حزب شيوعي لا ديمقراطي ليبرالي...!!

 نحو المؤتمر الوطني الثامن، من أجل حزب شيوعي قادر على التأثير وتغيير الواقع البائس

 محمد الكحط

mk_obaid@yahoo.com

نعم لقد تغير العالم وتغيرت العديد من المفاهيم وعلينا مجارات الواقع، وأن لا نبقى أسيري القوالب القديمة، خصوصاً الجامدة منها ولكن، هنالك من الخصائص التي تميز هذهِ الحركة السياسية عن تلك، سواءاً بفكرها أو نهجها السياسي، وبالضرورة الطبيعة الطبقية للمنتمين إليها.

فبماذا يتميز الحزب الشيوعي العراقي...؟

بكل ثقة يمكن الإجابة...بوطنيته، وأمميته، وبعلمانيته، وثوريته الهادفة إلى بناء الأشتراكية ونشد العدالة الاجتماعية، ودون ذلك يبدو لي على الأقل لا معنى لحمل شرف أسم ولواء الشيوعية.

وقد حافظ الحزب الشيوعي العراقي، ومازال بجدارة على هذهِ الميزات ولم يتراجع عنها، رغم الصعاب والظروف القاهرة، فحمل رفاقه الأمانة التاريخية وصانوها حتى الرمق الأخير.

ولا نريد الحديث مفصلاً عما يميز الشيوعيين عن التيارات والأحزاب والحركات السياسية الأخرى من ليبرالية وديمقراطية أو ديمقراطية أشتراكية وحتى من الأطياف السياسية الأخرى والمتنوعة، فذلك أمرٌ معروف وواضح لمن يهمه الأمر، ولكن ما يهمنا هنا مناقشته هو هل هنالك فروق جوهرية بين مشروعي النظام الداخلي والبرنامج الوطني التي طرحها الحزب للنقاش العلني وبين منهج الأحزاب الليبرالية أو غيرها؟  

أن الظرف المعقد جداً في العراق، وصعوبة المهام الملقاة على السياسيين وخاصةً الشيوعيين العراقيين، تتطلب الكثير من التدقيق والتمحيص قبل أتخاذ قرار معين على المستوى اليومي، فما بالك إذا كان الموضوع يتعلق بمسيرة طويلة ونظرة إستراتيجية بعيدة المدى.

فالظروف السياسية والأجتماعية والأقتصادية في العراق قد ساءت وتردت وعادت عجلة الحياة إلى الوراء، في حين أن العالم قطع أشواطاً فسيحة في رحاب التطور وركب الحضارة الإنسانية، نحن مطالبون بدراسة معمقة لواقع العراق وما جرى من تطورات في العالم، لنرسم بشكل واضح وصحيح أهدافا بعيدة المدى، وهدفنا البعيد علينا ((أن لا نخاف ذكره، ولا نضل ولا نعبث بهِ ولا نبيح لأنفسنا – ولا لغيرنا- أن يدعيه ويسلك سبلاً لا توصل أليه، - الكلام للرفيق الشهيد صارم-))، فهدف الحزب المعلن هو بناء الأشتراكية، ومن أجل هذا الهدف، لابد أن توضع الوثائق وهي النظام الداخلي وبرنامج الحزب الشيوعي العراقي على هذا الأساس وأن تخدم مسيرة تحقيق هذا الهدف، ونحن هنا إذ نستشهد بقول ما من الرفاق القدامى لا يعني العودة إلى تلك الفترة أو إلى تلك الطروحات القديمة ولكن هنالك من الأساسيات والتي خبرتها وجربتها الحياة، من الضروري الألتزام بها، فهل يمكن تحقيق الهدف الكبير الأشتراكية بحزب يبنى بشكل ليبرالي، وبعيداً عن الثورية...؟ والتي هي عصب لأي حزب شيوعي وليست حكراً عليهم.

أن مراجعة بسيطة لمشروعي البرنامج والنظام الداخلي يضعنا أمام تساؤلات صعبة، فكيف تعاملت الوثيقتان مع الواقع العراقي، والتطورات على الصعيد العالمي ومبادئ الحزب الأساسية، لنلقي نظرة بسيطة، الحزب حزب وطني مستقل، وهذا المبدأ مهم وجوهري ولابد من تأكيده بوضوح ولكن هذا لا يميزه اليوم عن عشرات الأحزاب السياسية التي تشكلت على الساحة العراقية والتي تدعي ببرامجها ونظامها الداخلي ونهجها كونها وطنية مستقلة.

 في فقرة مبادئ بناء تنظيم الحزب ونشاطه، المادة الأولى، النقطة الثانية تقول، (( وحدة الحزب، الفكرية والسياسية والتنظيمية، المبنية على الأسس الديمقراطية وعلى حرية الآراء والتنافس والتفاعل المتبادل بينها والأتفاق عليها، والتي تجد تعبيرها في وحدة الإرادة والعمل.))، هنا لا يوجد تغيير كبير عما سبق ولكننا نحتاج إلى تأكيد طبيعة الوحدة الفكرية والسياسية التي تشكل أساس وحدة الحزب، والتي طالما جرى الأستفسار عنها، ضمن المتغيرات الدولية الحاصلة، فالطرح بهذا الشكل يشعر القارئ وكأننا نتحدث عن أي حزب ليبرالي أو ديمقراطي وليس عن وحدة شيوعيين يجمعهم أتحاد طوعي ووحدة فكرية متفقٌ عليها. فالوحدة الفكرية هنا غير محددة المعالم، ولا واضحة ولم تطرح وفق منهجية معينة، تساعد القارئ على التدقيق فيها.

ولنقفز إلى مبدأ أساسي آخر وهو أممية الحزب، هذا المبدأ العظيم الذي على أساسه شيدت الأحزاب الشيوعية ولا نقصد بالأممية تلك العلاقات التي سادت الأحزاب الشيوعية ومبدأ يا عمال العالم أتحدوا ضد مضطهديكم، ونرى أنها تراجعت في النظام الداخلي إلى الخلف وعرضت للأسف بشكل بسيط في الجزء الأخير من المقدمة، (( يربي أعضاءه وجماهير الشعب بروح الأممية والتضامن بين الشعوب، ويسند حقها في تقرير المصير، وأختيار النظام الأجتماعي الذي تريد. ويقيم الروابط الكفاحية والتضامنية مع الأحزاب الشيوعية والأشتراكية والعمالية....الخ وهو كلام جميل لكنه لم يرق إلى درجة الوقوف بجبهة عريضة ضد سياسة القطب الواحد للرأسمالية، ولم يجر الحديث عن ضرورة عولمة نضال الشعوب ضد الرأسمالية، إلا في فقرة جاءت ضمن مشروع الوثيقة البرنامجية وفي الأجزاء الأخيرة من المقدمة وبشكل خجول تقول (( ويرى الحزب الشيوعي العراقي نفسه جزءاً من الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية، بأعتبار هذه العولمة تجسيداً لفرض الليبرالية الجديدة على الصعيد الدولي، عن طريق أعتماد العنف السياسي والتدخل العسكري لإخضاع العالم وشعوبه للإملاءات الأقتصادية والسياسية للأحتكارات والمراكز المالية العالمية الكبرى والدول الرأسمالية المتطورة، وما يعنيه ذلك من عسكرة العلاقات الاقتصادية الدولية، وتوظيف القوة العسكرية لتحقيق نتائج أقتصادية.))، فالوثيقة تشخص طبيعة السياسة الإمبريالية في عصر العولمة بشكل جيد لكنها تفتقر إلى تشخيص الأساليب النضالية التي يراها الحزب للتصدي والوقوف بوجهها من قبل الشيوعيين والديمقراطيين والتقدميين في العالم، وكيف نطور أساليب النضال، وإن كان الأمر يعنيه، فما دور الحزب الذي يمكن أن يؤديه في ذلك ؟ 

الحزب وضع في برنامجه مهاماً كبيرة وجليلة للمرحلة المقبلة وهذه المهام في ظروف العراق البالغة الصعوبة من كل النواحي، الأمنية والسياسية والأجتماعية والأقتصادية، وهو معرضٌ إلى المخاطر من قبل عدةِ أطراف، عراقية ودولية من قوى الإرهاب وعصابات بقايا البعث، ومن قوى سياسية قد تكشر عن أنيابها في أية لحظة، وفي ظل هذا الظرف وهذهِ التعقيدات نحتاج إلى حزب ثوري ذي تنظيم قوي صلب يمكنه أن يؤدي مهامه بجدارة ويتجنب الوقوع في شباك ومصائد العدو، ويمكنه من تجاوز المحن والصعاب وكل ما هو متوقع في العراق من أنتكاسات في العملية السياسية، فالحذر مطلوب، لذا فأن أستبعاد المركزية الديمقراطية في التنظيم تسمح بالفجوة التي من الممكن أن تربك عمل الحزب ضمن هذهِ الظروف، أن المبدأ قد تعرض دوماً إلى الإنتهاك بفرض المركزية وعدم إشاعة الديمقراطية وهذا عيبٌ في التطبيق وليس المبدأ نفسه، لذا فإذا كان لدينا حساسية من هذا المبدأ كونه كرس المركزية سابقاً فلنغيره إلى الديمقراطية المركزية، أي تلك المركزية التي تستمد قوتها من الممارسة الصحيحة للديمقراطية وبالتالي نعيد للمبدأ هيبته وخصوصاً في التطبيق وهو الأساس، نعم نحن اليوم لا نستطع أن نكره أحد أبنائنا في العاشرة من عمره على عمل شئ دون أرادته ولكن المناضل أمام ظروفٍ قاهرة عليه الألتزام بمركزية القرارات، مادام فيها سلامة وأمن المناضلين، و لربما بعد عقد وحينما يستقر الوضع في العراق يمكننا التخلي عن هذا المبدأ.

أن الحزب الشيوعي ملزمٌ بتغيير الواقع البائس لجماهير الشعب، ومن أجل أن يمكنه ذلك، عليه أن يكون حزباً ثورياً، أن حزباً مسلحاً بنظرية ثورية وتنظيماً جماهيرياً قوياً وحده القادر على تحقيق أهدافه في ظل ظروف كالتي يمر بها وطننا، فما أحوجنا في هذه الزمن إلى ذلك في العراق.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com