الاجتهاد الفردي محفز للإصلاح والتغيير

 إحسان طالب

m.h.taleb@mail.sy

http://www.ehsantaleb.blogspot.com

بعد التصريحات الأخيرة للبابا بندكتوس والتي عاد فيها الى القرون الوسطى بما تحمله من انغلاق وتعصب تنوعت واختلفت ردود الفعل الإسلامية والدولية على تلك التصريحات واتفق الجميع عل خطأ الصياغة والتوقيت واختلفوا في تقدير النوايا والأهداف

و لعل ما توقف عنده البابا من انتقادات للفكر الديني الإسلامي لم تكن جديدة ومستحدثة فهو عاد ما يقرب من سبع مئة عام لينقل كلمات رأى فيها البعض تجنيا وعدها آخرون فرصة للمراجعة والبحث

إن صدمة العالم والشعوب الإسلامية ليست مع البابا وما يحمله قوله من نقد بل هي في الواقع صدمة من الجرأة والقدرة على توجيه النقد من الخارج الذي يمثل الأخر والعدو

انه شعور بالإهانة من قيمة ينبغي لها العمل على إرساء قواعد التسامح والتعايش والتحاور والتقارب، لقد فسرها الشارع الإسلامي رغبة من الغرب في إذلال المسلمين عن سبيل التطرق لأفكار ومفاهيم غير مستقرة ونهائية عند المسلمين.

و بالرغم من القسوة والشدة التي انطوت عليها كلمات البابا فإنها كانت فرصة ودافعا لدى بعض الكتاب للمراجعة والبحث، وكان من جملة النقاط التي توجه إليها التطرق مسألة المرجعية والجهة المناط بها الرد وتحديد الموقف المناسب.

 

أيهما الأفضل المرجعية الفردية أم الجماعية:

 ربما كان من مزايا الإسلام السني إبقاء مسألة المرجعية فرديه أي أنها مرتبطة بقنا عات المسلم وما ينشرح له قلبه،، والمفروض من حيث المبدأ الوصول بناءا على المرجعية الفردية إلى حرية أوسع لإعمال الفكر والعقل في الاستنباط والفهم

ضبابية مفهوم المرجعية في المذهب السني فتحت الباب أمام الفوضى في حيز الإفتاء والفهم والتفسير والتأويل، ومع العلم بإشكالية السماح بالفتوى والاجتهاد لكل مستطيع وغير مستطيع فان ذلك ينبغي أن يكون سببا للتجديد والإصلاح الديني

غياب المرجعية المعتمدة يعود إلى التصور الإسلامي لعلاقة الفرد بالخالق التي لا تحتاج إلى واسطة كذلك الأمر في العودة إلى القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهي لا تحتاج الى وسيط بقدر ما تحتاج الى دليل يسمح للفرد بالوصول مباشرة الى النص المقدس بدون عقبات وعوائق

و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

فالأصل هو الرجوع مباشرة إلى النبع لاستخلاص الأحكام والمفاهيم وبالنظر إلى صدر الإسلام لا نجد سيرة الصحابة أسست لمرجعية واحدة ومحددة يكون لها الحكم الفصل في الخلافات، كان هناك تشاور وتساؤل ولم يكن هناك إجماع على مرجعية غير النص القرآني الكريم وأحاديث الرسول (ص ً) وكان الفصل في الحكم الفقهي عائدا الى أمير المؤمنين رئيس الدولة ورأس النظام السياسي القائم آنذاك.

و منطق الاجتهاد الذي ينبغي ان يظل بابه مفتوحا يلغي مبدأ العودة في الأحكام والتفسيرات والتأويل لأكليريوس إسلامي، حيث أدوات ووسائل ولوازم الخوض في غمار العلوم الدينية متاح ومتوفرا كثر من أي زمن مضي مما يفتح الباب مشرعا أمام طلبة العلم والباحثين ليس فقط لتعلم والوصول الى ابعد وأعمق النقاشات والجدالات والاختلافات في التراث بل أيضا لمناقشة ما توصلوا له مباشرة ومشاركة اجتهادا تهم وقناعا تهم الجديدة مع الآخرين وسماع ردود الأفعال والانتقادات والتوجيهات عبر المنتديات وشبكة ألنت المفتوحة.

