حقيقة شعبان وحكايات لن يمحوها النسيان (6)

احمد مهدي الياسري

a67679@yahoo.com

التفتت الى ذلك المفجوع الراقص حزنا واذا به وقد هوى بظهره المكسور الى الارض فقد انتهت وقلت حيلته وعيل صبره وانتهت عزيمته وعيوننا ترصد اي خبر من الداخل عن تلك الام التي لازال الجميع يحاول انقاذها فدخلت لاستطلع الامر واذا بتلك الام وقد لحقت بافلاذ كبدها متاثرة بتلوث الجرح واحشائها الطاهرة ..رحلت وتركته يندب حاله ومآله .. رحلت وتركت له الذكريات بحلوها ومرها واخيرا تركته مع الفجيعة..

جن الرجل ولا ندري ماذا نفعل له , هذا يصبره وذاك يواسيه ولم اكن استطع صبراً فتوجهت الى تلك المدرسة العظيمة توجهت الى امير الابطال ابا الحسن وشكوته ومعي الكثير الكثير تلك الحال الموغلة في الظلم وجبروت الطغاة ..

كانت الحال من بعد ان اطلق اول صاروخ على مدينة النجف لايختلف عن تلك القصص التي اخترت منها البعض لا الكل وهي بالمئات ان لم اقل بالآلاف , ولكن لاعد واتسائل لم حدث كل هذا لنا ..؟؟

البداية تقول ان ابطالاً صناديد اختارت ساعة الصفر في الساعة الثانية من ظهر يوم 2.3.1991 لانطلاق الثورة ضد ازلام البطش والقتل الصدامية وكان الموعد المقرر قبل يوم ولكنه تاجل يوما واحدا في تحدي كبير وبطولة قل نضيرها فلم اسمع بثورة يقول ثوارها اننا غدا سنقوم بها وهم تحت نير حكم استبدادي اجرامي مثل حكم طاغية العراق صدام وهذا لوحده دليل قوة وثقة بالنصر وهذه الانفرادة حدثت هناك في تلك المدرسة البطولية الرائعة وعلى التاريخ ان يسجل ذلك ولايغفله ..

لم تكن مدينة النجف مدينة عادية فهي ثقل الاسلام المحمدي وثقل المدرسة الثورية , فمن الناحية الامنية كان النظام يحسب لها مليار حساب وكانت امنيا مرتبطة بديوان الرئاسة الصدامية مباشرة وهناك عدة صنوف من القوات الاجرامية تتواجد فيها وبقوة من المخابرات والاستخبارات والامن والانضباط العسكري والشرطة والحزب الفاشي ومكافحة مايسموه الاجرام وهناك وكلاء الامن العملاء القتلة وقوات الطوارئ وهذه المنظومة تقوم بمهامها في استنفار دائم وكان الموعد المحدد للثورة الانتفاظة قد وصل الى تلك الدوائر الامنية فالنجف لم تكن على حدود الجبهة الساخنة وقتذاك كالبصرة والناصرية والسماوة بل ان تلك المحافظات سقطت بيد الثوار نتيجة الفوضى التي عمتها لانها خطوط ساخنة للنار والحرب التي كانت دائرة لتحرير الكويت وقتها وقد وصلت الى تلك المدن خلال الزحف القوات المتحالفة حتى انها وصلت طريق بصرة بغداد قبل ان يتم الايعاز بوقف اطلاق النار من قبل الامريكان , اما الثورة في النجف فهي قد قامت بجهد ابنائها وبتواجد كل القوى الامنية لا بل حينما توزع الموعد المسبق لها في المدينة قدمت قوات اضافية من بغداد واستنفرت كل القوى الحزبية والامنية للتصدي للثورة ..

توزعت القوى الامنية على اسطح الفنادق والبنايات مدججة بالسلاح من رشاشات وقاذفات ار بي جي وغيرها من الاسلحة اما الصحن الحيدري الشريف فكانت له الاولوية القصوى من تلك القوة فهو مركز مهم وكان موعد الثورة يقول انه ستنطلق منه كمكان مبارك او ماحوله وهذا ايضا تحدي كبير وبطولي اخر من قبل ابطال الانتفاضة والتي كما اسلفت انها قامت والقوة الصدامية متواجدة وبكامل قوتها بينما في الجنوب كان هناك شبه انهيار وفراغ امني فكل السلطة والجيش هناك كان في حالة فرار وهزيمة ومنها الحزب والامن ..

كان محل عملي في مكان قريب جدا من ضريح الامام علي عليه السلام وكان المشهد واضاحا لي اراه بكل وضوح ولم نعد الى البيت وكنا ننتظر تلك اللحظة المباركة بفارغ الصبر وحولي الكثير من المنتظرين على احر من الجمر فيما كان بعض الشباب تتجول بصمت وهدوء في البداية وتطلب من النساء والاطفال والشيوخ العودة الى البيوت لان الثورة ستكون دامية ويجب ان لايعيق الابرياء حركة الابطال ولاتقع ضحايا منهم ..

وجهان من اوجه البطولة لم ولن انساهما او تنساهما ذاكرتي ماحييت , تلك الوجوه الابية التي انطلقت افواهها تصرخ قبيل قيام المنازلة بدقائق , لم يطيقا الانتظار والصبر ولم يكن هناك استجابة من النساء والاطفال ليعودو الى البيوت او قد يكون هناك من لم يسمع ان هناك ثورة قادمة ..

كان صوتهما مدويا .. يانساء ياشيوخ يا اطفال الزحف على وشك القدوم نناشدكم العودة الى البيوت .. لاعليكم من حرج انا لها انا لها .. الموت للبعث الموت لصدام .. كان الصوت صوتهم مدوي وسط ذهول الجميع ,اخوتهم الذين يتربصون معهم وايضا القوى الامنية التي كنت ارى الارتجاف والقلق وقد سيطر عليها وبقوة حيث كان واضحا الارتباك والتهيؤ للهزيمة فهم يعلمون ان الامر يعني انهيار كامل لقوة النظام في الجنوب والحركة التي اقدمت عليها قوات التحالف لازالت غير واضحة المعالم ..

كانا يرتديان اكفانهما البيضاء او هو ذلك اللباس التقليدي لابناء النجف الدشداشة البيضاء فالوقت ربيع اذار 1991 وسميتها اكفان لانها سرعان ماتضرجت بدمهما الزاكي بعد حين , كانت ابدانهما ضعيفة ولا ادعي اني اعرفهما شخصيا لكنهما من المؤكد ابناء طهر وبطولة , وشرف وعز واباء, وقد حفظت ذاكرتي وجهيهما الطيبين رضوان الله عليهما في جنان الخلد ولو كنت رساما لرسمتهما لكم ..

كان لسان حالهما يقول لنلبس الاكفان فبعد حين قد نكون في حال لايوجد فيه احد يكفننا , ولكي تنجح الثورة فهي بحاجة الى الدم دمنا القاني وهو الكفيل باشعال النار في وجوه هؤلاء القتلة فالابطال والحمد لله كثر ..

كانا يمثلان الفيض الاول من الفجر الاول الذي اضاء ليالينا الظلماء في تلك البطاح المطهرة , كان لصراخهما وسط الجموع والقوى الامنية من دون ان يحملا حتى سلاح يقاتلان به الا اللهم سلاح البطولة والاقدام وكأني بهما يريدان كشف خطوط النار المعادية وكشف من لم يلبس الخاكي من افاعي العمالة المتخفية والمتربصة بالثوار بنية الغدر والقتل اولا وانقاذ الابرياء من الرصاص الذي سينطلق ثانيا فكل قطرو دم لام او طفل هي عزيزة وغالية على الجميع ومن اجلها ستقوم ثورة الانتقام من القتلة والمجرمين الانجاس ازلام البعثفاشستي ..

كان لهما ما ارادا فكان انطلاقهما من مركز الميدان راكضين نحو امام المتقين من خلال سوق الكبير وبين علي الدر والميدان ظهرت الثعابين والعقارب المسمومة المتخفية بالثوب المدني من عملاء الخيانة والعار, واذا باثنان من اقبح الوجوه القذرة يخرجان مسدساتهما وكل واحد يمسك ببطل قد انهكته سنون البطش والطغيان فكانا عظما وجلدا يتحرك , كان المنظر قاسيا علينا ولكنه اجج روح الثورة في الصخور والارض والسماء والاحراروالاطيار المحلقة هناك تشهد المنظر بكل فصوله , وحقا كانا خير فداء وخير من انجح الثورة وان كان من فضل للانتفاضة ان تنجح في التوصل الى مرحلة السيطرة الكاملة على النجف الاشرف فلهذين الشهيدين الخالدين السبق في الفضل وليتني اعرف اسميهما وليت من يعرف اسميهما اتوسله ان يرسلهما لي لاعطيهما حقهما من الوفاء والتخليد في سفر التاريخ ..

اثنان من العقارب امسكا الاثنان ولازالت هناك عقارب متربصة تنتظر المزيد, هذين المجرمين القذرين هما المجرم المقبور فيما بعد عميل البعث حسن البزاز ويملك محل لبيع القماش في سوق الكبير وكل ابناء النجف يعرفوه جيدا والمجرم ابو زينة الصائغ ذلك العضو في حزب البعث الاجرامي والعميل الخائن لشعبه ومدينته واهلها الطيبين والذي اختفى بعد ذلك اليوم ولا اعلم عنه شيئا , كل واحد يمسك بضحيته من يديها والرقبة يسحبها بقوة سحبا والمسدسات مصوبة نحو راسيهما الطاهرين منطلقين بهما باتجاه الصحن الحيدري المطهر فهذا المكان كان عبارة عن ثكنة عسكرية للطغاة يريدان ايصالهما الى موقع الشهادة والعز واين ؟؟

بجوار مثلهما الاعلى في البطولة والشهادة ابا الاحرار والشهداء علي الدر وباقي الناس كلهم تراب وتراب وتراب ..

تلقفتهما ايادي الجلاوزة والعين عيني ترصد ذلك المشهد من بعد قريب واوقفوهما على الجدار الطاهر قرب باب سوق الكبير واصطف بعض الجلاوزة على بعد امتار منهم وتهيئوا لاطلاق النار عليهم ..

كانا يصرخان وبقوة ونسمع صوتيهما رغم اللكمات التي كانا يتلقيانها على وجوههما ..الموت لصدام الموت للطاغية اللعنة عليكم ايها القتلة المجرمون اللعنة على صدامكم القذر واذا بـ ........................... التقيكم في الحلقة السابعة انشاء الله وحقائق لن تمحوها الايام من ذاكرة التاريخ واسال الله ان اكون وفيا لتلك الدماء الطاهرة والغالية على قلب كل حر ابي ..

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com