صحيفة الماجدي ............................ جمعة اللامي
جمعة اللامي
sharjah_misan@yahoo.com
“أين أستطيع أن أجِد روحاً عنيدة بآلاف
الجراح مثل روحي، لكي تستمع لاعترافي؟”
(كازانتزاكيس تقرير الى غريكو)
وهو يستعد لاستقبال ملاك الموت، كتب نيكوس كازانتزاكيس عن القوة التي كان يستمد منها قوته كلها: كمشةُ تراب يوناني.
“بهدوء وإشفاق اعتصر كمشة من التراب الكريتي في راحة يدي. كنت أحتفظ بهذه التربة معي دائماً، خلال تجوالي. فأنا اضغطها في كفي في لحظات الألم الكبير، فأستمدّ منها القوة، القوة العظيمة، كأنني استمدّها من الضغط على يد صديق حبيب وغال”.
حفنة من تراب، هي الوطن.
لكن كازانتزاكيس يربط ما بين الصداقة العظيمة والوطن، حيث كانت “يد صديق حبيب وغال” تمدّه بالقوة ذاتها التي تقدمها له حفنة التراب اليوناني.
وهكذا هو: أبوعلي حسن الماجدي.
هنا، لابد من توضيح سريع: ليس الماجدي هو كازانتزاكيس، وأنا أكيد بأنه لم يعرف هذا اليوناني البديع، لأن الماجدي عربي اليد، عربي اللسان، عربي القلب والروح، وعربي الضمير.
هذه هي خصوصية، مثلما للألماني خصوصيته الثقافية. وكذلك هي للياباني والروسي والماووري والصيني والهندي الأحمر. ومن بين ذلك الركام الهائل من المواضي والقصائد والكرم والهزائم والبكاءات، كان الماجدي يتعرف إلى اختياراته.
يسألني بعض الناس: من هو الماجدي؟ ورغم أني عرفت الرجل عندما كان فتى، وشاباً، وكهلاً، وعجوزاً، فهذا السؤال يباغتني. تعال معي واشبك يدك بيدي لأقول لك: أنا أيضاً، الذي عرفته منذ حقب، وقدمته في تلك الرواية القصيرة: “الثلاثية الثالثو” يستحيل عندي مثل حلم.
لقد وقفت مُبلبلاً ذات يوم عندما قرأت مقطعاً من قصيدة لشاعر ألماني يقول فيها: إنني لحظة حلم في إغفاءة قصيرة لخالق عظيم كان “ريلكه” يقصد شخصاً فناناً بمستوى الشعراء الذين هم الشعر ذاته، او الكلمة التي تقال الآن، وتواً، وللمرة الأولى.
وهكذا هو الماجدي، أبوعلي حسن الذي من طيء، حفنة من تراب بحجم آجرة، لكنها توازي الارض، وتزيد على الأكوان. فكيف تكون نظرة هذا الرجل الى الدنيا واختلالات الرجال الذين يشبهون ديكة تبحث بأقدامها في موقد نار انطفأت منذ دهور؟
ان من يعرف التراب يعرف نفسه. ومن يعرف أنه هو التراب، يدرك ان التعريفات السهلة لا مكان لها في لغة كائن انساني، هو جزء من حركة الأكوان كلها، إذا لم يكن هو بؤرتها.
وذلك هو الماجدي.