هل يصبح شافيز رائداً من رواد القومية العربية؟

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

"يتفاقم" لديّ شعور متزايد، في ظل انبثاق محاور سياسية، وأحلاف جديدة، فرضتها المصالح السياسية، والرؤى المتباينة، إزاء مجمل القضايا الطافية على السطح، وأنا أراقب السيد هوغو شافيز، ومواقفه السياسية المناصرة للقضايا العربية، ومناكفته المستمرة للولايات المتحدة الأمريكية، ووقوفه لها بالمرصاد، بأن مجمل ما تعلمته، وحفظته، عن مقومات الوحدة العربية، كاللغة، والتاريخ المشترك، والعادات، والتقاليد قد سقطت كلياً، أمام هذه الظاهرة السياسية الجديدة، وأنه صار يمكنك الوحدة والاتحاد، لا بل الاندماج مع دول يمكنك التفاهم معها بلغة الصم والبكم إذا توفر لدى الجميع الشرف، والكرامة والنوايا الصادقة، ومع دول من مثل فنزويلا، وإيران، وماليزيا، وكوريا الشمالية، أكثر مما يمكنك أن تتحد مع أبناء جلدتك ومع أنظمة مثل النظام المصري، والسعودي، والأردني، رغم أن كل واحد من هؤلاء، لا يمكنك فقط أن تتحدث، وتتفاهم معه بلغة الضاد بل أن تعرف بالضبط كل ما "يضمره"، ويكنـّه تجاه مختلف القضايا المطروحة. وأصبح لدي شك أكيد بأن وزارات الإعلام العربية، حين كانت تتكلم عن مقومات الوحدة العربية، بأنها كانت تتناول قصة من قصص السحر، والجان، والخيال العلمي، بأكثر مما تتكلم عن قضية تهم هذا الشارع العربي العريض، وأن أي مسلسل من مسلسلات الكرتون كتوم وجيري، والنمر الوردي، وكونان فيه من الواقعية، وقابلية التصديق أكثر من ذاك الخطاب العقيم، والجاف.
فإن انتشار صور السيد هوغو شافيز، مثلاً، في شوارع الضاحية الجنوبية، وعدد من المدن العربية، بصورة عفوية بعيدة عن التزلف والنفاق الرسمي المعهود، والاهتمام الذي تلقاه تصريحاته، ونشاطاته، وجولاته في ظل نفور واضح، واستهجان معلن، في نفس الوقت، ضد شخصيات عربية رسمية بعينها، يوحي بانبعاث ظاهرة متجددة من الزعامة العالمية لشخصيات كارزمية محببة، تتخطى حدود البلدان المحلية، ظاهرة كانت قد اندثرت مع الوأد القسري الظالم، والمجحف لحركات التحرر الوطني، والثوري، والإنساني العالمي والتي كان للأعراب، دوماً، فيها(عملية الوأد)، اليد العليا، والدور القذر، والخسيس النذل. وتيقنت، أكثر من أي وقت مضى، أن أطناناً من الكتب، والمؤلفات، والنظريات في القومية، يجب أن يسكب عليها فوراً، من زيت الكاز غير المخلوط بالماء، وتحرق، غير مأسوف عليها، في ميادين عامة، في مراسم كرنفالية صامتة، كما يحرق الهندوس جثث موتاهم ويتابعونها بهدوء وفق طقوس من التأمل الفلسفي العميق بمصير كل الأحياء، وعلى أن تجري عملية الإتلاف هذه، بالضبط، أمام مقرّات الأحزاب القومية، واللجان الثورية، والمنظمات الأخرى العفريتية، وبشرط الحضورالإجباري لمنظـّري القومجية الأبرار، لقراءة الفاتحة، وإتمام عملية الدفن على الطريقة القومية.
وأصبحت هناك قناعات راسخة، والحال بما آل إليه، بأن كثيرين من منظري الوحدة العربية، ودعاتها الكبار، لم يكونوا سوى مجرد حالمين رومانسيين، ومراهقين سياسيين، غير واقعيين يطاردون الوهم والخيال والسراب، فمعوقات الوحدة العربية، وصعوباتها، واستحالاتها أكثر بكثير من شروط، وظروف، وعوامل تشكلها، وقيامها. وأن ما يباعد، ويفرق بين هذه الدول، لا يقارن، البتة، بما يجمع، ويوّحد فيما بينها. وأن الوقت ما زال مبكراً، جداً، لتبلور عوامل نشوءها بناء، فقط، على مصالح سياسية، واقتصادية، وعولمية مستجدة، وأسباب تتعلق بالبقاء، أكثر بكثير من العوامل الآنفة الذكر التي حفظناها عن ظهر قلب، وتبين أنها محض كلام للاستهلاك الإعلامي، وسد الفراغات، بـ"أي كلام"، لحين ظهور الإعلانات التجارية. وأشعر برعب، وهلع حقيقيين، حين أطالع قسمات بعض من زعمائنا الأشاوس، وهم يدينون المقاومة، ويكفـّرون المقاومين، ويشدّون على يدي أولمرت، حالوتس، وبيرتس، ويتصلون بهم سراً، ولا يتركون مناسبة، دون التوسل والتبرك بأمريكا، وإسرائيل فيما تنتابني مشاعر الطمأنينة، والسلام وأنا أتابع تصريحات هوغو شافيز، وتعليقات فيدال كاسترو، وإطلالات الماليزي مهاتير محمد، وابتسامات أحمدي نجاد الطفولية. ولا أخفيكم أنني أعتب وألوم السيد هوغو أحياناً بسبب اندفاعه الصادق والنبيل، والذي يسبب إحراجاً كبيراً للسياسيين المترهلين الذين يطبقون بيت الشعر العربي التالي، ولا حاجة بنا لتفسير هذا البيت من الشعر نظراً لاحتوائه على لقطات، وإيحاءات مثلية فاضحة لا تسمح بها الرقابة العربية المحافظة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها****واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وصار رنين اللغة البرتغالية، أو الإسبانية، وموسيقاها العذبة تعني لي بالتأكيد شيئاً من الصدق، والشفافية، والوفاء، رغم أنني قد لا أفهم حرفاً واحداً مما يقال. فيما صارت لغة الضاد تثير في نفسي لواعج الشجون، والقلق، والخوف والشكوك، حين يتحدث بها أئمة الطغيان، والفرعنة، والاستبداد، والشطارات، حتى ولو كانوا يقتبسون قبسات من الحديث الشريف، أو آيات من الذكر الحكيم، أو يتشدقون بالماضي التليد، لاعتقادي التام بالتأويلات الكثيرة، الذي يمكن أن تحتويه تلك الحروف والكلمات، وما يقصد به هؤلاء بالذات، وماذا يكمن، تحديداً، وراء الأكمات، وبوجود عشرات الأقنعة المتلونة، لزوم كل المناسبات، خلف تلك الوجوه الكالحة الصفراء. وحين تستمع إلى هوغو شافيز، وفيدل كاسترو، وأحمدي نجاد ومهاتير محمد يرطنون بتلك اللغات تشعر بأنهم يقولون شعراً تتمايل معه الأفئدة، والألباب بأكثر مما يقتبس فيه كثير من الأعراب كليشيهات ممجوجة أصبحت تشير إلى النذالة والخسة والتخاذل، والعار برغم أنها محاطة، بشيء من القداسة، والغيب، والوقار، أو شعراً عربياًخالصاً للنابغة الذبياني، والمتنبي، وأبو نواس، وتعتقد بإمكانية نجاح أي وحدة سياسية، مع هذه الدول التي ليس بينك وبينها سوى المبادئ، وقيم الشرف، والكرامة والنضال، وتدرك بالآن، استحالتها مع "دول الجوار"، التي تمتلك معها مقومات اللغة، والتاريخ المشترك، وعادات النخوة، وكل تلك الأدبيات التي لم تكن، في الحقيقة، سوى هباء، وكذب، وخواء، وهراء، وافتراء.
وأنتفض بـ"أربعتي" حين أسمع عن زيارة أي وفد، أو زعيم عربي لدولة عربية، لأني أعلم أن هناك كارثة ستقع، ومؤامرة ستحاك، وعملية سطو جديدة ستحصل، وفهلوات كبيرة من النصب والاحتيال ستجري على هذه الشعوب والبلدان، فيما أطرب، وأشعر بالسعادة تغمرني، ومن فوري، لدى سماعي فقط، بأن طائرة هوغو شافيز، أو أحمدي نجاد، ستعبر من فوق أجواء هذه الدولة العربية.
هوغو شافيز، وبعيداً عن تهكم سرب الليبراليين المحلق في الفضاءات البوشية، يزداد احترامه، وشعبيته، يومياً، في الشارع العربي، وهو مرشح، اليوم، كواحد من رواد النضال، والقومية العربية، المناصرين لقضاياها، الناذرين أنفسهم لخدمتها. وكان يعبّر بكل صدق، وموضوعية، وشفافية عما يجول، ويعتمل في قلوب الملايين من هذه الشعوب العربية المهمّشة، وهو يخطب في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ماسحاً الأرض، مسحاً، ببوش وسياسته، وفاضحاً الرياء الغربي، وواصفاً بوش بـ"الشيطان، الذي تفوح منه رائحة الكبريت"، ويعكس رغبة كامنة في نفس كل إنسان، في هذه الأصقاع، عاني من سياسات بوش الإجرامية الرعناء، فيما كانت قطعان الأعراب السياسية تزحف على بطونها المتكرشة بالرياء، والنفاق، والمال المنهوب السحت الحرام، متوسلة موعداً مع بوش الصغير، لتتلقى تعليماته وأوامره، والذي كان، بدوره، يعتذر متعللاً بازدحام جدوله بالمواعيد، ولا يغرّنكم اجتماعه العارض مع العباس أبي مازن، والذي هو في نهاية المطاف، تعويم، وخدمة إعلانية مجانية لبوش، في المآل، وأبعد مما يعبر عن مصلحة وطنية فلسطينية عليا. وكان أولئك الساسة الأعراب، يعبّرون وهم يطـّلون من على شاشات التلفاز، وفي تصريحاتهم عن آمال، وأحلام، ومصالح أولمرت، وحالوتس، وبيريتس أكثر بكثير مما يعبرون عن تطلعات، وأمنيات، وأهداف هذه الشعوب المخدوعة بالإعلانات التلفزيونية، وبالشعارات السياسية الجوفاء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com