فندبنكت السادس يجرح عقيدته وتاريخه بهمجية

عبدالكريم يحيى الزيباري

abdalkreem_y71@yahoo.com

العقل يخدعنا أحياناً فلو وقفنا صباحاً لرأينا الشمس تطلع من المشرق وعند الظهر تصير في كبد السماء وعند العصر تميل شيئاً فشيئاً نحو الغروب حواسنا تخبرنا بأننا واقفون والشمس هي التي تتحرك بينما الحقيقة هي أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة وبسرعة(11)كم في الثانية وقد وصف القرآن الكريم الجبال في قوله تعالى(تحسبها جامدة وهي تمر مرَّ السحاب)النمل-88-.

بندبنكت السادس جرح عقيدة 25% من سكان الأرض، مليار وربع لكنهم غثاء بقوله(العقيدة المسيحية تقوم على المنطق بينما الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع حكم العقل، وذل انتشر الإسلام بالسيف لا بالاقتناع العقلي، والنبي محمد(صلى الله عليه وسلم)لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني).

لماذا ينسى تاريخ الفاتيكان الأسود وتسببه بحروبٍ دامت مئات السنين؟ لماذا ينسى فظائع محاكم التفتيش؟ من أين تعلموا المنطق؟ من أين أخذوه؟ لماذا سموا الفقيه ابن رشد بالمعلم الثاني؟ لماذا لا زالوا يدرسون كتبنا في جامعاتهم؟ لماذا هناك جامعة باسم ابن رشد؟ لماذا صنعوا تماثيلاً لابن سينا وابن رشد والفارابي في أوربا؟ لماذا سرقوا كتبنا ووضعوها في متاحفهم وفي مكتبة الفاتيكان كم توجد من المخطوطات العربية؟ لماذا خصصت جائزة سنوية للفكر باسم الفقيه ابن رشد في ألمانيا؟ هل يعلم السادس أن لفظة العقل ذكرت في القرآن الكريم 48 مرة، هل يعلم أن الله لم يأمر نبينا بأن يستزيد شيئاً من الدنيا سوى العلم(وقل ربي زدني علماً)طه-114، ما هو السيئ الذي أتى به صلى الله عليه وسلم، لم يأمرنا إلا بخير ولم ينهنا إلا عن الفاحشة، ألا يعيش النصارى في ديار المسلمين وحقوقهم محفوظة، بفضل وصيته بهم، حيث قال(من آذى ذميا فقد آذاني)هل يعلمُ أن المسلمين لم يهدموا كنيسةً واحدة في فتوحاتهم؟ هل في القرآن سب وطعنٌ في الأنبياء كما في كتبهم، ألا يعلم أن البروتستانتية ابتدعت فكرة الثقة بالعقل فتبلبلت أفكارهم وتزعزعت مبادئ الفاتيكان الأساسية، وأقامت الدين والإيمان بالله والثواب والعقاب على حجج عقلية، ولما أدركت ضعف هذه الحجج وتناقضها انتهت إلى الإلحاد في الدين والشك في العقل، اندفع الكثير من الحكام والسلاطين إلى تأييد البروتستانتية للتخلص من سلطة الفاتيكان الغاشمة. وكم من الجرائم ترتكب باسم العقل؟ مارتن لوثر فند سلطة البابا المطلقة، وصلاحياته في منح صكوك الغفران وصكوك الحرمان، كم من الفلاسفة حرق الفاتيكان بسبب أفكارهم العقلانية، بينما الإسلام يحتضن العلماء فهم ورثة الأنبياء، وخاض مفكرو العصور الوسطى صراعاً مريراً مع الكنيسة التي كانت لها السلطة المطلقة في عقد المحاكمات وإصدار قرارات الإعدام على كل شخص يشتبه أنه يحمل أفكاراً مغايرة لمعتقدات الفاتيكان، العالم غاليليو(1564-1642)[1] في عام 1609 صنع التلسكوب، فرأى جبال القمر ووديانه، وأقمار المشتري الأربعة، ثم رأى كلف الشمس فأستنتج من حركة الكلف على قرص الشمس، دوران الشمس حول نفسها، وفي عام 1611 ذهب إلى روما وما كاد يستقر حتى صدر لأحد العلماء في روما كتاب(في الفلك والبصريات والطبيعيات)يتهم فيه غاليليو بمخالفة التأويل السلفي للكتب المقدسة، وفي عام 1615 أحال أحد الرهبان أمره إلى ديوان الفهرست، وهو الديوان المكلف بمراقبة الكتب، فنصحه البابا أوريان الثامن بأن يقتصر على التفسير العلمي ويدع تفسير الآيات الكتابية إلى اللاهوتيين، لكنه لم يستمع إلى النصيحة ونشر تفسيراً جديداً لبعض الآيات، فأعلمه ديوان التفتيش أن يمتنع من الجهر برأيه، فوعد بالامتناع، وفي عام 1632 نشر كتابه(أهم نظريتين في العالم)وكان قد سرد الحجج فيه على أن الأرض كروية وتدور، فعهد البابا إلى لجنة بفحص الكتاب وأعلن ديوان التفتيش إلى غاليليو بالمثول أمامه ووصل إلى روما عام 1633 وله من العمر(69)عاماً وقرءوا الحكم بأن شبهة قوية قائمة عليه بالخروج على الدين لقوله بمذهب كاذب مناف للكتاب المقدس ويطلب إليه أن ينكره وأن يقسم بأن لا يقول أو يكتب شيئاً يمكن أن يستنتج من هذا المذهب فأنكر وأقسم وهو راكع على ركبتيه ثم وقع بإمضائه على صيغة القسم والإنكار ويروى أنه بعد التوقيع ضرب الأرض برجله وقال(ومع ذلك فهي تدور)وصدر عليه الحكم بالحبس لكن البابا عين إقامته في قصر سفير توسكانا. ولولا أنه يتمتع بعلاقات حميمة مع البابا وتنازله عن أفكاره التي نشرها في كتبه لكان مصيره الإعدام.إن مسألة التعصب الديني والحروب المذهبية التي فرقت أوربا طيلة مائتي سنة كان نتيجة حتمية لسلطة البابا المطلقة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة بحسب ميشيل فوكو، وعندما اندلع الصراع بين الفلاسفة ورجال الدين المسيحيين الذين يعتقدون إن الإيمان ببعض العقائد الدينية هو شرط أساسي لا بد منه من أجل النجاة في الدار الآخرة ومن لا يؤمن بهذه العقائد فهو كافر وبالتالي ينبغي محاربته والتضييق عليه بكل الوسائل ولا يمكن التسامح معه لأنه يقع خارج العقيدة اللاهوتية، بينما يقول قرآننا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم(لا إكراه في الدين)وخير مثال حياة العالم الإيطالي جيوردانو برونو(1548-1600)[2]ولد بالقرب من نابولي وبدرت منه آراء أثارت الريبة فهرب إلى روما ثم إلى جنيف وكانت بروتستانتية فظنوا إنه من أتباعهم لكنه أعلن رأياً عدته السلطة الدينية منافيا للمسيحية فرحل إلى جنوب فرنسا ودرَّس سنتين في جامعة تولوز ثم رحل إلى باريس1581 وبعد سنتين إلى إنكلترا ودرَّس سنتين في إكسفورد عرض آراءه فثارت مناقشات عنيفة عاد بعدها إلى باريس ثم إلى ألمانيا ثم إلى البندقية1591 فشكاه أحد تلامذته إلى لجنة التفتيش1592 وبقي معتقلاً ست سنين ونيف بتهمة التهكم على تجسد المسيح، حيث يتناول النصارى كسرة خبز في عيد الفصح يقولون أنَّها جسد المسيح عليه السلام ويشربون قدحاً من النبيذ يقولون أنَّه دم المسيح وبهذا العشاء المقدس يتجسد فيهم المسيح فلا يعذبهم الله، قال برونو هذا الاعتقاد منافٍ للعقل، ورفض القربان الأقدس فحكم عليه بصك الحرمان وسلم إلى السلطة المدنية كي يعاقب برفق وبدون سفك دماء فأعدم حرقاً بعد أسبوع، وكان حتى النفس الأخير مصراً على عناده حتى إن كاهناً مدَّ إليه صليب فرده، فهل سمع السادس أو قرأ أن الإسلام يحرق العلماء المفكرين؟ وكان يقول:إن الله فوق متناول فكرنا الذي يعمل بالتفكير والاستدلال ولكن الله يصير موضوع تعقل أو فلسفة من جهة كونه بادياً في الطبيعة أو نفساً كلية تربط بين أجزاء العالم ربطاً محكماً ،ولما كان الله لا متناهياً كان العالم لا متناهياً كذلك،لأن العلة اللا متناهية تحدث معلولاً لا متناهياً،ولما كان من الممتنع  أن يوجد لا متناهيان كان الله والعالم موجوداً واحداً. والعلماء يهديهم علمهم إلى الله (ويحاول بعض السذج أن يجتروا القول بأن العلم ضد الدين،وأن العلماء ملاحدة، والحق الذي لا ريب فيه عند متتبعي حركة العلم ومؤرخي دورات الحضارة، إن العلم لا يمكن أن يكون كافراً، طالما يتبع منهجه السليم في الوصول إلى حقائق هذا الوجود صغيرها وكبيرها)[3].

 

[1] نفس المصدر-ص19-21.

 [2] نفس المصدر-32-.

[3] نفس المصدر-ص3.

 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com