يبدو أن "شرش الحياء" قد طقّ، على الآخر، عند المدعو فريد الغادري، هذا إذا كان لديه أي شرش للحياء أو لغيره، حسب ما أفاد به أحد خبراء "الشروش" المعروفين، ولم يعد لديه ما يخفيه من انحراف، وضلال. هذا الغادري الذي ما انفك يتنقل بين أطياف المعارضة السورية، التي لم تقبله حتى كساعي بريد، وفرّاش على الأبواب. وتنقل من الليبرالية، إلى العلمانية، والقومجية البائدة، وبدّل كل الأثواب حتى انتهى به الأمر "قاعدياً"، متلبساً بفكر شيوخ الإفتاء، ويكرر ببلاهة دعواتهم المجرمة العمياء، متأثراً بدعاة القتل، وفتاوى أمراء الإرهاب. فهو ما ينفك يكرر، وينفث سمومه الطائفية في كل محفل يُدنس بمحضره، ويُلوّث بأراجيفه، ويُفسَد بتخاريفه الحمقاء. وبات لا يتورع عن التعبير عن نوازعه الإجرامية، وميوله الشاذة، ونواياه الشريرة المريضة تجاه الطوائف السورية المختلفة حتى لفظته جميع التيارات، واكتفى حالياً بدور الكومبارس المعارض، والمهرج المضحك كفاصل غير منشط، وباعث على القرف والإقياء. وإذا كان الغادري يود فعلاً طرد هذه الطائفة السورية، أو تلك من سورية، والاستئثار بسوريا ليعود بها قروناً إلى الظلام حالماً بدولة من العبيد، والجواري، والغلمان، والصبيان المرد المخلدين، فهو واهم ولا يجاريه في وهمه سوى أولئك الذين لم يلتحقوا بعد بسجن غوانتاناموا باي، ومحكمة الجرائم الدولية في الهايغ، وأن هناك مجموعة من الحقائق لا بد للسيد الغادري أن يضعها نصب عينيه، ومن أهم هذه الحقائق، وأولاها أن سورية لجميع السوريين، ودمشق عاصمة لهؤلاء السوريين الشرفاء، ومن كافة الأطياف، والذين عاشوا فيها أباً عن جد، وتوارثوا الحب، والتعايش، والمودة والتآلف، وصارت بهم وبأمثالهم، وليس بأمثاله، رمزاً للتعايش، والتسامح.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، والعين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم، وهذه سنة بدوية على أية حال، فدمشق عاصمة للسوريين لكل السوريين الذين وجدوا فيها من فجر التاريخ، وقبل أن يًفِد إليها البدو الأعراب، ولم تكن يوماً فقط عاصمة للأمويين، الذين دخلوها بالسيف فاتحين، ومن معهم من الأعراب الهمج الأجلاف الذين أتوا من الصحراء ليعملوا فيها تخلفاً، وبدوية، وجهلاً، وأمية، ويعيدوها قروناً ضوئية للوراء، وأخضعوا سكانها الطيبين الودعاء بالسيف، والدم، وجز الرقاب. وإذا كان لدى الغادري وقتاً، ويجيد القراءة، فعلاً، لكنا أطلعناه على أسماء مختلف الحضارات، والشعوب، والأقوام الذين تعاقبوا على دمشق، وتركوا فيها أثراً طيباً، ليس بالطبع كآثار بعض من أولئك الطلقاء، الذين استنوا سنة القتل، والإبادة والتصفيات العرقية، وشرّعوا الموت تحت شتى المسميات، وأصدروا فتاوي قطع الرقاب، وفتكوا بالثقافة والفكر والحضارة، وأحالوا الرحاب الوادعة الخضراء، إلى يباب تصفر فيها الرياح الصفراء.
فإذا كان ثمة من يتوجب عليه الرحيل والعودة من حيث أتى إلى البداوة والجهل والانحطاط ، لتعود للحياة ألقها، وصفاءها، وجمالها، فهم أولئك الطلقاء الأجلاف، أصحاب الفكر المنحرف الضال، وعلى رأسهم الغادري الذي لا ينفك يتغنى بفتاويهم، ويطلقها من على شاشات فضائيات طويلي العمر ممن وجدوا فيه غنيمة، وصيداً ثميناً للتعبير عن انحرافاتهم الفكرية، ولوثاتهم العقلية، وساديتهم النفسية. ولم تكن دمشق في يوم من الأيام عاصمة، لهم بل كانت عاصمة للحب، والتسامح، والتعايش بين مختلف القوميات، والأجناس، والإثنيات، والأعراق. هذه هي الشام كما كانت على مر الزمان، ولم يخربها إلا أولئك المجذومون، والبلهاء من أمثال الغادري، وشركاه، ومن يكتب له هذه المعلقات السوداء، ويلقنه هذه الأقوال. ولذلك فما على الطلقاء سوى لملمة أشيائهم، وبعيرهم( مع بولها أو بدونه)، وتيوسهم، وكل العمائم، واللحى، والجلاليب، وكل ما أتوا به من تخلف، وحقد، وكراهية، وشبق للثأر والموت والانتقام، والعودة للصحراء لممارسة البداوة، والغزوات، ومص الدماء، وقطع الأعناق، وتقطيع الأوصال، وفي هذا الجو يستطيع أن يعيش مع أمثاله الذين يعجزون عن التكيف في بلاد النور والحضارات، وكما عبّر هو بنفسه من على شاشة الجزيرة في آخر لقاء. وأما الحروب، والفتن، والصراعات التي يبشّر بها مع شلة الزعران، والأشرار فلن تأكل غيره، ولن تنال سوى منه، ومن أمثاله من السفهاء. أما شرفاء السوريين، ومن كل الألوان السورية الجميلة، فستتعايش بأمن، وأمان، كما هي الآن، وعلى الدوام، وكما كانت في الماضي عبر التاريخ العريق، وكما ستبقى في المستقبل، وهذا رهان ضعاف النفوس الأشقياء، الذين لا مكانة لهم في سورية التسامح والجمال.
نعم، لِمَ لا يعود أولئك البدو من عشاق القتل والظلام إلى الصحراء، ودعاة القتل، والتطهير العرقي، ليمارسوا فيها انحطاطهم البشري والإخلاقي، ويشبعوا دمويتهم، وحيث سترتاح البشرية من شرورهم وآثامهم، إلى الأبد، وليتركوا المدن التاريخية العريقة، بناسها الطيبين الودعاء يخطـّون سطوراً ناصعة بيضاء في سفر التحضر، والمدنية، والبناء.