|
رمضانيات (1) .. الرحلة الشامية بهلول الكظماوي / أمستردام
بعد انقطاع عن القراء الكرام، دام ما يقرب الشهرين من الزمن هاءنا أرجع لأعاود الكتابة من جديد. فبعد الاخفاقة التي أصابتني جرّاء فشل عمليّة فتح شريان مسدود في القلب، ذهبت بعدها وبدون أن اراجع الطبيبة المختصّة بمعالجتي مسافراً الى دمشق حيث عقيلة بني هاشم السيدة زينب (ع) حيث المعنويات العالية التي ترفع الرأس الذي طالما ظلّ مطأطئاً لسنوات طويلة، واذا به اليوم (نصر من الله وفتح مبين). دخلت دمشق محمّلاً بالاخفاقات الصحيّة والنفسيّة، واخفاقات الغربة القاتلة، واخفاقات الحالة الأمنيّة التي يعيشها العراق رغم أننا نعيش خارجه الا انّه يعيش داخلنا حتّى وان كنّا بعيداً عنه آلاف الاميال. حطّت بنا الطائرة بمطار دمشق فترجّلنا منها واتجهنا لغرض ختم جوازاتنا لغرض الدخول لتصادفنا عرقلة أمنيّة بسبب تشابه بالأسماء استغرقت منا ثلاثة ساعات من الوقت. ارتفع حينها عندي ضغط الدم وازدادت ضربات القلب ليضيق الصدر بما يحوي بين جنباته و لكن، بعد ان ختموا جوازات سفرنا للخروج من المطار ودخول البلد وبعد نقطة تفتيش الامتعة يقع نظري على مشهد أعاد لي الحياة من جديد، وبعد أن كنت اردّد البيت القائل .دقّات قلب المرء قائلة ًله.... انّ الحياة دقائق وثوان: صرت اهلّل واكبّر حامداً الله على نعمائه ويسره بعد عسر وأنا اشاهد شيخاً خليجياً بكوفيته وعقاله العربي حاملاً بيد امتعته وباليد الاخرى راية حزب الله قافلاً بها للرجوع الى بلده داخلاً بوابة المغادرة. و بعدها يحتضنني عديلي الذي جاء لأستقبالي مع سائق السيارة التي استأجرها لجلبنا الى مكان اقامتنا في الشام. لاحظت في صدر هذه السيارة المستأجرة صورة للسيد حسن نصر الله مكتوب تحتها عبارة (سيّد المقاومة). تسير بنا السيارة فاشاهد صور ملصقة على واجهات السيارات للمرحوم حافظ الأسد وولده بشار يتوسطهم صورة السيد حسن نصر الله زينت بعبارة تحتها مكتوبة: (لن تموت امّة قادتها الأسود). كلّما رميت ببصري على الطريق اشاهد أعلام حزب الله مرتفعة وعبارات الصمود ومظاهر الانتصارات في الطرقات العامّة. أخيرأ وصلنا الى حي السيدة زينب (ع) وجدتها على غير العادة، لم أرها المنطقة والمدينة المعهودة التي الفتها سابقاً، بل وجدتها تماماً كما هو حي السلّم وحي الكرامة في الضاحية الجنوبية من بيروت، انها صورة طبق الأصل من الغبيري وبئر العبد، تنبعث من دكاكينها وبيوتها ومقاهيها أصوات الاذاعات تصدح بالأناشيد الثورية والبيانات القادمة من قلب المعارك. كثيراً ما شاهدت المحلات والمقاهي قد فتحت التلفاز على قناة النصر، قناة الوعد الصادق، القناة الفضائية (المنار) المباركة. نمنا تلك الليلة في شقة كان قد استأجرها لنا عديلي في الطابق الأول من البناية التي يسكنها مع عائلته في الطابق العلوي منه. طرق علينا الباب في الصباح الباكر شاباً يحمل سجلاً وقلماً في يده، يتبعه شاب آخر يحمل صندوقاً من الكرتون اتّضح فيما بعد انه يحتوي على مواد تموينية (غذائية) ويتبعهم شيخ يعتمر عمامة بيضاء وسألونا: هل انتم قادمون من لبنان هرباً من القصف الاسرائيلي ؟ أجبناهم: كّلا، بل نحن عراقيون انبرى الشيخ المعمّم قائلاً: لا يهم ان كنت عراقياً أم لبنانياً، فمهمتنا نحن أن نعود كلّ من نزح من مسكنه في لبنان ونقدّم لهم المساعدات الغذائية والمالية وندفع لهم كرائهم كائناً من كانو. فأخبرته: كلاّ يا شيخنا الجليل، نحن قادمون من اوروبا وقد منّ الله علينا أن نشهد لكم صمودكم ومصابرتكم التي طالما اشتقنا اليها، ثمّ أخبرته بأن الشقق المجاورة لنا يسكن بها لبنانيّون مع عوائلهم نازحون هرباً من القصف الاسرائيلي المتوحّش., فكان منهم (الشيخ والفريق المرافق له) أن ذهبوا اليهم وقدّموا لهم المواد الغذائية ومغلّفات عرفنا فيما بعد انها تحتوي على نقود (مساعدات) من الحقوق الشرعية لتسد عنهم نفقات الاقامة في دمشق. (علماً والشهادة لله) انّ السوريين لم يأخذوا قرشاً واحداً من أيّ لبناني نزح من داره اثر القصف الاسرائيلي للبنان، بل سمعت من اخوة لي ثقاة انّ الكثير من العوائل السورية التي لديها متّسع في دارها كغرفة وغرفتين أفرغتها لأستضافة العوائل اللبنانية بتوجيه من الحكومة السورية تضامناً مع الشعب اللبناني. الشيئ الوحيد الذي آلمني كثيراً هو اني كتبت قائمة بأسماء كتب اعتبرها قيمة واريد شرائها من دمشق فلم اجدها في اسواق ومكتبات السيدة زينب مثل كتاب طبائع الاستبداد وام القرى للكواكبي والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم والمنجد في اللغة والاعلام واحجار على رقعة الشطرنج وكتب التلمود...الخ، فلم اجدها في أسواق السيدة زينب، بل وجدت بدلاً منها كتب التنجيم وقراءة الطالع وقرائة الفنجان وتفسير الاحلام والسحر الاسود.....الخ. نعم وجدت ما اريده من الكتب المعتبرة في أماكن اخرى من الشام مثل منطقة الحلبوني والبحصة والصالحية، غير اني تالّمت لمستوى القراء في السيدة زينب السياحية الدينية التي من المفترض ان يؤمها الكثير من السواح والزوار الخليجيين والعراقيين واللبنانيين، خصوصاً اذا علمنا ان دور النشر والمكتبات في سورية لا تقصر في نشر الفكر الحر النيّر وتوفيره بأسعار زهيدة مثلما أشتريت كتاب الحاكم الامريكي القذربول بريمر (عام قضيته في العراق) مترجماً الى اللغة العربية، ورغم سماكة حجمه الا ان سعره لا يتجاوز العشرة ايروات اوربية. و ما ان حصل يوم السبت الاّ وأسرعت الى مقر اقامة العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله في الشام، حيث له كل يوم سبت محاضرة ويجيب على أسالة الناس بنفسه اذ تتقاطر عليه جموع المؤمنين. وجدت سماحته (السيد فضل الله) لم يحضر ذلك السبت لأصراره على البقاء مع شعبه اللبناني حاله من حالهم يواسيهم ويشاطرهم في المخاطر التي يتعرّضون لها في لبنان، وهو الذي قصف بيت سكنه العائلي ومكتبه في الضاحية الجنوبية من بيروت في اول يوم قصفت فيه دويلة العدوان الاسرائيلي لبنان. و بقي السيد معهم (مع شعبه) حتى بعد أن توقف القصف العدواني، وبقيت انتضره لثلاثة اسابيع متتالية حتى حظيت بالجلوس معه في نهاية الاسبوع الرابع من سفري لآجد عنده الترحاب الأبوي كما عهدته فيه رغم كبر سنه الشريف ورغم الأهوال والخطوب التي يتعرض لها شعبنا اللبناني المجاهد وعظم المسؤوليات النلقات على عاتق سماحته. كنت مكلّفاً من قبل الاخوة المؤمنين في العراق أن اسأل سماحته مستفتياً لهم عن أحقّية اعطاء الحقوق الشرعية لذوي الصبيان القاصرين الذين يجبروا على ترك تعليمهم الدراسي ليلجوا ميدان العمل لغرض اعالة عوائلهم التي لا معيل لها غير هؤلاء اولادهم القاصرين. فأجابني سماحته: بأنّ التعليم واجب، وان اعالة عوائل هؤلاء الصبية من أوجب الواجبات، وعليه فأنهم يفضّلون عنده ويقدّمون على غيرهم في مساعدتهم من الحقوق الشرعيّة حتى يتمكن ابنائهم من التفرّع لاكمال تعليمهم. ثمّ أرشدني سماحته الى عناوين مبرّاته في العراق. حينها غيّرت نضرتي الى مصطلح كنت قد رسمته في ذهني لسماحته، أرمز اليه والى الثلّة الخيرة المتبقّية من أمثاله بـ (بقيّة السيف) لأجدني واهماً فيما رسمته واصطلحته، فالسيف لم نفقد أي جزء منه حتى تكون له بقيّة، لا زال السيف بكامله يقاتل ذوداً عن امتنا، فصواريخ حزب الله صدقت وعدها ومبرّات السيد فضل الله في لبنان امتدّت الى العراق وستبقى خالده من بعده تماماً كما خلد أخيه محمد باقر الصدر (رح) في ثورته وفي فكره، في مؤلفاته،البنك اللا ربوي في الاسلام، الاسس المنطقية للاستقراء، اقتصادنا، فلسفتنا....الخ. و كما خلد محمد صادق الصدر وهو يلبس الكفن متحدياً السلطان الجائر في زمن الصمت المطبق والخنوع والانبطاح مستنفراً كل ما لديه من طاقة للاصلاحات الاجتماعية والاخلاقية، معلناً وجوب اعالة المعلم والموظف الحكومي حينها من بيت المال سداً لحاجته المادية وصوناً لعفّته ونزاهته من الرشوة والفساد الاداري ومحرماً اعطاء الحقوق الشرعية لخارج دائرة العشيرة والاقارب والارحام ما دام في العشيرة والرحم موجود من يستحق الحقوق فيها. و لكي لا اطيل على القارئ الكريم، استميحه العذر لأتوقّف على أمل أن اكمل بقية رحلتي الشاميّة فيما اذا كان في العمر بقية. و دمتم لأخيكم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |