صحيفة المتعاون

جمعة اللامي

sharjah_misan@yahoo.com

لا حساب للجبناء في الحرب، وإنْ كانوا من جنودها

(يوروبيدس)

بعدما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش “نقل السيادة إلى العراقيين”، وقّع عدة عشرات من المثقفين والشعراء والفنانين العراقيين، وأغلبهم مقيمون في المهاجر على رسالة موجهة إلى الرئيس الأمريكي، يباركون خطوته تلك، ويكيلون له المديح  الصريح، في نطاق تأييدهم للمشروع  الأمريكي في “الشرق الأوسط الجديد”.

ولقد سألت أحد هؤلاء ذات مرة، وهو محسوب على الاتجاهات الإسلامية: “كيف طاوعتك نفسك لتوقّع على بيان تبارك فيه احتلال بلدك”؟، فأجاب: “أنا أتعاون مع أمريكا لغرض في نفسي. ولكن ما قولك في أولئك الذين كانوا ثواراً مُغاورين، وجيفاريّين، وكاسترويّين، ثم وضعوا بيضهم كلّه في السلة الأمريكية؟”.

وعلمت من كاتب، أُقدّر يقظته، أن عدداً من الكتاب والشعراء العراقيين الذين تربوا في حاضنات اليسار الماركسي والقومي، جرى تدريبهم على أيدي خبراء أمريكان، في مجالات الإعلام والاتصال والتجسس. وقال ذلك الكاتب ان بيننا من يدعو هؤلاء ب “المتعاونين”.

في تاريخ الشعوب والأمم، خصوصاً في الفاصلات التاريخية من أيامها، نجد شخصيات ثقافية وعسكرية وروحية تنتقل الى جانب “العدو”، فتعمل ضمن ماكينته الإعلامية، أو تنشط في منظومته العسكرية.

وما حصل في العراق قبل سنوات على سقوط “الصّنم” من “اشتباك” بين تلك الكفاءات الإعلامية والثقافية والعسكرية، والبرنامج الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، هو أكثر النماذج تحققاً لبروز شخصية “المتعاون” مع الأجنبي الغازي والمحتل.

والآن، وكما في تلك الفاصلات التاريخية، فإن نماذج “المتعاون” مع المحتل والغازي، اتخذت مساراً أفقياً أيضاً، إذْ اندمجت فئات وطبقات اجتماعية فيما بينها، لتؤلف منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، تلتحق بالبرنامج الأمريكي الجديد في العالم كلّه.

إن احزابا سياسية معروفة اندفعت بدراية في هذا الوادي الخطير. ولا ينفع بعضها انها تحاول الآن الإشارة الى “سيئات” الاحتلال و”سوءاته”، بينما قيادتها توغل في إعادة إنتاج البرنامج الأمريكي بصيغ وطنية.

في مناطق عربية كثيرة، وفي العراق وفلسطين ولبنان على الأخصّ، تبدو صورة “المتعاون” مع الغازي الأجنبي مشخصة تماماً. فهناك من يفاخر بذلك التعاون، وثمة من يعتبرة نقلة جديدة في الدّيناميّة والثورية، أو الانفتاح على حقائق القرن الحادي والعشرين، ومغادرة كهوف الانغلاق والجمود الفكري والتحجر السياسي.

لكنّ الذي يبدو جلياً هو الآخر أيضاً، ان الجمهور الواسع، حتى وإن بدا مغلوباً على أمره، وضع هؤلاء الأفراد وتلك الحركات والأحزاب السياسية والفئات الاجتماعية خلف ظهره، وعدّهم وجهاً آخر من وجوه القوى المحتلة، لكنهم يتحدثون اللهجة المحلية.

وشهدت السنوات الأخيرة للنصف الأول من القرن الماضي، نهايات مروعة لأولئك “المتعاونين”.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com