|
رمضان شهر السموّ والتقدم جعفر الصفار تألق في سماء الأفق هلال شهر رمضان المبارك.. وانتشر في الكون نسيم عَبِق مصدره زهور الجنان الذي ما أن تلامس نفحاته النفوس حتى تقويّها وتجعلها في أوّج النشاط لاستقبال الشهر الكريم.. ليحزم الصائمون أمتعة أعمالهم ويحطون رحالهم حيث المولى عزّ وجلّ؛؛.. وكان شعارهم «لن يسبقني إلى الله أحد» ما أجمل تلك العبارة وما أحلى المسابقة والإسراع وبذل الجهد للوصول لمراتب علياء ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ • أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾[1] .. رمضان فعلا شهر التوبة والمغفرة، هو فعلا شهر القرآن والأدعية، هو شهر الله، وهو فرصة لنا والخاسر هو من يضيع هذه الفرصة فأبواب السماء مفتوحة في هذا الشهر الكريم فلننهل منه ولنغتنم الفرصة.. وكما قال الشاعر:
قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[2] . فالتقوى: هي مراقبة الله في السر والعلن، مع الخشية التي تجعل المؤمن يقف عند حدود الله في الأمر والنهي. أيضاً في هذا الشهر الكريم جميع المسلمين يكونون في ضيافة المولى وعلى مائدته سبحانه وتعالى. والإحسان للمضيف لتكرمه على الضيف بحسن وكرم الضيافة أمر واجب فكيف إذا كان المضيف هو الله عز وجلّ!!؟ أوصى أبو عبد الله ولده قائلاُ «إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم، فإن فيه تقسم الأرزاق وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذي يفدون إليه، وفيه ليلة العمل فيها خير من ألف شهر»، وكما أورد تعالي في حديث قدسي «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» إذن تحتمّ علينا أن نجعل هذا الشهر خير رمضان مرّ علينا. قال أبو عبد الله : «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان غفر الله لمن شاء من الخلق، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعفهم ، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعف كلما اعتق، حتى آخر ليلة في شهر رمضان تضاعف مثل ما اعتق في كل ليلة»، «اللهم بارك لي في شعبان وبَلِّغني رمضان، وارزقني فيه من الصالحات ما يُرضيك عِّي، واجعلني فيه من عُتَقائك من النار، اللهم إني أسألك برحمتك التي وَسِعَت كَُّل شيء أن تغفر لي وتتوب علي وتُحسن خاتمتي».
شهر رمضان المبارك: شهر رمضان هو محطة لقاء بين العبد وربه إذ يمكن للعبد أن يتقرب أكثر فأكثر إلى الله.. ويمكن للعاصي أن يتوب إذا تضاعف الحسنة والله يعلم كم تضاعف بالنسبة للشهور الأخرى، وشهر رمضان هو مطبب للنفوس؛؛ ومرّيح الأرواح؛؛ وباعث الارتياح للأجساد؛ وضماد لجروح الذنوب فبالقرآن الكريم شفاء لما في الصدور..
وماذا يضيق الصدور غير كثرة الذنوب! قال الرسول الأكرم : «لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان». يكفي أن يكون للربيع ذلك الفصل المزهر شأناً قوياً وارتباطه بالقرآن الكريم تعبير جميل.. ومحفزّ على تلاوة القرآن الذي يعادل حرفه الواحد في هذا الشهر ألف حرف. ومن المتعارف عليه سلفاً إنه إذا صادف أن كان للفرد منّا مناسبة فهو في شغل شاغل ليكون على أهبّة الاستعداد والتميز بل وقد يتبضّع لتلك المناسبة قبلها بشهور! فهذه الأيام التي يتأهب لها المؤمنون للدخول في الأنوار الربانية والدخول في ضيافة الله حيث يقول الرسول «شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله» يا لها من ضيافة عظيمة فلو كنا في ضيافة شخص عادي لتأهبنا لزيارته ولبسنا أجمل الثياب.. فكيف بنا في ضيافة الخالق القهار الذي تعجز عن وصف بعض صفاته الإنسانية جمعاء.. فلماذا نتغافل عن ذلك في الشهر الكريم ويكون همنّا الثانويات السطحية؛ والتركيز على الأشياء المادية!! أليس قبل الشهر الكريم هو شهر الرسول «شهر شعبان» أوليس قبل شهر الرسول شهر «رجب»! قال رسول الله : «شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب». لماذا لا نستعد لشهر رمضان منذ تلك الشهور؛؛ كي نعوّد أنفسنا على استقبال الشهر الكريم بإعداد البرامج وتحديد الجداول حتى إذا ما حلّ الشهر الكريم تحررت الروح من ذلك الجسد وعرجت إلى الملكوت الأعلى.
أخلاقنا في شهر رمضان: في خطبة الرسول المخصصة لاستقبال شهر رمضان المبارك ترد الوصية التالية: «من حسنّ منكم خلقه في هذا الشهر كان له جواز على الصراط يوم تُزلّ فيه الأقدام». هذه الوصية.. كما الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن شهر رمضان المبارك تؤكد على ضرورة الاستفادة من هذا الشهر لتحسين أخلاقنا وتغيير أعمالنا نحو الأفضل، سواء تجاه ربنا أو تجاه الناس.
ظواهر سلبية: لكن للأسف نجد أن الكثير من الناس يتصرفون في هذا الشهر بأسلوب سيء وتصبح أخلاقهم أسوأ مما كانت قبل هذا الشهر! ويبرر البعض سوء أخلاقه أو «نرفزته» في هذا الشهر بسبب الصيام والتعب.. وهذا التبرير غير مقبول ولا يتناسب مع الأهداف التي ينبغي تحقيقها من خلال الصيام. هذه بعض من النماذج السلبية التي نلاحظها حول الجانب الأخلاقي في شهر رمضان المبارك، مما يقتضي منا جميعاً أن ننتبه أكثر لأنفسنا لكي لا يتحول هذا الشهر المبارك إلى فرصة لزيادة السيئات بدل أن يكون فرصة لزيادة الحسنات. لقد أتاح الله عز وجل لنا فرصة هذا الشهر المبارك من أجل أن نعيد النظر بأوضاعنا ونطور أنفسنا ونبتعد عن السيئات ونزيد من الحسنات.. ولذا لا بدّ من أن يكون هذا الهدف هو العنوان الأساسي الذي نسعى لتحقيقه.. وهذا يتطلب من كل فرد منا أن يراقب تصرفاته وأدائه في هذا الشهر المبارك.. ويصنع ميزاناً واضحاً يراقب من خلاله تصرفاته على قاعدة: هل هذا التصرف ينسجم مع الأخلاق الإسلامية والتوصيات التي طلبها الله عز وجل والرسول والأئمة أم العكس؟ قد ينالنا التعب في شهر رمضان المبارك بسبب الصيام والجوع والعطش، وهذا أمر طبيعي، لكن بالمقابل يجب أن لا يتحول ذلك سبباً للمعصية أو ارتكاب الأخطاء.
أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك: أزف إليكم أجمل التبريكات بمناسبة حلول شهر الرحمة والغفران شهر الله «شهر رمضان» أعاننا الله وإياكم لصيامه وقيامه.. وأعاده الله علينا وعليكم في حالٍ أفضل من هذا الحال بجاه محمدٍ وآل بيته الطيبين الطاهرين.. وكل عام والجميع بخير بمقدم هذا الشهر الكريم؛؛ والضيف العزيز..
نعم حللت يا شهر الفضيلة والبركات، حللت يا شهر الغفران والخيرات، لا ندري هل سنكون من سعد بلقائك،أم من شقي بنسيانك، اللهم نسألك أن تمن علينا بثواب هذا الشهر الفضيل ، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فعليكم به لتنوروا قلوبكم وأبصاركم.. ولتفوزوا برضا الله وغفرانه.. عن سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: إن رسول الله خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس! انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. يجب علينا أن نستثمر أوقات الفراغ في هذا الشهر الفضيل بقراءة القرآن، الأدعية الخاصة بهذا الشهر الفضيل، أعمال هذا الشهر الكريم، فمن منا لا يريد الهداية والثواب؟؟ وبما انه شهر المغفرة والرحمة، علينا بالتوبة من جميع أعمالنا وأفعالنا التي تغضب الله، علينا أن نصل من قطعناه، ونقرب من فارقناه، ونعفو عمن آذانا وآذيناه ونسأل الله التوفيق.. نعم هذه هي أيام الصوم ولياليه حيثُ لذة العبادة ومتعة المناجاة وبشارة النبي الأعظم بتدفق سيول الرحمة الإلهية على البشر في هذه الأيام والليالي والساعات من الشهر الكريم والمبارك قد ولت وانقضت وأطل عيد الفطر ومعهُ سائر الأعياد. على المسلم أن يصمم مع نفسه ليكون أفضل مما كان عليه في السابق. ختاماً إن شهر رمضان آتِ بخيراته و عطاءاته اللامحدودة وجلّ الأماني أن يُسَجل اسمك في سجّل الفائزين عند الله تعالى. والفوز الأكبر هو الانتصار على النفس وتحريرها من شهواتها. نسأل الله أن نستفيد من كل لحظة وأن تشملنا العناية الإلهية. فكما نُقل عن الإمام الصادق انه قال «لابد للخير أن يقع فاستعد أنت أن تكون من أهل الخير». بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه بخير ونشاط وعافية، وجعلنا من التالين لآياته والاستفادة من الأدعية التي وردت في مفاتيح الجنان وسائر كتب الأدعية، اللهم إنا نسألك وندعوك قبول أعمالنا في هذا العام في كلً عام وفي شهركَ هذا وفي كلِّ شهر بالرحمة والمغفرة إنكَ مجيبُ الدعاء، نسأل الله وإياكم أن نكون من أهل الخير؛؛ ولا تنسونا من الدعاء.. وكل عام وانتم بخير.
[1] سورة الواقعة الآيات 10-11. [2] سورة البقرة الآية183.
|
|||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |