|
ليعتذر البابا عن الجرائم التي إرتكبت وترتكب بإسم الإسلام أيضاً فينوس فائق كانت عمتي تحدثنا عن مباديء الفضيلة والتسامح والرحمة وغيرها من القيم والمباديء الإنسانية السامية، وتقول أن هذا كله مذكور في القرآن، حيث كانت في قرارة نفسها تحمل قناعة تامة بأن الدين الإسلامي فقط هو الذي يدوعوا إلى هذه القيم الإنسانية النبيلة وكانت تردد عشرات الآيات القرآنية التي كانت تحفظهاعن ظهر قلب، وغالباً لم تكن تفهم محتوى النص القرآني، لأنها كانت أصلاً أمية ولأنها لم تكن تفهم اللغة العربية نهائياً، لكنها حفظت الآيات بمساعدة أبناءها، فهي ولدت وترعرعت في بيت قائم على المحبة والفضيلة والإيمان وحب والخير ونبذ الشر وقد تعلمت على يد والدها الأمي هو الآخر كل مباديء الخير والشر والحسنات والفضائل وهو الذي علمها أن أساس هذا كله هو الدين الإسلامي..و أهم ما كانت تردده علينا هو مبدأ التسامح والعفو عند المقدرة وكيف أن الإعتراف بالخطأ فضيلة.. لم تعمر عمتي طويلاً فقد توفيت عن عمر 63 عاماً، ولم تعش أيام حكم الدكتاتور صدام حسين، لكنها كانت تحكي لنا عن الزعيم عبدالكريم قاسم، وكيف أنه لم يكن يستحق النهاية التي إنتهى إليها، فهي لم تكن حتى تفهم في السياسة، لكنها كانت تتابع الأحداث وتقيمها وفق فهمها البسيط للحياة.. المهم توفت ولم تر كيف إٍستولى صدام حسين على كورسي الحكم بعد أن أجبر أحمد حسن البكر على التنحي ومن ثم وفاته المفاجيء ومن بعده وفاة نجله في حادث غامض.. و لم تر عمتي القبور الجماعية وحرق 4500 قرية كوردية وقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، كل ذلك بإٍسم آية الأنفال التي ربما كانت تحفظها هي الأخرى عن ظهر قلب، لكنها كانت تتذكر وتحكي لنا قصة جمهورية مهاباد والشيخ محمود الحفيد ورفاقه الذين أعدموا لأنهم كانوا يحلمون بدولة كوردية مستقلة وعوقبوا بالموت لأنهم أقاموا دولتهم وحكموها لمدة ثمانية أشهر، وهي كانت تقول دائماً أن الشعب الكوردي أينما كان هو من أشقى شعوب الأرض، ولن ينعم بالسلام إلا بعد إراقة دماء كثيرة جداً، وأشكر الله أنها لم تعش لترى كيف يذبح الناس بإسم الجهاد وبإسم الإسلام، ولم تعش لترى كيف يعيث التكفيريون فساداً في الأرض، وكيف أن كل الجرائم الكبرى ترتكتب اليوم في ظل الإسلام وبإسم الإسلام.. أتساءل لو كانت عمتي على قيد الحياة وسمعت ما قاله بابا الفاتيكان في خطابه الذي ألقاه أمام مجموعة من الأكاديميين في جامعة رجنسبرغ بألمانيا حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل. وإقتباسه لنص الحوار الذي دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و"مثقف فارسي" حول دور نبي الإسلام. وقال فيه الإمبراطور للمثقف "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". بالتأكيد كانت عمتي ستصف الإمبراطور بالمعتوه، والبابا بالمختل عقلياً، لأنها لم تكن رغم أنها كانت أمية ولا تفهم شيء من الآيات القرآنية لأنها أصلاً لم تكن تفهم اللغة العربية، لم تكن لتصدق أن يكون هذا له أي أساس من الصحة.. و بالتأكيد كانت ستفرح عمتي بحملات العالم الإسلامي للمطالبة بأن بعتذر البابا عن كل كلمة أساء بها للإسلام، وكما حدث من قبل وأقام العالم الإسلامي ولم يقعدها بسبب الرسوم الكاريكاتورية التي عرضها الفنان الدانماركي وطالبوا الحكومة الدانماركية لتعتذر بالنيابة عن الشعب الدانماركي للإٍساءة التي ألحقها الرسام الدانماركي ورسمه صور أذت مشاعر المسلمين في العالم، ومن يدري ربما كانت ستفرح لإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ الذي أخرج فلماً عن حياة عائشة وكيف أنه أساء أيضاً لمشاعر المسلمات والمسلمين باللوحة الجدارية الدعائية الخاصة بالفلم التي تبدوا فيها فتاة عارية وعلى ظهرها نص آية قرآنية.. بالتأكيد أنا ايضاً أرفض كل أنواع الإساءة لمشاعر الإنسان بدون سبب وو تحت أية ذريعة، وأطالب بأن يتم الإعتذار، شرط أن ما أرضاه لغيري، أن أكون فعلاً على جانب عالي من الإنصاف وأرضاه لنفسي أيضاً، أي أنني حين أطلب من غيري أن يقدم الإعتذار عن خطأ وهفوة وإساءة، أن أكون أنا أيضاً مستعدة لنفس الشيء حين تقتضي الحاجة.. بكلمات أخرى من غير الممكن أن أطالب البابا بالإعتذار عن كلمات إقتبسها تحت ذريعة أنه أساء لمشاعر المسلمين، في حين أن المسلمين يقتلون بعضهم البعض ويتقاتلون فيها بينهم بإسم الجهاد وبإسم الدين، من غير الممكن أن أطالب البابا والرسام الدانماركي أن يعتذرا في الوقت الذي تسيل كل تلك الدماء الحمراء على الطرقات وفي الأحياء، وكل هؤلاء متحجري الدماغ ممن يربطون بطونهم بالأحزمة المتفجرة وسط أحياء تسكن فيها المسلمين، من غير الممكن أن أطالب البابا بالإعتذار والمسلمين أنفسهم أيديهم حمراء بدماء إخوانهم المسلمين، مثلما يجري الآن من قتل الأبرياء لا لشيء فقط لأن إسمه علي وعمر أي القتل على الهوية.. من غير الممكن أن أطالب البابا بالإعتذار، في حين أنه لم يطالب العالم المسيحي أحد بالإعتذار لأحداث الحادي عشر من أيلول وأعداد الضحايا الهائلة التي وقعت ولا لتفجيرات لندن في السابع من تموز 2005 والتي راح ايضاً ضحيتها العديدين وأكيد كان من بينهم مسلمين أيضاً، ولم يطالب العالم المسيحي المسلمين بالإعتذار لأحد وعلى الأقل لذوي الضحايا، وغيرها من الجرائم التي ترتكب يومياً بل على مدار الساعة بإسم الإسلام. لست هنا بصدد تفضيل ديانة على ديانة وإدانة جريمة وأخرى، انا الآن بصدد قيم إنسانية وبالمقابل ممارسات إنسانية تسبب في غياب أرواح إنسانية، جرائم ترتكب ضد الإنسانية لكن بأسماء مختلفة. معادلة العدالة هذه التي يطالب بها المسلمون في العالم بمطالبة البابا بالإعتذار لن تكتمل مالم يطالبوا العالم الإسلامي نفسه قبل الكل بأن يعتذر عن كل الجرائم التي تحدث بإسم الإسلام، والتي أنا أيضاً على يقين أن الإسلام بمبادءه وقيمه براء منها كلها، لكننا نحن الآن بصدد تحقيق العدالة الإنسانية الحقيقية وليس العدالة الدينية، لأن الإنسان أكبر من الكل وهو حامل الرسالات والمبشر بالإديان، نحن الآن بصدد تحقيق العدالة الإنسانية الشاملة، فحتى يتحقق ذلك كله على العالم الإسلامي أن يطالب العالم الإسلامي نفسه بالإعتذار لذوي ضحايا العمليات الإرهابية والتي ترتكب من قبل عناصر تدعي أنها جماعات إسلامية وترتكب جرائمها بإسم الإسلام، وأن تطالب العالم العربي والإسلامي بالإعتذار للشعب الكوردي على الأقل عن جرائم الإنفال وقصف مدينة حلبجة ومنطقة باليسان ومناطق أخرى بالأسلحة الكيمياوية ودفن الألاف من الكورد الأبرياء في قبور جماعية، والإعتذار عن حرق 4500 قرية، وعن خيرة الشباب الكوردي الذين تعفونا بين دهاليز السجون المظلمة تحت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والآلاف الآخرين الذين أعدموا وأخفيت جثثهم وراء الشمس، والإعتذار لمشاعر الأمهات الكورديات وهن يتابعن حلقات مسرحية محاكمة صدام حسين الكذبة، وهو يجلس بكل وقاحة ويرفع صوته رافعاً رأسه الذي يصبغه بين يوم والآخر ويشتم ويهين كما يشاء.. من سيعتذر للشعب الكوردي عن كل هذا ؟ وهل أن ما أدلى به البابا كان أكثر تأثيراً من كل الجرائم التي حدثت وتحدث على مدار الساعة بإسم الإسلام؟ ليأتي البابا ويعتذر عن تلك الجرائم أيضاً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |