حرب المشاريع السياسية

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

لقد قيل أنها مشروع المالكي للمصالحة الوطنية، أو على الأقل هكذا نسميها، لكن في الحقيقة أنها مشروعا أمريكيا، بزعم أنها تريد خلق التوازن الموضوعي بين القوى المتصارعة التي تحمل مشاريع سياسية قاتلة للوطن، فهل أمريكا والمالكي لا يعرفون ردود الفعل المتوقعة من الفرقاء؟ لأن الهدف أساسا، أو على الأقل كما هو معلن، هو إنهاء حالة الفلتان الأمني والعودة لدولة القانون، في حين يدرك حملة المشاريع القاتلة للوطن أن استمرار بقاء هيمنتهم على الساحة السياسية في المرحلة في القادمة مسألة مشكوك فيها، وأن العراق الديمقراطي التعددي ليس من مصلحتهم، بل سيكون وبالا عليهم وعلى مشاريعهم، لأن هؤلاء لا يستطيعون العيش بوجود الشريك وفي بيئة نظيفة تدور بها عجلة الإنتاج بسرعة عالية، ومرجعية الناس للقانون والقضاء في دولة المؤسسات الديمقراطية لا دولة المليشيات والتمترس الطائفي. هذا من جانب، ومن جانب آخر، أن الفدرالية، وكما هو معروف، خيار ديمقراطي يراد به وحدة العراق وإنصاف أبناء الشعب، لكن مشاريع الفدرالية المقدمة أمام البرلمان، مشاريع تقسيمية في أحسن الأحوال، ما لم يكون الهدف منها إشعال حربا أهلية!

إنها إشكاليات الساعة، ولابد من حل لها.

 

مشروع المصالحة الوطنية:

العصابات المسلحة التي ترفض العملية السياسية قدمت بعضا من أسمائها للمصالحة، لكنها أبقت على كياناتها تعمل بأسماء جديدة، بالأمس ظهر جيش جديد في الفلوجة يرفض المصالحة والاحتلال ويدعوا لكل ما كانت ومازالت تدعوا له هذه العصابات، وغدا ستظهر تنظيمات جديدة أخرى، وهي في حقيقتها تغيير للأسماء القديمة للعصابات الإرهابية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، كيف نفسر ظهور تنظيم جديد كهذا؟ ألا يعني أيضا أنهم مازالوا يسخرون من مشروع المصالحة وأن دخولهم لها مجرد مناورة من أجل ضمان المزيد من المكاسب؟ فهل استطاع المحاور الذي يمثل الحكومة تحديد المتصالحين وتحديد عناصر تنظيماتهم، ويحمل بيده ضمانات عدم انخراطهم بتنظيمات جديدة تحمل أسماء أخرى؟ وهل يعرف عدد الفصائل وأين هي؟ وإذا كانت الحكومة تعرف ذلك، لماذا يتركوهم طليقين يقتلون الأبرياء؟ أسئلة كثيرة لا أحد يملك لها جوابا، حتى ألائك الذين يتفاوضون مع الفصائل المسلحة.

أم أن المقصود من هذه المصالحة هو أن الحكومة وأمريكا يبيتون للعصابات المسلحة التي بقيت تحمل السلاح أمرا آخر؟ أي هل سنشهد نهاية للتراخي المتعمد من قبل الأمريكان مع هذه الجماعات بعد انتهاء مشروع المصالحة المفتوحة مع أشباح ما يسمى بالمقاومة؟ وأن هذا المشروع يمكن اعتباره آخر فرصة تمنح للمسلحين قبل الإجهاز عليهم نهائيا؟ وهل حقا هذه هي النوايا الأمريكية بالتنسيق مع حكومة المالكي؟ وأن هدفها من هذه المصالحة العجيبة هو إسقاط الذريعة التي يتمسك بها من يسمي الإرهاب في العراق  "مقاومة شريفة ومشروعة"؟

ربما........ أو بالأحرى ليتها كذلك.

