمدافع والطائرات حيث كان يعلم ان المنطقة في حالة حرب دامية ..
سمع وقرأ ان ابناء تلك البلاد لايهمهم حرب او دمار فهم يعيشون حياتهم وكان الامر في سلم وسلام والحرب قائمة والجيوش تتصارع والمطحنة تطحن كل شئ فيه حياة في تلك الانحاء،واطلع على تاريخ العراق الدامي دوما ومرت عليه تلك القصص عن المغول ومافعلوه في بغداد وعن الحكام والملوك الذين حكموه بالحديد والنار وكان يعلم ان العراق يحكمه في اثناء وصوله احد امثال تلك الطغاة الجبابرة ولانه كان ينقصه الكثير من المعلومات المباشرة لذلك قرر ان يكون هناك في رحلة جديدة ولكنها هذه المرة ستكون محفوفة بالمخاطر..
كان الليل وقد ارخى سدوله وحلت حلكة السواد، ينظر في السماء فلايرى اثرا لنجم او قمروالغرابة وقد تملكته فهو قد تعود ليل البلدان التي جابها شمالا وجنوبا شرقا وغربا بقمر ونجوم، فاستلقى تحت ضل احدى الاشجار وقرر ان يقضي الليل هناك فامامه في الغد رحلة طويلة ومثيرة ..
استطاع الرجل تمييز الفرق بين انه في ايران ام في العراق فقد الف الرجل وتعلم ان لكل بلاد نسيمها وعطرها ورائحتها المميزة وهو قد تجول في ايران وايقن ان تلك الشجرة هي في ربوع العراق وتحديدا في شماله الشرقي لانه كان قد حدد نقطة انطلاقه من شمال غرب ايران وفق مااحسه من فارق في الطبيعة والنسيم ..
اوقد النار ليهئ طعامه والشراب الساخن ولكي يُذهب عن نفسه وحشة الظلمة الحالكة ولكي يرى ماحوله فلانجم مضئ ولاقمراً منير ولا انس ولاجان والهدوء المرعب يخيم على المكان ..
تناول بعض الطعام وهيئ القهوة الساخنة على تلك النار وجمرها الغريب العطر فقد قطع واوقد بعض الاغصان من تلك الشجيرات المتوزعة هنا وهناك وكان الوقت ربيعا والليل في تلك الانحاء فيه بعض لسعات البرد وعليه الاحتماء من البرد وضربات الشمس ولسعات الافاعي والعقارب لانه كان يهمه ان تكون صحته جيدة فكان لزاما عليه الاحتماء دوما .
تناول كتابا في حقيبته لكي يتعب عينيه بالقراءة حتى يخلد الى النوم كعادته وقرأ بعض الشئ والمعلومات ولكن النار لم تكن بالكافية لكي يستطيع القراءة بصورة جيدة وسواد الليل حالك فرمى الكتاب ووضع يديه تحت راسه واطلق العنان لمخيلته يرسم الصور القادمة لما سيراه ومايتوقعه ولفت انتباهه امر مهم وهو السكون المطبق فلا حس ولا حسيس ولادب او دبيب فكل ماحوله عبارة عن صمت مطبق حتى خيل اليه انه قد مات فتحسس جلده بقرصة لكي يتاكد انه على قيد الحياة وحتى انه لاحظ ان حتى لاوجود للذباب او البعوض ولاحتى نمل يتسلى معه وهو ينقل حبات الطعام من اماكنها الى بيوته ومخازنه المعدة للشتاء القارص ولا حتى بومة في اعلى الشجرة ..
اخذته سنة من النوم ولم يستفق الى وقد لسعت بعض الاتربة المتطايرة وجهه فنهض وتجول بنظره في ذلك الافق الشاسع فكان المنظر مهيبا بسكونه وصمته وشموخ جباله والضباب المخيم والموزع هنا وهناك وروعة المناظر الخلابة..
تناول كوب الشاي وبعض الافطار الجاهز لديه ووضع حقيبته وتجهيزاته على ظهره وانطلق نحو هدفه فهو الان في ربوع العراق وجبال كردستانه ووديانها ..
سار في الاودية والشعاب وهاجسه الوحيد هو الوصول الى اقرب قرية او مدينة وكان يتمنى كما تعود دوما ان يلتقي احد ما يتقن احدى اللغات التي يتقنها لكي يرشده الى اهم المواقع التاريخية وكان متيقن انه سيجد احدهم فهو في بلد الحضارة الاولى ولكنه اصابته الريبة والذهول فهو الى هذه الساعة وقد قطع حوالي الثلاثين كيلو متر مستعينا برجليه وبدراجة اشتراها من اقرب قرية في ايران لكي تعينه في حركته وحَمل تجهيزاته، وتفحص الخارطة ليحدد موقعه .
ها هو هنا ووضع اصبعه على سلسلة جبال احمد آوي وها هو سهل شهرزور ورمق جبلا يحتضن مدينة هو اقرب اليها من غيرها هو جبل شنروى، فجال في نظره في الانحاء ..
كانت تلوح في الافق سوادة تزداد اخضرارا كلما اقترب منها وها هي معالمها اكثر وضوحا، تلك هي اولى القرى التي سيصلها فاستبشر خيرا وانفرجت اساريره فهو منذ ان دخل الحدود ولم يسمع صوتا او حركة لحيوان او اي شئ فكأنه في عالم من الاسرار والمفاجئات، كانت هواجسه تقول هل هو الصمت الذي سيسبق العاصفة ام ان اهل تلك البلاد في مكامن سرية حيث هناك حرب مستعرة يتقون فيها شر القنابل.. ولكنه لايجد اثر لاطلاق النار فاين ذهب الناس والساعة الان تقارب الضهيرة ومن المفروض ان تكون هناك حركة ما والربيع وقد خيم بنسائمه على تلك الانحاء !!!!
كلما اقترب اكثرتزداد المعالم للعمار والحياة امام عينيه فهو الان في عالم من الذهول والانبهار فها هو امام منظر عجيب حيث استقبلته المدينة بتماثيلها الرائعة والمنحوتات البالغة الدقة والجمال والأتقان ..
تلك بقرة نائمة وذلك حمار وقد توسد العشب الاخضر وهناك معزى مستلقية رافعة ارجلها الى الاعلى وتلك دجاجة وافراخها وبطة وكلهم رقود بلا حراك !!!
تعجب لذلك واقترب منهم ولكنه تعود ان لايلمس التماثيل وخصوصا المتقنة الصنع فهو يعلم انها ذات قيمة عند من صنعها ووضعها في تلك الاماكن الرائعة الاختيار حيث الطبيعة الخلابة واماكنها الطبيعية في انسجام رائع بين المصنوع والطبيعة الحية..
اخرج كاميرا بحوزته والتقط اولى الصور* وهو في حالة من الفرح والسرور حيث ها هي اولى معالم (الحضارة) تتجسد امام عينيه ..
سمع ان العراق وبلاد مابين النهرين فيها حضارات سادت ثم بادت وتركت تلك الحضارات الكثير من الآثار والتماثيل والمعالم المجسدة لحقب التاريخ المتعاقبة والتي مر بها هذا البلد العريق وكان تواقا لرؤيتها في مواقعها الاصلية وهو قد شاهد ايضا متاحف العالم المتنوعة وتجول في الكثير منها ولكنه لم يرى بحياته مثل تلك الدقة في الصنع والروعة في التصاميم المعبرة عن الواقع الحقيقي لتلك الارض والمنسجمة مع الطبيعة بكل التفاصيل وبمقارنة بسيطة استطاع تقييم الذي يراه مقارنة بما مر عليه في البلاد الاخرى..
سار بضع خطوات فلمح دارا على بعد امتار فاقترب منها متاملا ان يجد انسيا يتحدث اليه وان بلغة الاشارة ولكن ذهبت آماله ادراج الرياح، تلك الرياح ذات الرائحة الغريبة والمزعجة نوعا ما والمثيرة للاوجاع في الصدر..
تسائل مع نفسه مالذي يجري هنا ؟
وصل باب الدار واذا بها مفتوحة فطرقه واتبع الطرقة باخرى وما من مجيب لمح في باحة الدارمن الداخل طفلا نائما فناداه فلم يجب وتمعن النظر !!!
ماهذا انها تماثيل اخرى ... ياللروعة ... صرخة اعجاب انطلقت من فمه واخرج كاميرته ليلتقط الصور* تلو الصور فكل مايراه مثير وتمنى لو ان الجميع تشاركه رؤية مايراه ولكنه متيقن ان هذه الصور الرائعة سيراها الجميع لاحقا ..
دخل الدار وتجول في الغرف المتنوعة ....... ماهذا ؟
مطبخ وغرفة نوم واشخاص في كل مكان، هذا محتضنا لطفل صغير وتلك ام معانقة لطفلة جميلة بجدائلها وضفيرتها الرائعة وكل شئ في موقعه حتى تلك القطة في مكانها وكذا الاواني والفراش، وحتى غسيل الملابس والاوراق المبعثرة هنا وهناك وكل شئ وكأنه الطبيعة الخاصة بتلك الداروالمنطقة .....
تسائل وتمنى ان يجد تلك اليد التي ابدعت كل تلك التماثيل الجميلة، ولكنه الى هذه اللحظة لم يرى احد ليجيبه على اسئلته التي تتنامى وتزداد او على اقل تقدير ليُــذهب عنه وحشته فهو لازال وحيدا فريدا وكأنه في عالم من الاساطير القديمة والتي قراها في قصص الخيال او رآها في الافلام الخيالية ..
خرج بعد ان التقط لكل شئ صورة * وسار بضع خطوات فلمح في نهاية الطريق عربة خشبية مضى مسرعا نحوها كان هناك رجل جالس وهو منحني الى ركبتيه في مقدمتها وظهره هو البارز امامه، وصل اليه سلم عليه ولكنه لم يسمعه استدار ووقف امامه واصيب بذهول جديد انه تجسيد لرجل يقود عربة والحمار راقد على الارض والمقود بيديه وكانه خارجا يسيرنحو الطريق التي جاء هو منها ورمق رضيعا في العربة فاقترب منه واذا به طفل صغير في اللفة وهو يغط في نوم عميق وفي فمه الجميل رضاعة صغيرة ومن دقة الصنع ظنه طفلا حقيقيا ولكنه سرعان ما ايقن انه كسابق ماشاهده فهو تمثال لطفل رضيع ينقله والده الى مكان اخر قد يكون احضان امه او جدته ..
تمتم مع نفسه كل متاحف الدنيا لها حراسات وتنظيم للدخول والخروج وتعود في كل مكان حينما يدخل متحفا ان يدفع اجرا عند الدخول ولكنه امام كرم غريب وها هي قرية او اطراف مدينة مفتوحة والدخول الى متاحفها مجاني، والمناظر المجسدة لواقع حياة ابناء تلك الربوع تشي بان هناك ابداع ورقي في استقبال الضيوف بما يضعوه من صور تجسد طبيعة الارض والناس في تلك المناطق ولانه لم يرى لحد الان اي انسي, كان توقعه يقوده الى هذا الاحتمال وظن انه لكي تكون الصورة واضحة للزائرين الاغراب والضيوف والسواح عن طبيعة تلك المناطق وتراثها انما تستقبل ضيوفها بتلك الصورة وهو امام امر فريد لم يره في اي مكان اخرمن العالم قد زاره ففي كل زاوية تمثال لرجل او مراة او حيوان او طفل ..
كان هناك ماء وبقايا طعام حقيقي في بعض الاواني قرب تلك الاجساد، ذلك الامر اثار استغرابه ايضا، فكيف تكون هناك تماثيل والاواني امامها وفي الجوار وتحتوي مواد وغذاء حقيقي ؟؟
وان كان الامر مقصود والغاية هي اعطاء الامر شئ من الجاذبية والاتقان فاين هؤلاء الذين يغيرون الطعام في تلك الاواني ؟؟ لانه من المؤكد انه سيتعفن ان لم يبدل باستمرار..
خرج مسرعا من البيت منطلقا الى مناطق اخرى في الجوار ولكنه وقف امام منظر رهيب ويوحي بالحزن والكأبة فتلك تلة * من الاجساد بعضها فوق بعض ولادماء او اثر لحريق فيها ..
هل هو تجسيد لملحمة وقعت في تلك الانحاء تجسدها تلك التماثيل الجديدة ؟؟
تساؤل طرحه على نفسه وحاول البحث ومن خلال الملبس والمتواجد من ادوات عن تاريخ تلك الملحمة التي مثل هذا التل البشري المتراكم الاجساد صورتها الحقيقية وكان بارزا من بين الركام البشري سيارة حمل موديل قبل خمس سنوات من تاريخ وقوفه في تلك الارض ..
اذن الامر لايعني التاريخ البعيد ومن المؤكد اما هي صورة لحادث قريب او .......؟؟؟
تسائل في حيرة وذهول وشئ من الرعب والوجل مالذي يجري هنا ؟؟
هل انا في حلم ام حقيقة ؟
هذه بلدة مهجورة حيث لاحس او دبيب واشجار بلا طيور وروابي شاسعة والاغنام والابقارمتوسدة العشب وكل شئ جامد تماثيل وتماثيل والصانع مجهول ..
مابال هذه البلاد وهل ساعود منها وانا فاقداً لعقلي ؟؟
اريد جوابا شافيا لكل اسالتي المحيرة، ثم قرر الخروج من تلك البلدة على وجه السرعة واتخذ طريقا ترابية تمر بين بعض التلال والسهول الشاسعة واحس بتغيير طرأ على جلده وتحسس وحكة شديدة ..
لم يبالي في البداية ولمح وهو سائر مساحة من العشب وهناك بقرتان * احداها منتفخة ممددة على العشب والاخرى عجل صغير جالس بجانبها وهو حي !!!
هذه اول مرة يرى شيئا حيا، اقترب منه لكي يتاكد منه جيدا نعم انه عجل صغير حي وامه وقد نفقت ولكنه في رحلة ولامجال للمكوث اكثر هنا ولم يدر في خلده اكثر من حيوان نافق وهو امر طبيعي جدا ..
كان الطريق طويلا جدا ساره حتى حل الظلام فاقترب من غدير ماء في الجوار محاط بشجيرات قليلة فقرران يستريح على ضفافه حتى يحل الصباح ليكمل مشواره الغريب العجيب ..
ذهب الى ذلك الغدير بعد ان ترك ادواته ودراجته بالقرب من احدى الاشجار,واختياره للشجر مكاناً للاستراحة كان عادة تعودها وهو يشعر بالدفئ وهو قرب شجرة يستضل بضلها, مد يده الى الماء، ماء الغديرالهادئ وتناول في كفه قليلا منه لكي يغسل وجهه من غبار الطريق الطويل وتبعها بكف مليئ بالماء ولكنه سرعان مارماه بعد ان دخل قليل منه في فمه ..
الماء له طعم مقزز !!!!!!!!!
ونظر الى يده واذا بها بعض القروح .....!!!
اسرع الى متاعه واخرج قنينة ماء جلبها معه من ايران وشرب قليلا وتناول عصارة كريم خاص بالجلد تعود ان يقتنيها ويداوي بها بعض القروح نتيجة ملامسته لبعض النباتات السامة او لسعات النحل والافاعي وماشاكل ذلك ..
هدات قروحه قليلا ولكن بقيت بعض الآثار واتكأ على جذع الشجرة وهو يستعيد مارآه في تلك القرية المتحف .
حاول اقناع نفسه ان لعل المدينة القادمة مليئة بالحياة الحقيقية والناس في رواح ومجيئ وعمل متواصل لاكما مر به في اليوم السابق ..
كان متشوقا لتناول طعام تلك البلاد فقد ذاق طعم الكثير من الاكلات الصينية واليابانية والمكسيكية والايطالية والهندية ولكنه لحد الان لم يتذوق الماكولات العراقية ..
قرا عن ماكولات تلك البلاد ومنها الكبة العراقية والخبز العراقي اللذيذ المصنوع في التنور الحجري والسمك النهري وووغيرها من الماكولات التي يقال انها لن تنسى ان تناولها احد لاول مرة ..
تعطش الى اللبن الرائب والمستخرج من حليب تتناول ابقاره عشبا معينا فيخرج ذا طعم لذيذ لايقاوم وقد سمع عنه الكثير ..
استلقى على وسادة صغيرة وفراش بسيط يحمله ويطويه معه في حقيبته فقد اتعبه الطريق الطويل والارهاق وغط في نوم عميق وغاص في بحار احلامه التي لاتنتهي عند حد ..
لم تكن تلك الرحلة كما توقعها فبدايتها مبهمة وغريبة فما معنى ان يمر بقرى لايوجد فيها بشر قط وها هو في اليوم الرابع والخامس والسادس والعاشر قرى مجاورة لبعضها البعض ولاحياة فيها سوى ذلك العجل الصغير الراقد قرب امه البقرة النافقة ..
تلال بشرية في كل مكان واطفال في الازقة وعلى اعتاب البيوت وعلى اسرتهم البالية وامهات ومناظر بشعة لتماثيل تحكي لقصة ملاحم مرت بتلك القرى فمالذي يجري ياترى ..؟؟
اسئلة حيرته وهو يعلم جيدا ان شخصا واحدا من الممكن ان يجيب عليها جميعا ولو بلغة الاشارة .. ولكن من اين له ذلك ؟؟ واين سيجد هذا الكائن الذي اسمه انسان ..؟؟
مر على مسيره عشرة ايام وكل قرية تشبه الاخرى في كل شئ ولكن الامر لم يكن مسرا الان فقد مل رؤية هذه التماثيل الكثيرة وانتابه شعور بالحنق على من صنع ذلك فماباله لايتواجد مع تماثيله ليشرح للزوار ماهية تلك التمايثل والى ماذا تعبر وعن اي حقبة وماهي حكاياتها ولماذا هي في كل مكان ...؟
صرخ في الفضاء بهستيريا شديدة وكانه اراد اسماع صوته لاحد ما قد يكون في الجوار القريب او البعيد ولكنه لم يسمع سوى رجع الصدى من تلك الاودية والجبال المترامية الاطراف ...
حل نهارجديد وتبعه مساء ونهار اخر وفجأة سمع هدير شاحنة وغبرة تتطاير من تحت عجلاتها ..
اسرع الخطى نحوها انها على بعد عدة كيلو مترات ولانها تسير في مناطق وعرة وترابية فكانت بطيئة الحركة ولكنه لاحظ انها تتمايل يمينا وشمالا وكلما اقترب منها قليلا كلما لاح له انها تحمل اناس كثيرين ولكنهم لاحراك فيهم قد يكونو نيام ولكن لم هم بعضهم فوق بعض !!!