الإقليم الكبير . . لا يقام بالتوسل والاستجداء

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com 

ما انفك سياسيونا يمدون  في زمن الموت البطئ الذي أجبر شعبنا على تجرع مرارته, ومكابدة آلامه, تحت مظلة الحلول التخديرية, وتقديس الأصنام الجوفاء الزائفة. تلك الحلول التي لا تخدر إلا عقول وقلوب الضحايا, لكي تقدمهم لقمة سائغة هانئة للذئاب والكلاب المسعورة التي تنهش لحومهم يوميا, وبوحشية تقشعر منها أبدان الوحوش أنفسها, وتقذى عن منظرها نواظرها, وتلفظه آماقها.

 إن ما جرنا ويجرنا إليه (أبطال) الخنوع والتظلم والبكاء والإستبكاء والعويل. وحمقى الحرية الشوهاء, وديمقراطية الانكفاء والهزيمة, التي ينتفع منها, ويتلحف بها الطغاة والمتجبرين والقتلة, ويعرى عنها ـ بل لا يشم رائحتها ـ من هو في أمس الحاجة إليها من المظلومين والفقراء والمساكين .  . إن ما جرنا ويجرنا إليه هؤلاء؛ ليس سوى تفريط بالحقوق, وتبديد للدماء, وتضييع للأموال.

 إن إقامة الإقليم الكبير هي الحد الأدنى الواجب العمل لتحقيقه, وهي الحل الوحيدة لقبر أية مؤامرة لاستعادة الطغاة السيطرة على العراق مرة أخرى. دونها تكون "براقش" قد جنت على نفسها. لابد ـ إذا ـ من وضع الموانع القوية والمتينة التي تجعل عودة الطغيان والدكتاتورية أمرا مستحيلا. ولا يتم هذا الأمر إلا بإقامة أقاليم كبرى, لا يمكن التهامها, ولا يطمع بها أحد.

 إن الإصرار على حكومة مركزية أو ـ حتى ـ على (لا مركزية المحافظات) هو إصرار مغرض وواضح الأهداف والنوايا المدفوعة بواقع إقليمي أعوج. والخوف الحقيقي على هوية العراق و(وحدة أراضيه) لا يأتي من إقامة هذا الإقليم الكبير, بل هو نابع من استمرار الواقع الحالي المؤلم ونزيف الدم الجنوني. الذي لا بد له في المحصلة أن ينتج واقعا انعزاليا وانفصاليا سيؤدي ـ بالضرورة ـ إلى تغيير خارطة العراق.

 إن استجداء موافقة ورضى طغاة الأمس واليوم, وحتى السياسيين الآخرين من غير المعنيين, هو تكلف ما لا حاجة له, وتفريط  وإشراك للآخرين في غير شأنهم, وفي ما ليس لهم حق المشاركة فيه. لأن إقامة الأقاليم هي أولا ـ وقبل كل شئ ـ حق لمن أرادها, وليس لغيره أي حق في منع, أو إعاقة ممارسة وتحقيق هذا الحق. فعلى سياسيينا أن يعوا هذه الحقيقة, ولا يستجدوا الموافقات من كل من هب ودب. الأهم هو رغبة أبناء المحافظات الراغبة في إقامة الإقليم, وليست رغبة غيرهم. لأن هذا مصيرهم وحياتهم ولهم الحق في صونهما وتأمينهما. ثم إنه من الطبيعي لمن استبد بالأموال والثروات, وأباد العباد وخرب البلاد, أن يتضرر من إرجاع الحق لأهله. فلا أدري ـ إذا ـ كيف يستجدي بعض السياسيين ـ أو ينتظر ـ رضاهم بنزع خيرات العراقيين ـ التي استولوا عليها بالقوة والغلبة ـ من يديهم؟!

 أما الطروحات الغبية من قبيل (أقاليم المحافظات) فإنها ليست إلا جهل بموضع الخطر, وجهل بدواعي إقامة الأقاليم؛ أو هي خدعة انخدع بها بعض (الأخوة). لأن من ظن أن اللامركزية ضامن لحياته ومستقبله, فقد طاش سهمه, وغرته خدع الآمال . . يحسب هؤلاء (المساكين) أن المشكلة هي في الثروة فقط. ألا يعلم هؤلاء أن التأمين الناجع لمستقبل العراق, لا يتم إلا بإقامة تكتلات كبيرة, بحيث لا يمكن لأحدها التقام الآخر, أو سحقه أو ظلمه أو الطغيان عليه, مهما كان الدعم الخارجي كبيرا.

هذا هو الضامن الوحيد. وإلا, فما الفرق بين المحافظة بواقعها الحالي, وإقليم المحافظة؟! هل هو في زيادة بضعة دولارات من مستحقات النفط؟! إن تلك الزيادة التي سيمن بها عليه البعض, ويتفضل بها عليه, ليست ـ من وجهة نظر هذا البعض ـ إلا هبة.  سيستردها, وسيستزيد عليها, بل وسيستبد بأمرها حالما يستقر له الأمر, فتذهب كل آمال هؤلاء سدى. وسيكشف لهم برق أمانيهم عن سحاب خلب, لا يجود حتى بقطرة مطر صيفي.

 ثم أننا لو فرضنا صحة ما يشيعه البعثيون, وباقي أعداء العراق في مخيلة البعض من (الأخوة), بأن هذا أو غيره, يطمع في أن يكون رئيسا للإقليم المزمع, فما الذي يمنع هذا البعض أن يبادر ـ هو ـ فيدعو لإقامة الإقليم, فيكون أقرب من أولئك لرئاسته, إذا ما طمع بها أي منهم. وما الذي يدعوه لترك الساحة للآخرين لينفردوا بهذا الشرف. وهل أن الطمع في الرئاسة ـ وهو أمر جزئي ووقتي ـ يغير أو يقلل من أهمية وضرورة إقامة الإقليم الكبير الضامن, الذي له طابع دائم, من المؤمل أن يضمن مستقبل الأجيال القادمة.

إذا كنا نفكر بهذه السذاجة . . بل بهذا الجشع والطمع . . فعلى المضطهدين السلام!

إن البون واسع, والفرق شاسع, بين قضية إقامة الإقليم التي بها تحقن الدماء, وتحفظ الأموال؛ وبين قضية الرئاسة. وهي قضية جزئية يمكن التحكم بها, بل وتغييرها قواعدها متى ما لزم الأمر. خصوصا في وضع ـ يفترض أنه ـ ديمقراطي. لأنها تخضع للتصويت, وعندها يقرر الشعب من يريد.

 أما طروحات بعض (الأخوة), في أن الوقت غير مناسب, بسبب وجود القوات الأجنبية في العراق. فإنه يعبر عن بساطة وسذاجة, بل لعله تأثر بإعلام أعداء العراق الذين يقلبون الحقائق. لأن العكس هو الصحيح, وأن أنسب وقت لطرح مثل هذا المشروع, هو الوقت الحالي. لأن وجود القوات الأجنبية ـ بغض النظر عن موقفنا منه ـ هو مانع واقعي لأي تدخل أقليمي (من العرب أو الإيرانيين أو الأتراك) يحاول منع قيام مثل هذا الإقليم, أو تغيير المعادلة الواقعية للعراق. خصوصا وأن إقامة هذا الإقليم قد ينظر لها هؤلاء جميعا على أنها تضر بمصالحهم, ولأسباب مختلفة. لذلك نلاحظ إصرار البعثيين وعملائهم, وبعض (الأخوة) الذين انخدعوا على هذه النقطة, أملا في تغيير المعادلة السياسية, بعد خروج القوات الأجنبية من العراق بدعم دول معروفة.

 أما القول بأن شعبنا ليس مؤهلا بعد لتحول من هذا النوع فهو كلام أجوف, إذ لا يوجد أحد يعتقد بأن شعب "الإمارات" في بداية السبعينات, هو أكثر أهلية وثقافة من شعب العراق الآن. فنجاح الأقاليم (أو الإمارات) في دولة الإمارات العربية المتحدة ليس لأهلية معينة كانت يمتلكها شعب الإمارات, بل هي الإرادة السياسية التي قادت هذه الدولة الاتحادية نحو النجاح.

 أما الخوف (المبرر) لدى البعض من استئثار بعض آخر, فإن هذا أمر يمكن حله عن طريق بعض الترتيبات والتوافقات, كتغيير مركز الأقليم والثقل الإداري له, وغير ذلك من التوافقات اليسيرة نسبيا.

 إن علينا تدارك الأمر قبل أن ينفلت من عقاله, دون الالتفات إلى ردود الأفعال مهما تعاظمت وتفاقمت, لأنها لا تنطلق إلا من تصور ضعف الآخر وانهزاميته. ولو عرف أعداء العراق بأس العراقيين وشدة إصرارهم على نيل حقوقهم, لما تمادوا في طغيانهم وعتوهم واستعلائهم الفارغ. و "ما ضاع حق وراءه مطالب" 

إن الحرية الحقة لا يستحقها الجبناء, ولا تشرأب لها أعناق الأذلاء.

وقد قيل من قبل: "إن الشجاع يموت موتة واحدة, والجبان يتجرعها آلاف المرات".

نعم . .

فالجبان من يستعظم الجبناء أنفسهم عند ذكره,

والجبان من يطأطئ رأسه ذلا حين تذكر الكرامة والبطولة والشجاعة والإقدام.

والجبان من لا يجاهر بحقه ويضعف عن استرداده,

والجبان من يضعف عن الاقتصاص من القتلة والمجرمين والمخربين وسارقي أقوات الشعب.

والجبان من يكافئ سالبي حقه, ضعفا؛ ويجافي من ضحى لاسترداده, نكرانا؛

والجبان من يرى ويسمع ويعلم بالمجرمين فيدنيهم خوفا,

والجبان من يذل نفسه أمام الأجنبي وهو في وطنه,

 فعلى سياسيينا أن يظهروا من الصلابة والقوة والعزيمة والإصرار, ما يبرهنوا من خلاله على أنهم أهل للثقة التي أولاهم الشعب إياها؛ وأن يحققوا آماله وطموحاته في الإقليم الكبير من أجل مستقبل مشرق لأبنائه, مهما كانت الصعوبات والعوائق. وإلا فليعترفوا بقصورهم عن هذا الأمر, ليرى الناس رأيهم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com