|
لا تقتلوا الرئيس...؟ كفاح محمود كريم منذ تأسيس العراق كدولة في مطلع القرن الماضي وحتى انهيارها في نيسان 2003 تم تصفية كل ملوكها ورؤسائها قتلا شنيعا وسحلا همجيا دون اعتبار قانوني أو إنساني أو حضاري، بصرف النظر عن هوية ذلك الملك أو ذاك الرئيس أو مدى شرعيته أو مستوى تجريمه. فلقد قتل الجميع دون محاكمة أصولية أو حتى فرصة للهروب أو الدفاع عن النفس وتم تصفيتهم بأسلوب اقل ما يقال عنه هو الدموية، مما أضاع فرصة الإطلاع على حقائق الأمور وأسرار أولئك الملوك والرؤساء وتجاوزاتهم القانونية والدستورية بل وحتى علاقاتهم السرية جدا مع كثير من الإطراف الدولية التي أوحي لنا عبر عقود طويلة بأن العلاقة معها هي الحد الفاصل بين الوطنية والخيانة. وإذا ما استثنينا الملك الأول و الفريق عبد الرحمن عارف الذي ورث الحكم من أخيه الرئيس المؤمن عبد السلام الذي ( طيرهُ البعثيين لحما وأنزلوه كبابا ) كما كان يتفكه العراقيون بعد حادثة سقوط طائرته المفتعل من رفاقه في العقيدة والسلاح أبان زيارته للبصرة والقرنة، يبقى لدينا ( الأب القائد) على توصيف الرئيس السابق صدام حسين للمهيب الركن أحمد حسن البكر الذي تم( مضغه ) بأسلوب تمثيلي مثير للسخرية، حيث قضي الأمر وجف الحبر ورفع القلم وأرسل ( الأب القائد ) مسموما، مكرما ومعززا في تشييعه إلى جنان الخلد ورفاق العقيدة من الذين سبقوه إلى هناك بأمر من الخليفة أو السلطان. فلم ينجُ ملكا أو رئيسا من القتل رميا بالرصاص أو سحلا في الشوارع حتى التلاشي هو ومن أكرمه الله بالوقوع بأيدي جماهيرنا المنتفضة والثائرة على الطغيان والتي هي كالعادة مصدر السلطات والتشريع والقضاء ولا داعي لقصر الوقت الثوري لأجراء روتينيات المحاكمة أو انتخابات مجالس التشريع أو انتخاب رئيس بديل للمقتول ملكا كان أم رئيسا. ثمانون عاما نمارس القتل والتقتيل، تارة باسم الدين وأخرى باسم العروبة والإسلام وحدود العراق ومصالح الجماهير المناضلة، حتى أصبح العراق بحورا من دماءٍ ودموع. واليوم وبعد أكثر من ثمانين عاما، يقع ( رئيسنا ) حياً في قبضة الأمريكان بفضل ( دهائه ) البطولي والسياسي واختبائه في حفرة الفروسية والدفاع عن العراق العظيم، ويمثل مع شلة من ( رفاق العقيدة والسلاح ) في محكمة لا مثيل لها في ذاكرتنا البعيدة والقريبة. محكمة لم نتداولها منذ قرون وقرون، وحوارات ومداخلات تزكم الأنوف تارة وتثير منابع الألم تارة أخرى، تراجيديا الحكم في العراق منذ أن أصبح العراق عراق، وأصبح صدام مالك الأرض والشعب والسماء. ماذا لو فكرنا أن نغير هذا التقليد الدموي ولا نقتل الرئيس إعداما بالرصاص كما يشتهي هو لنفسه، وكان بمتناول يديه قبيل دخوله حفرة الأمة العربية الخالدة ولم يفعل نزولا عند مبادئ الحزب القائد وأفكار القائد المؤسس الذي دخل الإسلام خلسة دونما ختان بفتوى من إمام الأمة وقائد حملتها الإيمانية الرفيق عزة الدوري الذي يقود طلائع البعث التدميرية تحت ضلال السيوف التي جزت رؤوس الآلاف من العراقيين ( الخونة ) أطفالا ونساءً وشيوخاً. ولا حتى شنقا خنقا حتى الموت، وتعديل عقوبته إلى السجن المؤبد ليعيش بقية حياته ( أطالها الله ) في زنزانة لا تخضع للعفو العام ولا الخاص ولا إلى مكرمة القائد أو المرجع أو أي شيخ من شيوخ الحكم في بغداد أو زعماء الفرق القاهرة وعصابات الخرق والاختراق في مفاصل دولتنا الطاهرة جدا. ربما سيقول البعض أن مقتله أفضل من بقائه رمزا للمقاومة وخصوصا وإنه يحرص على تقمص شخصية خالد الذكر عمر المختار في حمله للمصحف وأدائه الصلوات في أوقاتها في أجمل عمل درامي يؤديه في صالة المحكمة الجنائية مع شلته من الكومبارس في هيئة الدفاع عن شريعة الغاب، ومجموعة الممسوخين من الطبالين و ( مساحي الجوخ ) من رفاق العقيدة والسلاح! إن بقاء الرئيس السابق حيا، أفضل ألف مرة من إرساله إلى الماضي، لأننا بذلك سنفقد واحداً من أبرز( قادتنا ) وسنبقى نتغنى كعادتنا بالماضي المجيد، فدعونا هذه المرة نتغنى بماضينا الذي أبقيناه لحاضرنا، ونستذكر إنجازاته وبطولاته وربما يحتاجه البعض في تنظيم برامجه للشمال السليب والجنوب ألصفوي، خصوصا وإنهم يتداولون في كيفية إعادة هيبة العراق وأمجاده العظيمة في حلبجة والأنفال والأهواروالمقابر الجماعية وبقية إنجازات الثورة البيضاء. لا تقتلوا الرئيس لأنه يمثل جزءً مهما من تاريخنا وسلوكنا وتطلعاتنا وطموحات الكثير من المساهمين في العملية السياسية لتحقيق ما لم يحققه الآخرون طيلة ثمانين عاما من حكمهم الوطني جدا. لا تقتلوا الرئيس وتذكروا بأنه حكمكم أكثر من ثلاثين عاما، وكنتم حفاة عراة وجياع فأشبعكم وألبسكم ( من فوق ومن تحت )، وحول نكراتكم وجهلتكم وأنصاف الأميين إلى أساتذة وقادة عسكريين ومناضلين ليل نهار من أجل أشقائنا في جيبوتي وجز القمر والصومال واريتريا والسودان وأشقائنا في عربستان وحلفائنا في فلسطين ولبنان. ألم يبتكر في سابقة لا مثيل لها إلا عند تلامذته ألان في ترفيع العرفاء والمفوضين إلى رتبة فريق أول طيار، وهو الأول في تعيين خريجي الأبتدائيات ومحو الأمية، أعضاء قياديون في حزب الأمة العربية وبعد ذلك وزراء ومحافظين ووووالخ؟. ألم تؤسس في عهده وتحت مظلة أفكاره ونظرياته أعظم وأسرع جامعة في العالم وهي جامعة ( سوق مريدي ) الشهيرة، وهي التي تمنح شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه لخريجي الأبتدائيات والمتوسطات والثانويات وفي كل الاختصاصات؟ لقد ( علسنا ) معظم ملوكنا ورؤسائنا ومن رافقهم وعمل معهم إلى الجد الرابع ولم يبقى من ريحتهم إلا ( رئيسنا المفدى ) فلندعه رمزا لماضينا يعيش معنا حاضرنا، ولندعو له بطول العمر ليرى بعينيه خلاصة ما فعلت أفكاره وأفعاله طيلة أربعة عقود من الزمن بهذا الشعب العجب. وربما بقاؤه بيننا أفضل من إرساله إلى الراحة الأبدية ومن ثم نسيانه، ليبقى لنا درسا وموعضة فما زال فينا من يحلم بمواصفاته أو تقليده أو صلاحياته، وأخشى ما أخشاه أن نندم ذات يوم على سقوطه في واحد من تلامذته أو مريديه فيسبقه في الصنعة ويتجاوزه في الطموح.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |