رسالة مفتوحة الى المثقفين العراقيين المقيمين خارج الوطن

يوسف أبو الفوز / سماوة القطب

fawz77@hotmail.com

مع فائق التحية والاحترام

في الايام الاخيرة، وصلت الى صندوق بريدي، عبر العنوان الاليكتروني، العديد من الرسائل المتبادلة بين العديد من المثقفين العراقيين المقيمين خارج الوطن، الذين تربطني بهم وشائج صداقية، وعلاقات خاصة، بعضها علاقات تتعدى الزمالة والرفقة، وتصل مستوى العلاقات العائلية الحميمة. ولعمري ان هذا اسلوب مستحب ومطلوب لتبادل الاراء وتمحيص الافكار، ولطالما اثنيت عليه شخصيا في رسائلي المتبادلة مع الكثير من الاحبة من المثقفين العراقيين. الرسائل الاخيرة، التي وصلتني موقعة من اسماء عزيزة لها حضورها الفاعل على الساحة الثقافية والسياسية، تنادت فيما بينها للدعوة الى نشاطات معينة للمثقفين العراقين، اهمها الدعوة لتشكيل اطار ثقافي يضم ويلم المثقفين العراقيين خارج الوطن. وبحكم كوني منفي قسرا خارج وطني العراق منذ كان الديكتاتور المجرم صدام حسين لا يزال في موقع " السيد النائب " قبل ان يتحول الى موقع " السيد القائد " ـ حفزه الله ـ فاني اشعر بحساسية خاصة ضد مفردة " المهجر" ولا اميل لاستخدامها واميل لاستخدام تعبير " خارج الوطن " وان كنت اميل اكثر لاستخدام كلمة " المنفى ".

 احبتي...

لم تكن هذه الدعوات جديدة عليّ ـ ولا اظن على الكثيرين غيري ـ، اذ انها تتواصل، وباشكال مختلفة، منذ فترة طويلة سبقت سقوط النظام الديكتاتوري، وكان ان شكلت كذا لجنة تحضيرية، بعضها ولد ميتا للاسف، وبعضها اجهض لاسباب مختلفة، وايضا اعلن عن تأسيس كذا اتحاد او تجمع ثقافي، ولم تبرزعلى ارض الواقع اي نتيجة ملموسة بالنسبة لمثقفينا العراقيين، ولابناء شعبنا المتطلعين لدور اكثر نشاطا وفعالية للمثقفين العراقيين، خصوصا المقيمين خارج الوطن لانهم يعيشون في ظل ظروف هي افضل بكثير من الظروف التي يعيشها ابناء شعبنا، والمثقفين منهم، الموجودين داخل الوطن. اذ لم نر مؤتمرا ثقافيا او مهرجان او مائدة مستديرة او اعتصام او امسية او مطبوع ثقافي صدر يحمل توقيع اي من هذه العناوين التي اعلن عنها والتي صرف لاجلها الجهد والوقت، والتي لم يتجاوز واقع نشاطها في افضل الاحوال سوى الجلسة الاولى والاعلان عنها، وحتى وان حصلت بعض النشاطات فهي سرعان ما انطفأت بعد ان نفذت نشاطا بسيطا محدود التأثير ولا يكاد يذكر، وظلت هذه التجمعات مجرد اسما لوجود وهمي، يصدر بيانات بين الحين والاخر، بعضها موقع بأسم شخص فرد هو بالحقيقة الرئيس والهيئة القيادية والقاعدة والجماهير.

اين يكمن السبب ايها الاصدقاء؟ هل هو حقا يكمن في ذات المثقف العراقي، كما يشيع البعض ويلصق به اوصاف سلبية مثل الانانية والنرجسية والتقوقع والبعد عن الواقع الملموس والخ؟ او يكمن في حساسية بعض المثقفين، كما يقال؟ او انفضاض الجمع عند تلمس رغبة البعض لاستغلال هذه الدعوات لتبوأ مقاعد الرئاسة والوجاهة والاستعداد للزحف باتجاهها لخطف الاضواء، كما يسخر البعض همسا او علانية او بالتورية؟ او في التحزب عند هذا وذاك والتخندق الايدلوجي وخلط السياسة بالثقافة، كما يحتج الكثيرين؟ او في رغبة البعض لطمر ماض ما يظنونه مجهولا ويعمدون لاستغلال هذه الفعاليات ولبس قمصان الديمقراطية والوطنية، كما يتهم البعض بهمس او بصوت عال؟ ام ان هناك حقا عشرات الاسباب الموضوعية التي يتطلب التوقف عندها بجدية ودراستها وايجاد الحلول لتجاوزها؟؟

لا نستطيع ابدا تجاهل ان هناك اصوات مشككة كثيرة عند بدأ اي نشاط او خطوة لبدأ اي عمل ثقافي من اجل لم جهود المثقفين العراقيين في اطار تنظيمي ثقافي واحد، وهذا التشكيك والتحفظ يخضع لاسباب عديدة، بعض الاسباب من الممكن التوقف عنده ومناقشته والبعض يتطلب تجاهلة واهماله لان في ذلك مضيعة حقيقة للوقت. ويكتب لك البعض وجهات نظره ويريد منك ان تحتفظ بسرية مكاتبته لك، ولا تعلن اراءه للاخرين، ولكنك تجد في وجهات نظره بعض الحق وربما كثير من الحق، فتحار لم الخشية من اعلان وجهة النظر بصراحة ان كانت صحيحة وعملية؟ وبسبب ظروف صحية ومشاغل حياتية تجد نفسك تتأخر عن اجابة رسالة من مثقف عراقي، لك معه علاقة طيبة كما تحسب، فتجده يفكر نيابة عنك ويرسل لك غامزا اياك ـ وغيرك ـ لتأخرك في الرد ويشير الى ظنه كونك امسكت عن الكلام واتخاذ موقف من الرد عليه لسبب لا علاقة له بالثقافة!! مثقف اخر وهو صاحب "مبادارت ثقافية " لم يكتب لها النجاح رغم حيويتها، واذ يدلو بدلوه في المراسلات المتبادلة، ويؤيد تلك الدعوة او هذه، لا يتورع عن الغمز ووصف معارضيه " السابقين "، الذين اختلف معهم، بصفات ساخرة اسفزازية لا تتناسب مع الشكل الذي يقدم به نفسه، ولا تتلائم مع روح الدعوة المفترض ان الديمقراطية فضاءها والتسامح روحها!

وبعد...

اين يقف المثقف العراقي من هذا كله؟

 منذ ان سلكنا درب الكلمة، ووعينا دورها البناء والمسؤول في هذه الحياة، ونحن نسمع عن الصعوبات في العمل بين اوساط المثقفين، بل وعن تعقد شبكة العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، وشخصيا لا اعتبر هذا مثلبة لاي مثقف ـ وانا اتحدث هنا عن المثقف العراقي الديمقراطي النزيه الذي لم يلوث شرفه الانساني والثقافي بالعمل بأي شكل كان في مؤسسات البعث العفلقي الفاشي التي سامت شعبنا الويلات والعذاب ـ، بل ارى ان ما يقال عن تفرد المثقف دلالة على هذا التنوع الزاخر بوجهات النظر واستقلالية الشخصيات بحيث لا يمكن ان يحصل توافق وانسجام تام بسبب من عوامل متشابكة، بحيث يصل احيانا الى حد الاستحالة عند تدخل عوامل غير ثقافية، ونجد مثل هذا حتى بين اصحاب المدرسة الفكرية الواحدة وحتى ابناء الحزب الواحد!

ولكن امام كل ما يجري في الوطن من تطورات واحداث، والمهام المطلوبة من المثقف العراقي المقيم خارج الوطن، ليساهم في اعادة بناء واعمار الانسان العراقي، ايبقى الامر مثلما هو؟ ايبقى المثقف العراقي يعمل بمفرده دون ان يجد لنفسه مؤازرا؟ ودون ان يلتفت زملاءه الى جهوده ويعاضدوه وينضموا اليه، وينضم اليهم في انجاز المزيد وتقديم الافضل؟ هنا عليّ ان اعزز كلامي بأمثلة محددة بدل الحديث بالعموميات، ولن اتحدث عن امثلة تخص اخرين خشية سوء الفهم، وهو واحد من اسوأ امراض الوسط الثقافي، سأتحدث عن تجربتي الشخصية. في نيسان الماضي من هذا العام، تم انتخابي الى عضوية الهيئة القيادية لواحدة من اعرق المنظمات الثقافية الفنلندية، والتي تضم في عضويتها ابرز الشخصيات الثقافية في فنلندا، وما عدا بعض الاصدقاء الحميمين، مثل الصديق العزيز، الكاتب المثابر، عبد المنعم الاعسم، والمبدع قيس قره داغي، الذين كتبا عن ذلك ونوها اليه في اكثر من مكان، وبعض برقيات التهنئة والاتصالات التي وصلتني، وكانت كافية جدا لتعطيني المزيد من العزم لمواصلة العمل والنشاط، فأن خبر انتخابي، وكأول كاتب من الشرق الاوسط يصل الى هذا الموقع المذكور، لم يشكل شيئا للكثير من المثقفين العراقيين. كنت اتوقع ان يصلني سيل من البرقيات وكلمات التهنئة والاستفسارات، ليس لسبب ذاتي، بل لان كاتب عراقي استطاع ان ينجز شيئا ما لاسم العراق وللمثقفين العراقيين، ففي الوقت الذي راحت وسائل الاعلام الفنلندية تتابع وتسجل الامر كحدث متميز فأن زملائي مر عليهم الخبر وكأن لا شيئا كان! ربما تخطر للقارئ الكريم عشرات الاسباب تقف خلف هذا الاهمال، بعضها ربما ليس لصالحي وبعضها ليس لصالح من اعنيهم بكلامي، ولكن في كل الاحوال، وارتباطا بهواجس هذه الرسالة الصريحة والمفتوحة وهمومها، فأنا اعتقد ان غياب الاطار الثقافي للمثقفين العراقيين، الذي يخلق تقاليد عمل، ويعمم التجارب ويبين محاسنها ويطورها ويخلق روح التضامن والعمل الجماعي كان اهم الاسباب بل ويتقدم عليها كلها.

وبعد...

هل نترك كل شئ كما هو عليه؟ هل نترك المثقف العراقي يحمل صخرته لوحده صاعدا بها الجبل ليتدحرج كل مرة الى الاسفل ويجد نفسه يعيد الكرة من جديد وحيدا؟

هل المطلوب فعل شيئا ما؟ الجواب بالتأكيد هو نعم، بل وانا اعتقد يجب فعل اشياء كثيرة ومتنوعة، ولهذا فان اصحاب الدعوات لقيام اي نشاط ثقافي يساهم في جمع شمل المثقفين العراقيين في اطار ما، هي اصوات تستحق التثمين والاشادة والتقدير ويتطلب معاضدتها، لانها تنطلق من احساس عال بالمسؤولية، ومن ضرورة ان ياخذ المثقف العراقي دوره، وان يكف عن ان يكون تابعا وبوقا اعلاميا للسياسي الذي اوصل بلادنا الى ما عليه الان.

ولكن ما العمل؟

لقد نجحت مؤسسة المدى في انجاز فعاليات ثقافية متميزة وتمكنت من لم حشد كبير من المثقفين العراقيين في كوردستان العراق، في الصيف الماضي من هذا العام، لعوامل عديدة، اهمهما وفي مقدمتها، هو ان الفعالية نظمتها مؤسسة ثقافية لها خبرة ثرية مشهودة في النشاط الثقافي، وخلف هذا النشاط كانت تقف حكومة كوردستان بكامل اجهزتها المالية والادارية والثقافية والسياسية. فهل توجد مثل هذه الامكانية لتوفير تمويل كاف لفعالية يساهم فيها ولو ثلاثين مثقفا، حتى لو اتفقنا بان الجميع سيتحملون نفقات سفرهم واقامتهم؟؟ وفيما لو ـ افترض فقط ـ اقول لو توفر الممول المناسب لتغطية نفقات سفر واقامة عشرين مثقفا لعقد تجمع ثقافي لاعلان تشكيل اطار ثقافي، كيف سيمكن التوفيق لارضاء عشرات الاسماء التي تظن انها هي وحدها المؤهلة للحضور والمساهمة؟؟

وما المطلوب اذن؟

باعتقادي ان المطلوب هو انجاز فعاليات ونشاطات ثقافية واقعية تتلائم مع الامكانيات المتوفرة، وكمثال اتفق مع ما اشار واقترحه الصديق عبد المنعم الاعسم وذلك بانجاز ايام ثقافية عراقية على غرار ما يفعله مثقفي شيلي خارج بلادهم، وامامنا تجارب ناجحة لايام ثقافة عراقية تنظم كل عام في بعض البلدان الاوربية، وكمثال الايام الثقافية العراقية في ستكهولم عاصمة السويد، التي يشرف عليها وينجزها نادي 14 تموز العراقي. يمكن التنسيق مع هذه الفعاليات لتوسيعها ولتكون اكبر وارحب ولتساهم في التأسيس لعملية " تفكيك الحواجز الفكرية والسياسية الصارمة التي نتحرك فيها " ومن اجل " تأسيس ثقافة الحوار والتنوع والجدل " ـ على حد تعبير الصديق عبد المنعم الاعسم ـ، واضيف ان هذه الايام الثقافية يمكن ان تكون حواظن طيبة لتعقد على هامشها اجتماعات ولقاءات للجان ثقافية وفكرية مختصة تساهم في بلورة اوراق عمل في اطار السعي لتوحيد وتجميع ما هو موجود حقا من تجمعات ثقافية منفردة وصغيرة بحيث تضم جهودها الى بعضها البعض لتشكل مع بعضها اطارا موحدا شاملا لكل المثقفين العراقيين خارج الوطن.

المطلوب هنا ـ كاقتراح خاضع للمناقشة ـ هو تشكيل لجنة تحضيرية فاعلة لاعداد وثائق رصينة، بالاستفادة من التجارب السابقة وتجارب الاخرين في المحيط الذي نعايشه، تبحث في شكل الاطار الشرعي الذي سيجمع المثقفين تحت خيمته ويوحد جهودهم ليساهموا بشكل افضل في خدمة قضية الوطن. وتأخذ اللجنة التحضيرية المقترحة على عاتقها توجيه نداء مفتوح والمبادرة للاتصال بكل التجمعات الثقافية المعلن عنها والتنسيق معها للتعاون والعمل لتشكيل الاطار الثقافي المؤسساتي لكل المثقفين العراقين خارج الوطن.

هذا الاطار الثقافي يجب ان يكون مستقلا لا يخضع لاي حزب عراقي ولا لاملاءات من اي طرف في الحكومة العراقية، ولا يخضع سوى لسلطة القانون ومصلحة الثقافة الوطنية.

والحديث هنا عن الاستقلالية يجب ان لا يكون امرا شكليا للاستهلاك والدعاية، فقد شبعنا احاديثا عن الاستقلالية، لاننا لا نريد ان نجد ان ثمن الكباب والشاورما، التي كانت على عشاء الاجتماع الفلاني ودفعت ثمنه الجهة العلانية في البلد الفلاني، له ما يقابله في صياغة قرارات الاجتماع الفلاني وفي ابسط الاحوال استبعاد هذا الاسم واستقدام ذاك الاسم تلبية لرغبة سعادة المتنفذ العلاني، الذي دفع ثمن الكباب والشاورما. نحن بحاجة لاطار ثقافي مستقل عن تأثير اي حزب او وزير او مسؤول. نحن بحاجة لاطار ثقافي يترك فيه اعضاءه بطاقاتهم الحزبية وميولهم الطائفية والسياسية في بيوتهم عند حضور اي اجتماع، ولا يحملون معهم سوى بطاقة انتماءهم للوطن ولقضية الشعب والثقافة الديمقراطية الوطنية. نحن بحاجة لاطار ثقافي يعمل فيه جنود مجهولين يكرهون الاضواء والاستحواذ على الكراسي، واصدار التصريحات حول علاقة الحداثة بارتفاع اسعار معجون الطماطة. نحن بحاجة لاطار ثقافي يساعد المثقف العراقي لايصال رسالته الاجتماعية والانسانية للمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي جديد. نحن بحاجة لاطار ثقافي يستطيع فيه اي مثقف ان يشعر بأن صوته مؤثر وفاعل ويصل الى كل مكان وان مؤسسات الدولة والمجتمع تسمع صوته وتخشاه وتحسب لوجوده الف حساب، مثلما هو الحال في البلدان المتمدنة، وليس موجودا فقط كديكور مكمل لمسرحية الديمقراطية التي يتقاسم في بلادنا وببراعة ادوارها التراجيكوميدية اهل السياسة مستخفين بمستقبل الاجيال القادمة. كُتبت عشرات الرسائل ووجهت الى رئيس الجمهورية والى رئيس الوزراء والى مختلف الوزارات، واني اشك بكون ان هذه الرسائل قُرأت ولو من مستشاري الشخصية المعنية، وهاكم امامكم عشرات رسائل الاستغاثة من اجل الحفاظ على حياة كذا اسم من خيرة المثقفين العراقيين، الذين يواجهون مشاكلا صحية عويصة، ولم نجد اي تحرك شامل وكامل جاد، ماعدا حالات قليلة منفردة. نحن بحاجة لاطار ثقافي يعمل كمؤسسة يٌنظر بعين الجد والاهتمام لرأيها واقتراحاتها وتعمل بكفاءه للدفاع عن حقوق منتسبيها الذين يؤدون واجباتهم الثقافية بأبداع ومسؤولية.

وقبل كل ذلك ايها الاصدقاء نحن بحاجة لان نتسامى على ذواتنا، وان نتمسك بصداقاتنا، ونسند بعضنا البعض، بروح المحبة والتسامح واحترام الرأي الاخر، من اجل نجاح هذا العمل واقامة هذا الاطار الثقافي، وان تكون قضية العراق الديمقراطي الفيدرالي والثقافة العراقية المتسامحة فوق كل شئ، وفي مقدمة كل شئ.

مع محبتي واحترامي

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com