من مدرسة رمضان نتعلم

 د. عباس العبودي

al.aboudy@btinternet.com

(أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة 183

مدرسة رمضان مدرسة عظيمة لمن اراد ان يتعلم منها ويعلم فيها-فهي الفرصة الذهبية التي تمر على الانسان وباستطاعته ان يغنم منها الكثير ويخرج منها بنتائج ايجابيةعلى ثلاثة اصعدة

1- علاقة الانسان بالله

2- علاقة الانسان باسرته وبمجتمعه

3- علاقة الانسان بنفسه

فالصيام زكاة للنفس ,و رياضة الجسم ،وتربية للروح وانعكاسه الايجابي على المجتمع . لان في الصوم تحرير من عبودية الانا والهوى الى عبودية المطلق سبحانه ,وتنعكس هذه العبوديو الحقيقية ممارسة سلوكية اخلاقية على صعيد الاسرة والمجتمع

فالصوم يحدث لصاحبه ملكة المراقبة لله تعالى و الحياء منه سبحانه ، و في هذه المراقبة أكبر معد للنفوس و مهئ لها السعادة في الآخرة الاستقامة وفي الدنيا . أنظر هل يقدم من صدق مع الله في صومه وراقبه فيه مخلصا على غش الناس و مخادعهم ؟ هل يسهل عليه أن يراه الله آكلا لأموالهم بالباطل ؟ هل يحتال على الله في منع الزكاة ،أم هل يحتال على أكل الربا؟ هل يقترف المنكرات جهارا أم يسدل بينه و بين الله ستارا ؟.كلا إن صاحب هذه المراقبة لا يسترسل في المعاصي إذ لا يطول أمد غفلته عن الله و إذا نسي و الم بشيء منها كان سريع التوبة. فمدرسة رمضان تعطي للانسان زخما كبيرا للبناء الايجابي ,زتمنحه الفرضة الذهبيى للعودة الحقيقية الى الله والى نفسه والى مجتمعه , حينما اذكر الصائم وهو ليس صوم الانقطاع عن الاكل والشرب وانما الصوم الحقيقي الذي يجعل الانسان الصوم مدرسو تتكامل فيها كل الصفات الانسانية والقييم الاخلاقية في نفسه –اي صوم الجسد والجوارح عن كل ماحرم الله وانعكاس ذلك الصوم على الصعيد الفردي والاجتماعي بحالة ايجابية تشكل له زخكا وقوة معنوزية لمواجهة كل التحديات الصعبة ,لذلك فان الصوم الايجابي هو الصوم الذي يحقق مايلي:

1- تقوية الجانب الروحي عند الانسان الصائم

يتكون الانسان من جسد وروح كما اشار القران الكريم (إذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).الحجر 29. فالصوم يقوي الجانب الروحي لكيلا يطغي عليه الجانب المادي الحسي. وإذا قويت الروح ازدادت صلتها بالله سبحانه وتعالى, ونلاحظ ان شدة الارتباط بالله تعالى ادت بالانسان الصائم ان يتحدى كل الصعاب ويحقق النصر على رغم قلة العدة والعدد في معركة بدر {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }الأنفال9..

2-الوصول الى مرحلة التقوى :

فالتقوى هي الحالة التي يصل بها الانسان من خلال الترويض والتربية الى موقع ان يكون في موضع طاعة الله في كل جوانب حياته ويبتغد عن كل داءرة فيها معصية الله وان كانت صغيرة جدا فالتقوة هي ان يجدك الله في مواضع الطاعة ويفتقدك الله في رمواضع المعصية

3-تربية الإرادة:

يتميز الإنسان عن سائر المخلوفات بعقله الذي يفكر ويتدبر ويريد.. ويفعل وفق رضاه واقتناعه.. ومن الناس من يجهل تلك الحقيقة فيعيش تابعا لغيره يقلده في النافع والضار.. ومن هنا كان دور الصوم في تربية الارادة الذاتية للانسان حيث يوقظ الضمير ويعوده علي الالتزام المنظم بسلوك معين قد لا يوافق رغبة الانسان الطبيعية. لقد نادي علماء معاصرون بالصوم كأسلوب لتكوين الشخصية وتربية الارادة وقد سبق للاسلام هذا فنادي في الشباب بالتحكم في غرائزهم وتوجيه إرادتهم بواسطة الصوم يقول النبي (ص): (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). وفي رواية اخرى(.صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن حر الصدر) وفي رواية اخرى ( لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصوم نصف الصبر).

وإنما كان الصوم نصف الصبر لأن في الإنسان قوي ثلاثا: قوة شهوية كالتي في البهائم وقوة غضبية كالتي في السباع وقوة روحية كالتي في الملائكة فإذا تغلبت قوته الروحية علي احداهما كان ذلك نصف الصبر. وفي الصوم يتغلب المسلم علي قوته الشهوانية من بطن وفرج فكان الصوم حقا نصف الصبر إن الاسلام ليس دين استسلام وخمول بل هو دين جهاد وكفاح متواصل واول عدة للجهاد هو الصبر والارادة القوية فان من لم يجاهد نفسه هيهات أن تجاهد عدوا ومن لم ينتصر علي نفسه وشهواتها هيهات أن ينتصر علي عدوه ومن لم يصبر علي جوع يوم هيهات أن يصبر علي فراق أهل ووطن من أجل هدف.. والصوم بما فيه من صبر وفطام للنفوس من أبرز وسائل الاسلام في إعداد المؤمن الصابر المرابط المجاهد في سبيل الله.

4-تعريف بالنعم التي انعم الله بها علينا :

ومن حكم الصوم أنه يعرف المرء نعم الله تعالي فالإنسان إذا تكررت عليه النعم قل شعوره بها والنعم لا تعرف الا بفقدانها فالحلو لا تعرف قيمته الا لمن ذاق المر والنهار لا تعرف قيمته إلا اذا جن الليل وبضدها تتميز الأشياء.ففي الصوم معرفة لقيمة الطعام والشراب والشبع والري ومن أجل ذلك ورد عنه (ص) (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت: لا يارب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت اليك وذكرتك واذا شبعت شكرتك وحمدتك.)

5-التذكير بحرمان المحرومين:

ومن أسرار الصيام الاجتماعية أنه تذكير عملي بجوع الجائعين وبؤس البائسين، تذكير بغير خطبة بليغة ولا لسان فصيح تذكير يسمعة الصائم من صوت المعدة ونداء الأمعاء فإن الذي نبت في أحضان النعمة ولم يعرف طعم الجوع ولم يذق مرارة العطش فلعله يظن أن الناس كلهم مثله وانه مادام يجد فالناس يجدون ومادام يطعم لحم طير مما يشتهي وفاكهة مما يتخيرون فلن يحرم الناس الخبز والبقول فلا غرو أن جعل الله من الصوم مظهرا للمشاركة الصحيحة والمساواة الكاملة وجعل الجوع ضريبة اجبارية يدفعها الموسر والمعسر ويؤديها من يملك القناطير المقنطرة ومن لا يملك قوت يومه حتي يشعر الغني أن هناك معدات خالية وبطونا خاوية واحشاء لا تجد ما يسد الرمق ويطفئ الحرق فحري بإنسانية الانسان واسلامية المسلم وايمان المؤمن ان يرق قلبه وان يعطي المحتاجين وأن يمد يده الي المساكين فإن الله رحيم وإنما يرحم من عباده الرحماء وصدق رسول الله (ص) (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء). وقد روي – أن النبي يوسف (ع) كان يكثر الصيام وهو علي خزائن الأرض بيده الماليه والتموين فسئل في ذلك فقال: أخاف اذا شبعت أن أنسي جوع الفقير.

6-العبودية الكاملة لله:

وفي الصوم قبل ذلك وبعد تمام التسليم لله وكمال العبودية لرب الناس ملك الناس اله الناس وهذه الحكمة هي القدر المشترك في كل عبادة والهدف الأسمي من كل فريضة ولن تكون العبادة عبادة ولا العبد عبدا إلا بها. يقول رب العباد: امرت ونهيت ويقول العباد سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. وما أظهر هذا التسليم والعبودية في الصوم خاصة فالصائم يجوع ويعطش وأسباب الغذاء والري أمامه ميسرة لولا خشية الله والرغبة في رضاه ولهذا نسب الله الصيام الي حضرته وتولي جزاء الصائمين بنفسه فقال: كل عمل ابن آدم له الا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه من أجلي ويدع شرابه من أجلي ويدع - لذاته من أجلي ويدع زوجته من أجلي.

7-تقوية البدن:

ومن حكم الصيام وفوائده تقوية البدن والمحافظة علي الصحة يقول النبي صلي عليه وسلم" صوموا تصحوا ذلك لأن المعدة بيت الداء ولابد أن يبدأ العلاج الوقائي منها. يقول النبي صلي الله عليه وسلم: ماملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. ومادامت المعدة مصدر الداء وبيان ومادام إفراغها من الطعام يفيدها ويفيد الصحة فإن الصوم فرصة كبري لتنظيم المعدة وتنسيق الاستفادة بها لكي تتقوي وتنشط وتستمر في أداء وظيفتها الحيوية للانسان.

8-تربية الانسان الصائم على الصبر

الصبرالايجابي :هو انتصار الارادة على الشهوة والنصر دائماً مع الصبر، والإعداد الجيد، والتخطيط الهادف، وليس مع التعجل والتسرع اللذين يضيعان كل شيء على مستوى الأفراد، والشعوب والأمم، من هنا فإن شهر الصبر له علاقة بالنصر، ولذلك ربط الله تعالى بينه وبين نصر الله ونزول ملائكته فقال تعالى: { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى" لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } [ آل عمران : 125

فالصوم يروض الانسان ويربيه خلال شهر كامل على الصبر والتحمل، كما يروضه على التحدي لشهواته وملذاته، فتصبح إرادته قوية بالله تعالى، غير خاضعة لأهوائه، ولا أهواء أحد، وذلك لأن المعارك لا تحسم في ساحة القتال فقط، بل تحسم في ساحة الصدور، وميدان النفس، فالنفوس المنهزمة داخلياً هي التي تنهزم في ساحة القتال، بل قد لا تجرؤ على الدخول في الساحة أصلاً، وتضحي بكل شيء في سبيل أهوائها وشهواتها ومصالحها.روي عن امير المؤمنين(ع) ( ميدانكم الاول انفسكم

فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز,فجربوا معها الكفاح اولا)

والصبر يعلم الأمة التضحية بالشهوات في سبيل رضاء الله تعالى

ويعودها تجويع أنفسها في سبيل كرامتها، ومن هنا تسقط أمامها أكبر التحديات المتمثلة في التحدي الاقتصادي، هنا يتدخل الصوم فينادي: لا وألف لا، فلن نخضع لشهوات البطن ونضيع كرامتنا وحقوقنا، فأنا أروض المسلم على أن يصوم ثلاثين يوماً، أي يوفر 50% من الغذاء بل أكثر من ذلك لو التزمت الأمة بمنهج الإسلام في الإنفاق (دون إسراف ولا تبذير).ولكن مع الأسف، ضاع هذا الهدف النبيل في خضم تباهي المسلمين بالأكلات والمشروبات في شهر رمضان الفضيل، حيث يصرف الفرد على الغذاء ونحوه في هذا الشهر أضعاف ما يصرفه في بقية الشهور!.

 

9-الصوم هو الطريق إلى النصر

الآيات التي تحدثت عن الصوم حملت في طياتها برنامجاً كاملاً ومنهجاً متكاملاً للتربية الصحيحة للوصول بالأمة إلى النصر المبين، من خلال استحضار العوامل السابقة في داخل النفس وتحولها الى مشروع عمل ايجابي على الاصعدة الثلاث التي ذكرنها ,نكوون بذلك قد هيئنا المستلزمات الاساسية للنصر في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية.

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7

10-تقوية العلاقة بالقرآن الكريم وتدبر آياته والسعي للعمل به

لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21]

رمضان هو ربيع القران والقرآن أهم مصدر للشريعة الإسلامية، وهو الدستور الرباني الذي ينبغي أن نعيش الصراحة التامة معه، لأنه لا يتقبل إلا الإنسان الصريح، وينبغي أن نعيش الانفتاح التام على القرآن، لأنّ القرآن لا ينفتح أمام الإنسان المغلق، ينبغي أن نتكاشف مع علوم القرآن، لأننا بهذا التكاشف الصادق معه نصل إلى كنوزه العلمية، وتظهر لنا روائعه الكثيرة، التي لو بحثنا عنها وتوصلنا إليها ورضنا أنفسنا عليها وضحينا من أجلها، لكنا سادات الأرض والسماء. فهل يقود القرآن مسيرة حياتنا أم هو مظلوم بيننا، مهجور فينا، مقصىً عن ركب الحياة الذي يسير بنا على غير هدى ولا كتاب منير؟!.لقد حذرنا الإمام علي (ع) منذ أربعة عشر قرناً من أن نصل في تعاملنا مع القرآن إلى الحالة التي نحن عليها اليوم بقوله: (الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم)

واخير نقول:

فالشقي من حرم الاستفادة من هذا المدرسة المباركة ونهل من عطائها الثر ( والشقي من حرم غفران الذنوب في هذا الشهر العظيم.)

نسالكم الدعاء والحمد لله رب العالمين

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com