أطفال الانفال - 4

يوسف أبو الفوز

fawz77@hotmail.com

اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي، الذي اردته شهادة بلسان ضحايا وشهود جريمة الانفال بحق ابناء شعبنا الكوردي، والذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية، شتاء 2004، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال). حيث كنت مع انصار الحزب الشيوعي العراقي، في قلب الاحداث، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش. كنت مع بسطاء الناس، جزءا من المأساة، وواحدا من ضحاياها. كنت مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور المجرم ونظامه الشوفيني الفاشي، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي.

في صفحات الكتاب ـ الشهادة حاولت أن ارصد بعض مما جرى، ومن خلال زاوية محددة: الأطفال الأكراد!

 في الحلقة رقم 1 نشرت جزءا من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث، وفي هذه الحلقات المتتابعة اورد بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب.

 ***

أين هم ألان ؟

أين هم ألان ؟

لنتساءل عنهم، وبصوت عال، فنثار أخبارهم التي تسربت لنا عبر الأسلاك الشائكة لمعسكرات الاعتقال، معسكرات الموت البطئ التي احتجزوا فيها مع عوائلهم تثير القلق والمخاوف.

زاخاروف، فيدل، خليل، وفاء، زوزك، ماجدة، نصير، خيال، بسيم، لينا، سلمان، مناضل، فيكو، لولاف،...

كل أطفال مقر (مه راني) (1)، أطفال الشهداء والمناضلون الأنصار، أطفال مسرحية (الدوارة)(2)، عصافير مه راني المحلقة في سماء الطفولة رغم وحشية القصف المدفعي وطلعات الطيران اليومية. أطفالنا المترعين جمالا ونزقا وشقاوة.

 * زاخاروف (13 سنة)

الشاعر الصغير، الطفل النحيل مثل غصن ريان، المتعدد المواهب، المدهش بتعابيره العميقة، الذي تفجرت قصائده كينابيع وادي مه راني، عذبة، صافية،...

كتب مرة:

 كل شئ،

 يأتي مرة واحدة،

 إلا أنت.. يا طيران!

* خليل (9 سنوات) (3)

المهووس بلعبة "الأنصار"، كل يوم يشكل مفرزة أنصارية من أطفال مه راني، يرسلهم يستطلعون مواقع "العدو"، ليهاجموها بضراوة ويجبلون كل مرة "غنائم" وأيضا... أسرى!، وفي الليل يعيد رسم ذات اللوحة الاثيرة لديه، التي يرسمها كل يوم ويرسلها إلى الفنان الشهيد أبو أيار (4) ليصححها له: لوحة تمثل الديكتاتور صدام حسين بنجومه ونياشينه مربوطا إلى شجرة جوز عملاقة والأنصار يحيطون به ويصوبون أليه بنادقهم، وكوكبة من السناجب والعصافير ترقص وتتفرج!!

* فيدل (10 سنوات)

النابض بالحيوية والشقاوة، النشط في إنجاز إهمال منزلية، متقمصا ـ وبجدارة ـ شخصية رب أسرة حقيقي، دون أن يتخلى عن مساحات طفولته، فيضج وادينا الصغير بصخبه ونزاعاته.

* زوزك (3 سنوات)

انه سنجاب وادي مه راني الراكض دوما تحت أشجار الجوز يجمع الثمار المتساقطة أو باحثا عمن يرفعه ليطول الأغصان العالية.

* ماجدة (7 سنوات)

 زهرة النرجس الندية، الدلوعة، الغيورة، الخجولة، الرقيقة.(5)

 * وفاء (11 سنة)

الجميلة... الجميلة بدون حدود للوصف. بابتسامتها العذبة وعفويتها الدافئة، وسلوكها الرزين المثير للدهشة، أنها ربة بيت صغيرة بنشاطها وتدبيرها لشؤون المنزل ورعايتها لأختها الصغيرة(سورباز). (6)

والاخرون...

 عاصف، خمي، ديمتروف، فؤاد، حبيب، سيتاف، ريناز، زكي، فينوار، رينوار،...

أين هم ألان ؟

لنتساءل عنهم ؟ فبعد أن حوصروا ومعهم مئات العوائل، ولأسابيع في جبل كاره، حيث امضهم الجوع والعطش، وسط أجواء الرعب الذي تبثه طلعات الطيران واحتمالات مهاجمة قوات النظام الديكتاتوري لجبل كاره بالغازات السامة، وعلى اثر ما سمي بـ " قرار العفو "، قامت النساء بتسليم أنفسهن إلى السلطة، وذلك لإنقاذ الأطفال من الموت عطشا أو جوعا أو رعبا...

الأخبار التي وصلت تقول: اعتقلوا في سجون قلعة دهوك شهرا، ثم نقلوا إلى كركوك في معسكرات قسرية في العراء، وفي ظل ظروف صحية سيئة وأحوال معيشية بائسة يواجهون مصيرا مجهولا وسط إجراءات قمع وتحقيق فاشية.

ثم انقطعت الاخبار!!

أين هم ألان ؟

* زاخاروف: بأية قصيدة تفكر ألان ؟ (7)

* فيدل: من يشاكسك هذه الأيام ؟

* خليل: من يعطيك ورقا لترسم، ومن يصحح لك ؟

* وفاء: لمن ستعدين الشاي ؟

* ماجدة: على من ستتدللين وتتدلعين ؟

*....

*....

أين انتم ألان ؟؟

أن قلوبنا تتفطر لوعة لذكراكم!

  

هوامش:

1 ـ مه راني: هو المقر الأساسي الخلفي، لانصار الفوج الأول، من قوات قاطع بهدينان لانصار الحزب الشيوعي العراقي، ويقع في منطقة محافظة دهوك، تأسس مقر مه راني في 2/10 / 1982، كقاعدة أنصارية في عمق الوطن، فهو يعتبر من أهم مقرات الأنصار في تحديها للسلطة، إذ يتوسط بموقعه مجموعة من الاقضية والنواحي المهمة، وهو قريب إلى سلسة جبال كاره الوعره، والمقر أساسا شيد على أنقاض قرية بنفس الاسم تقع في وادي ضيق يخترقه مسيل ماء نبع عذب بارد دوما، ومن المفارقات أن وادي مه راني مزدحم بـ 99 (تسعة وتسعين!!) شجرة جوز معمرة، وبالإضافة إلى موقعه المميز فان كثافة الأشجار ساعدت على تمويهه عن طلعات الطيران الدائمة!

 2 ـ الدوارة: اوبريت مسرحي غنائي. تأليف النصير حيدر أبو حيدر. إخراج النصير يوسف أبو الفوز. اشترك في تمثيله الأطفال (زاخاروف، فيدل، مناضل، لينا، وفاء، خيال، فلمير، ماجدة، ديمتروف، سلمان، بسيم، خليل) ساهم معهم في التمثيل الأنصار (كريم، خيري، يوسف أبو الفوز). وتولى الديكور والماكياج: الشهيد أبو أيار (فؤاد يلدا) و سربست. الملابس النصيرة أم امجد. الانارة: الانصار أبو حسن حبيب البي، جهاد، أبو وجود. الفرقة الموسيقية: الانصار سمير، عامر، كوفان. عرض الاوبريت ثلاث مرات في مقر مه راني، وكان العرض الأول في 31 / 3 / 1988.

3 ـ الأطفال زاخاروف وخليل: هم أبناء الشهيد أبو ماجد، الذي أصيب بنوبة قلبية أثناء أداءه مهمة حزبية خاصة في سهل الموصل صيف 1978.

4 ـ الشهيد أبو أيار: فؤاد يلدا سلمان. مواليد 1951. خريج معهد الفنون الجميلة بغداد، واكمل دراسته للفن التشكيلي في معهد الفنون فلورنسا ـ إيطاليا. التحق بصفوف الأنصار في 1982، عمل في إعلام الفوج الأول، جرح في ساقه في معركة قرية شيخكا تموز 1988، وكانت له مساهمات فنية بارزة إضافة إلى مهامه الأنصارية. في خلال عمليات الأنفال وتحديدا في 11/9/ 1988، وبعد وقوع مفرزته في كمين للعدو، واصيب بجراح، حاصرته قوات العدو وحاولت اسره، فأبى الاستسلام فأطلق رصاصته الاخيرة إلى رأسه مسجلا مأثرة بطولية خالدة، وتحت يد الكاتب، قيد العمل، كراس توثيقي عن حياة واستشهاد البطل ابو ايار، والكاتب لازال بانتظار مساهمة كل من يهمه توثيق حياة وبطولة الشهيد ابو ايار.

 5 ـ الأطفال فيدل وزوزك وماجدة و نصير: هم أبناء الشهيد أبو نصير. هرمز خوشابا هرمز، من قرية بقري ـ سهل الموصل ـ مواليد 1950، أستشهد في 23 /7 / 1988 في معركة قرية شيخكا (سهل الموصل)، في معركة مع قوات المرتزقة ـ الجحوش. و كان امرا للسرية الرابعة ـ الفوج الاول.

6 ـ وفاء وسورباز: هن بنات الشهيد أبو فؤاد الذي استشهد في يوم 5/6 / 1987، حيث قامت تسع طائرات حربية من طيران النظام الديكتاتوري العراقي بقصف مقر زيوة لأنصار الحزب الشيوعي العراقي، بالغازات السامة، واستشهد النصيران أبو فؤاد، و أبو رزكار وجرح النصيران عباس وخابور بجروح بليغة واصيب بتأثير الغازات السامة (149) نصير ومواطن.

7 ـ في ربيع 1988 اُرسلت مجموعة من قصائد الطفل زاخاروف بعد أن تم جمعها وترتيبها وقدم لها النصير ابو طالب (الشاعر عبد القادر البصري)، الى الاعلام المركزي للأنصار لطباعتها ونشرها، ولكن مصيرها في خضم الاحداث صار مجهولا كمصير كاتبها.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com