|
واقع العراق من خلال فنجان غجرية!! جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية لاأؤمن بقرأة الفنجان مطلقاٌ ، على العكس كنت دوماٌ من المنتقدين لمن يهرول وراء هذه ( التفاهات ) وكنت أعتبرها تخلف مابعدها تخلف لالشىء لكوني أؤمن أيماناٌ مطلقاٌ بأن المستقبل لايحدده ألا الباري ولايعلم الغيب الا سبحانه وتعالى . ولكن على مايبدو قد وقعت في ( الشبك ) وعلى حد ألأغنية الشعبية المصرية للراحل ـ محمد رشدي ـ الذي يقول في مطلعها : صياد رحت أصطاد صادوني!!. نعم لقد أصطادوني ولكن بمحض أرادتي وأنا بكامل قواي العقلية والذهنية... نعم متأكد من نقسي بأني كنت كذلك وألأهم لم أكن في حلم ولم أتناول الكحول ـ لأني بعيد كل البعد ـ عن المنكرات!! ، واليكم الحكاية . في وسط مدينة ـ زيورخ ـ هنالك كافتريا أتردد اليها كلما سنحت لي الفرصة ، كافتريا أنيقة بمعنى الكلمة ، على الطراز الياباني ، من الديكور الى طريقة تقديم الشاي والقهوة والمرطبات ، ومع ذلك ـ أطلب وتمنى ـ فلديهم مايطلبه الزبون بالأخص ( الشاي والقهوة ) وكذلك أنواع المعجنات والسندويشات!!. كنت غارقاٌ بمطالعة أحدى الصحف ( لديهم أكبر عدد من الصحف والمجلات بأكثرية اللغات / عدى العربية !) فأذا بأحدهم يقف على رأسي ... رفعت رأسي فأذا بأمرأة في العقد السادس أو أكثر بقليل بملابس فولكلورية أنيقة وبألوان زاهية ، من دون مقدمات قالت لي : ــ هل أنت أيطالي؟؟. ــ لاء. ــ أذن أسباني .. برتغالي ... لا .. لا .. أنت يوناني!!. تسرعت بالأجابة لأنقاذها من هذه الورطة ، فقلت لها : ــ لاهذا ولاذاك!!. ضحكت وقالت : ـ عرفتك ... سأوافيك بأشياء تدهشك!!. ظلت واقفة وهي تتحدث بلغة المانية فصيحة ومن دون شائبة ، وقالت : ـ هل تسمحلي بالجلوس وأحتساء فنجان قهوة معك؟؟ . ــ بدون شك ... تفضلي. طلبت القهوة على طريقتها وقالت أنت ألأخر تطلب فنجان لأقرئها لك!!. ، حاولت ألأمتناع لكوني لا أؤمن بقرأة الفنجان ، حينها قالت : ـ جرب ، سوف لاتخسر ... جرب ولاتتهرب! . أمتثلت لأمرها لالشىء غير حتى لاتتهمني بالبخل!!. بدأت تتحدث وتستخدم مصطلحات ـ أنتم ، حضرتكم ، جنابكم .............الخ ـ ، بدأنا بأحتساء فنجانينا وحينها طلبت مني أن أقلب فنجاني ، وبعد لحظات تكلمت!! ،............... وياريتها لم تتكلم !!: ــ أنظر ياحضرة .... أنك من بلد يمزقها الحروب والحرب ألأهلية ، هنالك نيران وأسلحة وتشرد وقتل وأنتهاك صارخ لحقوق ألأنسان ، أنك من بلد غني وغني جداٌ ولكن شعبك جائع وجائع جداٌ ، أنظار العالم كلها متجه نحو بلدك ... يريدون أن يعودوا بكم الى الوراء الوراء... يا للمصيبة .. ماهذا الظلام الدامس.. أكاد أن لا أرى شيئاٌ أرى العجائب... فنجانك غريب ، أنها لوحة سيريالية غريبة ،.............. من أين أنت يا ولدي : ألأشجار تموت وهي واقفة!! ألأطفال الرضع يعانون من سؤ التغذية .. ألأدوية موجودة ولكنها مفقودة!! هنالك أناساٌ من غير قلوب هم الذين لهم الكلمة ألأولى وألأخيرة!!!.................. من أي بلد أنت ياولدي؟؟ . أنت من بلد المياه ولكن شعبك عطشان الى قطرة ماء!! أنك من بلد البساتين والنخيل والحمضيات ولكن شعبك يعيشون في الصحارى الجرداء............. من أي بلد أنتم ياولدي؟؟. لا أرى غير العسكر....... البوليس والرشاشات والسيارات المسلحة والمدرعات المصفحة والطائرات الحربية وغيرها ... من أي بلد أنت يارجل!!؟؟. أنت من بلد فيها ثروات طبيعية من مختلف الثروات ولكن شعبك جائع وجائع وجائع ... هنالك تجار الموت يسرقون ثرواتكم أمام أنظار الجميع وشعبك لاحول ولاقوة .............. من أي بلد أنت ياولدي ؟؟. السجون والمعتقلات مملؤة ... أنتهاكات حقوق ألأنسان بالجملة ... هنالك أنتهاكات للحرم الجامعي والمساجد والكنائس وكافة ألأماكن المقدسة ................... من أي بلد أنت ياولدي؟؟؟. كنتم مخطئون حينما أزيل غم كبير وثقيل على صدوركم ، كنتم تعتقدون أن كل شىء سيكون على مايرام ، ولكن للأسف الشديد لم تجري الرياح كما أشتهيتم................. من أي بلد أنت ياولدي؟؟؟. الخوف والرعب منتشر في كل مدينة ، في كل منطقة ، في كل شارع وشارع فرعي ، وصولاٌ الى داخل المنازل وألأسرة الواحدة ............... من أي بلد أنت ياولدي؟؟. هنالك نقص في كل ألأمور ... كل شىء في بلدك غالي وغالي جداٌ .. الا البشر .. البشر عنكم أرخص من التراب ، ياترى ................ من أي بلد أنت ياولدي؟؟. أرى سحابة سوداء تغطي العاصمة وأرى حريقاٌ يحرق ألأخضر واليابس وهناك المئات من رجال ألأطفاء يتألمون للحالة ولكن ألأوامر تقول أنتظروا ولا تتدخلوا ......... من أي بلد أنت ياولدي؟؟. الموسيقى من المحرمات في بلدك ياولدي ، ولا أرى في فنجانك غير الملابس السوداء والمقابر والصراخ والعويل ياترى ......................... من أي بلد غريب أنت ياولدي؟؟. أرى آلآف البشر يتألمون من شدة المرض ولايوجد من يداويهم ... أرى طوابيراٌ من العلماء وألأساتذة يهربون من ذلك الجحيم خوفاٌ من أنتقام الغرباء!!. أرى وجوه صفراء ... أجسام هزيلة ، متعبة ومرهقة ومثقلة بالهموم ... أنهم أجساد بلا أرواح!!. أرى آلآلآف المترفة حتى التخمة ومن كافة النواحي لاهم لهم ولاغم وكأنهم في الفردوس ، وأرى أرقاماٌ فلكية لحساباتهم في البنوك العالمية ، وبالمقابل أرى أناساٌ يعيشون في فقر مدقع ... ماهذه المفارقات ياولدي؟؟!!. المرأة عندكم مقيدة ياولدي... يريدون بها العودة الى العصور الجاهلية والوسطى لابل الى العصر الحجري... لماذا ياولدي..؟؟. أرى أناساٌ ـ عديمي الضمائر والخلق ـ يتجارون بالسموم ويدخلون أطعمة فاسدة غير صالحة للأستهلاك البشري والناس الغلابة يتراكضون لشرائها بسبب رخص الثمن .... من أي بلد غريب أنت ياولدي؟؟. ألأخ يبيع أخيه ويخون جاره وصديقه وقريبه من أجل حفنة من الدولارات .......... من أي بلد أنت ياولدي؟؟. كنتم بلد العلم والعلماء ، حيث عشرات دور العلم والرعاية العلمية ، أما اليوم فأصبحتم في حالة مأساوية ، الصغار يتركون مقاعد الدراسة من أجل لقمة العيش حتى لو كانت ( لقمة حرام ) ................... من أي بلد أنت؟؟. الفوضى في كل مكان وفي كل زاوية .. أنتم تعيشون قانون الغابة ... القوي يسلط حكمه على الضعيف ومن دون أي رادع ولاخوف ولاتردد.................. من أي بلد أنت ياولدي؟؟. أمست تتحدث وتتحدث وكأنها أبنة ـ الشواكة ، كرادة مريم ، الرحمانية ، الكاظمية ، الشعلة ، ألأعظمية ، الكسرة ، باب المعظم ، الفضل ، باب الشيخ ، قهوة شكر ، ساحة الطيران ، البتاوين ، كمب سارة ، الشيخ عمر ، كراج ألأمانة ، بغداد الجدية ، المشتل ، ألأمين ، النعيرية ، ألأسكان ، المنصور ، الوشاش ، اليرموك ، المأمون ، العامرية ، الشرطة ، البياع ، الرسالة ، الدورة ، الميكانيك ، ألأثوريين ، السيدية .... نعم وكأنها بغدادية أباٌ عن جد ومن دون مناقشة ..!!. ظلت تتكلم وتتكلم ، وأنا واضعاٌ يدي على رأسي ومتكئاٌ على الطاولة والدموع تنهمر من عيناي ، !! ياترى ما العمل؟؟ ، هل أكذبها؟؟ ، أنها تتكلم وكأنها أبنة بغداد الجريحة !!. أنتهت ووضعت الفنجان جانباٌ والمفاجئة كانت هي ألأخري تبكي من كل قلبها... ياترى لماذا البكاء؟؟ ، وهل هنالك شيئاٌ غامضاٌ عن مستقبل بلدي الجريح وهي لم تخبرني؟؟؟ ، أم ماذا؟؟ ، وياترى هل هنالك مصائب أخرى عدى التي ذكرتها تلك الغجرية المحترمة ؟؟. لم أتجرأ أن أسألها .. ، نهضت ، أردت أن أعطيها شيئاٌ ، رفضت بقوة وقالت : ــ اللي فيكم يكفيكم ... الى اللقاء!!. ودعتني ، وأنا في حيرة من أمري ، منذ أشهر أتردد يومياٌ على تلك الكافتريا لعلني أراها ثانية وأتوسل بها لتخبرني عن ألأيام القادمة ............................ ولكنها أختفت !!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |