وثائق مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي...جرأة وحياء!

القسم الثاني والأخير

هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifarid@maktoob.com

المقدمة التي تتصدر الوثيقة البرنامجية، تتحدث وكأنما العراق والشعب العراقي، يعيشان في عالم آخر، تسوده ظروف آمنة ومستقرة، النظام والقانون هما الفيصل في حياة الناس، وحرية الفرد الشخصية والعامة مصانة، وبأيدي مخلصة وأمينة، والقوى السياسية العراقية، بمختلف ألوانها وفصائلها، غير متناحرة بقوة السلاح، وتنتظم فيما بينها بعلاقات ودية وسلمية، ومتفقة على الدستور بكل بنوده وتفاصيل مواده، والديموقراطية هي الأسلوب الوحيد السائد بين هذه القوى لحل الخلافات فيما بينها. شيء جميل أن يحلم المواطن العادي بوطن فيه كل ما تقدم، ولكن السياسي الملتزم والمسؤول، أمام ضميره وأمام الفكر الذي يحمله، والناس التي يدعي خدمتها، عليه أن يدقق في رؤية الواقع الذي يعيشه، وكما هو على الأرض دون رتوش، وعليه أن يجد الحلول الواقعية والمنطقية، لتفاصيل معيشة وحياة الناس بكل تفاصيلها وتعقيداتها، في ظل ظروفها الآنية دون تجاوزها، فالاحتلال والإرهاب، والقتل الذي تمارسه الميليشيات، والجيوش، على الهوية وبدونها، وانعدام الحريات الخاصة والعامة، وغياب القانون ودولته، ودستور على الرف، ومجلس نيابي مزيف، كل هذا كان على معد الوثيقة البرنامجية أن يراها، وبوضوح، فهي ما تؤسس لهذه الفترة التاريخية الفريدة والعصيبة في التاريخ العراقي الحديث، حيث خضوع العراق بكامله، لسيطرة القوات الأجنبية، الأمريكية والبريطانية، التي أسقطت النظام البعثي الفاشي، وفي ظل هذا الواقع، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، يتوجه الحزب الشيوعي العراقي، لعقد مؤتمره الثامن.

ملامح وسمات هذا الوضع تتطلب بالدرجة الأولى وضع وصياغة برنامج غير عادي، برنامج لمرحلة تحرر وطني يستنهض قدرات وطاقات كل مكونات الشعب العراقي، لإعادة بناء اللحمة الوطنية للشعب، والبنى التحتية لعموم العراق، التي خربها النظام القومي ـ الفاشي الساقط، وتعمق هذا الخراب بسبب جرائم قوات الاحتلال، وأجهزت على البقية الباقية من هذه البنى، قوى الحكم، الدينية ـ الطائفية، والقومية ـ العنصرية، في مثل هذا الظرف القاسي والمعقد، من الصعب جدا رسم برنامج سياسي واقتصادي متكامل وناجح، يعده حزب ما، لفترة لاحقة، مهما كانت قدرة وسعة هذا الحزب، في ظل ظروف الاحتلال، وإرهاب فرق الموت الأجنبية، ونشاط فرق الذبح التكفيري، الدينية ـ الطائفية،، ومليشيات الأحزاب الدينية والقومية الحاكمة. تجاهل هذا الوضع، في صياغة البرنامج، لن يساعد على تنفيذ أي بند من بنود هذا المشروع، والمطلوب من معدي البرنامج أن يأخذوا بنظر الاعتبار العوامل المؤثرة عند تشريعه ووضعه موضع التنفيذ، مع الأخذ بنظر الإعتبار ملاحظات غابت عن المشروع.

القسم الأخير من الصفحة الأولى للمشروع، تتطرق إلى فدرالية كوردستان، \" ويدعو إلى تعزيزها..\" فإذا كان هذا صائبا فما وجه الصواب في \"...واعتمادها في مناطق العراق الأخرى وفقا لاحكام الدستور..\" الحزب الشيوعي العراقي يعلم جيدا أن الدستور قد صيغ واسُتفتي عليه في ظروف غير اعتيادية، حين زورت إرادة الناخبين، تحت وطأت القتل والتهديد به، وضد الحزب ورفاقه ومؤيديه مورست مثل هذه الجرائم، حيث حرقت مقراته وقتل الكثير من رفاقه ومؤيدية، كما حصل لغيرهم من الأحزاب الأخرى، وهذا دليل على أن لا حرية لناخب أو ُمستفتي، ثم أن الدستور رهن لتغيير وتعديل بعض فقراته بموجب المادة 142، ومن ضمن ما هو مطلوب تعديله، ومختلف عليه، بين القوى السياسية العراقية، قضية \" الفدرالية \" سواء أكانت في الجنوب أم في الوسط. وهل يقر الحزب الشيوعي الفدرالية على أساس طائفي؟ وهل في الفكر الماركسي والإشتراكي تشكيل فدراليات من هذا النمط؟ إن مجارات الفكر الديني و الطائفي، في تحقيق أهداف طائفية، معادية لتطلعات الشعب العراقي الوطنية، لا يخدم الحزب الشيوعي في توجهاته الفكرية وأهدافه الوطنية التي يسعى لتحقيقها، ولا يغير من نظرة هذه القوى العدائية تجاهه، فهي تحاول جاهدة أن تستعدي عليه كل قوى المجتمع، كما تسعى بكل السبل، لاستخدام الدستور ونصوص مواده المقيدة للحريات ضده، ولمنع نشاطه، وفق نص المادة\" 2\" ـ أ ـ من الدستور \" لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام \" وكما هو معلوم كل الحكومات الدينية والرجعية، في المنطقة، تحرم نشاط الحزب الشيوعي، والعراق ليس استثناء من هذا التوجه مستقبلا.

المرأة في المجتمع العراقي، نتيجة للأوضاع التي سادت إبان الحكم الفاشي وسيطرة القوى الدينية على الحكم، تعاني من التمييز القانوني والديني، وبما إنها نصف المجتمع، على أقل تقدير، فعليها يقع عبء كبير، أسوة بالرجل، في بناء وإعادة بناء المجتمع ومؤسساته، \"..في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية..\" كما ورد في نهاية الصفحة الأولى، وهذا يحتاج إلى توثيق لحقوقها المدنية والسياسية في قوانين وتشريعات، قابلة للزيادة وليست قابلة للنقض، كما حصل عندما انفردت القوى الدينية في مجلس الحكم وحاولت إلغاء قانون الأحوال الشخصية للعام 1959، ومن هذا المنطلق، أرى عدم التطرق للوضع المأساوي الذي تعاني منه المرأة على مختلف العهود، وخصوصا في الظرف الراهن، نتيجة لسيطرة القوى الطائفية والعنصرية على الحكم، لا يعطي المصداقية في التعويل على المرأة في إشراكها بعملية البناء، في كل مجالات الحياة، إن لم تحصل المرأة على كامل حريتها وتحررها من كل القيود التي تشدها إلى عصر الحريم، ولا يمكن تحقيق أي تقدم للمجتمع، إن كان نصفه معطل، بسبب قيود قيم رجعية، وفرض نصوص دينية مجانبة لعصرنا، لتكبيل المرأة بها.

المرأة تستحق تفصيلا في حقوقها، وإغناء لحريتها، أكثر بكثير مما تناولته الوثيقة. والطفل وهو ما يعول عليه مستقبلا، لا يستحق من برنامج الحزب الشيوعي، أكثر من ذكره بكلمة مفردة، مقرونة بالمرأة، كما ورد في أخر فقرة من الصفحة الأولى \"..وضمان الالتزام بجميع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق المرأة والطفل \" مسكين هذا الطفل وأمه ! بحيث لم يدلنا البرنامج أين هي حقوق المرأة أمه؟ وما هي حقوق الطفل في برنامجه؟ وهل سيصون الحكم الطائفي ـ العنصري هذه الحقوق، وكيف؟ ألم يترسخ في ذهن معدي هذه الوثيقة، شيئ من الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة والطفل في المعسكر الإشتراكي السابق، وهل لم يسمع المعدون للوثيقة، شيئا عن ضمانات الحقوق، للمرأة وطفلها في الدول التي تحترم الإنسان؟

الوثيقة حسبما تنص عليه في بداية الصفحة الثانية \" إن حزبنا يولي اهتماما بالشبيبة..\" لا تعتمد في وضع حلولها على إحصائيات، شأن كل المجالات التي يتحدث عنها التقرير، وهذا ما يجرده من الواقعية والعلمية في المعالجة، ولكن ما هي سبل ووسائل هذه الإهتمامات؟ الشبيبة، من كلا الجنسين، قطاع واسع ومهم، ومجالات نشاطاتهم تغطي كل مجالات الحياة، العملية والتأهيل العملي لمختلف الاختصاصات، والعلمية، دراسية وثقافية ورياضية وفنية وسياسية، وغيرها الكثير، اختصرها البرنامج ب\" ضمان تمتعهم بالحقوق والحريات المكفولة دستوريا..\" دون توجيه أي نقد للحكم القائم ومسؤوليته عن التردي الفعلي الحاصل آنيا لأوضاع الشبيبة، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، واستفحال الجريمة بينهم، وانخراطهم في منظمات إرهابية لقتل الأبرياء، لقاء ثمن بخس وبائس، نتيجة للفاقة والعوز، جراء البطالة والحالة المنية المتدهورة.

المليارات التي يتم نهبها وسرقتها علانية من خزينة الدولة، وتهريبها خارج الحدود، تحت علم ومسؤولية رجال الحكم وأزلامه، دون حساب أو مساءلة من أحد، هي من أحد الأسباب الرئيسية في تدني حياة المواطنين المعاشية.بالأمس اعترف السيد رئيس الجمهورية، جلال الطلباني، في رسالة موجهة للشعب الأمريكي، نشرت على موقع المكتب الصحفي لرئاسة الجمهورية في 20 أيلول، اعترف متباهيا بما تحقق من ازدهار في العراق فهو يقول \" إن الازدهار المالي والاقتصادي يمكن ملاحظته في المناطق الأكثر أمنا في العراق، حيث يوجد في مدينة السليمانية باقليم كوردستان العراقي أكثر من 2000 مليونير ( نعم الرقم صحيح ألفين مليونير في مدينة واحدة ) مقارنة مع 12 قبل التحرير..\" والرقم بالدولار لأن السيد الرئيس يتحدث للأمريكان وهم لا يعرفون غير الدولار عملة متداولة، هذا هو الازدهار الحقيقي في العراق، الذي أطبق فمه عنه التقرير، ولم يتحدث عنه وعن ماهية القطاع الذي أنتج آلاف المليونيرية بمدينة واحدة، فلمصلحة من السكوت عن هذا الواقع؟ وأين هي جرأة الشيوعي في عدم المهادنة. منذ الاحتلال الأمريكي ومرورا بالحكم الطائفي القومي، وخلال بضع سنين، تزايد عدد المليونيرية في مدينة واحدة، وإحصائية الرئيس مضبوطة حتما، لأنه عارف بما حوت السليمانية وضمت بنوكها، إلا أنه لم يعرف عدد العوائل التي خربها واحد من المليونريه، وحبذا لو اعتمدت الوثيقة البرنامجية على إحصائيات مماثلة لما عليه الوضع حاليا في بغداد وكربلا والنجف، وباقي المدن التي يسيطر عليها الطائفيون، أمثال عزيز الحكيم وولده المبجل عمار، ومسؤولو المليشيات، في بدر وجيش المهدي وحزب الله وحزب الفضيلة، وغيرهم من الجيوش، التي تقاتلت في البصرة والعمارة والديوانية وغيرها، على المال العام، وعلى نسب الثروة المسروقة والمنهوبة من النفط الخام المصدر، وعلى ما اُستورد من مشتاقات نفطية، وصلت السوق السوداء، وتحولت لأرصدة في حساباتهم البنكية الإسرائيلية الأكثر أمنا، تحت سمع وعلم الحكومة ومنظمات المجتمع المدني الساكتة عن كل هذه الجرائم.

المرجعيات الطائفية ستتولى الدفاع عن كل \" الآيات الحرامية \" المعممة ومن هو سائر في ركابهم، من آكلي مال السحت الحرام، وستقنع بسطاء الناس أن هذا حق قديم لنا منهوب نسترده، ولكن من سيعصم الحزب الشيوعي العراقي ويدافع عنه، عندما يعرف حقيقة ما يجري ويسكت عنه، لا عاصم له سوى الجماهير التي يضع أمامها كل الحقائق الخافية عنه، خصوصا وهو مساهم في البرلمان، والسلطة، ويعرف دقائق الأمور وما يجري في الدولة وسلطتها من ارتكاب لجرائم بحق الشعب.

بناء الدولة والنظام السياسي والمهام والأهداف التي يناضل من أجلها الحزب، رغم أهميتها وشرعيتها، وضرورة تحقيقها للنهوض بالعراق في بناء مؤسسات الدولة المختلفة، لا يمكن أن تتحقق في ظل الأوضاع الحالية، فقوات الاحتلال عائق أساسي أمام تحقيق هذه المهمة، حيث تسبغ حمايتها على حكم ديني ـ طائفي ـ قومي عنصري، يجسد المحاصصة الطائفية في كل مجالات الحكم ومؤسسات الدولة، لذا كان الواجب أن يأخذ هذا الهدف الصدارة في الفقرة 1 من \" يناضل حزبنا في سبيل \"والفقرة \" 7 \" الخاصة بحل المليشيات، تحل في التسلسل \" 2\"..

الفقرات، سياستنا الاقتصادية ـ الإجتماعية والقطاعات الاقتصادية والخدمية.. وغيرها من الفقرات التي عالجت الوضع الإقتصادي وسبل النهوض به، تبقى كلاما غير دقيق، لما قبل الإحتلال وأثنائه وما تم أو ينتظر تنفيذه من عمر الحكم الحالي، فما يطرحه الحزب من معالجات سياسية واقتصادية واجتماعية، يكاد لا يختلف فيه عن أي برنامج آخر، لقوى مغايرة في العقيدة والفكر، تضع برامجها لحل المهام المطروحة أمامها، إلا أن ما يميز برنامج الحزب الشيوعي، عن غيره من برامج الأحزاب الأخرى، حتى الدينية منها، هي العلمية في الدراسة ووضع الحلول الرصينة لها، المستندة على الوقائع الموثقة بالأرقام والإحصائيات والجداول البيانية، لسير العملية الأقتصادية، متزامنة مع تطور الوضع الأمني والسياسي، والحالة الاجتماعية للعائلة العراقية، ونمو القدرة السكانية ونسبتها في المجتمع، ومعرفة ما يرصد من أموال لسد احتياجات كل القطاعات، مع ما يتناسب من دخل الفرد السنوي، وقدرته الشرائية، ومقدار العوائد من الثروة الطبيعية، بمختلف أشكالها، وبالتالي الإحاطة بمجمل الدخل العام، وهذا يتطلب إعدادا خاصا من كوادر متخصصة، وليس مشروع عمل تعده وتنفذه كوادر حزبية أو سياسية.

البرنامج تجاهل معالجة أمور كثيرة تشغل اهتمام وتطلعات الكثير من قطاعات الشعب العراقي، فالرياضة والرياضيون لهم مجال واسع وحيز كبير شغلوه في ساحة الحزب، وقدموا أرواحهم وهم يدافعون عن قيم الحزب الشيوعي، ما كان لمعدي البرنامج إغفال هذا القطاع المهم في حياة العراقيين، وعدم الإهتمام به، خصوصا وأنه مجال واسع لعمل الشبيبة والإحتكاك بها، في منتصف السبعينات التقيت بكادر من كوادر الحزب الشيوعي البلغاري، وعند الحديث عن الأوضاع سياسية، أبدى جهلا فضيعا في سياسة بلده، وعندما انتقدت فيه هذا الجانب، قال أنا كادر متخصص في العمل بالمجال الرياضي بين الشبيبة، ولا شأن لي بسياسة الحزب والدولة في الأمور السياسية، وهذا ما يجب أن يكون عند الحزب مثله، هناك أمر آخر تجاهله التقرير، الفنانين والمثقفين من الشعراء والكتاب، على مختلف صور وأشكال إبداعاتهم، واختصاصاتهم وطبقاتهم، لهم دورهم الريادي في المجتمع، بإمتاع الناس وإغناء ثقافتهم، وتربية الذوق والطبع فيهم، خصوصا في هذه الفترة التي يكثر فيها التحريم للفن والفكر الحر، فالموسيقى والرقص والغناء والتمثيل والكتابة بالقلم والريشة، لم نجد لكل هؤلاء حقلا في البرنامج، يهتم بتطوير قدراتهم الأبداعية، أو الاعتناء بهم، وتوفير مستلزمات تطور هذه الفنون، من بناء دور عرض للسينمائيين لعرض نتاجاتهم، ومواكبة التطور العلمي والتقني لفنونهم ومعارفهم، وبناء معاهد وكليات متخصصة لهذه الفنون، وبناء الدور لرعاية الموهوبين الصغار والاهتمام بطفولتهم، والكبار في شيخوختهم، وحمايتهم من العوز والضائقة المعاشية، بتشريع يكفل لهم حياة آمنة ومستقرة، بعيدا عن التمسح للسلطة ومسايرة فكرها و نهجها، وتوفير كل مستلزمات الحياة لمواصلة عطاءاتهم للشعب وللمجتمع، وهذا كله أغفله التقرير، أغفل التقرير أيضا الأطفال والاهتمام بهم ورعايتهم، في دور الحضانة والتعليم، وصونهم من الإنحدار في الجريمة، وبناء المؤسسات التي تحتضنهم وترعاهم. ما أغفله التقرير أيضا، المكتبات والمتاحف العراقية، ذاكرة الحضارة لشعب وادي الرافدين، منذ آلاف السنين وحتى الوقت الحاضر، صيانتها، وتجديد أبنتها، ومطالبة قوات الإحتلال برد ما سرق، وإصلاح ما تلف منها، وتهيئة الكوادر العلمية والمهنية للعمل على صيانة وحفظ هذا التراث.

في نهاية هذا العرض للوثيقة البرنامجية، استفزتني بصدق عبارة النهاية التي اختتمت بها هذه الوثيقة \" أيها الشيوعيون وأصدقاؤهم وحلفاؤهم ! يا أبناء شعبنا العظيم ! لنناضل سوية من أجل : وطن حر وشعب سعيد ! \" وتكاد أن تتفجر من مآقي الدموع، على الحال التي نحن فيها وعليها، ففي صفحات التقرير الأربعة عشرة، لم أجد حرفا واحدا عن الأصدقاء والحلفاء التي اختتمت الوثيقة النداء لهم في النضال من اجل قاسم مشترك واحد يجمعهم، فكيف نريدهم أن يناضلوا من أجل شعار شيوعي خاص بالشيوعيين، أعتقد أن المفارقة الكبرى كانت في نهاية التقرير، وهي التي وضعت الأصبع على الجرح، كان المفروض أن ُيفرد كاتبوه حقلا خاصا لمعالجة وضع القوى الشيوعية والإشتراكية والتقدمية في العراق وضرورة توحدها على برنامج يحقق الحد الأدنى من القواسم المشتركة لهذه القوى، من أجل عراق علماني وطني وديموقراطي، ويفتح حوارا مع الجميع، والتنازل عن كل المعوقات للجميع، فإذا كان العمل سابقا ممكنا مع القوى الطائفية، ألا يمكن العمل مع القوى الوطنية والعلمانية، و الشخصيات الوطنية والمناضلين الذين يستفزهم ما آل العراق إليه، من احتلال دنس كل القيم الوطنية والدينية، ووضع أمني واجتماعي متدهور وبائس، نتيجة تشرذم لقواه الوطنية، بسبب مقنع أو غير مقنع.البارحة قرأت على صفحة الحوار المتمدن نداء إلى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي للقاء، من أجل وضح حد لتدهور هذه القوى، وللوقوف بوجه التحديات التي تواجه مصيرها، وقعته أحزاب وشخصيات عربية، شيوعية وماركسية، إلا أني لم أجد توقيعا للحزب الشيوعي، أو اسما لمن يمثله، ضمن هذه المجموعة التي أطلقت النداء، وهو الذي عودنا وعود الأحزاب الشيوعية أن يكون سباقا لمثل هذه اللقاءات، أوصى الرفيق فهد حزبه بوصية ستبقى أبدا منارا هاديا للشيوعيين، نراها اليوم تنحسر في بطون الكتب دون تفعيل لها أو تسليط الضوء عليها، \" قووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية \" فلا انفصال بين قوة الحزب وقوة الأحزاب الوطنية، إلا أن الواقع الحالي يسير باتجاه مقلوب، ومغاير لوصية الباني الأول فهد، فوثيقة البرنامج، لم تربط بين قوة الحزب في تنفيذ برنامجه، وضرورة التعاون مع الأحزاب الوطنية وتقويتها، لتنفيذ هذا البرنامج أو أي برامج أخرى يمكن الإتفاق عليها، وبغض النظر عن بعد هذه الأحزاب أو قربها من فكر الحزب الشيوعي، فالمرحلة التاريخية، هي مرحلة تحرر وطني، تقتضي التعاون مع كل حزب وشخصية وطني، يهمها أمر العراق وشعبه، لذا يقتضي إعادة النظر بهذه الوثيقة وتلافي ما أهملته، أو لم تتراءى لها أهميته... وستبقى عيوننا شاخصة تجاه العملاق الذي تبحر سفينته وسط لجة من الأمواج العاتية، وهي تقاوم غيلان الشر في البحر والبر، مع كل الأمنيات والتمنيات القلبية بالنجاح..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com