الأصولية تطيح بأحلام الديمقراطية

 احسان طالب

m.h.taleb@mail.sy

في آخر ظهور متلفز لزعيم تنظيم القاعدة الذي ينافس الرئيس جورج بوش على الحضور الإعلامي والشهرة السياسية أفرج أسامة بن لادن عن أدلة جديدة وبراهين لا يرتقي إليها الشك بأن جماعة التسعة عشر الذين قاموا بتنفيذ هجمات 11\9\2001 هم من صنع يده ونتاج جهده وخبراته التنظيمية والقتالية وفي نفس الزمان تقريبا ً أفرجت الوكالات الفدرالية الأمريكية عن أشرطة متلفزة تعرض للمرة الأولى تطرح فيها مزيدا ً من الحقائق والأحداث الدرامية التي رافقت تلك الهجمات وما بعدها.

 إنه تنافس إعلامي محموم يؤتي أكله بدون شك، فالرأي العام الأمريكي الذي يتراجع تأييده لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية يوما ً بعد يوم يزداد راديكالية مع كل ضجيج إعلامي وأحداث إرهابية تصم آذان العالم بشكل متواصل في كل البقاع التي يمكن أن يصل إليها. الرأي العام الأمريكي والغربي عموما ً يشهد تراجعا ً ملموسا ً في نظرته الحضارية تجاه الشعوب الأخرى وتميل الإحصاءات التي تستقرئ التطورات الحاصلة في توجهات الرأي العام الأوروبي والأمريكي إلى ميل نحو العزلة والعدائية تجاه الشعوب الأخرى وتحديدا ً الشعوب العربية والإسلامية التي تشهد هي أيضا انغماسا ً أعمق في الأصولية والعداء للحضارات الأخرى من منطلقات إيمانية دينية بالدرجة الأولى على حساب المشروع القومي والوطني للدول العربية والإسلامية.

في الذكرى السادسة لهجمات أيلول لا يشق على الباحث التأكد من انعدام الأمن وازدياد مساحة العنف ووتائره في البلدان الإسلامية والعربية في المقام الأول حيث يبدو جليا ً استغلال الجماعات الإرهابية للضعف المزمن والتخلف التكنولوجي الذي تعاني منه أجهزة ومؤسسات الأمن والاستخبارات في تلك الدول، فما إن تتمكن السلطات الأمنية من استباق هجوم وإفشال عملية إلا وتلحقها عمليات ناجحة في أماكن أخرى وفي دول أخرى.

في حين أن القاعدة وما يدور في فلكها من منظمات إرهابية داعمة لها بالعتاد والمال والرجال ومناصرة لما تدعو له من أفكار ومناهج وطرائق حياة عجزت إلى الآن عن تكرار ما فعلته في الولايات المتحدة ولو بطريقة أقل ضراوة وبأساليب أخف تدميرا ً وهذا يعني أن السلطات الفدرالية ألأمريكية تمكنت من وقف التهديدات الأمنية المباشرة التي كان يطلقها زعماء القاعدة بزلزلة أمن الشعب الأمريكي وأركان نظامه والطريف أن نظرية المؤامرة التي تعتبر السي آي إيه والموساد شريكتان مخططتان إنجاح هجمات 11\9 تميل في نفس الوقت إلى القناعة التامة بالقدرات المعجزة المدعومة ربانيا ً لتنظيم القاعدة تلك القدرات الهائلة التي تفوق كل الإمكانيات والإعدادات المتوفرة لمعسكر الكفر والضلال.

لقد قامت الحملة الدعائية والسياسية للإدارة الأمريكية وملحقتها البريطانية على اعتبار أن نشر الديمقراطية في العالم سبيل ناجع للوقوف في وجه الإرهاب واعتبرت أن تحرر البلاد التي تدعم الإرهاب من سيطرة الاستبداد سبيل لتحقيق الاستقرار والأمن والسلم العالميين. ولكن في السنة الرابعة من الاحتلال الأمريكي للعراق غدا من الصعب بل من غير الممكن الاقتناع بأن الجهود الدولية التي تكاتف العالم على بذلها من أجل الإطاحة بالنظام الاستبدادي وتسهيل كل السبل الممكنة لتحقيق الديمقراطية كفيل بوقف الإرهاب وتخفيفه ومحاصرته وحتى الحد من فاعليته.

إن ما يشهده العراق من تفاعل متنام للقوى الإرهابية على كافة المستويات وفي جميع الاتجاهات يشير بقوة للتساؤل عن مدى صدق النية في الأهداف العلنية للحملة الأمريكية البريطانية على الإرهاب بل ويشير بأصابع الاتهام إلى السياسات والخطط الرامية إلى نشر الديمقراطية باعتبارها فشلت إلى الآن في تحقيق حد أدنى من الأمن والأمان في ظل نظام ديمقراطي طائفي يتهاوى يوما ً بعد يوم.

و من حق القوى العربية المؤيدة للديمقراطية والساعية لها والعاملة على سلوك سبيل التغيير السلمي الديمقراطي في بلدانها أن تتساءل عن صدقية المشروع الأمريكي الداعم للديمقراطية الذي يقف في نفس الوقت مدافعا ً عن الاستبداد وداعما ً له، ومع أن تلك القوى تدرك حجم الممانعة والمقاومة الشعبية والثقافية لخطط الديمقراطية والتحرر والتجديد فإنها في نفس الوقت تواجه مؤشرات شديدة الوضوح على وجود تحالف وتقاطع غير معلن بين سياسات الإدارة الأمريكية الحالية واستقرار أنظمة الاستبداد.

و غدت تلك القوى تدرك أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أسهل تحقيقا ً وأقرب منالا ً في ظل أنظمة دكتاتورية ضعيفة مهزوزة هزيلة الوزن الخارجي في مقابل قوة وسيطرة وقبضة حديدية في الداخل. فالتفاوض حول المصالح والامتيازات في ظل أجواء من التفرد بالرأي واحتكار للسيادة والسلطة والموارد أسهل بكثير من التفاوض مع أنظمة ديمقراطية لا تستطيع البت والقطع بما ينبغي قبوله ورفضه وما يحقق المصالح العليا للأرض والناس وما يعارض تلك المصالح. بدون الرجوع إلى إرادة الشعب وممثليه الحقيقيين

إن الممانعة الجماعية والمقاومة الفكرية والثقافية للشعوب العربية والإسلامية في غالبة توجهاتها لنشر الديمقراطية والتجديد والإصلاح والحرية تشكل عقبة متنامية تزداد تماسكا ً يوماً بعد يوم في ظل الفشل المخيب للتوجهات الأممية الساعية نحو بناء ثقافات وتيارات وأحزاب ومن ثمة أنظمة تتبنى الديمقراطية والعلمانية والحداثة.

في الطرف الآخر يشجع الإعلام الرسمي التوجه الأصولي ويهيئ له كل السبل والمنافذ والتسهيلات الآخذة بيده نحو السيطرة شبه الكاملة شيئا ً فشيئا ً على مجمل الرأي العربي والإسلامي ولقد وجدت الأنظمة ملاذها في فكر متعصب ومتزمت أحادي الرؤية وأحادي التلقي فكر هجومي صدامي لا يقبل إلا الاتفاق مع ما يطرحه ويعادي ويكفر المختلف.

حيث استطاع ذلك الفكر وتلك المدارس الأصولية المتزمتة من الوقوف في وجه كل المحاولات والمتحركات الساعية والداعمة للتغير ولقد استغل زعماء التيارات الدينية في العراق وغيره من البلدان العربية من تجير أي تغير نحو تحقق مزيد من الانغلاق والتعصب بل وحتى التوجهات الإرهابية نحو الأخر.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com