لكن بغض النظر عن الرؤى المتفائلة أو المتشائمة التي تحدثنا عنها، سوف تبقى العصابات الإرهابية المسلحة تعمل، أو على الأقل هذا ما يهدف إليه قادة الإرهاب البعثي السلفي في العراق، أي كل ما في الأمر، سيكون فريقا من هذه العصابات يعمل ضمن المنخرطين في العملية السياسية، هدفه عرقلة الجهود المخلصة للخروج بالبلد من هذه الأزمة الخانقة، في حين تبقى العصابات الإرهابية مستمرة بالقتل من أجل تحقيق المزيد من المكاسب في مراحل لاحقة. بالمقابل وعلى الضفة الأخرى سيكون مشروع نزع سلاح المليشيات الموازية لسلطة الدولة والقانون سببا بنقل الصراع وحالة الفوضى المطلقة للمناطق التي اعتبرت لحد الآن آمنة إلا من عمليات تهريب الثروات الوطنية، لأن أهم الذرائع لوجود هذه المليشيات هو وجود تلك العصابات الإرهابية التي تقتل على أساس من الهوية، والتي سوف تبقى مستمرة بالعمل كما أسلفنا وربما بنفس الأسلوب، إذا كيف يمكن نزع سلاح مليشيات تدعي الدفاع عن النفس والمكون الطائفي؟ خصوصا وإن هذه المليشيات تبحث عن ذرائع مختلفة للاستمرار بالعمل من أجل تحقيق أهداف لا تخفى على القارئ الكريم؟

وهكذا نستطيع القول أن مشروع المصالحة المستحيلة سيكون سببا في تطرف الخاسرين منها، والمشكلة هي أن كل طرف منهم يعتبر نفسه خاسرا!

 

مشاريع الفدرالية العجائبية:

من ناحية أخرى، لو نظرنا لما يجري في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، نجد أن الإسلام السياسي الشيعي قد سارع وطرح مشروعاته للتسريع بفدرالية الجنوب من أجل كسب وضع جيدا يضمن استمرار التمترس الطائفي ووضع اللبنات الأولى للنظام السياسي الذي تعمل عليه هذه الكتلة، وكما هو معلوم، أن هذه الفئات السياسية التي كانت ترفض النظام الفدرالي سابقا، قد وجدت به اليوم المنقذ الوحيد لمشروعها بعد أن تبين استحالة إقامة نظامهم المنشود على كامل التراب الوطني، مستندين بذلك إلى الدستور، في حين أن الكثير من فقرات الدستور التي تتعلق بالفدرالية وغيرها موضوع درس ومراجعة، ولم تنتهي هذه المراجعة بعد، يعقبها تصويت على التعديلات الجديدة، لكن مع ذلك تدافع السياسيون على قبة البرلمان يحملون مشاريعهم!!!!!!!!

بالمقابل طرحت القوى السياسية التي تمثل أبناء المنطقة الغربية مشروعها لإقامة النظام الفدرالي على أسس مختلفة بعض الشيء، أهم ما في الموضوع هو الحفاظ على الحدود التي وضعها النظام السابق للمحافظات العراقية، إضافة إلى ذلك يجب أن يكون الإقرار بالفدراليات العراقية دوليا، تحديدا من قبل الأمم المتحدة، وهذا يعني وضع أهم أساس موضوعي لتقسيم العراق.

بالطبع يراد منه أن يكون لصالح أبناء المنطقة الغربية على حساب المناطق الأخرى، حيث أن النظام السابق قد أضاف الكثير من المناطق الكوردية إلى محافظات المنطقة الغربية العربية، أي أن حل مسألة كركوك وفق الدستور والعودة بها إلى الحدود التي يطالب بها الكورد سيكون أمرا مستحيلا بعد الاعتراف والتقسيم الدوليين.

أضف إلى ما تقدم، فإن ضم الصحراء الغربية برمتها لمحافظة الأنبار، يمكن اعتباره أمرا مرفوضا أيضا من قبل أبناء المحافظات الجنوبية، لأنه سيكون على حسابها، ربما سيجعل من المحافظات الغربية الأغنى من ناحية المخزون النفطي والأوسع من حيث المساحة، حيث أن جهود المسح الزلزالي في الصحراء الغربية قد انتهت قبل أن يضع النظام السابق هذه الحدود، وربما تكون التحليلات الجيوفيزيائية قد كشفت عن عدد كبير من التراكيب الجيولوجية التي يمكن أن تحتوي على النفط والغاز، لأننا لم نكن نسمع عن وجود524تركيب جيولوجي في العراق قبل التقسيم الصدامي الأخير، بالتأكيد أغلبها في هذه المنطقة، لأنها، وكما أسلفنا، آخر منطقة تم مسحها، وانتهت مباشرة قبل إعلان الحدود الجديدة للمحافظات، وقد قيل أيضا أن بعض هذه الحقول كبيرا للغاية ويفوق بحجمه بعض الحقول العراقية العملاقة المعروفة حاليا.

وهكذا بدا واضحا أن ما يهدف له مشروع الكتلة البرلمانية التي تمثل أبناء المنطقة الغربية، هو ألاستحواذ على أكثر من نصف ثروات العراق النفطية، وأكثر من نصف مساحة العراق، في حين لا يشكل سكان هذه المنطقة أكثر من خمس السكان! بمعنى إذا كان لابد من تقسيم العراق، فليكن التقسيم على هذا الأساس ومدعوما بقرار أممي، في الوقت الذي يدعوا هذا التيار إلى رفض أي مشروع فدرالي بحجة وحدة العراق! مع استمرار إصراره على دعم العصابات الإرهابية! وبلا خجل من ضحايا الإرهاب البعثي السلفي، يضعون شروطا لاعتبارها "مقاومة شريفة ومشروعة" بالرغم من استهدافها حصرا أرواح العراقيين الأبرياء! فعن أي وحدة يتحدثون؟!

وهكذا نستطيع القول أن الحدود الجغرافية التي تلاعب بها النظام السابق خلقت أسباب جديدة لمزيد من الخلافات والصراعات والتخندق، وانعكاسات هذا الأمر ستزيد في المستقبل القريب من تعقيد الحالة العراقية وتجعل من عودة العراق موحدا أمرا مستحيلا.

وفي حال إقرار أي من المشروعين المقدمين أمام البرلمان، فإن المشكلة التي ستواجه التياران العقلاني والمستقل في مناطق العراق المختلفة ستكون كبيرة جدا، إذ أنها ستجد نفسها في مواجهة مع تيارات لا ترحم ولا تقبل بالشريك رغم أنها استفادت من آليات الديمقراطية للوصول للسلطة، بل هي من النوع الذي يعتبر الشريك عدوا لدودا ينبغي التخلص منه، ويحمل كل منهم برنامجا سياسيا يزيد من حدة التخندق والتمترس الطائفي ما يمهد إلى خلق المزيد من الظروف الموضوعية التي تكون سببا بالحرب الأهلية من أجل "استعادة الأراضي المغتصبة!"، وهذا ما يبدو واضحا جدا من خلال تحليل مفردات الخطاب السياسي الجديد للمتحدثين نيابة عن الكتل المتصارعة.

 

الكلمة الأخيرة:

كل هذا صحيح ويمكن أن يؤدي لهذه الحالة من التمزق، ما لم يمزق البرلمان جميع مشاريع التقسيم بحجة الفدرالية، هذا أولا، أما الشرط الثاني، أن يكون الهدف من مشروع المصالحة هو وضع نهاية حقيقية للعصابات الإرهابية وحل جميع المليشيات ونزع جميع المشاريع السياسية القاتلة للوطن بحزم وبلا تراخي مع جهة دون الأخرى، مهما كلف الأمر من تضحيات وجهود، لا أن يكون سببا بإعطاء المزيد من المكاسب السياسية لجهة دون أخرى.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com