و نستطع الوقوف هنا أمام أمرين ينبغي التضحية بأحدهم ووضع ضوابط للجمع بينهما، الأول ترك باب الاجتهاد والفهم والتفسير مفتوحا مع ما يمكن إن يتسبب ذلك من فوضى وإشاعة للبلبلة والتخبط في الشارع الإسلامي نتيجة لما يمكن إن يطرح من تفسيرات وفتاوى ذات ارتدادات عنيفة ومتطرفة تشتمل على اتجاهي الإفراط والتفريط، كل ذلك يعد وجهة نظر سلبية للمرجعية الفردية إلا انه يعتبر أمر محفزا ودافعا لتوجه البحاثة والعلماء غير التقليديين نحو النص المركزي بما يحقق مقولة قدرته على توليد واستيلاد الأفكار والمعاني إلى جانب احتوائه على منطلقات وأسس وقواعد وحكم تسمح بإيجاد حلول ومخارج لازمة الفكر الديني المنغلق بين جدران النص وما اثر معه مت فهم وتفسير، أما الثاني فهو العمل المؤسساتي المنظم من قبل الهيئات والمنظمات والجامعات ذات الصفة الرسمية للدول على تحديد جهة وقبلة واحدة يعود إليها البت في إصدار المواقف والفتاوى والتفسيرات ويعد ما يصدر عنها معتبرا ومقبولا.

بالتجربة التاريخية نجد أن المؤسسات المشار إليها ظلت أسيرة للنظام السياسي والفهم الشعبي الجمعي لعامة المسلمين ولم تتمكن من طرح الجديد والمتطور واقتصر دورها على ترويج وجهة النظر الرسمية وتحريك الشارع الديني وفق متطلبات ومصالح النظام السياسي التابعة له فضلا عن عدم قدرتها على الوصول إلى اتفاق وتفاهم في العديد من القضايا التي تتعارض فيها الأنظمة الملحقة بها ( الموقف من الحرب الأخيرة في لبنان مثالا )

فالأزهر الشريف منضبط بتوجهات الحكومة المصرية ولا يشذ ولا يخرج عن افقها العام وهيئة كبار العلماء في السعودية كذلك مرتبطة وملتزمة بما تمليه المصالح العليا التي تقدرها الحكومة السعودية.

 وفي المقابل نجد أفرادا ممن تخرجوا وتتلمذوا داخل تلك الهيئات والمؤسسات وكسروا قيد مرجعيتها تمكنوا من تحقيق إنجازات علمية وفكرية ومعرفية عجزت المراجع الجماعية عن الوصول إليها، فنصر حامد أبو زيد والمرحوم فرج فودة مثلا كان لهم فضيلة الريادة في تحريك الفكر الديني نحو البحث في التجديد والإصلاح، وكان ذلك بجهود ذاتية فريدة، كذلك ننظر بإعجاب إلى محمد أركون الذي بحث في تاريخية العقل الإسلامي واتاح للعقل المسلم فرصة التأقلم من جديد مع المناهج والأدوات والأساليب العلمية والمعرفية الحديثة في محاولة للنهوض والانطلاق نحو العصرنة والحداثة مع الالتزام بالأصالة والاستفادة من الموروث. كما أننا نقدر الإنتاج الثري لحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وهي كانت أعمالا وجهودا حملت بالأساس طابعا فرديا أي لم تكن نتاجا وإعمال أفرزتها جهات ومنظمات جماعية ورسمية، وما اشرنا ليه هنا هو على سبيل المثال ليس الحصر لكي ندلل عل قيمة المرجعية الفردية وعظيم إنجازها الذي لم تصل إليه وحتى تقترب من المرجعيات الجماعية

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com