مأساة البشرية وأحداث 11 سبتمبر

بيان صالح

ناشطة نسائية يسارية من العراق / منسقة المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأة

P.C.W.E.S.R

bgubrail@yahoo.dk

مرت قبل عدة أيام الذكرى الخامسة للجريمة الإرهابية بحق ألاف الأبرياء من المدنيين الأمريكيين وبحق البشرية اجمع ، تلك الحادثة الرهيبة التي هزت العالم و غيرت مساره وأوقعته بين أشرس قوتين إرهابيتين عالمتين، قوة الإرهاب الأمريكي وحلفائه وما يمارسه من انتهاكات بشعة بحق البشرية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وهي في الأساس إستراتيجية لخلق الإرهاب من جهة، وبين الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي لا يفهم إلا لغة القتل و والعنف والتدمير وقطع الرؤوس .
أحداث 11 سبتمبر مهدت الطريق أمام أمريكيا للتلاعب بمصير البشرية وحشد دعم كبير لمساندتها في حربها على الإرهاب. والتي قسمت العالم إلى محور الشر و محور الخير ومن لم يكن مع سياستها فهو مع محور الشر.تلمس العالم ولمدة خمسة سنوات الادعاءات الباطلة لسياسات بوش بقيادة عالم التمدن والدفاع عن الحرية و الديمقراطية في حربه ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف والذي هو من صنعه أبان الحرب الباردة ضد الشيوعية في أفغانستان و دعمت حركة الطالبان و خلقت أسامة بن لادن وأمثاله .
أصبح العالم ما بعد أحداث أيلول أكثر خوفا وأكثرانعداما للامن ليس في مناطق جغرافية معينة بل ان فيروس الإرهاب والعنف قد أنتشر ليشمل العالم كله, الأحداث المأساوية التي تمر بها البشرية ألان شاهدة على الادعاءات الكاذبة و المزيفة لسياسات الدول الرأسمالية المسيطرة على العالم وعلى راسها امريكا .

تأثير أحداث 11 أيلول في الشرق الأوسط
على صعيد الشرق الاوسط أدت أحداث 11 سبتمبر إلى تصاعد الحركات الإسلامية السلفية المتطرفة و تراجع قوى اليسار و العلمانية, و تصاعد العمليات الإرهابية ضد الأجانب في الدول العربية وقتل السياح وتفجير الأماكن السياحية.كما ساهمت في تقدم الأحزاب الإسلامية في عدد من العمليات الانتخابات واخذ زمام السلطة مثلما وصلت حركة حماس في فلسطين وسيطرة المد الديني على المجتمعات العربية كما حدث مع حركة الاخوان في مصر.
ان إصرار الولايات المتحدة على تغيير الانظمة الحاكمة وإقامة مشروع الشرق الاوسط أدت إلى تحالف هذه الأنظمة مع الحركات الإسلامية الأصولية للوقوف بوجه التدخل الخارجي ومثال دعم إيران وسوريا ودول أخرى لتنظيم القاعدة وبقايا النظام العراقي السابق في العراق ودعمهم لحزب الله في الحرب الوحشية مع إسرائيل المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. الحرب التي ادت الى قتل وجرح وتشريد ألاف من المدنيين والسعي الى إبراز الدور البطولي ! لحزب الله و قائده نصرا لله و اعتباره من أبطال المقاومة والصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي . إن عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية واستمرار اسرائيل في سياساتها العدوانية في فلسطين والمنطقة تعتبر من العوامل المهمة في توسيع القطب الإرهابي و الأصولي ، ونلاحظ العلاقة الدينامكية بين القطبين الإرهابيين حيث إن الإرهاب الإسلامي المتطرف يتغذى و يتقوى نتيجة للسياسات العدوانية للدول الامبريالية وعلى رأسها أمريكا وكيف إن هذه الدول تتخذ من وجود وممارسات التيارات الارهابية وضرورة مكافحتها فرصة لتمرير سياساتها و ممارساتها اللاانسانية .
إن نتائج أحداث ما بعد أيلول واضحة في الحرب على أفغانستان وعلى العراق. لا شك إن سقوط نظام طالبان والنظام ألبعثي لهو مكسب عظيم للبشرية و لكن ليس عن طريق تلك الحروب المدمرة التي فرضتها أمريكا على الدولتين وخلق مأساة بشرية فضيعة بحق السكان. سياسات الولايات المتحدة مهدت الطريق إلى توسيع تنظيم القاعدة وممارسة نشاطه الإرهابي في العراق و بشكل واسع.
أعلنت أمريكا الحرب على العراق رغم معارضة الملايين في العالم . التاريخ شاهد إن الشعب العراقي في عام 1991 قد انتفض ضد نظام صدام والذي كان على وشك السقوط لو لا دعم القوات الأمريكية وبقائه وممارسة نظامه الديكتاتوري على الشعب العراقي لفترات أطول. واليوم و بعد أكثر من ثلاث سنوات على إسقاط النظام ألبعثي الفاشي ماهي مكتسبات الاحتلال للشعب العراقي ما عدا الخوف و الرعب و القتل و الانفجارات والقتل اليومي المتواصل للمدنين ,الانفلات الأمني ,فقدان السمة الحضارية للمجتمع ,تصاعد الحركات الإسلامية و اخذ زمام الحكم وفرض دستور رجعي طائفي على الشعب العراقي . لقد أثرت هذه الإحداث على أوضاع المرأة العراقية تحت ظل الاحتلال و ما فرضت عليها من القتل و الاختطاف و فرض الحجاب وتراجع حقوقها و دفعها إلى التقوقع داخل جدران البيت و عزلها عن المشاركة الفعلية في بناء و تنمية المجتمع في حين ان طبول الديمقراطية و الدفاع عن حقوق المرأة و مكافحة التمييز و العنف ضدها من قبل بوش واعوانه وحلفائه في العراق قد اصابت العالم بالصمم . فضيحة سجن أبو غريب و الممارسات البربرية لقوات المتعددة الجنسيات في انتهاك كرامة السجناء العراقيين واغتصاب النساء وسيادة أجواء الحرب الأهلية الطائفية والقومية في مناطق العراق المختلفة. إضافة إلى ما يعانيه الشعب العراقي من انخفاض المستوى المعيشي و تردي سوء المعيشية و الغلاء و انعدام الخدمات الاجتماعية و الصحية و شحه مياه الشرب والكهرباء الحرمان من الوقود و المنتجات النفطية كانت مكتسبات الاحتلال للشعب العراقي.

تأثير 11 أيلول على الدول الغربية والجالية الأجنبية
أحداث 11 أيلول آدت إلى عولمة الإرهاب و نشره في جميع أنحاء العالم و حتى انتشاره في الدول الغربية الذي أدى إلى تصاعد الحركات اليمنية و العنصرية و تزايد الكره و الحقد ضد الجاليات الأجنبية وخاصة العربية والإسلامية و بالمقابل دفع الشاب الاجنبيى الى الانضمام إلى الحركات و المنظمات إلارهابية الإسلامية و اللجوء إلى العنف , والأزمة الأخيرة حول الرسومات الكاريكاتورية لمحمد وتصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة التي أحدثت ضجة عالمية كبيرة ودعاية - الحروب الصليبية -, والتي خلقت هوة كبيرة بين السكان الأصلين و الجاليات الشرق أوسطية في تلك الدول الغربية هي من نتائج ما حصل بعد 11 سبتمبر . لقد تم جر الرأي العام في الشارع الغربي لهذه الحرب البشعة وعززت روح العنصرية تحت راية الدفاع عن حرية الصحافة و الإعلام و الرأي.
لقد كانت احدى نتائج الحرب ضد الإرهاب قيام السلطات الحكومية الغربية بانتهاك الحقوق المدنية و الشخصية و زيادة الرقابة و التدخل الكبير على الخصوصية الفردية وبهذا تم سلب الكثير من الحقوق و مكتسبات المواطنين التي حصلوا عليها نتيجة نضالهم الطويل.

القطب الثالث و البديل
ولكن وسط الصراع بين القطبين الإرهابيين هنالك أصوات غاضبة و مناهضة لسياسات تلك الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة. الاعتراضات المليونية التي وقفت ضد الحرب على الشعب العراقي و المطالبة بخروج القوات المتعددة الجنسيات .عدم تصويت الشعب الفرنسي و الهولندي لمسودة الدستور الاوربي الموحد و اعتبارها مشروع الدول الغربية ضد مطالب الجماهير. تصاعد الحركات اليسارية واخذ زمام الحكم في عدد من دول أمريكيا اللاتينية ومحاربة سياسات الامبريالية الأمريكية(آخذين في الاعتبار لشعبوية تلك الحركات و كثير من اليساريين التقلديين و توهمهم بالدفاع عن الحركات الإسلامية أو الحكومات الديكتاتورية من وجهة نظر معاداة للامبريالية الأمريكية وتضامنهم مع إيران وسوريا ),واعتراضات واسعة اخرى على نطاق العالم ، كلها تشكل ملامح توجه مغاير للبربرية التي تريد امريكا فرضها على العالم.
من الممكن الحد من تلك البربرية بحق البشرية بنهوض القوة الثالثة المناهضة لسياسات الرأسمالية العالمية والوقوف ضد الحركات والدعوات العنصرية و الحكومات الديكتاتورية .القوة الثالثة تتكون من الحركات و الأحزاب اليسارية والاشتراكية والعمالية العالمية، المنظمات المدنية وحركات حقوق الإنسان والحركات المناهضة للعولمة .....الخ
على اليسار العالمي التنسيق و تكوين حلف يساري عالمي يواجه تحالفات الدول الرأسمالية وسياساتها,وطرح بديل أخر أمام البشرية , يجب على اليسار العالمي والقوى الإنسانية المناهضة للحرب والإرهاب طرح بديلها العملي لخروج القوات المتعددة الجنسيات في العراق و أفغانستان وعدم الاكتفاء بموقف المعارضة ، طرح حل عملي إنساني وعادل للقضية الفلسطينية . على اليسار ترك الصراعات الأيدلوجية و التشتت و التي تخدم الرأسمالية و وطرح عالم أفضل يليق بالبشرية. على صعيد الشرق الأوسط يجب مواجهة الحركات الأصولية بحشد الجماهير ضد سياسات الحكومات الديكتاتورية وتشجيع الحركات المدنية والتنسيق بين الأحزاب و الحركات اليسارية والعمالية لتوسيع نفودها في المجتمع والعمل على ترسيخ العلمانية والمطالبة بتحسين وضع المرأة و النضال ضد التميز والعنف بحقها و الاستناد على المواثيق الدولية في حماية حقوق الإنسان.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com