وسائل الإعلام بين حرب الأدباء وصناعة المثقف النجم

عبدالكريم يحيى الزيباري

abdalkreem_y71@yahoo.com

من أينَ نبدأ ؟ هذا هو السؤال...

البداية الخاطئة تقود إلى التيه وإلى خسارة حقيقية نتيجة هدر الجهد والوقت، كمعماري يهتم بالطابق الأخير، وهو يعلم أنَّ العمارة آيلة للسقوط لأنَّ أساس البناء ضعيف، وبذلك سيكون الخاسر الحقيقي، لتجاهله أهمية وخطورة البداية، نبدأ من شخص الأديب أم من نصوصه؟ ونهتمُّ بشخص الأديب وبصوره الشخصية حين كان شاباً وحين صار كهلاً، وننسى سبب تسميته بالأديب، وهي نصوصه الأدبية، وكأنَّ تجاعيد وجهه، ووسامته في شبابه، كانتا وراء جودة نصوصه ومتانتها، متى نتجاهل الشخصانية وحب المديح وندخل في صلب الموضوع مباشرةً كأعدائنا؟

إنْ كانوا يعدون قول الحق وشاية، فأنا سيد الوشاة وأولهم، وإنْ كان يعدونه حسداً، فأنا أكبر الحاسدين، وإنْ كان قائلُ الحق مكروهاً، فأنا أكثر المكروهين مقتاً وبغضاً، حتى إنني أكره نفسي وأكاد أتقيأ كلما تذكرتها.

وسائل الإعلام قد تصنع نجماً غنائياً كالسيدة روبي أو عجرم، لكنَّها لم ولن تصنع نجماً ثقافياً بنفس الطريقة، أساتذتي معلمي الأدب والفكر، محررو جريدة الأديب، مع اعتزازي واحترامي، لكن في عددكم(125)كان يكفي الأديب الروائي أحمد خلف(الستيني، السبعيني،..بأذنكم سآخذُ نفساً عميقاً.. الثمانيني، التسعيني..الألفيني..الما بعد الألفين/هذا ما اختلف حوله السادة نقاد العدد 125) والله أكبر عبر العالم إلى مابعد الحداثة ونحن نراوح في ما بعد الألفين! يكفي أن تنشروا له صورة صغيرة واحدة في المتن لا على الغلاف الأمامي وبحجم (26×23)سم والصفحة الأخيرة بسبع صور لمؤلفاته ذوات الطبعات الـ..!!، صورة واحدة تكفي لا 39 صورة-سأراسل كتاب غينيس للأرقام القياسية، وجميع الجرائد المحلية للدول العربية المحتلة وغير المحتلة، ومواقع الانترنت وإذا ما فشلتُ في مسعاي فسأكتبُ مقالتي على جدران الأحياء الشعبية لمدينة بغداد المنكوبة- يكفيه أن تحللوا نصوصه، أو تشيروا إليها، يكفي أن تشبعوها نقداً وتمحيصاً وتنزلوا بها(لا به) إلى أسفل سافلين، فتشيخوف الذي خرج من المسرح يبكي وهو يسمع هيجان الجمهور ضدَّ مسرحيته النورس، والتي انتقدها جميع أصدقائه، حتى تولستوي، وأُصيب بالإحباط لم يتغير، بقيَ نفسه تشيخوف، ولم يَكُ يعلم حينذاك أنَّه أول من كتب نصاً مسروداً بدون حدث، نص كهذا سبق متلقيه بسنين، فلم يقدروا أن يفهموه، حتى أجرى عليه تغييرات طفيفة فحقق نجاحاً كبيراً، 36 صورة شخصية + 17 مقالة عن الروائي تمجد وتمدح جعلتني أكرهه ولا أحتمل حتى التفكير في مجرد إمساك إحدى رواياته خوفاً من أن تحترق يدي، لأنني تذكرت أيام الدكتاتور الذي كان يحتل جميع قنواتنا الإعلامية بصوره وبمقالات تمجده، حتى أنَّه قال لماذا يحتاجون إلى مصلح التلفاز، ما عليهم إلاّ أن يلصقوا إحدى صوري على التلفاز العاطل، وبذلك لن يختلف عن الصالح، نتدكتر وندعي النضال ضدَّ الدكتاتور!!ونذكر بعض مكرماته من سفرٍ وإيفاد إلى خارج القطر وندعي النضال!! يقول الناقد (أهداني نسخة من رواية(موت الأب) وباشرتُ في قراءتها حتى مات أبي وانشغلتُ بمراسيم الفاتحة والدفن)وهذه الحتى التي حيرت سيبويه حيرتني، كم استغرق في قراءتها السيد الناقد؟ وهل لها علاقة بموتِ أبيه؟ وما نوع هذه العلاقة؟ أم هي مجرد صدفة؟ ويكمل السيد الناقد حميد المختار(أخبرتُ أحمد بذلك فأهداني نسخة ثانية-لا طبعة ثانية-لتصحبني هذه المرة-ليس وراءها مرة أخرى والحمد لله-في رحلتي إلى كوريا الجنوبية وهناك تعرفت على أدباء كوريا وأهديتُ لهم مجموعة من الروايات العراقية وكانت من بينها رواية(موت الأب)...قد تسلمها مني رئيس اتحاد أدباء كوريا في حفلٍ خاص بذلك)الله أكبر، والحمد لله على هذا الإنجاز العظيم، حفلٌ خاص بتسلم روايات عراقية-لا مكان لها غير التنور، رغم أنَّ كوريا الجنوبية قد عبرت عصر التنور-ثمَّ يكمل الناقد(كانت رواية موت الأب علامة مضيئة في تاريخ الرواية العراقية لولادتها في مرحلة زمنية صارت حاضنة لها وأرضاً صالحة لانطلاقها)ويدخل السيد الناقد من خلال الأسطر الثلاثين القادمة إلى شرح شعري عن زمن نضاله السري ضد الدكتاتور، مما استوجب على النظام القادم أن يوفده إلى كوريا بينما أوفد غيره إلى باريس، وتنتهي المقالة بدون تقديم سبب معقول آخر عن كون الرواية علامة مضيئة، لولا الصدفة أنَّها جاءت في زمن ودود احتضنها، رغم أنني لا أفهم كيف يحتضنُ زمنٌ ما روايةً ما، ولكنني أفهم كيف يستهجنُ زمنٌ ما كاتباً وروايةً ما فيسبب استهجناه الشهرة والمال، بعكس ما كان ينتظر منها، وهذه المقالة هي الوحيدة لصورة الروائي أحمد خلف وهو يتسلم الجائزة الوحيدة في حياته من عميد كلية اليرموك الجامعة، وكلمة الجامعة تعني أهلية أي خاصة غير حكومية، سمع الناس "قناة العراقية" التلفزيونية, حميد المختار يقول بأنه كتب وهو معتقل في سجن "أبو غريب" ثلاث روايات, وحينما نقل إلى قسم الأحكام الثقيلة أكمل رواياته الثلاث وأضاف إليها ديوان شعر، كانت تهمة المختار انه قام "بعصيان مسلح ضد أمن الدولة, وفق المادة 192", كما يؤكد المختار غير مرة متحدثا عن أنه قدم سلاحا ناريا إلى جماعات المقاومة المعادية للنظام الديكتاتوري، فهل كان سجن أبو غريب منتجعً سياحياً زمن الدكتاتور الصنم؟ أم أنَّ الدكتاتور كان ديموقراطياً بحيث يسمح للمعارضة المسلحة ضده بأن تكتب ضده وهي في السجن؟ فلماذا لم نسمع عن رواية كتبت في سجن أبي غريب زمن أول دولة في دعم ديمقراطية العالم؟ لماذا هذا الناقض؟ ألا يكفي رجل واحد اسمه عزيز السيد جسم يعرفه العراقيون كافة انتقد أدباء الدكتاتور وليس الدكتاتور نفسه، انتقد مداح السلاطين من الشعراء في أزمنة غابرة فكان مصيره القتل بأشنع صورة، فكيف بشاعر يحمل لسلاح لكان قد وضع لاصقاً على جيبه وفجره كما رأينا على شاشات التلفاز.

ولا يفتأ مؤيد الطلال يردد وبعد مقدمة طويلة تجاوزت صفحة كاملة، (تجاوز أحمد خلف نفسه/تغلب أحمد خلف على نفسه)ولا يشرح لنا كيفية التجاوز، ولا يفتأ يشير إلى كتبه المنشورة لا كهامش بل كمتن، ومقالاته في الزمان عن تجربة فؤاد التكرلي، وفي الربع الأخير وخلاصة القول أنَّ الناقد فلان العلاني قال عن أحمد خلف، وأنا اختلف معه، والناقد الآخر قال شيئاً آخر وبالطبع فالطلال يختلف عنه وعن كل نقاد العالم الأدبي، ثمَّ تنهانا أمنّا عن البَغي وتغدو فينا....

لكل صورة عدة صور تشير إليها، ولكلِّ صورة انعكاسات كثيرة، وعلاقات متنوعة بتنوع أشكال الحياة وتفرعاتها، ثقافية أو اقتصادية أو سياسية، فمثلاً تشكلت لجنة من الكونكرس الأمريكي لاستبدال صورة أمريكا في العالم العربي والإسلامي وتحسينها، وأقام رئيس اللجنة عدة ندوات ووضع برنامجاً للعمل، وقطع شوطاً، فجاء أحد دبلوماسيي الخارجية الأمريكية وصرَّح قائلاً بأنَّ أمريكا كانت على علمٍ مُسبَقْ بخطة قصف إسرائيل لأهداف سورية، فاستقال رئيس اللجنة، فمتى يبلغُ البنيانُ أشدَّه إذا كنتَ تبنيه وغيركَ يهدمُ، قال هذا لكن بلغته الخاصة، الخارجية الأمريكية تريد ترويج صورة(رامبو) أمريكا القوية، التي لا تخرج الأمور عن سيطرتها، الشرطي الدولي بدون جزرة، واللجنة تريد ترويج صورة(السوبرمان)المنقذ الودود، الجزرة بدون عصا، والصورتان بديلان متناقضان، تنقضُ إحداهما الأخرى، كمن يقول (ذهبَ زيدٌ إلى المدرسة في الصباح الباكر، رغمَ أنَّه لم يستيقظ من النوم إلا بعد الظهر) فاللجنة تحاول تعويض النقص في صورة أمريكا، بصورة أخرى، بما ينتج اندماجاً لصورتين في ذهن المتلقي في صورة واحدة هي المعادل البصري لصورة أمريكا، وكذلك ما نستنتجه من صور مدموجة من عبارة(خصصت الولايات المتحدة مبلغ مليار دولار لميدان البحث في تطوير وقود الصواريخ، وخصصت مليون دولار فقط للبحث عن أسباب السرطان)والصور التالية(ص1:-أمريكا بلد الأحرار، ص2: احتمالات دخول السجن للفرد الأبيض1/17، وللذين من أصل لاتنيني1/6، وللسود 1/3 أي أنَّ سدس الأميركيين السود هم سجناء حاليون أو سابقون)[1]، أين المعادل البصري في هكذا صور؟ أظنُّ أنَّ هذا المعادل سيختلف باختلاف المتلقي، فَمَنْ اكتوى بنيران الفتح الأمريكي سيختلف معادله البصري المستنتج عنْ مَنْ ذاق حلاوة السخاء الأمريكي، وهكذا سيختلف المعادل البصري من شخصٍ صديق للروائي الأديب، وشخصٍ آخر لا يعرفه، كان غوبلز وزير دعاية هتلر يقول(أفضل طريقة لانتشار الخبر نشره بدون تعليق)يا لغوبلز الماكر، يقول بدون تعليق، ولم يقل بدون مديح، لأنَّه يعرف أنَّ مرؤوسيه ليسوا بهذا الحجم الكبير من الغباء، وأفضل طريقة لمدح الأديب هي مدحه دون مدح، دون التطرق إلى حياته الخاصة، ووسامته وشجاعته، ككاتب يحيلنا في مقاله إلى إحدى مؤلفاته، هو رأيك وأنت لا تسرقه وإنمَّا اخترعت الإحالات للمحافظة على الأمانة العلمية، وليست وسيلة للإعلان، كشاعرٍ في مهرجان شعري وفي بثٍّ مباشر لا يقبل أن يترك المنصة حتى بالقوة، وكاتبٍ آخر يكتب في عدد خاص عن صديق له فلا يتطرق إلى صديقه موضوع العدد ويكتفي بالإشارة إلى نضاله هو ضد الدكتاتورية، وكيف أنَّهُ أُوفِدَ إلى كوريا الجنوبية، وإلى وإلى..ولا أدري عن أيِّ نضالٍ يتحدث، وهل يوفدُ نظامٌ مناضلاً إلى الخارج؟ وهل يوفدُ إلاّ مثقفيه الذين يحلفون ويتغنون بعدالة النظام؟

اللعنة! يا لهذا الصداع، عددٌ خاص يلصق 19 صورة شخصية عن الذي يتحدث عنه العدد، و16 صورة عن مؤلفاته، حتى ماركيز لم يفز بهكذا تمجيد، ولم يتطرق العدد إلى تحليل نص من نصوصه بصورة نقد أدبي محترف، كلها كانت تبجيل وتقديس، وأعتقد والله أعلم أنَّ هذا العدد قد نال من مكانة الأديب، فالنفوس تملُّ التكرار، فما بالك بتكرار صورٍ جامدة؟ وصور متحركة عن حياة الأديب موضوع العدد، وصور أخرى لكتاب استغلوا الفرصة فامتدحوا أنفسهم في المقال كله وذكروا الأديب موضوعة العدد بكلمتين لا أكثر(صداقتنا بدأت قبل أربعين سنة)والكلمة الأخيرة(أنَّه عصامي في كل شيء)وكيف أنَّه حظيَ بصداقتهم وكان صديقاً مخلصاً، وما دخل القارئ بتاريخ العلاقات والصور الشخصية؟ هل نشتري العدد لنقرأ نصوصاً تغذي ثقافتنا أم لنطلع على صور وعلاقات شخصية، لقد كانوا في عددهم كالحملة الأمريكية في تحسين صورتها، فالحق والحق أقول، الآن فقط أدركتُ مدى أهمية نظرية موت المؤلف، فالمؤلف إذا لم يمت سيقتلنا بنرجسيته، بتكراره الممل المأفأف المعرق كشمس آب في نهارٍ ذي قاريٍّ /بصراويٍّ، حارٌ وَلَزِجْ.

 


[1] جيسيكا وليامز-حقيقة ينبغي أن تغير العالم-ط1-2005-الدار العربية للعلوم-بيروت-ص175

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com