نقرة السلمان .. تـنـتحر!!!

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

ـ أية لعنة سماوية هذه التي أصيبت تلك البناية المشؤمة حتى باتت أسمها تقترن بالتعذيب والجوع والعطش والنفي والموت الجماعي لأهل العراق؟؟.

 ـ أية بناية تلك التي لاتسمح أن تحط عليها كل أنواع الطيور سوى (البومة) المشؤمة؟؟.

 ـ أية بناية تلك التي حفرت على جدرانها عشرات لابل مئات المذكرات بخط شباب وشيوخ مناضلون، دخلوها ولم يخرجوا منها الا على ألأكتاف ودفنوا في طيات رمال الصحراء الملتهبة؟؟.

  • ذكرى { قهرمان... يد الله... جعفر.. محمد ولي..} ورفاقهم من الشباب الكورد الفيلية !!.

  • ذكرى { آزاد... شيروان... خبات... سربست.. شيرزاد} ورفاقهم المؤنفلين من كوردستان!!.

  • ذكرى { وليم... ميخائيل... كوركيس... محيسن... مطشر... عبد الزهرة } ورفاقهم من الحزب الشيوعي العراقي !!!.

كئيبة أنت يانقرة السلمان، بكل معاني الكئابة من أسمك وموقعك وماضيك ألأسود وحاضرك وحتى مستقبلك!!.الى متى تبقين ـ معاندة ـ الزمن والناس وكل الناس؟؟.........الم يأتي الوقت المناسب لتدفني نفسك  في رمال الصحراء؟؟؟.

أفعليها يا (نقرة السلمان)... هيا كوني شجاعة.. وحينها سيسجل لك أحفاد الضحايا نقطة أيجابية ولربما سيعفون عنك لكونك لم يعد بأمكانك أن تتحملي كل تلك اللعنات وألأنتقادات وألأهانات من كل شرفاء وأحرار العالم!!.

أفعليها وحينها يزور الناس أطلالك ويقفون عليها ويلتقطون الصور التذكارية ويتبادلون التهاني ويقولون :

بالأمس القريب وفي هذا المكان كان أسؤ معتقل عرفه التأريخ.. ولكنها كانت شجاعة وأنتحرت!! وبذلك قد قدمت نفسك قرباناٌ لآلآف الضحايا ألأبرياء... عافرم... نقرة السلمان!!.

أفعليها يانقرة السلمان... أفعليها.. كوني شجاعة.. في بعض الحالات ألأنتحار خطوة شجاعة وجريئة.. أفعليها من يدري لربما يحذون حذوك المعتقلات ألأخريات....!! اليس كذلك يا....... نقرة السلمان؟؟؟.

 

*********************************************************** 

لا أعرف السبب بالضبط كلما سمعت أو قرأت عن معتقل (نقرة السلمان) أصيب بقشعريرة وآلآم في الرأس والمعدة!!! ياترى هل السبب لكوني (سجين سياسي)..؟؟ أم السبب كثرة الحكايات المؤلمة التي سمعتها وقرأتها عن تلك البناية التي أتخذت من قلب الصحراء مكاناٌ لها؟؟؟.

كتب الكثيرون عن (نقرة السلمان) ولكن تبقى كتابات المناضلون من الحزب الشيوعي العراقي خير وأصدق كتابات لحد آلآن !!.

كتب المناضل والمؤرخ وألأديب ألأستاذ ـ جاسم مطير ـ قائلاٌ :

في بداية كانون ثاني من عام / 1964 دخلت سجن ـ نقرة السلمان ـ. السجن السىء الصيت في بلاد العرب كلها، يعزل ساكنيها عزلاٌ تانماٌ عن العالم كله. لاشىء يمتد أمام أعين السجين غير السماء. لاشىء ينبسط ولاشىء ينطلق. مكان ينعدم فيه التأريخ فلا أحد يعرف الزمن الذي مضى ولا الزمن الذي يأتي. لا السجين يعرف متى ينتهي مصيره ولا السجان يعرف متى تنتهي وظيفته. بين شروق الشمس وغروبها أسئلة كثيرة ومشاكل كثيرة. بين غروب الشمس وشروقها ثانية تتشكل المأساة في كوابيس كل سجين.

الصحراء هي العالم الوحيد المحيط بجدران السجن والسجناء وحتى السجانين أيضاٌ هم سجناء بمعنى أخر، حركتهم أوسع، مكانهم أكبر لكن زمانهم له بعض وجود، مثلنا تماماٌ كلما مر يوم نزداد تعطشاٌ الى الحرية.

لايمكن لأي واحد أن يتجاوز على حاضره فهو مستبعد من أية قدرة. القضية الوحيدة العائشة في كل لحظة مع السجناء هي قضية الصراع مع ألألم / ولاشىء يبعد ألألم غير التأملات المتسلسلة المنبثقة عن أيمان السجين بأن القيد لابد أن تتحطم ذات يوم مهما طال الزمن.

أصطحبت الى هذا المكان أقلاماٌ وأوراقاٌ، فقد كنت قد قدرت قبل المجىء الى هنا تفاعل السجين في محيطه ومع وجوده القاسي يجب أن يدون. أنه طموح لازمني منذ أول لحظة صدر فيها أمر نقلي من مركز شرطة العشار الى سجن نقرة السلمان.

في هذا المكان لن يكون فيه تراث بدون قلم، بدون شحذ ذاكرتي بمغامراتي في الكتابة عن حباة الناس هنا.

كأني موكل لقلمي مهمة خاصة هي تدوين بعض المعانات تدويناٌ أميناٌ بواسطة رسائل موجهة من داخل السجن الى خارجه حاملة بالتشفير تارة وبالصريح من التعبير تارة أخرى ما الاحظه بعيني وما أسمعه بأذني من أحداث وأقوال ووقائع وأفكار وتقاليد وهموم وأخلاق وصراع وما يأتيني من ماضي الذكريات.

 

وعن نفس المعتقل كتب الشاعر الكبير سعدي يوسف :

 

 كان العام 1963
ومنذ أوائل ذلك العام، أي منذ مؤامرةِ الخَوَنة، ظللتُ أتنقل بين السجون العراقية، جنوباً حتى ملتقى شطّ العرب بالخليج، ووسطاً حتى بعقوبة، مروراً ببغداد في انتقالاتٍ عبثيةٍ بقطاراتِ حمولة، وسيارات سجونٍ ذواتِ قضبان، وحافلاتٍ مستأجرةٍ ؛ كأنّ الكونَ ليس غير سجونٍ وسجناءَ وشرطةٍ وضحايا (أنا بين الضحايا على أي حال).
في مرحلةٍ من المتاهة الكافكوية، بلغَ بي المقامُ نُقرةَ السلمان، وهي قلعةٌ في أقاصي بادية السماوة عند التخوم العراقية السعودية، بناها أبو حنَيك (الجنرال غلوب باشا في ما بعد) لأغراضٍ أوّلُها أن يصدّ مُغِيري الوهّابية (كان الواحدُ من جِمالهم يحمل مغِيرينِ اثنين) الذين ظلوا يحاولون أن يجعلوا العتباتِ المقدسةَ قبوراً دوارسَ (وهي خيرُ القبور في رأيهم)، لكن بين الأغراض الأخرى أن تكون القلعةُ منأى السجناء الخطرين... 
إذاً، صرت، بقدرة قادرٍ طبعا، سجيناً خطِراً. 
الوصولُ إلى نقرة السلمان ليس يسيرا، بل إنه لفرط صعوبته، صار حلماً أو كالحلم... أنت، حُكِمَ عليك، وجاها، بعد ضربٍ ومهانةٍ ومقاربةِ إعدامٍ عشوائيّ... وهكذا صرتَ تفكر بأنّ الأمور بلغتْ حدّاً معيّنا، نقطةَ تَوَقُّفٍ في الأقل، وبأنك سوف تتكيِّفُ لظروفٍ جديدة، قد تطول أو تقصر، لكنها مرحلةٌ محددةٌ على أي حال. 
كم أنت واهمٌ ! 
إن بينك وبين نقرة السلمان لَبرزخاً، وهي تتراءى لك الآنَ جنّةً في البُعد، جنةً للأمان والتقاطِ الأنفاس، والنومِ إلى آخر الدهر... أمّا البرزخُ فهو شرطة التسفيرات التي تتولّى نقلَ المحكوم عليهم، من أمثالك، إلى مآويهم المتناثرة على طول العراق وعرضه، وما العراقُ بالبلد الصغير... 
إذاً، ستكون في موقف السّراي اللصيق بسجن بغداد المركزي، أسطورةِ السجون ومجازرها. هناك تنتظر دورك في التسفير. 
زوايا الموقف احتلّها العُتاةُ من السجناء العاديين، وعليك أن تجد لك مُربّعاً تفرش عليه بطّانيتَك التي اعتدتَ حملها من مثوىً إلى آخر (كانت لي حَشِيّةٌ وثيرةٌ سمّاها المحكومون "فندق بغداد"، إكباراً لها، وسخرية، واضطررتُ إلى التخلي عنها لفرط ثقلها)، وأن تتدبّرَ مأكلَك، ومشربك، والشاي؛ وأن تجاملَ العُتاة اتِّقاءَ شرِّهم، إذ كانوا يُستخدمون لإيذاء السجناء السياسيين. 

الحياة، بإطلاق، على غير ما يُرام. 
ونقرة السلمان تتراءى في البُعد، حلماً!

 

 *************************************************** 

 لقد شهدت (نقرة السلمان) وعاشرت مناضلون من كتاب وشعراء ومحامون وصحفيون وفنانون وسياسيون كبار.. ولكن الذي لفت أنتباهي أحد السياسيون الكبار من

(يهود العراق) هو المفكر والكاتب والفنان والموسيقي (قوجمان) ومن ألأشياء الغريبة أنه أستطاع من صناعة الة (عود) في ذلك المكان وبأمكانيات معدومة واليكم القصة :

 حسقيل قوجمان، مفكر سياسي، عاش الحياة السياسية العراقية الحديثة منذ نشأتها بداية القرن المنصرم، ودخل السجون العراقية لأكثر من عشرة سنوات، عاصر كبار وأوائل السياسين العراقيين من مؤسسي الأحزاب والمنظمات، كتب العديد من المقالات السياسية وترجم الكثير من الدراسات والمقالات. له أكثر من كتاب سياسي، نذكر منها " ثورة 14 تموز في العراق وسياسة الحزب الشيوعي - نشر في المملكة المتحدة 1985 " وله أيضاً " ماركس وماديته الديالكتيكية - نشر في المملكة المتحدة 1981 " وكذلك " ستالين كما فهمته - نشر في المملكة المتحدة عام 2000 " وكان قبل ذلك قد أصدر قاموس عربي - عبري في ثلاث مجلدات.  وهو أيضاً باحث موسيقي عراقي تعد مؤلفاته من البحوث المهمة في تناول تاريخ الموسيقية العراقية ورجالاتها الذين تركوا بصماتهم الواضحة على مسيرة الأغنية والموسيقى العراقية.

التقاه أحد الصحفيون في العاصمة الدنماركية وسأله :

 

* ما هي قصة بناء أول عود في تاريخ السجون العراقية؟

- في سجن نقرة السلمان بنينا أول عود في تاريخ السجون العراقية. بنينا العود من مواد أولية مثل قطعة من الخشب المعاكس ومنخل وقطعة من عمود " كرك " الخباز وقبقاب. لم أكن من الخبراء في النجارة ولكن دوري اقتصر على تحديد المقاييس للاعضاء الذين قاموا بالعمل. ولم تكن لنا أوتار يمكن استخدامها للعزف فاستعملنا بعض الأسلاك النحاسية التي توفرت في السجن وفتلنا إثنين منها لجعلها اكثر سمكا. ولكني استطعت مع ذلك العزف بهذا العود البدائي في الحفلات مرافقة المغنين.  وفي سجن الكوت بنينا العود الثاني بنفس الطريقة السابقة وكان العود في هذه المرة احسن من العود الاول لاننا اكتسبنا خبرة من بناء العود الأول ولأن الظروف في سجن الكوت سمحت لنا بالحصول على اوتار  حقيقية. وكنت ايضا عازف العود في الحفلات ومدرس النشيد والاغاني السجنية. وللمرة الأولى في تاريخ السجون جرى تلحين حقيقي لنشيد جديد في السجن. فكل الأناشيد والاغاني السجنية كما جاء سابقا كانت كلمات ثورية يؤلفها بعض السجناء من الشعراء ويغنونها على لحن إحدى الأغاني عراقية المعروفة كأغاني الأنصار. وفي منتصف سنة 1953 كان موعد مهرجان الشبيبة في برلين فقررنا أن نحتفل في نفس اليوم. وكان بيننا محام من البصرة ينظم الشعر فنظم نشيدا بالمناسبة وقمت أنا بتلحينه. ولكننا لم نستطع الاحتفال بالمهرجان لان الهجوم الذي انتهى بمجزرة في سجن الكوت بدأ قبل تأريخ المهرجان. وعندما أعادونا إلى سجن نقرة السلمان ثانية، حين نقلونا من سجن الكوت، بنينا العود الثالث في تأريخ السجون، وكان أنجح من سابقيه كثيراً إذ كان أقرب الأعواد الثلاثة التي بنيناها الى العود الحقيقي، لا من حيث الشكل، إنما من حيث الصوت وإمكانية العزف. وكنت انا عازف العود فرافقت المغنين الشعبيين الذين كانوا يجيدون الغناء الريفي وفي مقدمتهم الشاعر زاهد محمد والسجين كاظم فرهود. كانا هذان السجينان يجيدان غناء الابوذية بشتى انغامها وأطوارها، وكنت ارافقهم اثناء غنائهم في الحفلات. وكان الأكراد يحبون رقصتهم المفضلة " سي بيي " وكنت اعزف لهم لمرافقتهم في هذه الرقصة التي كان يشترك فيها بعض العرب أيضا. وكان قسم من السجناء من جنوب العراق يحبون رقصة الدبجة فكنت ارافقهم في ذلك ولكن ذلك كان يحصل ايام العيد في الساحة الكبيرة للسجن وليس اثناء الحفلات الليلية.

 

 ******************************************************** 

 بعد قرائتي لكتابات هذين الكاتبين الكبيرين.. وتلك المقابلة الفريدة غيرت رايي بمقدار 180 درجة..ولذلك أقول :

يانقرة السلمان... أرجوكي...لاتنتحري.. أبقي كما أنت.. ولكن أطلب من الحكومة العراقية أن تحولك الى (متحف) مع أبقاء كل شىء كما هو:

مذكرات المعتقلين.. وأشعارهم وهمومهم وآمالهم وشوقهم وعشقهم وعطشهم وجوعهم وتحدياتهم للجلادين والسجانين!!!.

نعم لتبقى نقرة السلمان  أكبر شاهد  على صمود الوطنيون ألأحرار الذين قضوا زهرة شبابهم في دهاليزها  وخطوا بدمائهم الزكية :

 كوردستان يانه مان.... وطن حر وشعب سعيد... لبيك ياعراق.. نموت ويحيا الوطن.. أذا الشعب يوماٌ أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر...!.

أتمنى أن تتحقق أمنيتي أزورها.. ولكن بدلاٌ من السلام والتحية لابد أن ألعنها الف لعنة... هكذا يشفى غليلي وأظن ذلك من حقي لكوني قد فعلتها من قبل مع معتقل المخابرات...  (الحاكمية) و معتقل أبو غريب السىء الصيت !!!.

 

ـــــــــــــــــــــــ

* سجين سياسي سابق .. مقالاته مملؤة بالأخطاء النحوية!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com