صحيفة الاخضر العربي

جمعة اللامي

sharjah_misan@yahoo.com

يقر بعيني ان ارى بعين عصبة

عراقية قد جز عنها كنابها

ألا بأبي اهل العراق وريحهم

إذا فتشتْ بعد الطّراد عيابها

(سليمان بن عياش السّعدي)

 العنوان هو مدينة بنت جبيل، متن المقاومة اللبنانية، وسّرة نصر العرب، وفي الآن ذاته المنخل الذي يتسرب من مساماته الذين لا يستطيعون، وهم ندرة الندرة في قلة عددهم، أن يتخلَّقوا بأخلاق سيدة جبل عامل وعروس الجليل، كما هم منظمو “حفلة الشاي”.

 شاب واحد صار وطناً في حياته كما في استشهاده، وَفَدَ إلى بحار الإرث الذي جدَّده السيد عبدالحسين شرف الدين من أعزّ أرض عربية وأكثرها قداسة، فلسطين، اسمه: أمين سعد، الذي صرخ صرخته الأولى في حيفا، ثم استشهد في معركة مع قوات العدو الصهيوني بعد هزيمة يونيو/حزيران ،1967 وليتحول تشييعه بين سوريا ولبنان إلى حالة خاصة، تذكّرنا بما حملت القلوب والأعين من شهداء المقاومة اللبنانية، بعد نصر الله لهؤلاء الفتية في حرب الأيام الثلاثة والثلاثين، على جيش العدو الصهيوني وحلفائه.

 يحيلك “جبل عامل” إلى قبيلة “عاملة” العربية التي ارتضتْ حرائرها، وقبل أبناؤها بهذا الجنوب اللبناني ليكون مطْهراً وفردوساً، بعد تجارب الحياة والعبرة والكفاح والخطأ والتجربة، وليُسحب الماضي العريق منذ ألف وما يزيد على أربعمائة سنة أخرى، بحبال الصبر، إلى حيث الموقد الذي يذوب فيه الرصاص، ليخرج منه الرصاص الذي لم يوجه إلا إلى الهدف الصحيح، وليجلو الذهب ذاته بذاته فيكون سلاحاً في ساعة يصير الإنسان فيها ذهباً خالصاً، منذوراً لوجه الله تعالى.

هكذا رأى الفتى الحيفاوي، أمين سعد، في بنت جبيل، وهو في الحادية عشرة من عمره، تاسوعاء العرب، وعاشوراء المسلمين، وكربلاء العصور، ليتقرب من ملاحم البطولة وملامح الأبطال، وهو يرى بدموع الصابرين، وتراب سفر الجنوبيين، نجوماً في العراق، ستكون مراقد للنور في قلب الفتى وضمير الشاب.

 هكذا أعاد الجبل العاملي صياغة هذا الفتى الشاب المتوقد، اللاجئ من حيفا إلى حياض عروس الجنوب، صياغة نفسه بالتبصّر في تراث هذا البلد الأمين، والتفكّر في شخصيات هذه المثابة المنذورة للحق، وكأنه يرسم حياته، نقطة بعد نقطة، كما في هجرة الحسين بن علي، بين المدينة المنورة، فمكة المكرمة، فكربلاء، فجبل عامل.

 بين نهاية خمسينات القرن الماضي وأوائل ستيناته، استوى الفتى شاباً. وكان ان اختار ان يكون في احدى حلقات حزب البعث العربي الاشتراكي في حينه، بعدما قدمت له بنت جبيل، ومأثورات الثقافة العاملية، فرادة الترابط بين العروبة والإسلام، كما هي الآن في المنجز السياسي والأخلاقي والثقافي الذي نعايشه بعد انتصار المقاومة اللبنانية على “الجيش الذي لا يقهر”.

 كان “الأخضر العربي” يجمع في اسمه الحركي العروبة والإسلام في شخص والدته. ومثل هؤلاء الشباب الذين يصبّحون على عوائلهم بنية الاستشهاد في الجنوب والضاحية والبقاع، كان الأخضر العربي، يعبر الحدود إلى فلسطين، كما عبر الصحابة الحياة الدنيا إلى الآخرة.

وصار له ما أراد وانتوى بعد رحلة مضنية في سجون الدكتاتورية العربية.

 هذا شهيد لقي ربه في “شهر رمضان” سنة ،1969 في مزارع شبعا مع ثلة من رفاقه، بعد معركة استمرت 6 ساعات مع قوات العدو الصهيوني.

في هذه الأيام، في رمضان النصر الإلهي، تتذكر بنت جبيل فتاها الحيفاوي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com