|
تعديل قانون الانتخابات وفقا لرؤية شعبية وأخرى نخبوية علي البهادلي هناك حاجة ماسة لتعديل قانون الانتخابات وفقا لارادة شـعبنا التي تتحكـم في وضـع القانون الجديد، وانطلاقا من المفهوم الصحيح للديمقراطية والحرية دون تخوف من امكانية ضياع مصالح كتل او احزاب من خلال اي تعديل ، فالتعديل هو حاجة ماسة وضرورية وليس محاولة لارضاء طرف على حساب طرف اخر. بودي من خلال هذا الاطروحة ان اسلط الضوء على اهم الفقرات التي يفترض بقانون الانتخابات ايجاد حلولا لها ، فالمختصين او الباحثين في مسالة القوانين الانتخابية وقبل الشروع بسن اي اطر قانونية يبحثون في اجابات محددة عن مجموعة من الاسئلة منها : كيف يصنف القانون؟ ما هي الأهداف التي يجب ان يسعى اليها أي قانون انتخابات؟ ماذا يجب ان يسعى القانون ليحققه؟ ما هي الحاجات الملحة التي يجب ان يعالجها القانون ؟ ، من وجهة نظر وطنية عامة، وليس من وجهة نظر فردية او حزبية او طائفية او عرقية!! كذلك يجب ان يوجد قدر من الاتفاق على الاطر العامة التي تتحكم بتشكيل أي قانون انتخابات لمجلس نيابي او لمجلس تمثيلي وطني، وان يعكس القانون الجديد التعددية الموجودة في المجتمع، فلا يعقل ان يكون هناك قانون يعطي افضلية لجزء من الشعب سواء من الناحية الجغرافية او الاثنية او اللغوية او الطائفية على حساب الاطراف الاخرى، اي بمعنى ادق يجب ان يكون القانون متوازنا في انعكاساته للتعددية. في تصميم الفقرات ذات الاهمية القصوى في القانون (الدوائر الانتخابية) يجب ان توجد نصوص واضحة بخصوص عددها وفقا للقانون وان يكون ذلك العدد متوازيا مع التطور في العملية السياسية وفسح المجال امام الكفاءات المتخصصة التي يفتقر لها مجلس النواب الحالي.وان لا يقصى أيا من اللاعبين الاساسيين في العملية السياسية ، لكن ليس على حساب الكفائة والخبرة والقدرة على العطاء ، بمعنى ان يقصي القانون الجديد اية مجموعات قد يكون لها فاعلية في المجتمع، او دور ما. حقيقة الامر ان مسالة تعديل قانون الانتخابات مدار نقاش وجدل نخبوي منذ عدة اشهر حيث يكاد يجمع المتخصصون القانونيون على اهمية اجراء تعديلات جوهرية على القانون وان لا يغفل القانون الجديد المزمع سنه لمواضيع واجراءات مهمة ، ولنكن صريحين أكثرففي الوقت الحاظر يوجد الكثير من المواطنين الذين يحتجون على قانون الانتخابات الحالي ، أي بمعنى انهم يعتقدون ان هذا القانون لا يعكس التمثيل الحقيقي، ولا يعكس مراكز القوى في المجتمع، ويعطي حصة أكبر للبعض ، ويخرج البعض كليا من نطاق التمثيل، وبالنتيجة يجب ان لا يكون القانون اقصائيا، وهذا جانب مهم جدا، يؤخذ به عند تصميم أي قانون نيابي او تمثيلي. ان احدى المبادئ الهامة في تصميم أي قانون انتخابات هي مد جسور الثقة وردم الهوة الموجودة في المجتمع، مثلا كحالة العراق لابد من معالجة التمثيل العادل للمناطق معالجة صحيحة وبتمثيل حقيقي لتلك المناطق ذات التكوين المتشابك كما في بغداد وكركوك وديالى وواسط ونينوى. هناك مبدأ عام آخر مهم على المشرع العراقي الانتباه اليه ، وهو ان على القانون توفير اكبر قدر ممكن من الشرعية الداخلية لاي مجلس نيابي منتخب سواءا اكان على المستوى الوطني او المستوى المحلي ، وان المجالس يفترض ان تحظى بأكبر قدر ممكن من الشرعية التي لا تأتي الا عبر شقين مهمين يلاقح احدهما الاخر ويغني احدهما الاخر وهما (الشرعية الشعبية والشرعية النخبوية)، وهذا الموضوع لا يحتمل صفة الاطلاق، كون ان الشرعية نسبية فربما يحتمل ان يكون هذا القانون مهما دفعنا باتجاه اكسائه جلابيب الشرعية هو قانون يغفل جانب من الجوانب، وهذا طبيعي جدا ومتوقع ، لكن غير الطبيعي وغير المتوقع ان يتم سن قانون انتخابات يتجاهل اهم عناصر الشرعية وهي الشعبية والنخبوية. بعد ان تناولت هذه القضايا اقول في حالتنا توجد عدة أسباب تدعو للتفكير الجدي والسعي الدؤوب لتعديل قانون الانتخابات الحالي، ولعل من ابرز هذه الاسباب هو ان المجتمع يتسم بالتعددية السياسية والفكرية، وهذه سمة اساسية وايجابية من السمات الرئيسية لدولة متعددة الاعراق والطوائف و الثقافات كالعراق وبالتالي كيف يمكن لقانون انتخابات لمجلس نيابي جديد ان يعكس هذه التعددية، و لا يكون اقصائيا فالاقصائية لا تساهم في انعكاس سمة التعددية في المجتمعات ولا تنمي من عناصر السلام الاجتماعي . ويلتطلع اي منصف الى قانون الانتخابات الحالي فسيجد بانه يفتقر الى عنصر مهم يستشعره المواطن وهو ان المرشح لا احد يعرف كفائته ولا يدري من هو ، وكل ما هناك فان الناخب مجبر ان يختار قائمة مغلقة بغض النظر عن محتواها . ان مثل تلك الطريقة في الاختيار تجعل اي خطأ في اداء المرشح وبالا على القائمة ككل ، وبهذا تزداد حالة العزوف الشعبي عن الحزبية لما لها من تقوية لدعائم النظام الديمقراطي وبالتالي لا يسمح التجاوب السياسي الشعبي بإعادة بناء الاحزاب السياسية وفق اطر صحيحة، ولا يسمح ايضا بظهور احزاب جديدة. اذا كنا بصدد بناء وطن ومد الجسور لردم هوات ومحو مقولات تقسم الوطن، لا بد ان يكون هناك قانون يوحد الشعب، ولا يسمح للمجتمع بالانقسام على نفسه الى مجموعات صغيرة، والى طوائف واعراق وعشائر، فالطوائف والعشائر والاعراق ليست هي وحدات سياسية، الوحدات السياسية الاساسية المكونة للمجتمع الحديث هي الاحزاب السياسية، ولا يوجد مجتمع ديمقراطي دون وجود احزاب تمثل قطاعات مختلفة ومصالح مختلفة. ايضا من الاسباب المهمة للسعي الدؤوب لتعديل القانون هو ما يخص تجربة مجلس النواب الحالي، فهذه التجربة تدلل على ان هذا الاطار كان في معظم الاحيان ضعيفا، امام السلطة التنفيذية ، وأحد اسباب ضعفه ان الكتل هي المشكل الرئيسي للحكومة وعلية فان غياب مبدأ الاغلبية في تشكيل الكتل الجديدة لما بعد الانتخابات يلقي بأعبائه على تكوين حكومات ائتلافية او حكومات توافق وهذا يعني غياب لمبدأ المعارضة والمسائلة وبروز مبدأ جديد اسمه التوافق حتى على الاخطاء والثغرات. وفي نفس الوقت هناك اشكالية اخرى قد يطرحها المؤيدون للطريقة الحالية في التوزيع والتمثيل ، فهؤلاء يعتقدون بأن النظام الفردي يمثل في الاساس الافراد وبغض النظر عن موقعهم السياسي واهتماماتهم الحزبية، فهؤلاء لا يمثلون كتلا، والكتل في المجلس تظهر بعد الانتخابات وليس قبلها. وهذا انما يطيل من امكانية تشكيل كتل قوية يمكنها تشكيل الحكومة او سينتج عنه تكوين كتل هشة سرعان ما تنهار او في احسن الاحوال ستتشكل تلك الكتل بناءا على مساومات وتنازلات قد تاتي على حساب المصلحة الوطنية او كفائة من سيتسلمون المناصب والحقائب. اذا ووفقا لتلك الاطروحة فنحن بحاجة ماسة للتعددية السياسية، وهي التي تتيح المجال لتحالفات حسب القضايا المطروحة، وتذكي وتفعل الحياة السياسية الداخلية ، لكن بنفس الوقت نحن بحاجة لان يعرف الناخب مرشحه لكي يمر هذا المرشح بمصفات الناخب قبل وصوله الى البرلمان وايضا نحن بحاجة الى كتل قوية ودوائر متعددة والى دائرة كبيرة الى غيرها من التفاصيل المعقدة. انا برأيي ان الوضع العراقي الخاص يحتاج الى وضع نظام انتخابي وقانون انتخاب بالقياس الى هذا الوضع الخاص ، فالقانون الحالي يبنى على اساس نظام التمثيل النسبية وفقا للقوائم المغلقة الذي يقسم العراق الى 18 دائرة انتخابية، وكما هو معروف فكلما صغرت الدائرة كلما كانت اسس الانتخابات محلية اكثر، وكلما كانت الدائرة اكبر كلما بات من الطبيعي المراهنة على قوائم قومية وطائفية .وقبل السرد في هذا الموضوع ، لنمر على اهم النظم الانتخابية في العالم لمعرفة اي النظم يحتاج العراق. تقسم النظم الانتخابية الى ثلاثة انواع اولها هو النظام الاغلبي الفردي وهو الاكثر انتشارا ويقوم على اساس انتخاب الدوائر، وهذا النظام يقسم الى نوعين، النوع الاول يوزع المقاعد على عدد البرلمان، بمعنى اذا كان عدد البرلمان 275 مقعد يكون هناك 275 دائرة، ولكل دائرة نائب واحد ينتخب في الدائرة، والانتخاب للمرشح الواحد اما ان يتم بالاغلبية وفي عديد من البلدان تشترط الاغلبية المطلقة وفي مثل هذه الحالة يتم الانتخاب بجولة ثانية في حال انه لم يحصل احدا من المرشحين على النسبة المطلوبة وهي 50% + 1، وهذا لتعزيز تمثيل المرشح في الدائرة. والنوع الثاني من نظام الاغلبية الفردي يقوم على اساس تقسيم الدوائر، كما اعتمد في الاردن وفلسطين، فينتخب الناخب عدد المرشحين حسب المقاعد المخصصة للدائرة وعدد المقاعد المخصصة لهذه الدوائر. ويعرف عن الانتخابات بالنظام الاغلبي الفردي، انه لا يعطي النتيجة الدقيقة للمقاعد، أي ان النتيجة لا تعكس التقسيم السياسي او الانتخابي. وهناك نظام انتخابي آخر هو التمثيل النسبي، وتعمل به بلجيكا واسرائيل او كما عمل به في الانتخابات التي جرت بالعراق لانتخاب جمعية وطنية انتقالية ويعامل البلد كله على اساس انه دائرة انتخابية واحدة وهناك نسبة حسم يجب ان تتجاوزها القائمة وتأخذ المقاعد بناء على نسبة ما تحصل عليه. وهذا النظام يعطي للقوة السياسية حجمها في الواقع العام ، والاصوات المهدورة فيه قليلة وتتراوح بين 10-15% بينما لايعطي للاحزاب الفتية او المستقلين حصه مناسبة ويفسح المجال لقيام حملات تزوير غير مكلفة . في النظام النسبي هناك نوعان للتمثيل، الاول اعتماد البلاد كلها دائرة انتخابية، والثاني تقسيم البلاد الى دوائر كبيرة وتقسيمها على اساس التمثيل النسبي، مع الحفاظ على نسبة حسم والحفاظ على حق القوائم لان تأخذ نسبتها الدقيقة بالنسبة للمقاعد كما حصل في انتخابات المجلس النيابي العراقي الحالي. وهذا النظام بحاجة الى مستوى متقدم من العمل السياسي والحزبي والى ديمقراطيات عتيدة ودول تقوم انظمتها السياسية على اساس قومي او ديني متقارب. هناك نظام اخر جديد ظهر في المانيا منذ عقد ونصف وهو النظام المختلط، ويجمع بين النظامين الاغلبي والنسبي. ويعني هذ النظام بان يكون للمواطن صوتين: الاول يمارسه في دائرته على اساس محلي وينتخب مرشحه في دائرته، والصوت الثاني للقائمة على اساس التمثيل النسبي وهو يلائم الانظمة السياسية التي تؤمن بالتعددية وتنطلق منها لبناء مشروعها الديمقراطي. في المانيا مثلا يقسم البرلمان الى قسمين، نصف المقاعد يتم انتخابها عبر دوائر فردية محلية، والنصف الاخر على اساس تمثيل نسبي للاحزاب والقوائم وكذلك الحال مع العديد من الدول وخاصة الاوروبية الشرقية، حيث اخذت تعمل في هذا النظام بعد التحولات الديمقراطية التي حصلت بها في اعقاب انتهاء الحرب الباردة ، فهناك مايقارب 25 دولة تعمل بهذا النظام ومن اهمها اليابان التي خصصت 300 مقعد للتمثيل الفردي و 200 مقعد للتمثيل النسبي، وروسيا تعمل به الان اذ خصصت 225 مقعد للفردي ومثلهم للنسبي. ان العديد من العراقيين لو سنحت لهم فرصة فهم الانظمة الانتخابية سيؤيدون النظام المختلط، وسيطالبون به ولكن في الحقيقة ان اقرار قانون الاحزاب سيقوي من سبل نجاح تطبيق هذا النظام ، اذ ان قانون الاحزاب يشكل عائقا امام اعتماد النظام المختلط . واشير الى ان النظام المختلط، يخفف كثيرا من سلبيات النظامين الاغلبي والنسبي، وهو بالتاكيد لا يعكس العدالة المطلقة بالنسبة لتمثيل القوى السياسية ولكنه الافضل، وهو الاقرب للشرعية، اذا ما قورن بالنظام الفردي او النظام النسبي وهو يجعل شرعية المجالس التشريعية اعلى، خاصة اذا ما اخذنا نصف المقاعد للاحزاب، والنصف الاخر للفردي،. اذا أردنا ان نصل الى تنمية سياسية حقيقية وتعددية للمشاركة فان النسبة يجب ان لا تقل عن 50% للقوائم والنصف الاخر للمحلي، واذا ما اعتمدت نسبة اخرى بأي تقليل في تلك النسب لصالح الاحزاب على حساب الفردي او العكس فلن يكون لها نتيجة فعلية على الانتخابات وعلى التحولات الديمقراطية وبناء مؤسسات ناضجة، لان الحزب اما مستفيدا بصورة غير عادلة على حساب الافراد او العكس ، وهنا ستبرز مشاكل قد تدفع بالعملية الانتخابية الى تعقيدات او سينتج نوع من الاصرار على انتهاج وسائل غير نزيهة لكسب تاييد الناخبين لحساب طرف على الاخر . اما فيما يخص وضع المرأة والكوتا النسائية، فبأمكان القانون الجديد ان يضمن تلك الكوتا عبر مجموعة من اجراءاته وكما جاء في الدستور فلا خوف على تلك النسبة . وفيما يخص دور الشباب في العملية السياسية فمن المعروف ان رفد الساحة السياسية بقادة جدد سيقوي من دعائم المشروع الديمقراطي ، خصوصا وان الفئة العمرية من 18 عاما الى 30، تشكل 50% من القوة الصوتية في العراق، والفئة العمرية من 18 عاما الى 35 تشكل اكثر من 60% من القوة الصوتية. عادة سن الترشيح مختلف من بلد الى آخر، فهناك من يعتمد سن ال 25، وهناك من يعتمد سن ال 28، وهناك من يعتمد سن 21، وهناك من يعتمد سن ال 18 وهو نفسه سن الاقتراع. لذا فان البحث في هذه المسالة يعتبر ضروريا الان للحاجة الماسة لتهيئة قيادات سياسية شابة . من الممكن ان يكون سن الترشيح 25، وهذا العمر سيشجع الشباب للمشاركة في العملية السياسية عموما والانتخابية على وجه الخصوص، وسيكون لهم دورا حاسما في تحديد خيارات الامة ، خاصة وان المؤشرات التي وردت في استطلاعات الرأي التي اجريت من قبل مجموعة من الجهات تشير وبسبب الاوضاع التي نمر بها، الى تراجع الشباب في المشاركة في العمل السياسي والحزبي، اذا ما قورن الوضع بما كان عليه في فترة الستينات والسبعينيات من القرن الماضي. الخلاصة من هذه الاطروحة : ان لا ديقراطية بدون انتخابات، ولا ديمقراطية بدون تعددية سياسية ولا ديمقراطية بدون مراجعة وتقييم ، لذا لابد من التوقف قليلا لدراسة اي مقترح لتعديل قانون الانتخابات وان يستمع السياسيون الذين يتولون اليوم مهام برلمانية الى راي الناس والنخب فاليوم هم في هذه المقاعد وغدا ابنائهم سيعانون الامرين ومناطقهم ستعزف عن العملية الديمقراطية عند اصرارهم على الاستماع فقط الى رأي احزابهم ومصالح كتلهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |