قطر تمنع فضيحة عربية في الأمم المتحدة

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

يوماً بعد آخر، ومناسبة بعد أخرى يتداعى مفهوم التضامن العربي وينهار بأسى أمام الأحداث المتلاحقة، فيما تظهر الأزمات المتتابعة خواء مصطلح القومية والوحدة العربية من أي مضمون واقعي، ويبدو هناك شرخ كبير في هذا الجدار الأجوف الذي حاولت الجامعة العربية أن توحد العرب وراءه، وتنسج من حوله أسطورة الوحدة العربية المنتظرة. ولقد أعلن المندوب القطري، وبشكل غير مباشر، وفاة فكرة القومية العربية والتضامن العربي، وكل ذاك الخطاب القبلي البدوي التعبوي العصبوي العقيم الأجوف عن وحدة المصير، والهدف، والتاريخ المشترك، والذي خـُدِّرت به أجيال وأجيال من العرب. حسناً فعلت دولة قطر بالتصويت ضد ترشيح أحد أمراء الأسرة الأردنية الهاشمية الحاكمة لخلافة كوفي عنان لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.

وبالرغم من انعدام الأهمية الفعلية لهذا المنصب الذي أضحى منصباً فخرياً، لا غير، يقوم من خلالها الأمين العام، بوظيفة شاهد الزور على ما يحصل من خروقات للقانون الدولي، ويسهر على عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن، ويبصم عليها بالعشرة، بعد أن تمرر مشاريع القرارات تلك حسب الرغبة والتوجيه الرسمي الأميركي. ولقد كان هذا القرار القطري في الحقيقة، صائباً، وفي محله، ويجسد تلك السياسة الواقعية البراغماتية التي تنتهجها قطر منذ مدة وتتصف بالشفافية، والبعد عن الخطابية، والعاطفة، فيما استمرت سياسات المحور الأردني- السعودي- المصري بالتلـّون والحربائية، وخطاب من فوق الطاولة، وخطاب من تحتها، وخطاب سري مخملي وخاص للدبلوماسيين الأمريكيين، وخطاب قومي عربي خلبي كاذب مخادع للمخدوعين والعامة من الشعوب العربية. إذ لا يكفي هنا أن يكون المرشح عربياً حتى تتم الموافقة عليه من قبل المصوتين العربي، بل يجب أيضاً أن يكون له تاريخ صادق ومشرف في خدمة القضايا العربية، وليس التآمر عليها. وفي الحقيقة لم يكن التاريخ الدبلوماسي الأردني يوماً في خدمة القضايا العربية بقدر ما كان ميالاً، وعراباً للقضايا والمصالح الإسرائيلية، والأمريكية، ومن هنا لن يتمكن النظام الأردني من خدمة الأمريكان بأكثر مما فعله على جبهاته الدبلوماسية منذ أمد غير قليل، ولا ينتظر المواطن العربي، في نفس الوقت، أية مكرمات وفتوحات سياسية من دبلوماسيين نذروا أنفسهم وحياتهم خدمة للمصالح الإسرائيلية.

فما هي الخدمات التي من الممكن التعويل عليها من قبل النظام الأردني الذي تحول جميع مسؤوليه إلى سعاة بريد، وموظفين رسميين لدى الدولة العبرية، بريد فيما بين حماس وفتح من جهة، وبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فيما لا يتواني مسؤولون مصريون عن الإفصاح عن النوايا والرغبات الإسرائيلة ونقل مطالبها للأعراب، وتحولوا إلى اطقي رسميين باسم حالوتس، وأولمرت وبيريتس والسندريلا رايس. ونرى من التصريحات المؤيدة لإسرائيل، والمتحمسة لها أكثر بكثير مما نسمع عن تصريحات فيها من التأييد لقضايا العرب. وحي تذكر إسرائيل مثلاً تنفرج أساريرهم ويبشون، فيما تراهم يعبسون، ويكظمون الغيظ حين يذكر أمامهم حزب الله، أو حماس، أو أي شيء يذكرهم بالقيم، والشرف، والأخلاق. وسيصبحون ملكيين أكثر من الملك، وإسرائيليين أكثر من غولدا مائير، وأمريكيين أكثر من إبراهام لينكولن.

ولعل الموقف الأخير من الحرب الهمجية الصهيونية ضد لبنان قد أظهرت الكثير مما يكنه محور الرياض-عمان-القاهرة للعرب ولهفتهم، وغيرتهم على الشعوب العربية، إذ تحول هؤلاء إلى غطاء عربي شرعي للعدوان الصهيوني ضد أطفال لبنان. فما هي الخدمات الجليلة التي سيقدمها أمير "هاشمي شريف" لعامة العربان؟ لا شك أن الفضائح المجلجلة ستترافق مع وجود "عربي" أردني، أو سعودي، أو مصري في هذا المنصب الدبلوماسي الرفيع. وقطر بهذا الموقف المميز تساعد في منع حدوث هذه الفضائح، وهي وبذلك تحفظ ماء وجه العرب من القيل والقال، والتراقص على الحبال، وكشف المستور والغطاء عن سياساتهم التي اتسمت دائماً بالغدر، والمكر، والخبث، والنفاق، والرياء. ويقدم المسؤول القطري هنا، ومن حيث لا يدري، ربما، خدمة طيبة، لسمعة الدبلوماسية الأردنية، ومحور التخاذل العربي، الذي ليس في أحسن أحواله على الإطلاق. ولكي يحفظ للدبلوماسية العربية، شيئاً من الاحترام، هذا إذا تبقى لها أي تقدير واعتبار في نفوس الناس.

وافتراضاً، لو كان هناك مسؤول أردني، أو مصري، أو سعودي على قمة هذه المنظمة العالمية، فأول شيء سيفعله هو التصويت، وتبني القرارات التي ستخدم السياسات الإسرائيلية والأمريكية، ويعللها بشتى الافتراءات كما كان الموقف الأخير من حرب لبنان، ولن يتجرأ على قول "لا" لأسياده وأولياء نعمته، وفورا سيحاولون استصدار قرارات ضد المقاومة الوطنية اللبنانية، والفلسطينية، وضد سوريا، بالذات. وسيصبح مرسال المراسيل لجدعون، وليفي، ووايزمان، وسيكون أول قرار له هو تطبيق البند السابع من الاتفاقية الأممية التي تخول العمل العسكري ضد شرفاء العرب، أو إيران لقصقصة أجنحتها النووية كي تبقى إسرائيل تعربد لوحدها على الساحة العربية. وستتحول قاعات الأمم المتحدة، عندها، حلبات للملاكمة، ومسرحاً لشد الشعر، والترافس، واللبط، ونتف شوارب النشامى، وتبادل العيارات الكلامية، وتنكيس الغترة، وخلع العقال، وشقشقة الجلاليب التي يختفي تحتها الدهاءو، العربدة، والموبقات، والشرشحة العربية، ومنبراً للفضائح، والشتائم، والسباب، وتبادل الاتهامات بين المندوبين العرب، وهذا ما أصبح فولكلوراً وتقليداً دائما في مؤتمرات القمة العربية، ومجلسها الوزاري الهمام.

وفي الحقيقة أخشى ما أخشاه، ويخشاه كل مواطن عربي في هذا السياق، هو أن يكون دبلوماسي من المحور المذكور على قمة هذا المنصب الأممي الهام، لأنه لن ينعكس علينا بالفائدة، والخير، واليمن، والبركات. وإن هذا الموقف القطري، برغم مرارته وسخريته فإنه يدق المسمار الضروري، والأخير في نعش حلم كبير.

كان يجب على المندوب القطري، ليس أن يقف فقط، ضد ترشيح الأمير الهاشمي الشريف، أو أي سليل من سلالات الأعراب، بل أن يحاول جاهداً، أن يستصدر قراراً من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بألا يتم ترشيح أي عربي آخر، بعد الآن لهذا المنصب الهام، وذلك درءا للفضائح، وحفظاً لماء الوجه، ولكي تبقى كل خلافاتنا وتناقضاتنا، ومشاكلنا، وفضائحنا ومؤامراتنا داخل هذا الحوش، و"الحظيرة" العربية المتهافتة، ولكي لا نصبح علكة، وعرضة لألسنة الصليبيين والكفار، والأغراب، في هذا المنبر الدولي، وفرجة، ببلاش، "للي يسوى، واللي ما يسواش".

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com