|
حرب الإعلام – تعاريف أولية وأمثلة عن دورها في العراق فالح الساعدي عندما أذكر كلمة إعلام أقصد بها mass media و هي كلمة مقتبسة من كلمة Massenmedien الألمانية الأصل ، قد يمكن ترجمتها باللغة العربية الى كلمة -الإعلام العام-. أي الإعلام الذي له عمومية وإنتشار كبير. أن موضوع الإعلام هو بحر واسع وكبير لا بداية و لا نهاية له. ولذلك أرجو المعذرة من الإختصار الذي أنا مضطر عليه لكي لا أطيل المقالات التي قد تصبح مملة ، و سأحاول قدر الأمكان أن أذكر النقاط المهمة التي تخص الموضوع الذي أنا بصدد الكتابة عنه، وأترك التفصيل الى مقالات قادمة. أود هنا أن أتطرق لبعض مفاهيم الإعلام النضرية و أساليبه التي أرجو أن لا تكون جافة و معقدة. لقد حاولت إعطاء أمثلة عن هذه المفاهيم من الحرب الإعلامية القائمة على العراق، لأن العراق صار حقل تجارب للحروب بكافة أنواعها و منها الحرب الإعلامية. حاولت أن أوضح مفاهيم حرب الإعلام عن طريق أمثلة لكي لا يصبح المقال جاف و ممل.
تعاريف نضرية أولية حول مفهوم الإعلام حرية الرأي و حرية الإعلام لا تعني أبداً عدم تحيزهما. بل على العكس ، فالنشر و الإعلام متحيز دائماً لجهة ما ضد جهة أخرى. في محاولة لتفسير ماهية الإعلام تفسير علمي مجرد يظهران لنا مصطلحان هما : الرأي العام و الرأي (المنتشر) المنشور.
الرأي العام هو ما تعتقد به أو تصدقه عامة الناس (الغالبية الساحقة منهم). الرأي المنشور هوما تنشره الصحف و الفضائيات و الراديو و مواقع الإنترنت و ما الى ذلك من وسائل إعلام مختلفة. إنه المادة الأولية لبناء الرأي العام. أي انه العامل الأساسي لتكوين الرأي العام.
الرأي العام (الرأي المنتشر) لدى أمة معينة حول موضوع معين لا يطابق في بعض الأحيان الرأي المنشور. ولكن الرأي المنشور (الإعلام) يعمل دائماً على صياغة الرأي العام (المنتشر) لمصلحة جهة معينة لها سلطة على وسائل الإعلام.
الرأي العام هو ليس أمر نضري مجرد و محايد , بل هو مايحكم تصرفات عامة الناس و الأمم و الدول . فالمرء يحكم ويتصرف بما يعتقد به ، عندما يريد إنتخاب أحد أو حب أحد أو قتل أحد أو مصالحة أحد .... ، أي أن تأثير الرأي هو مباشر على مجريات الأمور ليس فقط في الحياة العامة بل في السياسة بالدرجة الأولى.
في محاولة منه لوصف السلطة الكبيرة للإعلام على السياسة في الدول الغربية الديمقراطية ذكر الرئيس الألماني السابق السيد كارستن في خطابه بالإحتفال بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيس النادي الإعلامي الألماني بتأريخ 07.10.1982 أن سير جلسات البرلمان الألماني وطروحات ممثلي الأحزاب السياسية الألمانية تختلف تماماً فيما إذا كان هنالك حضور أو عدم حضور للإعلام في تلك الجلسات.
حرية الإعلام في الدول الغربية وعلاقتها بالأوضاع في العراق حرية الإعلام المطلقة هو أمر غير ممكن منطقياً ( بمفهوم المنطق الفلسفي) لأن من يقوم بالنشر و من يشرف عليه و من يموله له تأثير مباشر على ما ينشر. ويمكن تعميم هذا الأمر دون تحفظ على كافة دول العالم وإن كان هنالك تفاوت بين دول وأخرى. وهنا ينبغي بنا عدم الخلط بين حرية الكتابة أو حرية الرأي و حرية الإعلام.
حرية الإعلام في الدول الغربية المتحضرة هي رغم الظمان الدستوري الشبه مطلق لها فإنها تبقى مسئلة نسبية ، تعتمد بالدرجة الأولى على نطاق تأثيره السياسي.
فيمكن أن نقول أن بإمكان أي شخص في هذه الدول أن يكتب منشور يذكر فيه ما يشاء و يتهجم فيه على من يشاء و لن يتعرض للتسائل أو المحاربة ،حتى وإن كان الأمر في بعض الأحيان ممنوع ،فقد يغض القضاء النضر عنه ،إذا إقتصر نطاق النشر على عدد قليل من القراء. مثل هذا النوع من النشر يتصف بالتطرف و لا موضوعية مما يجعل الرأي المنشور فيه لا يؤثر على عامة الناس، بل يبقى محصورعلى نفر منهم و موجه لهم و هم بالأساس يحملون الرأي ذاته. هذا النوع من الحرية تفسر أحينا بحرية الإعلام لأن صفة الإعلام تنطبق عليها. وهذا تفسير خاطيء لمفهوم حرية الإعلام.
إن المراقب لكتابة العديد من الصحفييين الغربييين و الأمريكيين بالذات يلاحظ تحيز العديد منهم ضد الإوضاع السياسية القائمة في العراق. وهذا في إعتقادي ناتج أولاً من أن هؤلاء يمارسون الصحافة كمهنة وهذا أيضاً تفسيرهم لمفهوم حرية الإعلام وهو أمر مشروع. فهم يكتبون ما يريد سماعه المثقف الغربي لكي يتمكنوا من بيع أكبر نسخ ممكنة من جريدتهم أو مجلتهم أو يجلبون أكبر عدد من المشاهدين لفضائيتهم. وهذا أمر مشروع أيضاً في عالم الإقتصاد الحر. المعروف عن المثقف الغربي هو تعاليه على سياسين أمثال الرئيس الأمريكي حيث يعتبر سلطة جورج بوش على أكبر قوة عسكرية و مالية في العالم هو تجاوز على المثقف الغربي والثقافة الغربية العريقة ، لأن هذا الرئيس يتصف بقدراته الثقافية و الفكرية المحدودة جداً. و كذلك حال بعض وزراءه. لذلك ترى الإعلامي الغربي يفضل أن ينقل للمثقف الغربي خبر ضد سياسة بوش على أن يتقل خبر قد يؤيد الطرح السياسي له. لكن مصيبة العراق هو أن مصيره إرتبط بمصير الرئيس الأمريكي جورج بوش و سياسته. فيمكن القول أن تقريباً كل ما هو ضد بوش يشجع الإرهاب على التمادي بالإجرام في العراق لشعورهم بجدوى أعملهم المتمثلة بدحر بوش. وفي عالم الإقتصاد الحر لا يهم ماهو الثمن الذي يدفعه العراقيين من جراء الكتابة لما هو في خدمة الإرهاب بقدر الثمن الذي يتقاضاه الإعلامي على مقالته. بالإظافة الى أسباب أخرى مذكورة أدناه.
ومن الأمثلة الجديرة بالذكر بهذا الخصوص هوأن تزايد العمليات العسكرية لقوى الإرهاب في العراق و أفغانستان له علاقة طردية بالتصريحات الصحفية للقادة السياسين الغربيين و التقارير الإعلامية لمؤسساتهم العسكرية والأمنية حول (إنتصارات الإرهاب المستمرة) التي تأتي دائماً بعد ظهور بوادر ضعف للعمليات الإرهابية أو التقارب بين القوى السياسية العراقية ، أو ضهور تمرد لبعض العشائر العراقية على القوى الإرهابية و الفاشية، أو قتل أعداد كبيرة من عصابات الطالبان في أفغانستان.
ما معنى مفهوم - تأثير الإعلام- ؟ دعني عزيزي القاريء أن أعود هنا مرة أخرى الى المسئلة النضرية للإعلام. فتفسير مفهوم-تأثير الإعلام- كما جاء على لسان (السيد لاسويل – أحد أهم الباحثين في هذا الموضوع) الذي إختصره على الإجابة على مجموعة أسئلة هو الآتي: من قال ، أي شيء، لمن ، بأية واسطة ، حول ماذا ، تحت أية ضروف ، بأي تأثير ؟ وأود أن أضيف لتعريفه عامل مهم آخر هو-متى ؟- (أقصد عامل الزمن)
وتفسير هذا التعريف بإستخدام الخبر أعلاه كمثل هو: من قال الخبر: هنا كافة أجهزة المخابرات الأمريكية . -إذن فلا بد أن يكون صحيح. ماذا قال: قال الإرهاب يقوى يوماً بعد يوم. لمن: تقرير سري . تأكيد آخر على صحته. بأية واسطة: نشرته نيويورك تايمز الأمريكية . جهة موثوقة حول ماذا: حول قوة الإرهاب المتزايدة تحت أية ضروف: الحرب على الإرهاب. وهنا يمكن طرح أكثر من سؤال حول الغرض من هذا الخبر. كل سؤال يحتاج الى تحليل مطول. بأي تأثير: أضعف موقف الرئيس الأمريكي والحكومة العراقية و قوى موقف الإرهاب. متى: قبيل الإنتخابات الأمريكية و بعد ظهور بوادر ضعف للعمليات الإرهابية أو التقارب بين القوى السياسية العراقية ، أو ضهور تمرد لبعض العشائر العراقية على القوى الإرهابية و الفاشية. و إندحار قوات الطالبان في أفغانستان. وهنا يفسره الحزب الجمهوري الأمريكي على أنه محرف لأنه موجه للتأثير على الإنتخابات الأمريكية ، ويفسره الجانب العراقي على أنه موجه لدعم الإرهاب. أما الإرهاب فيفسر كل ذلك على أنه شهادة لا ريب فيها من العدو نفسه ( بقوة الإرهاب التي لا تقهر). إن هذا الخبر له تأثير على أهم الإحداث في العالم (أحداث الشرق الأوسط) و على أهم إنتخابات في العالم (لأنها تنتخب رئيس لأقوى دولة في العالم). إن تقديم نصر إعلامي للإرهاب كهذا النصر هو ضرب من ضروب المستحيل، تحت ضروف طبيعية، و هو جزء من السياسة الأمريكية الغير واضحة تجاه الأوضاع في العراق. أمريكا لها مصالحها ، تدعم مايؤيد هذه المصالح و تحارب من يقف ضدها. لا يحق لأحد أن يطالب الحكومة الأمريكية بإتخاذ موقف لصالحه، إذا لم يتفق هذا الموقف مع المصالح الأمريكية. أعتقد أن هذا الأمر بديهي وحق طبيعي في السياسة و المصالح الدولية.
حرية الإعلام في الدول العربية وعلاقتها بالأوضاع في العراق حرية الرأي في بعض الدول العربية يفسرها المسؤولون و المثقفون العرب بإعطاء الضوء الأخضر لحرب الإعلام على العراق، و بإستثناء ذلك فكل شيء ممنوع. عندما تحدث مسؤلاً سياسياً أو مثقفاً عربياً في الدول التي تدعم وسائل الإعلام المتطرفة و تنتقد الحرب التي تشنها بلاده على العراق، يرد عليك بإن الأمر هو حرية رأي و ليس للدولة أي دخل بهذا الموضوع و لا تأثير لها عليه. أما لماذا تهمل كل أمور حرية الرأي في الدول العربية و تختزل على حرية الحرب على العراق فهو سر من أسرار السياسة العربية، و سرمن أسرار الثقافة العربية و المثقف العربي.
أهمية الإعلام لدى الإرهاب و الفاشية معروفة منذ سنين عديدة كسلاح فتاك أقوى من أي سلاح آخر. فمما هو بديهي أن الطالب في النظام البائد كان لا يمكن أن يقبل للدراسة الجامعية دونما تأييد من منظمة الحزب الممثلة بالإتحاد الوطني لطلبة العراق – منظمة قمعية تابعة للسلطة البائدة-. هذا بما يخص أكثر الدراسات الجامعية. لكن الأمر يأخذ مجرى آخر لبعض الإختصاصات، التي كان النظام السابق يعير لها أهمية خاصة. فعلى سبيل المثال دراسة الإعلام في العراق قبل سقوط النظام البعثي كانت مختصرة على أكثر منتسبي المخابرات العراقية إخلاصاً و كذلك الحال بما يخص دراسة اللغات الأجنبية في الجامعات العراقية. لم يتنبه أحداً لهذا الأمر الى يمونا هذا. فبعد سقوط النظام إنشغلت الأحزاب ببناء قواعدها و تثبيت سلطتها أو تقوية ميليشيتها و أمورها المالية و لم يعير أحد أهمية لبناء جيل جديد من الإعلاميين يؤمن بالولاء للعراق و أهمية الكلمة الصادقة وليس بالولاء لصدام ساقط ولا لصدام صاعد بصبغة دينية أو وطنية أو أي صبغة أخرى.
تأثير طابور الأعلام الفاشي على الإعلام الغربي تشكلت خلال سنين الحصار على العراق بعد غزو الكويت شبكات وعلاقات بين المترجمين و الإعلاميين العراقيين من جهة ووكالات الأنباء العالمية و العربية من جهة أخرى عبر الأردن و سوريا ودول الخليج، بالإضافة لدول عربية أخرى. أستمرت الى مابعد سقوط النظام في 9 نيسان ، حيث لم يظهر بديل أو منافس لها. الإعلامي الغربي الذي يريد من يرافقه في عمله في العراق ليس أمامه سوى الإتصال بهذه الشبكات لتدبير أمر ذلك.لأنه و بكل بساطة لا يعرف سواها. حتى العديد من العامليين مع الجيش الأمريكي كمترجمين جائوا عبر شبكات مشابهة. ولذلك فمن البديهي أن ينقل هؤلاء للعالم الغربي الصورة التي يريد الإرهاب أن ينقلها عن الأوضاع في العراق. فيتم تسليط الأضواء على ما هو في صالحهم و عدم التطرق الى ما قد يضر بسمعتهم و سعيهم لتجنيد مقاتلين جدد و جمع الأموال لدعم عملياتهم. ومن الملاحظ أن طابور الإعلام الإرهابي عمل و منذ البداية يداً بيد مع الطوابير الأخرى (الطوابير المسلحة و طوابير منظمات المجتمع المدني وشبكات العلاقات بالمنظمات العربية و العالمية). فقد بادر طابورهم العسكري مبكراً بإغتيال العديد من المترجمين الغير بعثيين أو الغير موالين للإرهاب، أو منعهم من العمل مع وكالات الإنباء العالمية في العراق. فبقت الساحة خالية لهم و لمواليهم و أصبحوا المصدر الوحيد لوكالات الأنباء الأجنبية.
و لذلك نلاحظ أن مواضيع إعلامية مهمة جداً تهمل من قبل وسائل الإعلام الغربية للأسباب التي ذكرتها أعلاه. فقطع الرؤوس و إغتصاب النساء و التمثيل بالجثث و الإستهتار بالدين وتحليل قتل أبناء وبنات بعض الطوائف والأديان العراقية أمور لا يتم تسليط الأضواء عليها من قبل أي جهة، لأن ذلك ليس في صالح الإرهاب.
فرئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا الألماني على سبيل المثال لا ينتقد قتل الأبرياء المسحيين و الصابئة و المسلمين في العراق و لكنه مستعد لنقد النبي محمد(ص) و الدين الإسلامي. لأن النقد الأول هو ضد الإرهاب و النقد الثاني يصب بصالح الإرهاب. ليس لأن البابا هو متحيز أو مؤيد للإرهاب (حاشاه الله) و لكن الإعلام ضلله وصار يقف بدون وعي مع الباطل ضد الحق.
أكثر أساليب الدعم الدعائي إبتذالاً هو تسليم بعض الأوربيين أنفسهم للقوى الإرهاببية بحجة الإختطاف مقابل أمول يتقاضوها على شكل حصة من الفدية التي تدفع لإطلاق سراحهم. لكي يتحدثوا بعد ذلك عن حسن المعاملة التي لاقوها منهم و ينقلون صورة غير صحيحة للعالم الغربي عما يجري في العراق.
لقد ضبطت الشرطة الألمانية بحوزة السيدة سوزان أوستهوف التي ( إختطفت) في العراق من 25.11.2005 الى 18.12.2005 جزء من الأموال التي دفعتها الحكومة الألمانية للإرهابيين كفدية لإطلاق سراحهأ. المعروف عن الشرطة الألمانية أنها دقيقة بكل شيء ، فقد قامت بتسجيل أرقام كافة الأوراق المالية التي سلموها للمختطفين كجزء من عملهم الروتيني ، لكي يتمكنوا من بعد ذلك متابعة المختطفين في حالة إستخدام أموال الفدية في أحدى الدول الأوربية. وأول الأموال التي ضبطوها كانت بحوزة السيدة الكريمة. لقد ظهرت السيدة سوزان أوستهوف بعد إطلاق سراحها في قناة الجزيرة محجبة أكثر من مقدمة البرنامج – دون أن يطلب منها أحداً ذلك ، حسب ما جاء على لسانها- وأخذت تمدح بمختطفيها ، و بالمعاملة الطيبة التي لاقتها منهم ، وبإيمانهم الذي دفعها للإيمان بالإسلام (ياسلام يا ست الكل). للعلم فقط: إن للسيدة سوزان أوستهوف بنت تعيش في ألمانيا بعمر المراهقة مهملة منذ سنين من قبل هذه الأم الطيبة المؤمنة ، مع أن هذه الفتاة في هذا العمر بأمس الحاجة للعلاقة العائلية في مجتمع أوربي مثل المجتمع الألماني. أمها السيدة سوزان أوستهوف مشغولة جداً في الدول الإسلامية بجمع الحسنات و الأجر.
كما ترى عزيزي القاريء فالإعلام يظهر المجرم المنحرف، الذي لا يتورع من قطع رؤوس البشر و إغتصاب النساء و التمثيل بجثثهن ، يظهر بصورة الإنسان الخلوق و المسلم المؤمن و المقاتل الوطني.
أنضر عزيزي القاريء الى هذا السلاح الفتاك! أنضر الى الإعلام الذي يحول أكبر الجرائم و أبشعها الى أنتصارات!
فلو أن العالم عرف بجرائم هؤلاء فسوف يتردد الكثيرون عن دعمهم و مؤازرتهم ودفع التبرعات المالية لهم ليتمنكنوا من الإستمرار بجرائهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |