صحيفة الخفير

جمعة اللامي

sharjah_misan@yahoo.com

“أنا جَليسُ مَنْ ذكَرني”

(حديث قُدسي)

 الخَفيرُ هو المُجيرُ، وليس الحارس فقط. وكل منا خفير لنفسه، مجير للغير، بكلمة خير، أو بالصمت أحياناً، وبالقوة المادية في أحيان أخرى.

ونعْمَ الرجل الخفير على نفسه، في أي منزلة كان، وعند أي درجة استوى. فمنْ يحرس نفسه، ويحترس منها، هو في منزلة المجاهدة الكبرى، لأن الانتصار على النفس مرتبة في الوصول إلى الله تعالى.

ولكننا نأخذ بالمنقول من أقوال العرب نقلاً تلقينياً، ولا نرحل إلى مواطن الكِلم، ونضرب الأمثال من دون تمحيص، فنقول: أنا أمير وأنت أمير، فمن يسوق الحمير؟ وهذا تبسيط لمنظومة الفكر والأخلاق والعمل التي تكمن “وراء” الفكرة.

وأسألك، اللهم، ان تكون خفيراً لصاحبي الذي آمنني بعد خوف، وأن تخفر قومنا بمعرفة قلوبهم وسيوفهم، ليردّوا، عن ديارنا كيد اباطرة وأكاسرة هذا الزمان وعدوانهم البين والذي يحيط بنا من الجهات كلها، ليل نهار. لكننا نؤمن بأن المحيط هو الله، ولذلك تمسكنا بدعوته لنعدّ لهم قوة العَدَدِ من ركاب الخيل، ومن قوة الكلمة.

ورحم الله الشاعر “أبا جُنْدب الهُذَلي” حين قال:

ولكِنني جَمْرُ الغَضا، مِنْ ورائهِ

يخّفَروني سيفي إذا لم أخَفر

ولا أقوى من سيف الرحمة. وطوبى لمن سلاحه تابوت السكينة.

ولقد تطوّف كثيرون ببيوت وبيع وحانات ودور لهو، ومارسوا القصْف والقَنْص، مثل طيب الذكر: “إبراهيم بن الأَدهم”، وكانوا قد جعلوا الهوى خفيراً على قلوبهم ونفوسهم وعقولهم، ثم ثابوا إلى رشدهم، بعدما خفرتهم غزالة الرحمة.

وكيف لا تركع  رعاك الله  وأنت تتعرّف إلى حياة هذا الرجل العربي الكريم المحْتِد، بعدما استحال إلى خفير لنفسه، ثم خفير لأمته ومُثُله العليا، حتى وهو على فراش الموت، وأطلق سهمه إلى حيث المنطلق الصحيح.

هكذا هم أهلك، وأهلنا كلنا، كما يأتي بهم الرحمن إلى ساحة الفعل والكلمة، كما هيأ تعالى تلك الغزالة أمام “إبراهيم بن الأدهم”، لتقول له وهو يطاردها: يا إبراهيم، ماذا تريد مني؟

هنا، ألقى إبراهيم، رحمة الله عليه، قوسه، واطّرح سيفه، وترك فريق القصف، وتوجه إلى حيث وجه الله، هائماً بحب المعبود الأوحد، حتى بلغ حدود الروم، وكان المسلمون يردّون الأعداء عن أرض الرحمن.

قال ابن الأدهم لأحد أخوته: شُد قوسي معي، يا أخي. ثم أطلق سهمه وعندما كان السهم يتجه إلى هدفه، كان “ابن الأدهم”، يتجه إلى حيث وجه الله، جل شأنه وعلا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com