هل المواطن العراقي مستعد لتقبل الفيدرالية في الوقت الحاضر ام نحتاج الى وقت لتفعيلها...؟

د. فلاح اسماعيل حاجم

shami43@hotmail.com

قبل الاجابة على هذا السؤال لابد من الاشارة الى ان الفيدرالية ليست سلعة ليتم قبولها او رفضها. ان الفيدرالية , كما تقول نظرية القانون الدستوري , شكل الدولة المساحاتي, والذي يعتمد في الدول المتعددة الاعراق والطوائف والقوميات والاثنياوت بالشكل الذي ينظم العلاقة بين سلطات الدولة المركزية وسلطات مكوناتها الاخرى من اقاليم ومحافظات ودوائر ونواحي...الخ. وقد اثبتت التجربة التأريخية للدوّل التي اتخذت من الفيدرالية شكلا للدولة نجاعة هذا الشكل ليس في حل المسائل القومية والاثنية فحسب, وانما في اطلاق طاقات اقاليم الدولة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والاجتماعية وغيرها. في ذات الوقت لابد من الاشارة الى ان ثمة ترابط وثيق بين شكل الدولة (بسيطة او فيدرالية) وشكل الحكم فيها (رئاسي, برلماني, مختلط...الخ) ونظامها السياسي (ديمقراطي تعددي, او غير ديمقراطي). فالفيدرالية يمكنها ان تكون فاعلة ومفيدة في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية السياسية ويسعى لتأمين حقوق الانسان, الفردية منها والجماعية. بالمقابل فان اعتماد المعيار الطائفي في التأسيس للفيدرالية سيجعل من امكانية انهيارها امرا واردا, وبكل ما يحمله ذلك الانهيار من تداعيات تراجيدية ان كان ذلك بالنسبة لمكونات الدولة السكانية او بالنسبة لوحدة الدولة وسلامة اراضيها.

 اما بخصوص السؤال عن قبول المواطن العراقي لفكرة الفيدرالية او رفضه لها فانني اعتقد ان ذلك سيتوقف على الكيفية التي يتم فيها توضيح الفيدرالية للمواطن البسيط. فمشروع الفيدرالية سيواجه بالرفض من قبل المواطن العراقي فيما لو صوّرت له الفيدرالية على انها مشروع لتقسيم الدولة العراقية, وهذا ما يمكن ملاحظته في الخطاب السياسي لبعض القوى التي ذهبت الى استخدام الفيدرالية كواحدة من اوراق المتاجرة السياسية. في ذات الوقت تستخدم تلك القوى الدعاية ضد الفيدرالية لتأجيج وتعميق النبرة الطائفية ما يشكل الجانب الاكثر خطورة على سلامة نسيج المجتمع العراقي ووحدة اراضيه. على انه لابد من الاشارة ونحن بصدد الحديث عن الفيدرالية التذكير بانه صحيح ان الفيدرالية يمكنها ان تؤسس بناءا على تشريع صادر عن برلمان الدولة, لكن من المفيد التذكير ايضا بأن ذلك التشريع, اذا ما اريد له ان يؤسس لفيدرالية ناجحة ينبغي ان يكون تتويجا لسلسلة طويلة ومعقدة من الاجراءات العملية ربما يقف في المقدمة منها زيادة الوعي القانوني لدى المواطن وتأصيل الديمقراطية من خلال اشراكه في اختيار اجهزة السلطة المحلية (مجالس القرى والنواحي والاقضية والمحافضات....الخ). وربما كان لدراسة وتحليل تجربة اقليم كردستان في مجال التأسيس وتفعيل الاجهزة المحلية للسلطة اثر بالغ الاهمية في هذا الاطار. من هنا اعتقد ان اجتياز مرحلة انتقالية بين سن التشريع حول اقامة الاقاليم وانشاءها الفعلي سيكون ضروريا جدا في الحالة العراقية. فانشاء الاقاليم في ظروف الخلاف السياسي والطائفي المحتدم حاليا, وفي ظل وضع امني متردي, ربما سيكون له نتائج بالغة الخطورة.

 انني ارى ان الآجال التي وضعها مشروع قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم بموجب المواد (117/ثانيا ‘118‘119‘120‘121) من الدستور سوف توّلد (الآجال) اشكالات اكثر مما تطرحه من حلول. ففترة ثمانية عشر شهرا للبدء بتفعيل القانون المذكور تبدو قصيرة جدا ليس بالنسبة لبلد خرج للتو من اعتى دكتاتورية في العالم فحسب‘ وانما لدوّل قطعت اشواطا كبيرة في مجال البناء الدستوري . هذا من جهة ومن جهة اخرى فأن ربط مجالس المحافظات والتي تفتقر الى الحد الادنى من تقاليد ممارسة الديمقراطية بمواعيد قصيرة (من ثلاثة ايام الى شهرين) سيضعنا امام خطر فشل تجربة البناء الفيدرالي الوليد لدولتنا.

 من هنا ارى ضرورة تبني الاقاليمية شكلا انتقاليا لدولتنا‘ ما يمنحنا امكانية التأسيس لشكل متين يؤمن التعايش السلمي لمكونات الشعب العراقي المختلفة ويفتح الطريق امام التنمية الحقيقية والتغلب على الكثير من اشكالات المرحلة الانتقالية. ولنا في تجربة ايطاليا واسبانيا اللتين اتخذتا من الاقاليمية شكلا للدولة مثلا ساطعا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com