|
نريد نظام فدرالي وليس إمارات إسلاموية شمولية حمزة الجواهري قبل البدء بقراءة هذا الجزء من المقال، أجد من المفيد قراءة الجزء الأول منه بعنوان " الاتفاق الأخير حول الفدرالية ومهلة الحكومة"* المنشور في أكثر من مكان. في الواقع لم أكن أرغب بمناقشة آراء الآخرين، لأن الموضوع أصلا يناقش مشروع تطبيق النظام الفدرالي في العراق، لكن كان آخرها قد بعث لي كاتبه بشكل خاص، ربما كان يقصدني من ذلك الهجوم الذي وصل حد الشتيمة لكتاب التيار العقلاني من أبناء المكون الشيعي في العراق والبعيدين عن الطائفية ويتبرءوا من كل الشعارات الطائفية والمشاريع التي يعمل عليها الطائفيون، لكن للحق أقول أن المقال جاء بوقته المناسب، ذلك لأني كنت سأناقش في هذا الجزء من المقالة موضوعة التخندق الطائفي والعنصري وأثره على مشروع تطبيق النظام الفدرالي في العراق، ويساعدنا أيضا في سعينا لنزع المشاريع الطائفية والعنصرية قبل أن نصل إلى طريق "الصد ما رد" كما نعبر عنه في الموروث الشعبي. يجد كاتبنا في مقاله أن التخندق الطائفي لم يكن نوعا من الترف، ولكن كان تخندقا إجباريا!! ولم يفسر كيف كان شكل الإجبار في الأمر، فكل ما ساقه من أسباب لا يستحق مناقشه وما تبقى من المقال اتهامات أطلقها جزافا منها أننا والبعث في مركب واحد! يقول فيه " فلأول مرة نرى عملية إجبار وفرض على الاستحقاق الانتخابي أن يحكم بمشاركة نده وضده السياسي مما أوجد حالة من الاحتقان والشعور بالابتزاز والضيق وهذا أيضا أدى إلى اتساع دائرة التخندق الإنساني والذي يدعون انه طائفي ومبرمج"، في هذا الكلام الكثير من الحقيقة التي سننظر لها من زاوايا أخرى في هذا التحليل، لكن في الواقع أن الكاتب قد تناسى أن هذا التخندق كان قد بدأ بالانتخابات الأولى حيث لم يكن هناك ابتزاز ولا تجاوز على استحقاق انتخابي، وقد استمر لحد الآن، ومازال يزداد تخندقا وتمترسا وراء من يحمل الشعارات السياسية التي تهدد أبناء الضفة الأخرى في الوطن كما تهدد الجوار الإقليمي وأبناء ذات المكون الذين لا يجدون لهم مصلحة بأي من المشاريع الطائفية، كما أنها تهدد مشروع الدول التي أسقطت نظام البعث الجائر، فلا يعقل أن يأتي الأمريكي عابرا القارات والمحيطات من أجل إقامة نظام ولاية الفقيه في العراق! لأن لو تم تطبيق النظام الفدرالي الآن، أي أن الأساس في وضع دستور الفدراليات الجديدة يكون وفق النظر لحالة التخندق على أنها حالة أصيلة وليست ترفا كما عبر عنها كاتبنا الطائفي، وعليه فإن الدستور يجب أن يعبر عن هذه الحالة التي عمل على الوصول إليها جميع الإسلامويين من كلا الطرفين والتحالف البعثي السلفي القذر، وما جعل من مشروعهم أمرا واقعا على الأرض هو الأداء الأمريكي والأخطاء التي أرتكبت خلال الفترة السابقة! وهنا، لابد لنا من الانتقال للمعسكر المقابل لنرى مواقف من يدعون تمثيل السنة وطبيعة شعاراتهم وشروطهم وحراكهم السياسي ودعمهم للعصابات الإرهابية التي مافتئت تقتل على أساس من الهوية منذ سقوط نظامهم الطائفي العنصري الدموي قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف، حيث كلها كانت أسباب موضوعية للتخندق الطائفي الشيعي كونها تستهين بضحايا يعدون بالملايين من هذا المكون، جميعهم أبرياء ولا علاقة لهم بأي مشروع سياسي طائفي، فالحرب الطائفية تهدد حاضرهم ومستقبلهم وتثير الغضب في نفوسهم وتأجج الشعور بأنهم مازالوا مستهدفين، لأنهم يرون أن الشيعي في نظر الطرف الطائفي الثاني ما هو إلا مشروع للقتل بلا ثمن ولا نهاية، لأن حين يطالب الطائفي السني بعودة الجيش والقوات المسلحة القديمة وإطلاق سراح جميع المعتقلين من القتلة على أساس الهوية، فإن هذا يعني بالنسبة للشيعي أن دمه بلا ثمن ولا ينبغي القصاص من القتلة وفق كل الأعراف الإنسانية، وحين يفرض هذا الأمر كمشروع لحكومة ينبغي أنها تمثله، فإن الأمر بالنسبة له يعني التخندق طائفيا وأخذ الثأر بعيدا عن هذه الحومة الضعيفة المسلوبة الإرادة، وهذا ما استفاد منه الطائفي الشيعي وحوله إلى شعارات وبرامج سياسية ومطالب يصفق لها كل من استبيح دمه وعرضه وماله وكرامته من أبناء هذا المكون، وقد استفاد منه أيضا الطائفي السني بأنه عمق من شدة الخلاف بين الطائفتين وجمع أبناء مكونه تحت رايته، وهذا ما يصبوا له الطرفين من الطائفيين. لذا فإن هذه المفردات السياسية لوصف الحالة العراقية ستكون هي بنود الدستور لأي فدرالية ستنشأ في العراق، وهل هذا هو النظام الفدرالي الذي نبحث عنه يا ترى؟ إن ما دفع أبناء السنة إلى التخندق وراء القيادات الطائفية العنصرية الحالية سببان رئيسيان، أولهما أن هذه الفئة من العراقيين قد سلبت إرادتهم بقوة السلاح وكل أنواع الإرهاب من قبل العصابات التكفيرية والأصولية الإسلامية وفلول البعث المنتشرين كالسرطان في الجسد السني من العراق، أما السبب الثاني هو تلك الشعارات والتصريحات والشروط والحراك السياسي للإسلام السياسي الشيعي الطائفي النزعة والمشروع السياسي والمدعوم من إيران، ومن لا يعرف نوايا إيران اتجاه العراٌق؟ كل هذه الشعارات تخيف أبناء السنة حد الموت، ولو لاحظنا أسباب التمترس من خلال طرح الشروط والشعارات والحراك السياسي من كلا الطرفين، نجد أن العراقي أينما كان لا علاقة له بها ولا تخدمه بأي شيء، بل تسيء له أينما كان، لأن مصلحة العراقيين بوحدتهم وليس بتشرذمهم، وهذا الأداء يزيد من حدة التشرذم والتخندق والتمترس الطائفي، لكنه في الحقيقة يخدم جميع الطائفيين من كلا الجانبين فقط، لأنهم مفلسين ولا يملكون ما هو حقا مقنع، لكنهم وجدوا هذه الوسيلة ما يقنع أبناء مكونهم للاصطفاف خلفهم وليس لقناعة ببرامجهم ومشاريعهم السياسية، لكن خوفا على أنفسهم من بطش الطرف الآخر متمثلا بقادته المزيفين والمرحليين، وهم في العموم إما طائفيين من أنواع الإسلام السياسي أو بعثيين عنصريين من فلول النظام المقبور بالإضافة إلى ما يحملوه من مشاريع سياسية تخدم الممول الأجنبي في الجوار. ولم يعد الحديث عن تورط الإسلام السياسي السني الممثل بالحكومة الحالية بالإرهاب مجرد تكهنات بعد أن تحدث ناطق رسمي عن مؤتمر شيوخ أهل الأنبار من أن الحزب اللا إسلامي كما وصفوه يشكل درعا متينا يحمى الإرهاب الإسلامي العالمي من القاعدة ومن لف لفها من حثالات البشر، وبالطبع هذا الأمر يعني ضمنا أن أعضاء هذا الحزب المتأسلم والذي أصلا جل أعضاءه من بقايا البعث الهمجي المنحل تنخرط ضمن تشكيلات السلفيين التكفيريين، وهم من يعيق جهود أهل الأنبار في تصفية فلول القاعدة في العراق، ولم يكن دوره محصورا بهذه المشاركة فقد أصبح جليا للحكومة والرأي العام من أنهم يوفرون له الدعم اللوجستي الكامل من خلال مجلس رئاسة الجمهورية حيث زعيمهم نائبا لرئيس الدولة ويملك فيتو على أي قرار أمني أو غير أمني، ولم يكن اعتقال أحد مرافقي الدليمي مجرد شك بكونه أحد أعضاء القاعدة، لأن الدليمي لم يعرف عنه سوى ذلك الطائفي المتعصب لطائفته مع ولاء مطلق للبعث، ولا نريد التحدث عن دور هيئة علماء المسلمين في هذا التورط بإشاعة الإرهاب واستغلال بيوت العبادة في التمترس والحرب الطائفية لأنه أصبح من الحقائق التي عرفت منذ أن بدأ الإرهاب في العراق. وهذا يعني أن ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية كان هدفها من حيث الأساس هو تعميق الهوة بين المتحاربين وإبقاء الراية بيد الطائفيين من كلا الطرفين وضمان تخندق أبناء كل مكون وراء رايتهم. لذا فإن قادة الفدراليات الجديدة، بلا أدنى شك، يكونوا من الطائفيين فيما لو تم تطبيق النظام الفدرالي في العراق، وهذه هي الطامة الكبرى. لذا أجد أن ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية يبدو وكأنه يجمع العراقيين ويوزع السلطة بشكل عادل على أبناء المكونات لكن في الواقع نجده أحد أهم الأسباب التي تشتت شمل العراقيين، ويزيد من أسباب تفشي الطائفية في المجتمع، هذا فضلا عن كون الحكومة مشلولة تماما، وقضائها مشلول، ودستورها مجرد ورقة يتلاعب بها أصحاب النوايا السيئة، وثروة البلاد ما هي إلا مشروع للهدر خشية أن يستفاد منه الشعب الذي يجب أن يبقى جائعا مقهورا مرعوبا خائفا ومهدد في كل شيء. لذا فإن المشرع في البرلمان بظل حكومة كهذه لا يمكن أن يشرع لنظام فدرالي يضمن وحدة العراق، بل سيكون تشريعه فعلا تقسيما حقيقيا للبلد، ومشروعا لتحديد ساعة الصفر لحرب أهلية، لأن الأسباب الموجبة لمثل هذا التشريع موجودة على أرض الواقع وفق ما يراه كاتبنا الطائفي، وهو بالمناسبة منطق الطرفين من كتاب الحرب الطائفية. الذي يبدو كمشكلة مستعصية ولا حل لها هو أن كلا الطرفين يعتبر نفسه ضحية للطرف الثاني، ولا يقبل أيا منهم كما لاحظنا من حديث صاحبنا الكاتب الإسلامي الشيعي أن يعامل كما يعامل الطرف الثاني بأي حال، فهو الضحية ولا يمكن مقارنته بالمعتدي، وأي من الطرفين يصم آذانه عن آثام ودور الجماعة التي ينتمي إليها، وكلاهما يعتبر حديثي هذا موجها ضده فقط كون الطرف الثاني مفروغ من أمره وأنه المجرم وأي حديث يساوي بينهم يعتبر، هو الآخر، جرما لا يقل سوءا عن الجرم الأصلي، وعلي الرجوع لأصل المشكلة ومن البادئ في الصراع، ولو سألت أي من الطرفين يأتيك الجواب بكل ثقة من أن الطرف الثاني هو البادئ، ومن غير المقبول مناقشة هذا الأمر. وهكذا تشكلت قواميس التبرير لكلا الطرفين ليمضوا بحرية نحو أفق أوسع بالتخندق والتمترس الطائفي وهذا ما يضمن استمرارية تزعمهم الصراع وقيادته ومن ثم قيادة الفدراليات الجديدة، لأن وكما أسلفنا إن هذه القيادات لا تملك وسيلة أكيدة وقوية تضمن بقائهم في موقع القيادة للصراع حتى لو كان ثمنه دماء الشعب ومستقبل العراق، ليس هذا وحسب، فقد جنى زعماء الحرب الطائفية حتى الآن ثروات طائلة من خلال استثمار الفلتان الأمني وجني المال، فقد أصبح أيا منهم بين ليلة وضحاها من أصحاب المليارات بعد أن كان قبل سقوط النظام المقبور يعيش على منح مموليه، فقد اشترى أحدهم بيتا كان ثمنه مئة مليون دولار قبل البدء بأعمال التجديد والصيانة والتأثيث التي فاقت السعر الأصلي للبيت، ومن يملك بيتا قيمته مئتي مليون دولار، فإن هذا المبلغ يجب أن لا يمثل أكثر من عشر ملكيته، أي بمعنى أن صاحبنا قد أصبح من أصحاب المليارات بظرف ثلاثة سنوات، ومازال يجد من يدافع عنه وعن توجهاته ومشاريعه القاتلة ويستر عورته! ولو نظرنا بعمق إلى مشروع تطبيق الفدرالية حاليا، لوجدنا أنه يجعل الفدراليات الجديدة ضياعا لزعماء الحرب الطائفية، وأن أيا من الطرفين سيكتب دستوره وفق ما يراه، كما حدث في دستور كوردستان الذي أقره البرلمان الكوردي، فلو نظرنا لفقراته واحدة واحدة وأردنا أن نكتب على غراره دستورا لفدرالية الجنوب بأيدي إسلامية شيعية لوجدنا أن العراق الجنوبي سيكون جمهورية إسلامية بامتياز تفوق إيران قوة ومنعة، والعراق الغربي سيكون إمارة طالبانية بكل المقاييس السياسية، هذا وحده كاف لخلق أسباب الحرب القادمة بين الفدراليات والتي ستؤدي إلى التقسيم حتما، لأن الألغام على حدود الفدراليات أكثر مما يتصور المرء، كلها سوف تكرس دستوريا ومن ثم تكون الحرب بين أجزاء العراق المقسم لمجرد تطبيق دساتير الفدراليات التي تعتبر كل فدرالية عبارة عن جمهورية فدرالية من قبل التقسيم. العراق لو لم يكن فيه إرث طائفي عنصري أصلا لما وصل إلى هذه الحالة ولكن علينا العمل على إنهاء الحالة لا تكريسها، لأن بزيادة تكريسها يعني أننا نواجه استحقاقات أخرى، ومن يظن أن الشعارات التي يرفعها الطائفيين في خنادقهم سوف تتحقق، فإنه واهم، لأن الذي سوف يتحقق هو ما تمليه الظروف الموضوعية لحظة التفجر وما سيليها من حراك وتدخلات داخلية وخارجية في وضع يكون فيه العراقي أينما كان ضعيفا مستلبا، لذا سوف يعمل على تحقيق إرادة الآخرين، وهم في العموم الغالب من الذين يريدون به السوء أيضا كما أسلفنا. من هناك ينبغي علينا النظر بعمق للحالة العراقية لا الاكتفاء بالنظرة السطحية الساذجة، ربما تكون نتائج التفجر في مصلحة بعض الطائفيين الذين مافتئوا يصبون الزيت على النار ومنهم الكتاب من كلا الطرفين، لكن حين يستتب الوضع للمنتصر، حتى ألائك الكتاب سوف لن يجدوا به مكانا حقيقيا تحت الشمس الجديدة كانوا يطمحون الوصول إليه، أي بمعنى يكونوا من المعارضة بفدرالياتهم الجديدة أي من الخاسرين كباقي أبناء الشعب، لأن الطائفي والعنصري أينما كان سوف يمضي قدما بتحقيق أجندته الأساسية والتي تتعارض حسب علمي مع ما يرغب به المغرر بهم من العراقيين الذين مازالوا ينظرون للأمر بسطحية ساذجة، وتكون الفدراليات ملكا شخصيا للقادة الطائفيين والعنصريين الحاملين للراية هذه الأيام في خنادق العراق المتعددة. ومازال للحديث عن الفدرالية ومهلة الحكومة بقية
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |