|
العملاء .. وهزيمة الهزيمة مهند حبيب السماوي لم استغرب أبداً_وانا اراقب بحذر مجريات الحرب الاخيرة بين اسرائيل ولبنان_بالنتيجة التي خرجت بها الأحداث وبالمحصلة التي آلت اليها حيثيات الامور, فعلى الرغم من همجية اسرائيل وبربريتها الفائقة للتصور, الا ان المعطيات الحقيقية, البعيدة عن اوهام امريكا وهوامات اسرائيل وخيالات عملائهم, كانت تشير الى ان الاخيرة سوف تخرج من الحرب صفر اليدين ولن تجني اهدافها وغاياتها الخفية والمعلنة والتي شنت من اجل تحقيقها حربها ضد لبنان الشقيق . ولم اندهش أيضاً من جو التصريحات الرسمية العامة التي خيمت على الفضاء السياسي لأسرائيل بعد ان أزفت الحرب, حيث قرأ _بموضوعية _ بعض المحللين والكتّاب سواء كانوا اسرائيليين أو غربيين , تجربة الحرب الاخيرة مع لبنان واعترفوا صراحة امام العالم بان اسرائيل قد خسرت الحرب ولم تستطيع _على الرغم من الحملات العسكري الضارية التي صبتها بحقد على لبنان_ ان تحقق ماتروم اليه والمتمثل بتحرير الجنديين الأسيرين والقضاء على حزب الله وتجريده من سلاحه الذي يظهر كأن وجوده طعنة نجلاء في الجسد الاسرائيلي . الا ان ما ادهشني فعلاً واثار استغرابي واقعاً هو ما كتبه وماقاله بعض الكتّاب والمثقفين المنخرطين في مجال الكتابة والذين وضعتهم سابقاً في خانة (كتّاب حسب الطلب).أذ ان هؤلاء_ولكل اسف_ قد وقعوا في وهم كبير وضلال بعيد, حيث حاولوا بشتى الطرق وبمختلف الاساليب الملتوية اظهار ان حزب الله قد خسر المعركة وانه كان عليه ان لايغامر هذه المغامرة اقتداءاً بالبيان الرسمي الصادر من البلاط السعودي الذي وصف ما فعله حزب الله بانة مغامرة غير محسوبة !!! وفي الواقع أن هؤلاء الكتّاب والمثقفين الذين قد راهنوا في بداية المعركة على خسارة حزب الله امام اسرائيل كانوا على صنفين : 1. من امتلك تصور خاطئ مبالغ فيه عن قوة اسرائيل العسكرية الجبارة واسطورتها التي تقطعت شرايين أوداجها في جنوب لبنان , حيث ظن هؤلاء الكتّاب ان الجيش الاسرائيلي قادرة على سحق اي قوة عسكرية تواجهه على ساحة الميدان, ولما حدث الذي يخالف ارائهم , ظَهر أن هؤلاء الكتّاب لم يعرفوا ما سوف تؤول اليه الامور والوقائع, ولم يستطيعوا قراءة الحدث من جوانبه المتعددة واحتمالاته المتنوعة ومستوياته المختلفة. 2. من ارتبط قلمه وأرتهن موقفه بأنظمة سياسية من نوعين مختلفين بالاسم, متماثلين بالنتيجة والافعال.الاول نظام عميل لاسرائيل, يفرض على كتّابه والمطبلين له سياسة ما وستراتيجة معينة في القول والفعل حيث يرسم هذا النظام لهؤلاء الكتّاب الخطوط العريضة لما يجب عليهم ان يكتبوه ويسطروه في صحفهم التي تزعم الموضوعية وتدعي الحياد وترفع شعار الكلمة الصادقة النزيهة, أما الثاني فهو نظام جبان فرض جبنه وخنوعه على الكتاب المرتبطين به, ففقدوا ثقتهم بنفسهم وفي قدرة الامة على اكتشاف الذات واعلاء الكينونة واثبات الوجود عبر المقاومة والاستبسال والجهاد الحقيقي على طريقة حزب الله وحماس فقط لا على طريقة الارهاب الطائفي والتفجيرات الانتحارية والاختطاف والقتل العشوائي الذي يشوه المقاومة الحقيقية ويزيف الجهاد المقدس كما نرى اثاره بصورة جلية ومُحزنة في العراق المُحتل اليوم. فالنتائج والاراء التي يقول بها هذان الصنفان من الكتّاب لا تقوم على الموضوعية والحياد وانما ترتبط الى حد كبير وواضح بمواقف سياسية تؤثر تأثيراً كبيراً في النتائج التي يقررها ويتوصل لها هؤلاء الكتاّب في مقالاتهم التي يكتبوها. فتحليل اي موقف او منظور سياسي يُطرح من قبلهم يجب ان يقوم على التمييز الحاسم بين النزعة الايديولوجية التي ينطوي عليها هذا الموقف(عن وعي او عن لاوعي) وبين النظرية والاسلوب الذي ينطلق منهما كما قرر ذلك المفكر هشام شرابي!!! وقد اثبتت حرب لبنان واسرائيل الاخيرة _بما لايدع مجالاً للشك والريبة_ ان هؤلاء الكتّاب على جانب كبير من الخطأ في تقديرهم للحرب وفي تصورهم للنتيجة التي ستخرج بها ولذلك فهم في هذه الجبهة منهزمون بسبب سوء التقدير الذي رافق حكمهم على أحداث الحرب بحيث اصبح بينهم وبين الحقيقة بوناً كبيراً وفجوة يتعذر ردمها , ولكن الامر لا يقتصر على هذه الهزيمة , فهنالك جبهة اخرى قد أنهزم هؤلاء الكتّاب فيها بامتياز !!! يقول المفكر اللبناني علي حرب في كتابه " الممنوع والممتنع " ((ليست الهزيمة أن يندحر جيش او يسقط نظام بل الهزيمة ان لايصدق المرء انه هُزم أو انه لا يدري كيف هُزم ولم هُزم ... الهزيمة ان تتوالى على الواحد النكبات والنكسات ويبقى متمسكاً بموقفه متشبثاً بقناعاته وشعاراته... الهزيمة ان يعود الواحد القهقرى دون ان يدفعه ذلك الى مراجعة مسلماته او تغيير طريقة تفكيره او تبديل نهجه في التعاطي مع الذات او الغير... تلك هي هزيمة الهزيمة...)) وهذا هو الواقع الحقيقي لهؤلاء الكتاب!!! وهذه هي الجبهة الثانية التي هُزموا فيها!!! فالمشكلة عند هؤلاء الكتّاب والمثقفين انهم يعانون من عقدة هزيمة الهزيمة التي تقبع في كهوفهم الداخلية وحدائقم السرية من حيث يعلمون او من حيث لايعلمون !!! هذه العقدة (هزيمة الهزيمة) توجد لدى الكتّاب الذين لا يحسنون قراءة الاحداث واستبصارالوقائع ولا يعرفون او يجيدون كيفية التعاطي معها , وبالتالي يكون تحليلهم أحادية الجانب، فردي البعد، ضحل العمق , سطحي المعنى, فج الدلالة بعيد كل البعد عن الواقع الذي يحصل, والحدث الذي يجري, ولكنهم لايعترفون بذلك ولايقرون بان رأيهم كان خاطئاً وقصّي عن الحقيقة فينهزمون لذلك مرة ثانية, ويكونون فريسة لهزيمة الهزيمة.... فمرة انهزموا حينما قالوا وتوقعوا وتنبؤا ولم يحدث ذلك, ومرة ثانية قد وقعوا تحت وطأة الهزيمة أيضاً حينما لم يعترفوا امام انفسهم والاخرين بانهم كانوا على خطأ وانهم كانوا يغردون خارج سرب الحقيقة التي اذهلتهم بتباشيرها المشرقة على الظلمات القاتمة التي تسربلوا فيها بحيث عاشوا وهم لايستطيعون ان يرفعوا رأسهم ليروا شمس الحق والنضال والمقاومة التي تمت على يد ابطال جنوب لبنان... انها فعلاً بحق هزيمة الهزيمة لهؤلاء الكتّاب الذي سيأتي عليهم زمان سوف يتخلون فيه عن افكارهم_ وربما حكوماتهم ايضاً_ كما تتخلى الفئران الهاربة عن سفينة توشك على الغرق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |